بسيم الأمجاري
اختتمت الدورة الخامسة والأربعون لمجلس تعاون دول الخليج العربية يوم أمس في الكويت في ظل ظروف إقليمية ودولية متقلبة، تتسم بتصاعد التوترات الأمنية، التحديات الاقتصادية، وازدياد الضغوط الدولية وإعادة تشكيل التحالفات العالمية. هذا الاجتماع يأتي في لحظة فارقة تتطلب تعزيز التكامل والتنسيق بين الدول الأعضاء لمواجهة التحديات المشتركة واستثمار الفرص المستقبلية.
السياق الإقليمي والدولي
انعقدت القمة في ظل ظروف استثنائية لعل أكثر ما يميزها:
- تصاعد التوترات الأمنية: تتفاقم النزاعات في الشرق الأوسط خصوصًا التحديات الأمنية الناجمة عن استمرار النزاعات في اليمن، والأوضاع المضطربة في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى التوترات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
- التحديات الاقتصادية العالمية: مع تراجع النمو الاقتصادي العالمي، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار الطاقة وسلاسل الإمداد، بات من الضروري تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الخليج، لا سيما مع الاعتماد الكبير على عائدات النفط.
- التغيرات في السياسة الدولية: تتزايد أهمية منطقة الخليج كفاعل رئيسي في السياسة الدولية، خاصة مع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين، مما يضع دول الخليج في موقع استراتيجي يتطلب تنسيقًا سياسيًا أكبر.
انتظارات الاجتماع
حمل الاجتماع تطلعات وآمال كبيرة من قبل شعوب المنطقة والمجتمع الدولي، تمثلت في:
1. تعزيز التعاون الأمني:
- من بين القضايا التي تفرض نفسها على هذا الاجتماع، قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك التهديدات المرتبطة بالإرهاب، وأمن الممرات البحرية الاستراتيجية، والتحديات الناجمة عن تدخلات بعض الأطراف الإقليمية.
- التعاون في مجال الدفاع المشترك وتطوير منظومة أمنية خليجية متكاملة لمواجهة التهديدات المستجدة.
2. التكامل الاقتصادي:
- تسريع تحقيق السوق الخليجية المشتركة والعمل على توحيد السياسات الاقتصادية، خاصةً فيما يتعلق بالطاقة المتجددة والتنويع الاقتصادي ضمن رؤية 2030 لعدة دول خليجية.
- تعزيز المشاريع المشتركة والبنية التحتية الإقليمية، مثل خطوط النقل والطاقة.
3. سياسة خارجية موحدة:
- تنسيق المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل الحراك السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية والتطورات في الملف النووي الإيراني.
- تعزيز العلاقات مع القوى العالمية بما يخدم مصالح الدول الخليجية.
4. قضايا التنمية المستدامة:
- الاهتمام بقضايا المناخ والاستدامة، خصوصًا مع استضافة الإمارات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) مؤخرًا.
- دعم السياسات الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي والمائي في المنطقة.
التحديات المطروحة
رغم هذه الآمال، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات تعيق تحقيق هذه الانتظارات، من أبرزها:
- التفاوت في الأولويات الوطنية لكل دولة، مما قد يؤثر على تنفيذ الخطط المشتركة.
- الحاجة إلى تعزيز الثقة بين بعض الدول الأعضاء عقب أزمات سابقة أثرت على وحدة المجلس، مثل الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها.
- تحديات التحول الرقمي والاعتماد على الطاقة المتجددة في ظل المنافسة الدولية.
- استمرار الصراعات في الشرق الأوسط، مثل الأوضاع في اليمن وسوريا.
- تداعيات الاقتصاد العالمي، خاصة بعد تقلبات أسعار الطاقة وتأثيرها على ميزانيات الدول.
لقد شكلت هذه القمة، منصة هامة لبحث كيفية توحيد المواقف وتعزيز التعاون الإقليمي، مع التركيز على دعم القضايا العربية وتحقيق الاستقرار وسط أزمات متفاقمة على المستويين الإقليمي والدولي.
أهم مخرجات الاجتماع:
اختتم اجتماع القمة الخليجية الـ 45 في الكويت وأصدر بيانا ختاميا ركّز على معالجة قضايا إقليمية ودولية بارزة، مع إبراز التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة.
ويمكن إيجاز أهم مخرجاته كما يلي:
- القضية الفلسطينية: أكدت القمة دعمها للشعب الفلسطيني، وطالبت بوقف الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية. كما دعت إلى تفعيل حل الدولتين وفق مبادرة السلام العربية.
- الأمن الإقليمي: شددت على أهمية استقرار لبنان وضرورة انسحاب إسرائيل من أراضيه، مؤكدة دعمها لتغليب الحوار السياسي في الداخل اللبناني.
- التكامل الخليجي: ناقش القادة تعزيز الشراكات الاقتصادية وتطوير البنية التحتية الرقمية المشتركة، مع التأكيد على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
- تعزيز الهوية الخليجية: أكدت القمة أهمية تمكين الشباب والمرأة، ودعم المؤسسات التعليمية والبحثية للحفاظ على الهوية والثقافة الخليجية.
نظرة مستقبلية
شكل الاجتماع فرصة لتجديد التأكيد على وحدة دول مجلس التعاون. إذا تم الالتزام بتنفيذ قرارات القمة، قد يشهد المجلس نقلة نوعية ككيان إقليمي متماسك قادر على تحقيق تطلعات شعوب الخليج وتعزيز مكانته كفاعل رئيسي في الساحة الدولية.
ختامًا، القمة الـ 45 ليست مجرد اجتماع سنوي؛ بل هي انعكاس للتحديات والفرص التي تواجه الخليج، مما يجعلها منصة هامة لتوحيد الرؤى واتخاذ خطوات عملية نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.