
بسيم الأمجاري
في خضم السعي اليومي لحياة أكثر صحة ونشاطًا، يواجه الكثيرون سؤالًا محوريًا: ماذا يجب أن نأكل في أول وجبة من اليوم؟ على مر السنين، سيطرت صورة الإفطار التقليدي المحمّل بالكربوهيدرات والسكريات على العادات الغذائية في كثير من الثقافات: خبز أبيض، مربى، عصائر محلاة، حبوب إفطار مصنعة… لكن مؤخرًا، بدأ بعض الأطباء وخبراء التغذية في دق ناقوس الخطر حول هذا النمط، مشددين على أن بدء اليوم بجرعة من البروتينات قد يكون الخيار الأمثل لصحة الجسم والعقل.
فما صحة هذه الفرضية من منظور طبي وعلمي؟ هل السكريات صباحًا مضرة فعلًا؟ ولماذا يُنصح بالبروتين في بداية اليوم؟
في هذا المقال، نغوص في أعماق علم التغذية لنكشف الحقيقة الكاملة، مدعومة بالدراسات والمراجع الطبية.
أولاً: ما هي السكريات، وما الفرق بينها وبين الكربوهيدرات؟
قبل الخوض في التفاصيل، من المهم توضيح الفرق بين المصطلحين:
- الكربوهيدرات هي إحدى المجموعات الغذائية الرئيسية، وتنقسم إلى: سكريات، نشويات، وألياف.
- السكريات تمثل الشكل البسيط من الكربوهيدرات، وهي إما سكريات طبيعية موجودة في الفواكه والحليب (مثل الفركتوز واللاكتوز)، أو سكريات مضافة (مثل السكروز، الجلوكوز، شراب الذرة عالي الفركتوز).
في هذا المقال، عندما نتحدث عن “السكريات”، فإننا نشير أساسًا إلى السكريات البسيطة والمضافة التي غالبًا ما تكون موجودة في الأطعمة الصناعية والمشروبات المحلاة.
ثانياً: ماذا يحدث في الجسم عند تناول السكريات صباحًا؟
عند تناول وجبة غنية بالسكريات في بداية اليوم، تحدث سلسلة من التفاعلات داخل الجسم:
- ارتفاع سريع في مستوى السكر في الدم (الجلوكوز)، وهو ما يؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الإنسولين.
- هبوط سريع بعد الارتفاع، وهو ما يعرف بـ”تحطم الطاقة”، حيث يشعر الشخص بالخمول والجوع بعد فترة قصيرة.
- تحفيز الشهية بشكل مبالغ فيه، مما قد يؤدي إلى تناول وجبات أكبر أو تناول وجبات خفيفة غير صحية على مدار اليوم.
- زيادة احتمالية مقاومة الإنسولين على المدى الطويل، وهو عامل خطر رئيسي للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
ثالثاً: لماذا يوصي الأطباء بالإفطار الغني بالبروتينات؟
البروتينات، عند تناولها في الصباح، تقدم فوائد غذائية متعددة:
1. تعزيز الإحساس بالشبع:
تُظهر الدراسات أن البروتين يزيد من إنتاج هرمونات الشبع مثل الببتيد YY وGLP-1، مما يؤدي إلى تقليل الجوع لفترة أطول مقارنة بالسكريات.
2. تنظيم مستويات السكر في الدم:
على عكس السكريات، لا يؤدي البروتين إلى طفرات سريعة في الجلوكوز، مما يساهم في استقرار الطاقة العقلية والبدنية.
3. دعم عملية التمثيل الغذائي:
أظهرت أبحاث أن تناول البروتين في الصباح يمكن أن يعزز معدل الأيض، مما يساعد في حرق السعرات الحرارية على مدار اليوم.
4. دعم الوظائف الإدراكية:
البروتين يحتوي على الأحماض الأمينية الضرورية لإنتاج النواقل العصبية (مثل السيروتونين والدوبامين)، والتي تؤثر مباشرة على المزاج والتركيز واليقظة.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com
رابعاً: ماذا تقول الأبحاث العلمية؟
عدة دراسات دعمت هذه الفكرة:
- دراسة نُشرت في مجلة Obesity عام 2013 وجدت أن المراهقين الذين تناولوا وجبة فطور غنية بالبروتين (35 غرامًا) أظهروا انخفاضًا في الشعور بالجوع خلال اليوم، وتحسنًا في التحكم في الشهية، مقارنة بمن تناولوا فطورًا غنيًا بالكربوهيدرات أو من تخطوا الفطور.
- دراسة من جامعة ميسوري (Missouri University) أكدت أن تناول البروتين في الصباح يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية لاحقًا.
- تحليل تلوي نُشر في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية (AJCN) أظهر أن الوجبات الغنية بالبروتين تحسن التحكم في الوزن وتساعد في الوقاية من السمنة.
خامساً: من الفئات الأكثر تضررًا من تناول السكريات صباحًا؟
1. مرضى السكري أو ما قبل السكري:
لدى هؤلاء الأفراد حساسية أعلى تجاه تقلبات الجلوكوز، ما يجعل السكريات الصباحية خيارًا سيئًا، ويزيد من العبء على البنكرياس.
2. الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المزاج أو القلق:
التقلبات السريعة في مستويات السكر قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض النفسية أو تؤثر على الاستقرار المزاجي.
3. الأطفال والطلاب:
وجبة الإفطار الغنية بالسكريات قد تؤدي إلى انخفاض التركيز والتحصيل الدراسي في الحصص الأولى من اليوم الدراسي.
سادساً: ماذا عن الفواكه والعسل؟ هل يجب تجنبها صباحًا؟
ليس بالضرورة. السكريات الطبيعية الموجودة في الفواكه أو العسل لا تتساوى مع السكريات المضافة المصنعة. لكن الاعتدال ضروري.
التوصية:
- يمكن تناول حصة من الفاكهة مع وجبة تحتوي على بروتين (مثل البيض أو الزبادي اليوناني أو المكسرات).
- الجمع بين الألياف والبروتين يقلل من التأثير السريع للسكريات الطبيعية على الجلوكوز.
سابعاً: أمثلة على فطور صحي غني بالبروتين
اختيار إفطار غني بالبروتين لا يعني بالضرورة التعقيد أو الملل، بل يمكن تحضيره بسهولة وبنكهات متنوعة تناسب جميع الأذواق. إليك بعض الأفكار العملية:
- البيض بمختلف أشكاله: سواء مسلوقًا، مخفوقًا، أو مقليًا بزيت الزيتون، البيض يعتبر من أغنى مصادر البروتين الطبيعي. يمكن تقديمه مع شرائح من الخبز الكامل وبعض الخضار كالسبانخ أو الطماطم.
- الزبادي اليوناني: يحتوي على ضعف كمية البروتين مقارنة بالزبادي العادي، ويمكن مزجه مع حفنة من المكسرات، بذور الشيا، أو شرائح الفاكهة الطازجة.
- شطيرة التونة أو الدجاج المشوي: في خبز القمح الكامل مع خضروات طازجة، وهي مثالية لمن يفضلون فطورًا غنيًا ومشبعًا.
- الجبن القريش أو جبن قليل الدسم: يقدم مع شرائح الخيار أو الزيتون وقطعة خبز من الشعير أو الشوفان.
- عصير سموثي بالبروتين: مكون من مسحوق بروتين نباتي أو حيواني، مع حليب اللوز أو الصويا، موزة، وملعقة زبدة فول سوداني.
- العدس أو الحمص المسلوق: وجبة نباتية مشبعة وغنية بالبروتين، ويمكن تناولها مع قطرات من زيت الزيتون والكمون.
- توست بالأفوكادو مع بيض مسلوق: مزيج مثالي من البروتينات والدهون الصحية، يعزز الشعور بالشبع والطاقة.
ثامناً: ماذا عن الصيام المتقطع والإفطار؟
في حالات الصيام المتقطع، يصبح اختيار الوجبة الأولى أكثر أهمية. العديد من الخبراء ينصحون ببدء “نافذة الأكل” بوجبة متوازنة تحتوي على بروتينات ودهون صحية، لتفادي ارتفاع الجلوكوز الحاد الذي قد يعكر فوائد الصيام.
تاسعاً: كيف تؤثر خيارات الإفطار على المزاج والطاقة؟
تناول البروتين في الإفطار يساهم في:
- تحسين المزاج عبر دعم السيروتونين.
- تحسين الأداء الذهني من خلال استقرار السكر في الدم.
- زيادة الحيوية والنشاط بفضل التمثيل الغذائي المعزز.
في المقابل، الإفطار السكري يسبب ما يُعرف بـ”تحطم الطاقة” أو crash، ما يجعل الكثيرين يعتمدون على الكافيين أو الوجبات الخفيفة لإنقاذ أنفسهم لاحقًا خلال اليوم.
عاشراً: توصيات ختامية من خبراء التغذية
- ابدأ يومك بالبروتينات وليس السكريات.
- قلل من السكريات المضافة، لا سيما في أول الوجبة.
- اختر مزيجًا متوازنًا من البروتينات، الألياف، والدهون الصحية.
- راقب تأثير وجبتك الأولى على طاقتك ومزاجك خلال اليوم.
خاتمة
الإفطار ليس مجرد طقس صباحي، بل هو قرار غذائي يؤثر على صحتنا الجسدية والعقلية لبقية اليوم. وبينما قد تكون الحلويات المغرية أو حبوب الإفطار السكرية لذيذة، إلا أن العلم واضح: بدء اليوم بالبروتين هو الخيار الأذكى لصحة أفضل وتركيز أقوى. فلتجعل من إفطارك وقودًا حقيقيًا ليومك، لا عبئًا غذائيًا يدفعك للتعب والتهام المزيد من السكريات.