
بسيم المجاري
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل يومنا من لحظة الاستيقاظ حتى لحظة النوم، أصبح الجلوس الطويل، وقلة الحركة، واقعًا يوميًا للكثيرين. يترافق هذا الواقع مع ازدياد في معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم، السمنة، والاكتئاب. في خضم هذه التحديات الصحية، يبرز المشي كخيار بسيط، مجاني، ويمكن ممارسته في أي مكان، لكن فعاليته تفوق التوقعات. فهو ليس مجرد وسيلة لتحريك الجسم، بل أسلوب حياة متكامل يعيد التوازن للصحة الجسدية والنفسية.
المشي: أكثر من مجرد رياضة
قد يظن البعض أن المشي نشاط بدني خفيف لا يعوَّل عليه كثيرًا، لكنه في الواقع أحد أكثر الأنشطة فاعلية على المدى الطويل. فالمشي المنتظم لا يستهلك طاقة جسدية كبيرة، لكنه يحفّز أعضاء الجسم الداخلية، وينشّط الدورة الدموية، ويعزز من وظائف القلب، دون التسبب في الإجهاد أو إصابات رياضية معقدة. كما أنه يلائم مختلف الأعمار، من الأطفال حتى كبار السن.
الوقاية من مرض السكري من النوع الثاني
من أبرز فوائد المشي هو دوره الكبير في الوقاية من مرض السكري، خاصة النوع الثاني. عندما تمشي، تزداد حساسية خلايا الجسم للأنسولين، ما يعني قدرة أفضل على امتصاص الجلوكوز من الدم. وهذا يساهم في خفض مستويات السكر وتحسين التحكم بها على المدى الطويل. لذلك، يعتبر المشي وسيلة غير دوائية فعالة للمساعدة في إدارة مرض السكري ومنع ظهوره عند الأشخاص المعرضين له.
التوصية: المشي لمدة 30 دقيقة يومياً، 5 مرات في الأسبوع.
محاربة السمنة والتحكم في الوزن
السمنة ليست فقط مسألة مظهر، بل ترتبط بشكل مباشر بعدة أمراض خطيرة. المشي يساعد في حرق السعرات الحرارية، وتحفيز عملية التمثيل الغذائي، مما يساهم في فقدان الوزن أو الحفاظ عليه. كما أن ممارسة المشي بانتظام تقلل من التوتر، وبالتالي تقلل من “الأكل العاطفي”، وهو أحد أسباب اكتساب الوزن لدى كثيرين.
التوصية: 45-60 دقيقة يومياً، ويمكن تقسيمها على فترات قصيرة خلال اليوم.
التخفيف من القلق والاكتئاب
أظهرت الدراسات أن المشي يساعد في تحسين الحالة المزاجية، من خلال زيادة إنتاج هرمونات السعادة مثل الإندورفين والسيروتونين. حتى المشي في أماكن طبيعية مثل الحدائق أو الشواطئ يساهم في تهدئة الأعصاب وتحسين الصحة النفسية. وهو شكل من أشكال العلاج النفسي غير المكلف، لكنه فعال جداً.
التوصية: 30 دقيقة، من 4 إلى 5 أيام أسبوعياً، ويفضَّل أن يكون في أماكن مفتوحة وطبيعية.
خفض ضغط الدم وتعزيز صحة القلب
ارتفاع ضغط الدم هو “القاتل الصامت”، وغالباً لا تظهر له أعراض واضحة إلا بعد أن يسبب أضراراً في القلب أو الدماغ. المشي يساعد في توسيع الأوعية الدموية، ما يحسن من تدفق الدم، ويقلل من الجهد الذي يبذله القلب لضخ الدم. النتيجة هي انخفاض تدريجي في ضغط الدم وتقوية عضلة القلب.
التوصية: 30 دقيقة يومياً، 5 مرات في الأسبوع.
الوقاية من خشونة المفاصل وآلام الركب
كثير من الناس يعتقدون أن الحركة قد تضر بالمفاصل، لكن العكس هو الصحيح. المشي يساعد في الحفاظ على مرونة المفاصل، ويقلل من التيبّس، خصوصًا في الركبة والورك. ومع انتظام المشي، تقوى العضلات المحيطة بالمفاصل، مما يوفر لها دعمًا إضافيًا.
التوصية: 20-30 دقيقة يومياً، مع تجنّب المشي على الأسطح القاسية.
تحسين أعراض القولون العصبي
المشي لا ينعكس فقط على الصحة الجسدية الظاهرة، بل يؤثر أيضًا على الجهاز الهضمي. فهو يساهم في تحفيز حركة الأمعاء، وتقليل الانتفاخ والتقلصات التي يعاني منها مرضى القولون العصبي. كما يقلل من تأثير التوتر النفسي الذي يُعد عاملاً أساسياً في تفاقم أعراض القولون.
التوصية: 30 دقيقة يومياً، وخصوصًا بعد الوجبات.
صحة الجلد والتقليل من مشاكل مثل الصدفية
الحركة المنتظمة، وخصوصًا المشي في الهواء الطلق، تحسن من الدورة الدموية الواصلة إلى الجلد. وهذا يعني تغذية أفضل لخلايا البشرة، وتجديدها بشكل أكثر فاعلية. كما أن تقليل التوتر الناتج عن المشي يؤثر إيجابًا على بعض الأمراض الجلدية المزمنة مثل الصدفية.
التوصية: 30-45 دقيقة صباحاً أو في فترة ما بعد العصر.
تقليل الكوليسترول الضار
الكوليسترول الضار (LDL) هو أحد العوامل المسببة لتصلب الشرايين وأمراض القلب. المشي بانتظام يساعد في خفض هذا النوع من الكوليسترول، ويزيد من النوع الجيد (HDL)، مما يحسّن من توازن الدهون في الدم، ويقلل من خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
التوصية: 40 دقيقة بوتيرة معتدلة إلى سريعة.
تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية
المشي اليومي له تأثير شامل على صحة القلب، من خلال خفض ضغط الدم، تقليل الكوليسترول، ومكافحة السمنة. كما أنه يساعد القلب على العمل بكفاءة أكبر، ويقلل من احتمال انسداد الشرايين.
التوصية: 30 دقيقة يومياً، 5 أيام في الأسبوع.
الوقاية من السرطان
تشير الدراسات إلى أن ممارسة المشي المنتظم يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان مثل سرطان القولون وسرطان الثدي بنسبة تصل إلى 30%. ويُعزى ذلك إلى تحسين المناعة، وتنظيم الهرمونات، وتقليل التوتر والالتهابات في الجسم.
التوصية: 150 دقيقة في الأسبوع، موزعة على 5 أيام.
كم يجب أن نمشي؟ ومتى؟
إذا كنت تبدأ من الصفر، فإن 30 دقيقة يومياً تعتبر بداية ممتازة. ولمن يرغب في الوقاية من الأمراض بشكل فعّال، فإن 45-60 دقيقة يومياً تعد مثالية. أفضل وقت للمشي هو الصباح الباكر حيث يكون الهواء نقياً، أو بعد الغروب لتجنّب حرارة الشمس.
نصائح لمشي صحي:
- ارتدِ حذاءً رياضياً مريحاً.
- اشرب كمية كافية من الماء قبل وبعد المشي.
- قم بالإحماء قبل البدء لتجنّب التشنجات العضلية.
- لا تمشِ بعد تناول وجبة ثقيلة مباشرة.
المشي لكبار السن وأصحاب الحالات الصحية: خطوات آمنة نحو حياة أفضل
المشي من التمارين القليلة التي يمكن أن يمارسها كبار السن بانتظام، حتى لو كانوا يعانون من مشاكل صحية مثل التهاب المفاصل، أو أمراض القلب، أو هشاشة العظام. فهو لا يتطلب لياقة عالية أو معدات معقدة، ويمكن ممارسته بسهولة في الحدائق أو حتى داخل المنزل.
فوائد المشي لكبار السن:
- تحسين التوازن والوقاية من السقوط.
- تقوية عضلات الساقين والوركين.
- تحسين الدورة الدموية ومنع الجلطات.
- رفع الحالة المعنوية، وتقليل العزلة والاكتئاب.
- تنظيم ضغط الدم وتحسين مستويات السكر.
نصائح للمشي الآمن عند كبار السن:
- البدء ببطء وزيادة الوقت تدريجياً.
- استخدام عصا أو مشاية عند الحاجة.
- اختيار أماكن مستوية وآمنة.
- تجنّب المشي في الأجواء الحارة أو الباردة جداً.
- ارتداء أحذية مريحة وغير قابلة للانزلاق.
- التوقف فوراً عند الشعور بالدوار أو ضيق النفس.
المدة المناسبة: 20-30 دقيقة يومياً، ويمكن تقسيمها على فترتين أو ثلاث خلال اليوم.
كلمة أخيرة
في عالمٍ أصبح فيه الجلوس هو السلوك اليومي السائد، وقد تكون الرياضة رفاهية للبعض، يأتي المشي كفرصة متاحة للجميع، دون تكلفة أو معدات. المشي لا يعالج فقط، بل يقي من أمراض مزمنة قد تغيّر حياتك للأبد. خذ الخطوة الأولى اليوم، فربما تكون بداية لحياة أطول وأكثر صحة.
اجعل من المشي عادة، لا مجرد هواية. فكل خطوة قد تكون وقاية، وكل دقيقة تمضيها في الحركة هي استثمار في صحتك.
للاطلاع على مزيد من المقالات، انقر على رابط المدونة https://moustajadat.com