مجلس التعاون الخليجي: ركيزة الاستقرار العربي في عالم متغير

بسيم الأمجاري

بمناسبة انطلاق أعمال القمة الخليجية في دورتها الـ45 التي تعقد في الكويت، يومه الأحد فاتح ديسمبر 2024، بحضور قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تنشر منصة مستجدات moustajadat.com، سلسلة مقالات، يخصص الأول منها للتعريف بهذا المجلس وظروف نشأته أهدافه وإنجازاته وإمكاناته الاقتصادية والعسكرية والتحديات والخلافات التي تواجهه وكذا دوره في دعم الدول العربية.

ظروف النشأة ودوافع التأسيس

تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 مايو 1981 في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، كأحد أبرز التكتلات الإقليمية التي جاءت استجابة لتحولات إقليمية ودولية حساسة. ضم المجلس ست دول خليجية، هي: الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، قطر، الكويت، والبحرين، لتشكل مجتمعة تكتلاً استراتيجياً فريداً يجمعها الجوار الجغرافي، الانسجام الثقافي، والتقارب السياسي والاقتصادي.

 وُلد هذا التكتل في سياق سياسي معقّد، حيث تصاعدت التهديدات الإقليمية عقب الثورة الإيرانية عام 1979 التي حملت خطاباً متطرفا يهدد الأنظمة الملكية في المنطقة، فضلا عن تداعيات الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) التي هددت أمن الملاحة في الخليج ومصادر الطاقة العالمية. جاءت هذه التحديات لتدفع دول الخليج إلى توحيد جهودها ضمن إطار تعاوني يعزز الاستقرار والتنمية ودفاعي لمواجهة التهديدات الإقليمية.

يشار في هذا الصدد إلى أنه رغم وجود العراق كدولة مطلة على الخليج، إلا أن سياساته الإقليمية حالت دون انضمامه. وخلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، دعمت دول الخليج العراق ضد إيران، لكن العلاقات توترت بسبب الخطاب السياسي العراقي التوسعي. وتفاقمت الأزمة مع غزو العراق للكويت عام 1990، ما أدى إلى قطيعة شاملة بين العراق ودول الخليج.

على الرغم من ذلك، شهدت بعض الفترات دعوات لانضمام العراق، خاصة بعد 2003، لتحسين العلاقات مع دول المجلس. لكن الخلافات السياسية والأمنية، إضافة إلى تحديات الاستقرار الداخلي في العراق، حالت دون تحقيق ذلك.

كما سبق لليمن أن تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أن هذا الطلب لم يقبل بسبب تحديات اقتصادية وسياسية. أبرز العقبات تشمل الفجوة التنموية الكبيرة مقارنة بدول الخليج، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليمن حوالي 1000 دولار، مقابل أكثر من 50.000 دولار في بعض الدول الخليجية.

إضافة إلى ذلك، تعاني اليمن من أزمات داخلية مستمرة، بما في ذلك الصراعات والحرب الأهلية. ورغم ذلك، قُبلت اليمن في بعض اللجان الفرعية، مثل اللجنة الثقافية ومجلس الصحة.

الأجهزة والشركاء

يتكون مجلس التعاون من هيئات رئيسية، أبرزها المجلس الأعلى الذي يضم قادة الدول الأعضاء، والمجلس الوزاري للأمانة العامة التي تشرف على تنفيذ السياسات. كما يسعى المجلس لتعزيز التعاون مع شركائه في الدول العربية، مثل مصر، المغرب، والأردن، عبر اتفاقيات ومبادرات مشتركة لدعم التنمية والاستقرار في المنطقة.

أهداف المجلس وإنجازاته

ركز المجلس منذ تأسيسه على تحقيق التكامل بين أعضائه في مختلف المجالات، من السياسة إلى الاقتصاد. وقد أطلق مشاريع مثل الاتحاد الجمركي الخليجي (2003) والسوق الخليجية المشتركة (2008).

على المستوى الأمني، أُنشئت قوات “درع الجزيرة” عام 1982، التي ساهمت في حماية أمن الدول الأعضاء، مثل تحرير مدينة الخفجي خلال حرب الخليج الثانية.

ومع ذلك، يواجه المجلس تحديات لتحقيق تكامل أعمق، بما في ذلك تعثر إطلاق العملة الخليجية الموحدة وتأشيرة التنقل المشتركة.

الإمكانات الاقتصادية والعسكرية

تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أغنى الدول في العالم، حيث تمتلك نحو 30% من احتياطي النفط العالمي، وتتمتع ببنية تحتية اقتصادية متقدمة. يشكل المجلس قوة اقتصادية صاعدة، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء أكثر من تريليون دولار، فيما تسعى الخطط التنموية المشتركة لتعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.

عسكرياً، يتمتع المجلس بإمكانات قوية من خلال إنشاء “قوات درع الجزيرة المشتركة” عام 1982، التي تعمل كرمز للتعاون الدفاعي بين الأعضاء، وشاركت في تحرير الكويت وحماية المنطقة من التهديدات المشتركة.

تتألف قوات درع الجزيرة من فرقة مشاة تدعمها وحدات متنوعة تشمل المشاة المدفعية، والقوات المدرعة، والمدفعية، ووحدات الدعم القتالي. يتم اختيار أفراد هذه القوات من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. تعتبر المملكة العربية السعودية المساهم الأكبر في هذه القوات من حيث عدد الجنود. وتتمتع القوة بدور دفاعي بحت، وتتولى حماية والدفاع عن أمن دول الخليج وردع أي اعتداء تتعرض له.

التحديات والخلافات

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإنه يواجه تحديات داخلية تتعلق بالخلافات السياسية بين أعضائه. أبرز هذه الأزمات كانت الأزمة الخليجية (2017-2021)، التي تسببت في انقسام عميق بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى. وقد نجحت جهود المصالحة العديدة، ولا سيما تلك التي قادتها الكويت في إعادة التماسك إلى المجلس خلال قمة العلا عام 2021.

إضافة إلى ذلك، تواجه دول المجلس تحديات اقتصادية مرتبطة بتقلبات أسعار النفط، ومطالب الإصلاح الداخلي، والتوترات الجيوسياسية مع إيران.

أهمية توحيد صفوف دول مجلس الخليج العربي

في مناخ يشهد فيه العالم منافسة شديدة واستقطاب متزايدا، فإن الحفاظ على وحدة دول مجلس التعاون بات ضرورة استراتيجية. كما أن التكاتف الخليجي يعزز مكانة الدول الأعضاء ككتلة اقتصادية فعالة وسياسية مؤثرة على المستوى الإقليمي والعالمي، ويضمن حماية مصالحها المشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية المؤثرة.

وفضلا عن ذلك، فإن نجاح هذه الدول في تجاوز الخلافات الداخلية يعد خطوة أساسية لتعزيز الثقة بين الأعضاء وضمان استمرار المجلس كتحالف خليجي قوي قادر على الدفاع عن مصالحه، وداعم يناصر  قضايا دول العالم العربي ويؤازرها في مختلف الأزمات التي يمر منها.

دور مجلس التعاون في دعم الدول العربية

يُعتبر مجلس التعاون الخليجي من أبرز الداعمين للتنمية والاستقرار في الدول العربية. فقد قدمت دوله مساعدات إنسانية وتنموية كبيرة للدول المحتاجة، وساهمت في جهود إعادة الإعمار في مناطق النزاعات مثل اليمن وغزة. كما لعب المجلس دوراً رئيسياً في الوساطات السياسية، مثل المبادرة الخليجية التي أسهمت في انتقال السلطة سلمياً في اليمن عام 2011.

مجلس التعاون: قوة عملية بعيداً عن الشعارات

ما يميز مجلس التعاون الخليجي هو طابعه العملي الذي يركز على تحقيق إنجازات اقتصادية وتنموية هامة بعيداً عن الشعارات الجوفاء والمزايدات السياسية. ظل المجلس ركيزة للاستقرار والعمل العربي المشترك، مستفيداً من اقتصاده القوي وسياساته الواقعية التي أكسبته مكانة دولية وإقليمية مميزة.

أهمية الحفاظ على باعتباره نموذجا للتكتلات الإقليمية

في عالم يشهد تشرذماً وانقسامات عميقة في صفوف الدول العربية، وفي ظل الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبقى مجلس التعاون الخليجي نموذجاً ناجحاً للتكتلات الإقليمية، ويبقى العمل على الحفاظ على وحدته واستقراره ليس فقط ضرورة لأعضائه، بل حاجة ملحة للعالم العربي بأسره. تجاوز الخلافات وتعزيز التعاون المشترك سيضمن بقاء المجلس قوة مؤثرة تساهم في صناعة مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لمنطقة الشرق الأوسط.

في المقال المقبل، سنتناول أهمية الدورة الخامسة والأربعون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقدة في الكويت، يومه الأحد فاتح ديسمبر 2024، سواء من حيث السياق الدولي الذي تنعقد فيه أو انتظارات شعوب المنطقة من هذا الاجتماع وكذا التحديات التي تعيق تحقيق هذه الانتظارات.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

مستقبل سوريا في ظل التقلبات الجيوسياسية: مواقف مختلف القوى ومصالحها المتناقضة

تعد الأزمة السورية من أبرز الأزمات الجيوسياسية التي هزت منطقة الشرق الأوسط في العقد الأخير. …

هل تتغير قواعد اللعبة في غزة؟ قراءة في أنباء المفاوضات بين إسرائيل وحماس

بسيم الأمجاري تشهد الساحة السياسية والإعلامية حاليًا ترويجًا مكثفًا لأنباء تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *