ترامب في مواجهة إيران: هل هي حرب قادمة أم صفقة اللحظة الأخيرة؟

بسيم الأمجاري

في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، أعلنت إيران عن كشفها لمجموعة جديدة من “مدن الصواريخ” السرية تحت الأرض، مشيرة إلى أنه إذا بدأت في الكشف عن مدينة صاروخية كل أسبوع، فلن تنتهي خلال عامين نظرًا لعددها الكبير. يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه المنطقة تعزيزات عسكرية أمريكية، بما في ذلك وصول حاملات بارجات حربية وقاذفات شبحية إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وتعزيزات أخرى في قواعدها بالمنطقة.

في ظل هذا التصعيد الذي يتخلله استعراض الإمكانيات العسكرية الإيرانية والوجود العسكري الأمريكي المتزايد في المنطقة، يطرح العديد من المحللين أسئلة حاسمة حول إمكانية حدوث ضربات أمريكية على إيران. يبدو أن هذه الديناميكيات التي شهدت مؤخرًا نقل الطائرات الحربية الأمريكية إلى المنطقة وتوسيع إيران لمدنها الصاروخية السرية تحت الأرض، قد تؤدي إلى تصعيد متزايد في علاقات القوى العالمية في هذه المنطقة الحساسة.

سنقوم في هذا المقال بتحليل مجموعة من العوامل المحورية التي قد تؤثر على شكل التصعيد المحتمل، وكذلك على العلاقة بين الولايات المتحدة، إسرائيل، والدول الغربية الأخرى، من خلال وضع هذه التطورات في سياق الأحداث الجارية.

هل يمكن لترامب أن يبادر إلى تنفيذ ضربة لإيران لتلبية طلب إسرائيل؟

لطالما كانت إسرائيل تدفع الولايات المتحدة للتصرف بشكل حاسم تجاه إيران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وتطوير الأسلحة الباليستية، والتدخلات في المنطقة عبر وكلائها مثل حزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن. مع وصول العديد من السفن الحربية الأمريكية إلى المنطقة، وفي ضوء التهديدات الإيرانية الأخيرة بخصوص مدينة الصواريخ السرية، يتساءل البعض عما إذا كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أو حتى الإدارة الأمريكية الحالية، قد تجد في تصعيد المواجهة مع إيران فرصة لتلبية أحد المطالب الرئيسية لإسرائيل: إضعاف النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة والقضاء على أدرعها العسكرية في كل من لبنان واليمن والعراق.

تعتبر إسرائيل أن إيران تشكل تهديداً استراتيجياً على أمنها القومي، وذلك من خلال برنامجها النووي والميل المتزايد لتطوير صواريخ باليستية يمكنها أن تهدد الأمن الإقليمي. وفي هذا السياق، قد تجد إسرائيل في توجيه ضربات عسكرية أمريكية إلى إيران فرصة لتدمير القدرات الإيرانية المتعلقة بالصواريخ النووية أو منعها من امتلاك القدرة على تهديد الأمن الإسرائيلي.

لكن، في الوقت ذاته، فإن الضربة ضد إيران قد تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة. فلا شك أن إيران، وهي قوة إقليمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، لديها الكثير من الأذرع العسكرية في مختلف البلدان، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان. لذا، فإن أي ضربات جوية على إيران قد تؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة.

هل محاولة إنهاء الحرب بين موسكو وأوكرانيا لصالح روسيا خطوة من ترامب لتحييد موقف موسكو؟

في السنوات الأخيرة، شهدنا تداعيات كبيرة على المستوى الدولي نتيجة للحرب بين روسيا وأوكرانيا. كان دونالد ترامب، خلال فترة ولايته، قد أبدى موقفاً غير تقليدي تجاه موسكو، حيث اعتبر أن تفضيل العلاقات الودية مع روسيا قد يعزز الاستقرار العالمي. ولكن، في خضم التصعيد العسكري المحتمل ضد إيران، قد يسعى ترامب إلى تحييد موقف روسيا عن طريق إنهاء الحرب لصالح موسكو.

إذا كانت موسكو ترى في العلاقات الجيدة مع إيران تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، فقد يجد ترامب في إنهاء الحرب الأوكرانية طريقة لإقناع روسيا بتخفيض دعمها لإيران أو على الأقل تحييد موقفها في حال تصاعدت الأوضاع العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. لكن، قد تكون هذه خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لترامب في ظل دعم موسكو القوي لإيران على عدة أصعدة، بما في ذلك التعاون العسكري في مجال الأسلحة الدفاعية والنووية.

صفقة اللحظة الأخيرة: هل يخطط ترامب لمفاجأة دبلوماسية؟

رغم الأجواء المشحونة بالتهديدات واستعراض القوة، لا يُستبعد أن يلجأ دونالد ترامب إلى “صفقة اللحظة الأخيرة” مع إيران، مستلهِمًا أسلوبه التفاوضي القائم على التصعيد ثم الانفراج. فالرجل الذي لطالما قدّم نفسه كرئيس الصفقات، قد يرى في هذه اللحظة فرصة لإبرام اتفاق تاريخي يعيد رسم التوازن في الشرق الأوسط، ويقدّمه للرأي العام الأميركي على أنه الزعيم القادر على فرض السلام من موقع القوة. صفقة كهذه قد تتضمّن تنازلات من طهران في ملفها النووي، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات، وربما ضمانات إقليمية تُرضي إسرائيل والدول الخليجية في آن معًا.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com

هل ضرب إيران يشكل إزالة لقوة عسكرية مناوئة لإسرائيل؟

نظراً لتاريخ المواجهات العسكرية المباشرة وغير المباشرة بين إسرائيل وإيران، قد يرى البعض أن ضرب إيران قد يؤدي إلى إضعاف القدرة العسكرية لإيران التي تهدد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. فإيران، من خلال شبكة من الفصائل المسلحة والقدرات الصاروخية المتقدمة، تشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل التي تخشى على أمنها القومي بسبب الأنشطة الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن.

لكن، رغم هذه الافتراضات، هناك العديد من المخاطر المرتبطة بهذا التحليل، منها:

  1. إيران ليست دولة ضعيفة يمكن تدمير قوتها العسكرية بسهولة؛ فهي تتمتع بقدرة على الرد بشكل واسع في حال تعرضت لهجوم.
  2.  هناك العديد من العوامل الدولية التي قد تجعل من الهجوم على إيران مهمة صعبة ومعقدة، خصوصاً مع الفتور المتزايد بين الدول الأوروبية وأمريكا في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل الأزمة الأوكرانية وتزايد الانقسامات حول السياسات التجارية.

هل ستشارك الدول الغربية في الهجوم على إيران؟

من بين الأسئلة الأكثر تعقيداً في هذا السياق هو ما إذا كانت الدول الغربية، وخصوصاً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ستدعم الضربة الأمريكية المحتملة ضد إيران. في الوقت الذي يواصل فيه الاتحاد الأوروبي الحفاظ على سياسة دبلوماسية تجاه إيران، لا سيما في ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، فإنه قد يكون في موقف حساس إذا تعرضت إيران لهجوم عسكري أمريكي. قد تجد بعض الدول الأوروبية نفسها في موقف صعب بين دعم الولايات المتحدة كحليف تقليدي وبين الحفاظ على علاقتها مع إيران، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الأخيرة بسبب فرض الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية.

علاوة على ذلك، كانت هناك تحذيرات من الرئيس ترامب بخصوص تحميل الدول الأوروبية المزيد من المسؤولية في الدفاع عن مصالحها، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف. وبالتالي، قد لا تشارك الدول الأوروبية في الهجوم الأمريكي على إيران إذا شعرت أن هذا الهجوم يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية أو الاقتصادية.

تأثير ضرب إيران على التوازن العسكري في المنطقة

إيران تلعب دورًا محوريًا في المعادلات العسكرية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعمها للعديد من الجماعات المسلحة التي تتقاطع مصالحها مع الأمن الإقليمي. أبرز هذه الجماعات هي حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وكذلك فصائل عراقية وفلسطينية. كل واحدة من هذه الجماعات تُعتبر بمثابة ذراع إيرانية في المنطقة، حيث تلعب دورًا في تقويض نفوذ الخصوم الإقليميين مثل إسرائيل، المملكة العربية السعودية، والدول العربية السنية الأخرى.

حزب الله، على سبيل المثال، كان يُعد بمثابة قوة عسكرية موازية للجيش اللبناني بفضل الدعم الإيراني، سواء من حيث الأسلحة المتقدمة أو التدريب العسكري. وبالنسبة للحوثيين في اليمن، فإن الدعم الإيراني يتجسد في توفير الصواريخ والطائرات المسيرة، التي تُمكنهم من تهديد المملكة العربية السعودية ودول الخليج. إذا استهدفت الولايات المتحدة أو إسرائيل إيران بشكل مباشر، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إضعاف هذه الجماعات المسلحة، مما قد يعيد رسم خارطة القوة في المنطقة.

ومع ذلك، إضعاف إيران قد لا يكون مجرد تغيير في موازين القوى، بل قد يعكس أيضًا تصعيدًا في التوترات الإقليمية. فإيران، باعتبارها القوة الإقليمية الأكثر نفوذًا في المنطقة، قد ترد على أي ضربات عسكرية باستراتيجية أكثر تعقيدًا تشمل تصعيدًا عبر وكلائها في أنحاء مختلفة من المنطقة، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان أو حتى من خلال الهجمات على مصالح أمريكية أو غربية. وبالتالي، فإن الهجوم على إيران قد يؤدي إلى سلسلة من الردود العسكرية في هذه البلدان، مما يعزز حالة عدم الاستقرار.

من جهة أخرى، إسرائيل، التي تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا لها نظرًا لبرنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة، قد تستغل أي هجوم ضد إيران لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة. ضربة ضد إيران قد تُسهم في تقوية التحالفات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية السنية التي تشاركها القلق من طموحات إيران، مثل السعودية والإمارات. لكن هذا التقارب قد يثير قلق دول أخرى مثل تركيا التي ترفض التقارب الإسرائيلي العربي، وقد تجد نفسها في وضع دفاعي حيال محاولات تعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.

علاوة على ذلك، إن توجيه ضربة عسكرية لإيران قد يتسبب في زيادة قلق الدول العربية الأخرى التي تتخوف من أن يؤدي ضعف إيران إلى تصاعد دور إسرائيل في المنطقة، مما يهدد مصالحها الاستراتيجية. على الرغم من أن بعض الدول العربية قد ترى في ضرب إيران فرصة لتهدئة الصراع الإقليمي، فإن العديد من هذه الدول ستظل حذرة من تعزيز الهيمنة الإسرائيلية على حساب الأمن العربي. وتظل تركيا لاعبًا حاسمًا في هذه المعادلة، حيث أن أنقرة تُعتبر من القوى السنية الكبرى في المنطقة، وقد تسعى إلى تأكيد دورها في مواجهة أي تهديدات تُهدد مصالحها الإقليمية، بما في ذلك تعزيز موقفها في الصراع السوري أو تعزيز وجودها العسكري في العراق.

خاتمة

من خلال هذه التحليلات، نرى أن الوضع في الشرق الأوسط يشهد تغيرات كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد عسكري غير مسبوق. من غير المستبعد أن الولايات المتحدة قد تشن ضربات ضد إيران في المستقبل القريب، ولكن تبقى العديد من العوامل المؤثرة، بما في ذلك موقف حلفاء أمريكا في أوروبا وموقف روسيا، هي التي قد تحدد نتيجة هذه الأحداث.

في كل الأحوال، يبقى الشرق الأوسط على صفيح ساخن، حيث تشهد المنطقة توازنات جديدة قد تغير شكل السياسات العالمية في السنوات القادمة.

شاهد أيضاً

الجريمة في مجتمعاتنا: من تفكك القيم إلى الحاجة لرؤية شاملة – الأسباب، المظاهر، والحلول الممكنة (الجزء الأول)

بقلم بسيم الأمجاري كالعديد من المجتمعات، تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من الجرائم …

الأحلام: بين العلم والدين والأسطورة… ماذا يدور في عقولنا أثناء النوم؟

بقلم بسيم الأمجاري مقدمة منذ فجر البشرية، شكّلت الأحلام لغزاً محيراً للإنسان، حيث كانت تظهر …

ابدأ بالمشي اليوم: 30 دقيقة يومياً قد تغيّر صحتك بالكامل

بسيم المجاري في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل يومنا من …

من ابن مهاجرة فقيرة إلى رئيس لأكبر دولة في العالم: حكاية ترامب من الجذور إلى القمة

الجزء الثاني من المقال بقلم بسيم الأمجاري في زمن تتعدد فيه قصص النجاح وتختلف فيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *