هل نسيانك اليومي طبيعي أم بداية مرض؟ دليل البروفيسور برونو دوبوا للتفريق بين النسيان المرتبط بالعمر ومرض الزهايمر

بسيم الأمجاري

يعاني كثير من الأشخاص، خاصة بعد تجاوز سن الستين، من مشاكل في الذاكرة والنسيان العرضي. قد ينسى أحدهم أين وضع نظارته، أو يتوقف لوهلة محاولًا تذكر اسم شخص أو مكان ما. ومع انتشار الأخبار والمخاوف حول مرض الزهايمر، يجد الكثيرون أنفسهم يتساءلون: هل هذه العلامات مؤشر مبكر على مرض خطير؟ أم أنها مجرد مظاهر طبيعية مرتبطة بتقدم العمر؟

في هذا المقال، الذي يستند إلى أبحاث وخبرة البروفيسور برونو دوبوا، مدير معهد الذاكرة ومرض الزهايمر (IMMA) في مستشفى لا بيتييه-سالبيتريير بباريس، سنلقي الضوء على مفهوم الأنوزوجنوسيا (Anosognosie)، كما سنفصل بين النسيان الطبيعي ومرض الزهايمر، وسنقدم نصائح عملية للحفاظ على صحة الدماغ وطمأنة النفس.

ما هي الأنوزوجنوسيا؟

الأنوزوجنوسيا مصطلح طبي يعود أصله إلى اللغة اليونانية القديمة، ويعني “عدم إدراك المرض”. يشير هذا المصطلح إلى حالة يكون فيها الشخص غير واعٍ بإصابته باضطراب ما، سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو معرفيًا.

في سياق أمراض الذاكرة، وبالخصوص مرض الزهايمر، تعني الأنوزوجنوسيا أن المصاب لا يدرك تدهور قدراته المعرفية. فالذين يعانون من المراحل المتقدمة للمرض غالبًا ما ينكرون أو يجهلون وجود مشكلات في ذاكرتهم، على عكس الأشخاص الذين يدركون أن ذاكرتهم أصبحت أضعف.

ما يوضحه البروفيسور برونو دوبوا: هو أن”الشخص الذي يشتكي من ضعف الذاكرة، ويشعر بالقلق حيال ذلك، غالبًا لا يعاني من مرض الزهايمر. بل العكس، هذه الشكوى مؤشر على وعي إدراكي جيد بالذات، وهو ما يتعارض مع الأنوزوجنوسيا، حيث يختفي هذا الوعي الذاتي.”

الفرق بين النسيان الطبيعي والزهايمر

مع التقدم في العمر، يصبح النسيان جزءًا من التجربة اليومية الطبيعية. فالمخ، الذي يتعامل مع كميات هائلة من المعلومات، يحتاج إلى وقت أطول لمعالجتها أو استرجاعها، لكنه لا يفقدها.

أمثلة على النسيان الطبيعي المرتبط بالعمر:

1. نسيان أسماء الأصدقاء أو المعارف، ثم تذكرها بعد فترة قصيرة.

2. وضع الأغراض في غير أماكنها، مثل المفاتيح أو النظارات، ثم العثور عليها لاحقًا.

3. الدخول إلى غرفة معينة ونسيان سبب الدخول، ثم تذكر السبب بعد لحظة تفكير.

4. التوقف للحظات لتذكر اسم فيلم أو ممثل شهير، ثم تذكره لاحقًا.

أعراض مقلقة قد تشير إلى مرض الزهايمر:

• تكرار نفس الأسئلة خلال فترة قصيرة.

• نسيان مواعيد أو أحداث مهمة، وعدم تذكرها على الإطلاق.

• الضياع في أماكن مألوفة، رغم معرفة الشخص المسبقة بها.

• صعوبة في تنفيذ مهام حياتية بسيطة، كانت سهلة في السابق.

• فقدان الإحساس بالزمن أو المكان، أو الارتباك بشأن التواريخ.

كيف يعمل الدماغ مع تقدم العمر؟

يشرح البروفيسور برونو دوبوا الأمر قائلًا:

“المعلومات لا تضيع من الدماغ، لكنها تصبح أصعب في الوصول إليها. المشكلة ليست في الذاكرة ذاتها، بل في عمليات استدعاء هذه المعلومات”.

يشبّه دوبوا الدماغ بجهاز كمبيوتر قديم:

• المعلومات مخزنة في القرص الصلب، لكنها تتطلب وقتًا أطول للوصول إليها بسبب ضعف المعالج.

• هذه التغيرات طبيعية، ولا تعني بالضرورة بداية مرض تنكسي مثل الزهايمر.

اختبارات برونو دوبوا البسيطة لقياس الانتباه وصحة الدماغ

اقترح البروفيسور دوبوا عددًا من الاختبارات البسيطة التي يمكن أن تمنح الشخص مؤشرات أولية عن وظائف الدماغ والتركيز. ورغم أنها لا تغني عن التشخيص الطبي المتخصص، إلا أنها وسيلة مريحة للاطمئنان الذاتي.

الاختبار الأول: إيجاد الحرف C وسط بحر من الحروف O

ooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo ooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo oooooooooooooooooooooooooooooooocoooooooooooooooooooooooooooo ooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo

الاختبار الثاني: إيجاد الرقم 6

ابحث الآن عن 6 وسط الأرقام 9

99999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999 99999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999

99999999699999999999999999999999999999999999999999999999999999999 99999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999999

اختبار الثالث: إيجاد الحرف N

ابحث الآن عن الحرف N وسط الحروف M

MMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMM MMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMM MMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMM MMMMNMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMMM

إذا نجحت في العثور عليها بسهولة، فهذا مؤشر إيجابي على أن تركيزك جيد، ووظائف دماغك في وضع صحي.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة: moustajadat.com

نصائح ذهبية للحفاظ على صحة الذاكرة بعد الستين

1. ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: المشي، السباحة، وركوب الدراجات تحفز الدورة الدموية، مما يغذي الدماغ بالأوكسجين ويحسن من وظائفه.

2. اتباع نظام غذائي متوازن: الأطعمة الغنية بالأوميغا 3، كالأسماك الدهنية (السلمون، السردين)، إلى جانب المكسرات والخضراوات الورقية، تدعم صحة الدماغ.

3. الانخراط في تفاعلات اجتماعية منتظمة: اللقاء بالأصدقاء، المشاركة في أنشطة تطوعية أو جماعية، يحفز الذاكرة ويقلل من الشعور بالعزلة، مما ينعكس إيجابًا على القدرات المعرفية.

4. تعلم مهارات جديدة بانتظام: سواء تعلم لغة أجنبية، أو العزف على آلة موسيقية، أو حتى حل الكلمات المتقاطعة، فإن تحفيز الدماغ بأشياء جديدة يخلق روابط عصبية جديدة.

5. النوم العميق والمتواصل: الحصول على 7 إلى 8 ساعات نوم جيد ليلاً يساعد الدماغ على تثبيت الذكريات وتجديد النشاط العصبي.

6. إدارة التوتر والضغوط النفسية: تقنيات مثل التأمل، التنفس العميق، اليوغا، أو حتى المشي في الطبيعة، تساهم في خفض مستويات هرمون الكورتيزول الضار بالدماغ.

7. التحقق من الصحة العامة: السيطرة على الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم ضرورية؛ إذ يمكن أن تؤثر هذه الأمراض على تدفق الدم إلى الدماغ.

متى يجب زيارة الطبيب؟

لا بد من استشارة مختص في الذاكرة إذا ظهرت الأعراض التالية:

• فقدان متكرر للذاكرة القصيرة دون وعي بذلك.

• تراجع القدرة على أداء المهام اليومية المعتادة.

• تغيرات في الشخصية أو السلوك مثل العدوانية أو اللامبالاة.

• صعوبة في التواصل أو استخدام الكلمات بشكل غير مألوف.

هل يوجد ما يسمى بـ “الزهايمر المبكر”؟

هناك نوع من مرض الزهايمر يُعرف باسم الزهايمر المبكر أو الزهايمر ذو البداية المبكرة (Early-Onset Alzheimer’s Disease). هذا النوع يصيب الأشخاص عادةً في سن أقل من 65 عامًا، وقد تبدأ أعراضه أحيانًا في الأربعينات أو الخمسينات من العمر، وهو أقل شيوعًا بكثير من النوع التقليدي المرتبط بالشيخوخة.

الزهايمر المبكر يمكن أن يكون مرتبطًا بعوامل وراثية، خاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي قوي للإصابة بالمرض. وفي بعض الحالات، تكون هناك طفرات جينية محددة معروفة بزيادة خطر الإصابة بهذا الشكل المبكر من المرض، مثل الطفرات في جينات APP، وPSEN1، وPSEN2.

ما الذي يميز الزهايمر المبكر عن النسيان الطبيعي أو الشيخوخة؟

الفرق الجوهري بين النسيان الطبيعي المرتبط بالعمر والزهايمر المبكر هو طبيعة الأعراض ومدى تأثيرها على الحياة اليومية. مرض الزهايمر المبكر لا يتمثل فقط في نسيان الأسماء أو مواعيد بسيطة، بل يتطور إلى:

• صعوبة في التخطيط وحل المشكلات البسيطة.

• ارتباك متكرر في المكان والزمان، حتى في بيئات مألوفة.

• مشاكل في تحديد الكلمات المناسبة أثناء الحديث أو الكتابة.

• ضعف القدرة على الحكم واتخاذ القرارات.

• تغيرات واضحة في المزاج أو الشخصية، مثل القلق أو الاكتئاب أو اللامبالاة.

هل يمكن الوقاية أو الكشف المبكر عنه؟

لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من مرض الزهايمر المبكر، لكن الحفاظ على نمط حياة صحي، كما أشرنا سابقًا، قد يساعد في تقليل المخاطر. كما أن التشخيص المبكر، من خلال الفحوصات العصبية والتقييمات النفسية والتصوير الدماغي، يمكن أن يكون مفتاحًا للبدء في العلاجات الداعمة أو الانضمام إلى برامج البحث السريرية.

معلومات إضافية: التكنولوجيا في خدمة الذاكرة

في السنوات الأخيرة، ظهرت تطبيقات رقمية مخصصة لتقوية الذاكرة والتركيز، مثل تطبيقات الألعاب الذهنية وبرامج تدريب الدماغ (Brain Training Apps). يمكن أن تساهم هذه الأدوات الرقمية في الحفاظ على اللياقة الذهنية عند استخدامها بانتظام.

الخلاصة

النسيان العرضي بعد سن الستين هو جزء طبيعي من رحلة الحياة. والأهم من ذلك أن إدراكك لهذه التغيرات هو علامة على صحة وظائف الدماغ، كما يؤكد البروفيسور برونو دوبوا: “كلما زادت شكواك من ضعف الذاكرة، قلّ احتمال إصابتك بمرض الزهايمر”.

لذلك، حافظ على نمط حياة صحي، شارك أصدقاءك وعائلتك هذه المعرفة، وكن مطمئنًا إلى أن وعيك بذاتك هو خط دفاع قوي ضد الخرف.

إذا كنت أو أي شخص تعرفه في منتصف العمر يعاني من مشاكل واضحة ومتزايدة في الذاكرة أو الوظائف الإدراكية، فمن الأفضل استشارة طبيب مختص في أمراض الأعصاب أو الذاكرة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا. الكشف المبكر يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في إدارة المرض وجودة الحياة.


شارك هذا المقال مع أحبائك فوق سن الستين، فقد يكون سببًا في تخفيف مخاوفهم، وتحفيزهم على رعاية صحة أدمغتهم من خلال ممارسة الأنشطة الذهنية والجسدية المفيدة.


شاهد أيضاً

الجريمة في مجتمعاتنا: من تفكك القيم إلى الحاجة لرؤية شاملة – الأسباب، المظاهر، والحلول الممكنة (الجزء الأول)

بقلم بسيم الأمجاري كالعديد من المجتمعات، تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من الجرائم …

من ابن مهاجرة فقيرة إلى رئيس لأكبر دولة في العالم: حكاية ترامب من الجذور إلى القمة

الجزء الثاني من المقال بقلم بسيم الأمجاري في زمن تتعدد فيه قصص النجاح وتختلف فيها …

من ابن مهاجرة فقيرة إلى رئيس لأكبر دولة في العالم: حكاية ترامب من الجذور إلى القمة

بقلم بسيم الأمجاري في زمن تتعدد فيه قصص النجاح وتختلف فيها مسارات الأثرياء، تظل سيرة …

الوجه الآخر للتنمية: الجريمة كمؤشر اجتماعي مقلق في المغرب

بسيم الأمجاري يشهد المغرب في السنوات الأخيرة طفرة تنموية لافتة للانتباه في مختلف القطاعات. فقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *