بسيم الأمجاري
في الفترة الأخيرة، اهتزت مناطق مختلفة من الشرق الأوسط على وقع أحداث مثيرة، تمثلت في اغتيالات استهدفت قيادات بارزة من الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا، بالإضافة إلى تصفية عناصر قيادية من حركتي حزب الله وحماس المدعومتين من إيران. هذه التطورات لا تثير الفضول فحسب، بل تطرح أسئلة حاسمة: هل تمكنت إسرائيل حقاً من اختراق دفاعات هذه التنظيمات الأمنية؟ وهل هناك أطراف داخلية ساهمت في هذا الاختراق؟ أم أن هناك تحولات أعمق تجري في الخفاء، قد تكون مقدمة لواقع جديد في المنطقة؟
في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل تلك الأحداث ونسلط الضوء على الصراعات الخفية التي تعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط
- اغتيالات وتصفية قيادات إيرانية خارج الحدود
خلال السنوات الخمسة الماضية، اهتزت الساحة الإقليمية باغتيالات طالت شخصيات إيرانية بارزة، كان لها تأثير عميق على المشهد السياسي والعسكري، ومن أبرز هذه الشخصيات:
الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي قُتل في عملية اغتيال جريئة نفذتها القوات الأمريكية في مطار بغداد يوم 3 يناير 2020. ووفقاً لتصريحات الجنرال فرانك ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية حينها، جاء اغتيال سليماني بعدما أصبحت تحركاته مثيرة للريبة، إذ كان يتمتع بنفوذ واسع يتجاوز حتى حدود التنسيق مع الاستخبارات الإيرانية أو الجيش، مما جعله أشبه بـ”دكتاتور” غير مقيد في المنطقة.
سليماني لم يكن مجرد قائد عسكري؛ بل كان شخصية محورية في العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة على مدار ثلاثة عقود. فقد أصبح رمزاً للحرس الثوري، ذلك الفرع المستقل من القوات المسلحة الإيرانية المكلف بحماية النظام، ما جعل اغتياله نقطة تحول في تاريخ المواجهات الإقليمية.
رضا موسوي، أحد الأسماء البارزة في المؤسسة العسكرية الإيرانية، لقي حتفه يوم الاثنين 25 ديسمبر 2023، إثر قصف صاروخي استهدف منزله في العاصمة السورية دمشق. وجهت إيران أصابع الاتهام نحو إسرائيل، معتبرة إياها المسؤولة عن هذه العملية.
كان موسوي عميداً في الحرس الثوري الإيراني، ومن أهم الشخصيات القيادية التي ساهمت في تعزيز ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، الذي يشمل دعم إيران لحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. مسيرته العسكرية بدأت منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حيث ترك بصمته على القدرات العسكرية لتلك التنظيمات. كما عُرف موسوي بعلاقته الوثيقة مع الجنرال قاسم سليماني ورفيقاً مقرباً له، واعتُبر من أقدم مستشاري حرس الثورة الإسلامية، ما جعل اغتياله امتداداً لسلسلة الاستهدافات التي تطال القيادات الإيرانية.
حمد رضا زاهدي، أحد كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني، لقي مصرعه في الأول من أبريل 2024، إثر ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. هذه الهجمات أسفرت عن مقتل سبعة عناصر من الحرس الثوري ومستشارين دبلوماسيين، من بينهم زاهدي، الذي كان له مسار طويل وحافل في الحرس الثوري.
بدأ زاهدي خدمته في فيلق القدس عام 2008، ليتدرج سريعاً في المناصب حتى أصبح من كبار القادة بحلول 2016، ثم شغل منصب قائد قوة القدس في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى عمله نائباً للعمليات في حرس الثورة الإسلامية بين عامي 2017 و2020.
كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عليه عقوبات عام 2010، مستهدفةً دوره في دعم المنظمات التي وصفتها بالإرهابية، بما في ذلك حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. إدراج اسمه في لائحة العقوبات يعكس مدى أهمية دوره في تنفيذ السياسات الإيرانية في الشرق الأوسط، ما جعله هدفاً رئيسياً ضمن العمليات التي تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
تدمير منشأة إيرانية داخل سوريا ومقتل إيرانيين: في التاسع من سبتمبر 2024، نفذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية جريئة بالقرب من مدينة مصياف بمحافظة حماة وسط سوريا، استهدفت منشأة إيرانية مهمة. وفقاً لمصادر إعلامية متعددة، قامت قوات الكوماندوس الإسرائيلية بالتسلل إلى منشأة أمنية تابعة للحرس الثوري الإيراني، حيث دمرتها بالكامل. الهجوم أسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة أكثر من 40 آخرين، بينهم مستشارون إيرانيون.
العملية لم تقتصر على التدمير فحسب، إذ أفادت تقارير إسرائيلية بمصادرة وثائق وملفات هامة من مبنى تابع للحرس الثوري، بالإضافة إلى تدمير منشأة البحوث العلمية التابعة للجيش السوري، والتي كانت تُستخدم لتطوير صناعات عسكرية تكنولوجية متقدمة بمساعدة إيرانية.
هذه العملية، التي نُفذت في عمق الأراضي السورية، تشير إلى قدرة إسرائيل على جمع معلومات دقيقة حول منشآت سرية. ويُعتقد أن الهدف الرئيسي كان مصنعاً إيرانياً لتصنيع صواريخ دقيقة، تم إنشاؤه لتسهيل إدخال الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وتقليل خطر تعرضها للغارات الإسرائيلية الجوية.
- اغتيال أغلب قيادات حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية:
سنستعرض في هذا القسم سلسلة الاغتيالات التي استهدفت أهم قيادات حركتي حماس وكتائب القسام الفلسطينية، والتي شكلت ضربة كبيرة للبنية القيادية لتلك التنظيمات. هذه العمليات تعد جزءاً من حرب الظل التي تسعى إلى إضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والتأثير على مسار الصراع في المنطقة.
- أهم قادة حزب الله اللبناني الذين تمت تصفيتهم من قبل القوات الإسرائيلية:
إسماعيل هنية، الأمين العام السابق لحركة حماس:
في حادثة أثارت صدمة على المستوى الإقليمي والدولي، اغتيل إسماعيل هنية، الأمين العام السابق لحركة حماس، في فجر يوم الأربعاء 31 يوليو 2024، أثناء وجوده في العاصمة الإيرانية طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. هنية كان في حماية الحرس الثوري الإيراني عندما وقع الهجوم، والذي وصفته حركة حماس بأنه “غارة صهيونية غادرة” استهدفت مقر إقامته، وأسفر عن مقتله ومقتل حارسه الشخصي.
اتهمت حركة حماس إسرائيل مباشرة بتنفيذ الاغتيال، إلا أن الحادثة أثارت العديد من التساؤلات حول قدرة إيران على حماية أمين عام حركة حماس وهو في ضيافتها وتحت حراسة عناصر الحرس الثوري. هذا الاغتيال يشكل علامة فارقة في الصراع المتصاعد، ويلقي الضوء على تعقيدات العلاقة بين إيران وحركات المقاومة، ويزيد من حدة التوترات الإقليمية.
خليل خراز، نائب قائد كتائب القسام في لبنان:
في 11 نوفمبر 2023، تعرض خليل خراز، نائب قائد كتائب القسام في لبنان، لعملية اغتيال بواسطة طائرة مسيرة إسرائيلية، استهدفته في جنوب لبنان. الحادثة أسفرت عن مقتل خراز وثلاثة آخرين كانوا برفقته.
يُعد هذا الاغتيال جزءاً من سلسلة الهجمات التي تشنها إسرائيل على الشخصيات القيادية في المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتحديداً في مناطق جنوب لبنان، حيث تسعى إسرائيل إلى تقويض العمليات العسكرية التي يديرها حزب الله وحلفاؤه. عملية استهداف خراز تؤكد على الجهود الاستخباراتية الإسرائيلية المكثفة لتعقب قادة المقاومة وتوجيه ضربات قاتلة لهم، ما يعزز التوترات في المنطقة ويزيد من احتمال التصعيد العسكري بين الجانبين.
جميلة الشنطي، القيادية في حماس
في 18 أكتوبر 2023، تعرضت جميلة الشنطي، القيادية البارزة في حركة حماس، لعملية اغتيال إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلها في قطاع غزة. هذه العملية جاءت ضمن تصعيد مكثف من قبل إسرائيل ضد القيادات السياسية والعسكرية لحركة حماس.
جميلة الشنطي كانت إحدى الشخصيات النسائية البارزة في الحركة، وشكل اغتيالها ضربة معنوية كبيرة للمقاومة الفلسطينية. الهجوم يعكس تصاعد التوترات بين إسرائيل وحماس، ويُعتبر جزءاً من استراتيجية إسرائيل لاستهداف القيادات المؤثرة في الحركة، بهدف تقليص قدرتها على تنظيم ودعم الأنشطة المقاومة.
زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة، قياديان رفيعان في حركة حماس:
في عملية اغتيال مروعة، تم استهداف زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة، وهما قياديان بارزان في حركة حماس، في 20 يناير 2024. تعرضا لضربة قاسية من قبل طائرات حربية إسرائيلية خلال غارة استهدفت موقعاً كانا يتواجدان فيه.
أبو معمر وأبو شمالة كانا معروفين بدورهما الفعال في قيادة الأنشطة العسكرية والتخطيط الاستراتيجي للحركة، ما جعل اغتيالهما علامة فارقة في مسار الصراع. عملية استهدافهما تأتي في إطار الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد القيادات الفلسطينية، وتعكس استمرار الصراع المرير والتوترات المتصاعدة في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في الأراضي المحتلة ويؤثر على مسار المقاومة الفلسطينية.
أيمن نوفل:
في 17 أكتوبر 2023، اغتيل أيمن نوفل خلال غارة جوية إسرائيلية استهدفت مخيم البريج وسط مدينة غزة. يُعتبر نوفل من الشخصيات المحورية في حركة حماس، حيث يُعتقد أنه كان أحد المخططين الرئيسيين لعملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، كما ساهم بشكل فعال في عملية “طوفان الأقصى”. يعكس اغتياله الاستهداف المستمر للقيادات العسكرية في غزة، مما يزيد من حدة الصراع ويترك أثرًا عميقًا على مسار المقاومة.
محمد المحاسنة:
أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل محمد المحاسنة في غارة جوية على قطاع غزة. وُصف المحاسنة بأنه “المكلف بعمليات تهريب الأسلحة في حماس”، مما يجعل اغتياله جزءًا من جهود إسرائيل المستمرة لتقويض قدرات حماس العسكرية. هذا الاستهداف يؤكد على الطبيعة المتزايدة للعنف في المنطقة، ويبرز المخاطر التي تواجهها القيادات العسكرية في غزة.
عبد الفتاح الزريعي:
في 5 أغسطس 2024، اغتالت القوات الإسرائيلية عبد الفتاح الزريعي في غارة جوية على قطاع غزة، حيث وُصف بأنه “وزير اقتصاد حركة حماس”. اغتياله يُظهر محاولة إسرائيل لتعطيل البنية التحتية الاقتصادية للحركة، وهو جزء من استراتيجيتها الأوسع للضغط على حماس وتقليل قدرتها على العمل. الزريعي كان شخصية محورية في إدارة الأمور الاقتصادية للحركة، مما يجعل اغتياله خطوة مؤثرة في إطار الصراع المستمر.
- أهم قادة حزب الله اللبناني الذين تم اغتيالهم من قبل القوات الإسرائيلية
حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله: في تطور دراماتيكي يُعد ضربة قاسية لحزب الله، تم اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، في 27 سبتمبر 2024 خلال غارة جوية إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية في بيروت. جاءت العملية بعد حصول الجيش الإسرائيلي على معلومات استخباراتية دقيقة تفيد حضور نصر الله اجتماعاً رفيع المستوى مع قادة الحزب في مقره المركزي.
نجاح الاغتيال يُعتبر ثمرة لعملية تجسس واختراق لصفوف حزب الله وقياداته، مما يكشف عن مدى التقدم الذي أحرزته إسرائيل في استهداف الشخصيات الرئيسية للمقاومة. هذه الحادثة قد تؤدي إلى تداعيات كبيرة على الوضع الأمني والسياسي في لبنان والمنطقة بأسرها، إذ يمثل نصر الله رمزاً للمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، ما يجعل اغتياله تحولاً كبيراً في الصراع المستمر.
براهيم قبيسي: قُتل في 24 سبتمبر 2024 أثناء غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت. كان قبيسي قائد منظومة الصواريخ التابعة لحزب الله وعضواً بارزاً في قيادته العسكرية.
إبراهيم عقيل: قُتل بدوره في 24 سبتمبر 2024 خلال نفس الغارة الجوية، وكان قائد عمليات حزب الله وعضو في مجلس الجهاد، الذي يُعدّ أعلى هيئة عسكرية في الحزب. ويُشار إلى أنه قد تم اتهامه سابقًا بالضلوع في تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983.
أحمد وهبي: قُتل في 20 سبتمبر 2024 في ضربة إسرائيلية استهدفت عدداً من القادة البارزين، وكان يشرف على العمليات العسكرية لقوة الرضوان في حزب الله خلال حرب غزة حتى بداية سنة 2024.
فؤاد شُكر: اغتيل في 30 يوليو 2024 خلال غارة جوية إسرائيلية، وكان قائدًا عسكريًا كبيرًا في الحزب. يُعتبر الذراع الأيمن للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. وقد فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات في عام 2015.
محمد ناصر : قُتل في غارة جوية إسرائيلية في 3 يوليو 2024، حيث أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتياله واصفةً إياه بأنه كان يقود وحدة مسؤولة عن إطلاق النار على أهداف إسرائيلية من جنوب غرب لبنان.
طالب عبد الله: قُتل في 12 يونيو 2024، وكان قيادياً ميدانياً بارزاً في الحزب. أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن وفاته أثناء قصف مركز للقيادة والتحكم في جنوب لبنان، مما دفع حزب الله إلى الرد بإطلاق وابل هائل من الصواريخ عبر الحدود.
محمد سرور: قُتل في ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان قائدًا لإحدى وحدات القوة الجوية في حزب الله. تؤكد المصادر الإعلامية مسؤولية إسرائيل في اغتياله.
تُظهر هذه الاغتيالات الحادة استهداف إسرائيل المتزايد للقيادات العسكرية لحزب الله، مما يعكس الأبعاد الأمنية والسياسية المعقدة للصراع في المنطقة
انفجارات أجهزة “البيجر” ومقتل وجرح العديد من أعضاء حركة حزب الله اللبناني
استفاق لبنان يومي 17 و18 سبتمبر 2024 على وقع سلسلة من الانفجارات الغامضة لأجهزة “البيجر” التي يستخدمها بعض العناصر الأساسية في حزب الله، مما أسفر عن مقتل وجرح عدد كبير من الموالين لهذه الحركة. وما يثير الدهشة هو أن هذه الأجهزة لم تُستورد وفق الشروط الأمنية المطلوبة، الأمر الذي يعزز فرضية وجود تواطؤ داخلي سهل تنفيذ هذه الانفجارات
تُعتبر هذه الأجهزة أدوات اتصال آمنة، لكنها تحولت بشكل مفاجئ إلى أدوات قاتلة، مما يطرح تساؤلات عميقة حول فعالية الإجراءات الأمنية التي اعتمدتها هذه التنظيمات لحماية أعضائها. مع تسارع وتيرة الاغتيالات والانفجارات، كان لزامًا على حركات المقاومة وإيران الداعمة لها أن تدرك أن هذه العمليات تعكس بوضوح اختراقًا عميقًا من قبل إسرائيل
فهل كانت هذه التنظيمات، التي تتعرض لهجمات متكررة تروم تصفية قادتها واحدا تلو الآخر في مختلف المناطق وبدقة متناهية، عاجزة عن إدراك أن صفوفها اخترقت بشكل خطير مما يهدد بقاءها؟ وهل عجزت عن فهم حقيقة وواقع التهديدات التي تواجهها؟ إن جسامة الخسائر التي لحقت بها كانت بلا شك أشد قسوة وألمًا، مما كان يستلزم عليها في وقت معين التوقف لإيقاف النزيف وإعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية
نجاح اسرائيل في تدخلاتها العسكرية: هل هو تفوق تكنولوجي أم اختراق أمني لحركات المقاومة؟
تزامنًا مع هذه الأحداث التي أسفرت عن تصفية أغلب أطر وقيادات حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وكذا مستشارين عسكريين إيرانيين، يبرر البعض هذه الدقة في تحقيق إسرائيل لأهدافها، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو أراضي دول أخرى بالشرق الأوسط بأن إسرائيل استخدمت تكنولوجيا متقدمة لتعقب قيادات حماس وحزب الله وبعض العناصر الإيرانية، مما ساعدها على تنفيذ عمليات الاغتيال بنجاح
تُظهر عمليات اغتيال شخصيات مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية مستوى التخطيط والتنفيذ العالي الذي تمتلكه إسرائيل، وقدرتها على القيام بعمليات معقدة في مناطق يُعتقد أنها تحت مراقبة أمنية مشددة. ويعزز هذا الطرح حقيقة أن إسرائيل تمتلك وسائل تكنولوجية متطورة، مثل الطائرات المسيرة وأجهزة التجسس، مما يسهل تحديد الأهداف بدقة. كما أن التكامل بين الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإسرائيلية ونظيراتها الغربية يعزز من فاعلية تنفيذ هذه العمليات
ومع ذلك، يذهب رأي آخر إلى أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها بدقة متناهية لا يمكن أن يتحقق فقط بفضل تفوقها التكنولوجي واللوجستي، بل يتطلب أيضًا تواطؤًا من جهات داخل هذه الحركات أو حتى داخل إيران نفسها، خصوصًا في ظل الصراعات المتعددة على السلطة داخل النظام الإيراني
يدعم أصحاب هذا الرأي فرضيتهم بوجود تواطؤ من قِبل جهات معينة في تنفيذ عمليات اغتيال شخصيات مثل الأمين العام لحركة حماس، الذي كان تحت حماية مشددة من الحرس الثوري الإيراني، والأمين العام لحزب الله الذي يتبع في تحركاته إجراءات أمنية صارمة. ويعزز ذلك الاعتقاد بوجود عملاء مزدوجين داخل صفوف هذه الحركات أو في النظام الإيراني، مما يجعل الوضع بالنسبة لحركات المقاومة أكثر تعقيدا
ما يزيد من تعقيد الصورة هو أن هناك من يعتقد أن هذا الاستهداف قد يكون مدعومًا من قِبل أطراف داخل إيران نفسها، خاصة في ظل الصراعات المتعددة على السلطة داخل النظام الإيراني. ويرى تبعا لذلك، أن هذه الاغتيالات ربما قد تكون استخدمت كوسيلة لتصفية خصوم سياسيين، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحركات المسلحة والقيادة الإيرانية الجديدة
- التحولات الإقليمية: خريطة جديدة للنفوذ
- مع توالي الأحداث الجارية، يتضح أن هناك تحولات إقليمية كبيرة من شأنها أن تؤثر على خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. تتزامن هذه التحولات مع الانتصارات التي حققتها إسرائيل في الميدان، مستفيدة من تفوقها التكنولوجي وما تملكه من أسلحة دمار دقيقة، بالإضافة إلى الدعم الغربي بآلياته العسكرية وآلته الإعلامية
يبدو أن إسرائيل، بصفتها الطرف المنتصر على الأقل بشكل مرحلي في هذه المعركة، لن تتوانى عن مواصلة القتال سعيا إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية والحيوية، وفي مقدمتها القضاء على الحركات التي تعتبرها إرهابية، وفي مقدمتها حزب الله وحماس
كما ستعمل على إعادة مستوطنيها إلى الشمال وزيادة عدد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية الأخرى، إرضاءً للمتطرفين الإسرائيليين، وإنشاء مناطق خالية من السكان ومنزوعة السلاح في جنوب لبنان حماية لأمن إسرائيل، بالإضافة إلى القضاء على باقي الميلشيات الداعمة لحركة حماس في كل من اليمن والعراق وسوريا
في المقابل، وبعد الضربات المهينة التي تلقتها إيران، سواء من خلال اغتيال شخصيات إيرانية داخل البلاد أو خارجها، أو مقتل أعضاء الحركات المدعومة منها مثل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، لن تتوانى إيران عن القيام بأي مغامرة عسكرية مباشرة أو عبر الحركات التي تدعمها حفاظا على ماء الوجه داخليًا وخارجيًا
وفي ظل انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، وسعي الصين لتحقيق تفوق اقتصادي وغزو مختلف الأسواق العالمية، يبدو أن انجرار إيران إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل سيعرضها إلى ضربات عسكرية مشتركة من طرف كل من إسرائيل والقوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الحالة ستوجه الضربات دون شك إلى البنيات الاقتصادية الإيرانية وقدراتها العسكرية وربما مفاعلها النووي، بهدف تحجيم قوة إيران حتى لا يصبح قوة عسكرية تهدد أمن إسرائيل في المنطقة أو تشكل حليفا مستقبليا لروسيا والصين في مواجهة الغرب.
الخلاصة
مهما يكن من أمر، تبقى مجموعة من الأسئلة مفتوحة حول مستقبل المنطقة في ظل التحولات الجارية. هل ستتمكن حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله من إعادة بناء نفسها واستعادة قوتها ونفوذها رغم الضربات القاسية التي تعرضت لها؟ وهل ستظل إيران متمسكة بدعمها لهذه الحركات ومواصلة المواجهة مع إسرائيل، أم أنها ستعيد النظر في استراتيجياتها وتختار مسارات جديدة لحماية مصالحها الإقليمية والدولية؟
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ملامح خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، حيث ستظل الأنظار مركزة على كيفية تفاعل هذه القوى مع التحديات المتزايدة، ومدى قدرتها على التأقلم مع التغيرات التي تشهدها المنطقة