الدرهم الرقمي والعملات المشفرة: تحول كبير في النظام المالي المغربي والعالمي

بسيم المجاري

في خطوة مهمة نحو تحديث النظام المالي الوطني، أعلن بنك المغرب عن إعداد مشروع قانون يتعلق بالعملات الرقمية وأرسله إلى وزارة المالية تمهيدًا لإحالته إلى المسطرة التشريعية. في هذا الإطار، كشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن المؤسسة التي يترأسها شكلت لجنة خاصة للعمل على مشروع “الدرهم الرقمي”، وهي خطوة تضاف إلى السعي الجاد لتطوير منظومة العملة الرقمية في البلاد. يأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه العالم تحولات عميقة في عالم الاقتصاد الرقمي، خاصة في ظل ظهور العملات المشفرة وتزايد الاهتمام بالعملات الرقمية المركزية (CBDC) التي تتمتع بميزات كبيرة تجعلها محط اهتمام الدول الكبرى.

ما هو “الدرهم الرقمي”؟

الدرهم الرقمي هو نسخة إلكترونية من العملة الوطنية، أي الدرهم، يتم إصدارها من قبل البنك المركزي المغربي. يختلف هذا النوع من العملات عن العملات المشفرة مثل البيتكوين أو الإيثيريوم، حيث إن الدرهم الرقمي يتمتع بتغطية قانونية ومؤسسية رسمية من قبل السلطات المالية، بينما العملات المشفرة يتم تداولها بشكل غير مركزي دون تدخل من البنوك المركزية أو الحكومات. أما الدرهم الرقمي فيعمل بشكل مشابه للعملات الورقية التقليدية ولكن يتم تداوله فقط عبر الإنترنت أو أنظمة الدفع الرقمية، ويهدف إلى تعزيز الشمول المالي وتقليل استخدام النقد.

العملات المشفرة: تحديات وفرص

العملات المشفرة، هي أصول رقمية يتم تداولها باستخدام تقنيات التشفير المتقدمة، حيث يعتمد التعامل بها على تقنية البلوكشين (Blockchain)، وهي قاعدة بيانات موزعة يتم من خلالها تأكيد كل عملية مالية بشكل آمن وشفاف. تعد العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثيريوم، أكثر أشكال العملات الرقمية شهرة، وقد أثبتت أنها توفر فرصة لتحويل الأموال بسرعة وبتكلفة منخفضة عبر الحدود.

لكن العملات المشفرة كانت مثار جدل في العديد من البلدان بما فيها المغرب، بسبب المخاوف من استخدامها في الأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى تقلباتها الشديدة التي قد تشكل تهديدًا على الاستقرار المالي. وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الدول قد بدأت في تبني تكنولوجيا العملات الرقمية وتقديم تشريعات لتنظيم هذا المجال.

لماذا تأخر المغرب في التعامل بالعملات المشفرة؟

من المعروف أن المغرب كان حذرًا في التعامل مع العملات المشفرة في البداية. في عام 2017، أصدر بنك المغرب تحذيرًا رسميًا للمواطنين من استخدام العملات المشفرة، مشيرًا إلى مخاطرها العالية المتعلقة بالاستثمار غير المنظم وتقلبات السوق. السبب وراء هذا التحفظ يعود إلى عدم وجود إطار تشريعي منظم لهذه العملات، فضلاً عن المخاوف من استخدامها في أنشطة غير قانونية مثل تمويل الإرهاب أو غسل الأموال.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك نقص في المعرفة التقنية والبنية التحتية اللازمة لدعم استخدام العملات الرقمية بشكل آمن وفعال. كانت المخاوف بشأن حماية المستهلك وتطبيق تقنيات الأمان اللازمة لعملية التحويلات المالية أيضًا من العوامل التي أدت إلى تأخير تبني العملات المشفرة في المغرب.

لماذا التفكير الآن بالعمل بالدرهم الرقمي؟

الآن، ومع التقدم الكبير في مجال التكنولوجيا المالية وظهور العملات الرقمية المركزية (CBDCs)، بدأ المغرب في إعادة تقييم موقفه. العملات الرقمية أصبحت تمثل أداة مبتكرة لتحسين الكفاءة المالية وتعزيز الشمول المالي. مع استعداد العديد من البلدان لإطلاق عملات رقمية وطنية، أصبح من الضروري للمغرب أن يواكب هذه التحولات العالمية.

إطلاق مشروع الدرهم الرقمي يأتي في وقت تشهد فيه الاقتصادات العالمية تزايدًا في اعتماد التقنيات المالية الحديثة، مثل العملات الرقمية وتقنيات البلوكشين. تعمل هذه التقنيات على تحسين كفاءة النظام المالي وتقليل التكاليف المرتبطة بالتحويلات المالية، مما يعزز قدرة الدول على التعامل مع التحديات الاقتصادية الحالية.

الاتحاد الأوروبي يستعد للانتقال إلى العملة الرقمية العمل بالعملة الرقمية

في إطار التطورات العالمية، يعتزم الاتحاد الأوروبي بدوره تحويل المعاملات المالية نحو العملة الرقمية. فقد كشفت السلطات الأوروبية عن مشروع طموح لإطلاق “اليورو الرقمي” الذي سيحل تدريجيًا محل العملات الورقية. هذا المشروع يهدف إلى ضمان استقرار النظام المالي الأوروبي ومواكبة التحولات التي تشهدها الأنظمة المالية العالمية، خصوصًا مع بروز العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية مثل اليوان الرقمي في الصين.

العمل باليورو الرقمي سيمكّن المواطنين من إجراء معاملات مالية دون الحاجة إلى وسطاء مصرفيين تقليديين، مما يقلل من التكاليف ويزيد من سرعة المعاملات. سيستند هذا النظام إلى البنية التحتية الرقمية ويضمن سهولة الاستخدام من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة، كما سيوفر مزايا أمنية وتقنية متقدمة. وبذلك، سيكون الاتحاد الأوروبي في مقدمة الدول التي تعتمد على العملات الرقمية كأداة رئيسية في الاقتصاد الرقمي، مما يعزز من قدرته على التفاعل مع التحديات العالمية المتعلقة بالتحويلات المالية.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com

ما الهدف من العمل بالعملات المشفرة؟

تكمن الفوائد الرئيسية للعملات المشفرة في توفير حلول دفع سريعة وآمنة وبأسعار منخفضة. بالنسبة للأفراد، توفر هذه العملات وسيلة للقيام بالمعاملات عبر الحدود دون الحاجة إلى وسطاء ماليين تقليديين، مثل البنوك. أما بالنسبة للأنظمة المالية، فهي تمنح الفرصة لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف التشغيلية.

فيما يتعلق بالمغرب، يهدف مشروع “الدرهم الرقمي” إلى تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية، مثل تعزيز الشمول المالي من خلال منح الأفراد الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية. كما أنه يسعى إلى تقليص استخدام النقد الورقي، وهو ما يعزز من تسهيل المعاملات ويحد من التكاليف المرتبطة بالطباعة والنقل والتخزين.

إضافة إلى ذلك، يعتبر مشروع الدرهم الرقمي خطوة نحو تحفيز الابتكار في القطاع المالي، من خلال تشجيع البنوك والمؤسسات المالية على تطوير حلول تقنية مبتكرة تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي الحديث.

ما أثر العمل بالعملات المشفرة على المعاملات؟

عند الحديث عن تأثير العملات المشفرة على المعاملات المالية، فإن الفوائد تكمن في توفير سرعة أكبر في تحويل الأموال، خاصة عبر الحدود، وتقليل التكاليف المتعلقة بالتحويلات. وهذا يعد ميزة مهمة في البلدان النامية، مثل المغرب، حيث يمكن أن تساهم العملات الرقمية في تحسين تدفق الأموال وتقليل التفاوت في الوصول إلى الخدمات المالية.

علاوة على ذلك، تتيح العملات الرقمية تنفيذ المعاملات بشكل آمن وشفاف، مما يعزز الثقة بين الأطراف المعنية في المعاملات المالية. في المقابل، فإن انتشار العملات المشفرة قد يعزز من الاستقرار المالي في البلدان التي لا تتمتع فيها الأنظمة المالية بالاستقرار الكامل.

الدول التي تعمل بالعملات المشفرة

عدد من الدول الكبرى بدأت تتبنى العملات الرقمية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الصين التي أطلقت عملتها الرقمية “اليوان الرقمي” في خطوة لدمجها في النظام المالي العالمي. كما قامت دول مثل السويد ودولة الإمارات العربية المتحدة بتطوير عملات رقمية تابعة للبنك المركزي.

على الرغم من أن العملات المشفرة لا تزال غير معترف بها بشكل كامل في العديد من البلدان، إلا أن العديد من الدول بدأت في تطوير الإطار التشريعي لتنظيم استخدامها. بعض الدول، مثل السلفادور، اعتمدت البيتكوين كعملة قانونية، مما يعكس اتجاهًا عالميًا نحو الانفتاح على تكنولوجيا العملات الرقمية.

هل العمل بالعملات المشفرة يشكل مخاطرة على الاقتصاد؟

من المؤكد أن العمل بالعملات المشفرة قد يثير بعض المخاوف الاقتصادية، خاصة في ضوء تقلبات أسعار العملات المشفرة وعدم استقرارها. التقلبات الكبيرة في قيم العملات المشفرة قد تؤدي إلى تقلبات اقتصادية في بعض الأسواق، وقد تخلق مشاكل في التحكم بالسياسة النقدية.

ومع ذلك، يعتبر العديد من الخبراء أن فوائد العملات الرقمية تفوق مخاطره إذا تم تنظيمها بشكل صحيح. التنظيم المناسب يضمن الأمان المالي ويحد من المخاطر المتعلقة بالاحتيال وغسيل الأموال. بوجود الرقابة والتشريعات المناسبة، يمكن للعملات المشفرة أن تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحسين الشفافية في المعاملات المالية.

خلاصة

تُعتبر خطوة بنك المغرب نحو العمل بالعملات الرقمية خطوة استراتيجية تهدف إلى تحديث النظام المالي الوطني ودمج الاقتصاد المغربي في النظام المالي العالمي الحديث. مع استمرار تطور التكنولوجيا المالية، من المحتمل أن يكون للدرهم الرقمي والعملات المشفرة تأثيرات إيجابية كبيرة على المعاملات المالية في المغرب. هذه المبادرة تمثل بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد الرقمي في البلاد، مع التأكيد على ضرورة تبني إطار قانوني وتنظيمي يضمن الأمان المالي ويعزز الشفافية.

شاهد أيضاً

الأحلام: بين العلم والدين والأسطورة… ماذا يدور في عقولنا أثناء النوم؟

بقلم بسيم الأمجاري مقدمة منذ فجر البشرية، شكّلت الأحلام لغزاً محيراً للإنسان، حيث كانت تظهر …

ابدأ بالمشي اليوم: 30 دقيقة يومياً قد تغيّر صحتك بالكامل

بسيم المجاري في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل يومنا من …

من ابن مهاجرة فقيرة إلى رئيس لأكبر دولة في العالم: حكاية ترامب من الجذور إلى القمة

بقلم بسيم الأمجاري في زمن تتعدد فيه قصص النجاح وتختلف فيها مسارات الأثرياء، تظل سيرة …

الوجه الآخر للتنمية: الجريمة كمؤشر اجتماعي مقلق في المغرب

بسيم الأمجاري يشهد المغرب في السنوات الأخيرة طفرة تنموية لافتة للانتباه في مختلف القطاعات. فقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *