بسيم الأمجاري
لا شك أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر تنظيمها في شهر نوفمبر 2024 هي إحدى أكثر الاستحقاقات السياسية إثارة للاهتمام على مستوى العالم. سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. فمن الصعب ألا تثير هذه الانتخابات اهتمامات مختلف الأوساط، لا سيما منها السياسية، وبالتحديد فيما يتعلق على الخصوص بمنطقة الشرق الأوسط؛ المنطقة التي طالما كانت محور الاهتمام الأمريكي، حيث تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية.
تشهد هذه الانتخابات ظروفاً معقدة على الصعيد الدولي، حيث تتفاقم الأزمات والتوترات، من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمة المتصاعدة بين الصين وتايوان، إلى جانب عدد من الصراعات الأخرى. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: هل ستتغير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بناءً على نتائج هذه الانتخابات؟ وما إذا كان فوز مرشح مثل دونالد ترامب أو كامالا هاريس سيؤدي إلى أي تحول جذري في المواقف الأمريكية تجاه قضايا المنطقة.
الثابت والمتغير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط
تاريخياً، تعد السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ثابتة في عدة نقاط جوهرية، على الرغم من التغييرات التي قد تحدث على مستوى الرؤساء أو الأحزاب الحاكمة. لماذا؟ لأن السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحساسة ترتكز بشكل رئيسي على حماية المصالح الاستراتيجية، وهي مصالح تتعدى الشخصيات وتخضع لمعادلة معقدة تشمل الطاقة، الأمن، والنفوذ الإقليمي.
هناك قناعة راسخة بأن الولايات المتحدة، بغض النظر عن الرئيس، لن تغير بشكل جذري من استراتيجيتها في الشرق الأوسط. كيف؟ لأنها تسعى دائماً لضمان تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية، مثل مضيق هرمز وقناة السويس، بالإضافة إلى الحفاظ على تدفق النفط وحماية حلفائها الإقليميين، وأبرزهم إسرائيل.
لكن على الجانب الآخر، يرى بعض المراقبين أن وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض يمكن أن يؤدي إلى تعديلات في اللهجة السياسية أو في ترتيب الأولويات، حتى وإن كانت هذه التعديلات سطحية أو تجميلية. فالشعارات التي يرفعها المرشحون خلال حملاتهم الانتخابية غالباً ما تكون موجهة لجذب أصوات الناخبين، لكنها قلما تتحول إلى سياسات فعلية أو تغييرات جذرية بعد الوصول إلى السلطة.
إسرائيل: الحليف الثابت
عندما نتحدث عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا يمكننا تجاهل الدور المركزي الذي تلعبه إسرائيل في هذه السياسة. ما الذي يجعل إسرائيل مميزة في هذا السياق؟ الجواب ببساطة هو كونها الحليف الأقرب والأكثر استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة.
سواء كانت الإدارة التي ستأتي إلى البيت الأبيض تحت قيادة كامالا هاريس أو دونالد ترامب، فمن الصعب تخيل أي تغييرات جوهرية في الدعم الأمريكي لإسرائيل. لماذا؟ لأن هذا الدعم مرتبط بمصالح أمريكية عليا. الولايات المتحدة ترى في إسرائيل قاعدة متقدمة لحماية مصالحها في المنطقة، وضمان استقرارها وأمنها يعتبر جزءاً من استراتيجيتها الشاملة.
من ناحية أخرى، لا يتوقع المراقبون أن تشهد القضية الفلسطينية أي تقدم يُذكر. الإدارة الأمريكية المقبلة، سواء كانت تحت قيادة ديمقراطية أو جمهورية، لن تمارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل فيما يتعلق بحل الدولتين. بل على العكس، هناك اعتقاد بأن إسرائيل باتت تميل أكثر نحو توسيع نفوذها وتغيير الواقع في المنطقة بما يتماشى مع أهدافها القومية، وسط غياب أي قوة ردع دولية قادرة على فرض توازن حقيقي في عملية السلام.
إيران: الشبح النووي
إيران هي الأخرى تمثل حجر زاوية في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط. الولايات المتحدة، بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل، لن تتساهل مع أي تطوير للبرنامج النووي الإيراني الذي قد يُشكل تهديداً لأمن إسرائيل. كما أن التصدي لنفوذ إيران في المنطقة، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية أو عبر التنسيق العسكري مع الحلفاء الإقليميين، سيظل جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأمريكية.
إسرائيل، من جهتها، لن تتردد في اتخاذ خطوات عسكرية إن شعرت بتهديد مباشر من إيران، وسيظل الدعم الأمريكي لهذه الخطوات ثابتاً بغض النظر عن من يشغل كرسي الرئاسة. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن التوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية قد يزداد سوءاً، لا سيما في ظل أي تحركات إيرانية لتوسيع نفوذها في المنطقة أو تطوير قدراتها النووية.
الصين وروسيا: المنافسون الجدد
على الرغم من التركيز الكبير على إيران وإسرائيل، فإن الولايات المتحدة تدرك أن التهديدات لنفوذها في الشرق الأوسط لا تقتصر على هذين البلدين. من المنافسون الجدد؟ الجواب هو الصين وروسيا.
الصين تسعى لتعزيز وجودها الاقتصادي في المنطقة من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، وهي مبادرة تهدف إلى ربط الأسواق العالمية بممرات تجارية تعزز النفوذ الصيني. من ناحية أخرى، روسيا تسعى لاستغلال الفراغات التي تتركها الولايات المتحدة، سواء في سوريا أو ليبيا أو حتى في الدول الخليجية، لتعزيز وجودها العسكري والسياسي.
الإدارة الأمريكية، أياً كان رئيسها المقبل، ستواصل العمل على الحد من نفوذ هاتين القوتين في المنطقة. كيف؟ عن طريق تعزيز تحالفاتها مع دول الخليج، وزيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على الخصوم، ومواصلة دعمها لحلفائها التقليديين مثل مصر والأردن.
هل من تغييرات حقيقية؟
في النهاية، وعلى الرغم من كل التوقعات والتكهنات، يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل يمكن أن نشهد تغييرات حقيقية في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعد انتخابات 2024؟
الجواب المحتمل هو: التغييرات الكبرى لن تحدث على الأرجح. السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الاستراتيجية التي يصعب تغييرها بين ليلة وضحاها. وحتى إذا تغيرت اللهجة أو الأسلوب، فإن الأهداف ستظل ثابتة: حماية المصالح الاقتصادية، ضمان أمن إسرائيل، والتصدي للنفوذ الإيراني والصيني والروسي.
إذن، سواء فاز دونالد ترامب وعاد إلى البيت الأبيض أو أصبحت كامالا هاريس أول امرأة تتولى الرئاسة في الولايات المتحدة، فإن الشرق الأوسط سيظل ساحة معركة للمصالح الدولية، ولا يبدو أن هناك تغييراً جذرياً في الأفق. السياسة الأمريكية قد تتغير في بعض التفاصيل، لكنها ستبقى متمحورة حول الأهداف الاستراتيجية التي تحددها مصالحها بعيدة الأمد.