تأثيرالرسوم الجمركية الأمريكية على العلاقات التجارية بين المغرب وبعض دول الاتحاد الأوروبي

بسيم الأمجاري

في الآونة الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 20% على واردات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إسبانيا، مقابل 10% فقط على الواردات القادمة من المغرب. أثار هذا القرار قلقاً بالغاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية الإسبانية، حيث يُنظر إليه على أنه يمنح المغرب ميزة تنافسية قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الإسباني.

رد الفعل الإسباني وخطة الدعم الاقتصادي

لمواجهة التداعيات المحتملة لهذه الرسوم، أعلن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عن خطة دعم اقتصادي بقيمة 14.1 مليار يورو. تهدف هذه الخطة إلى تقديم تمويل جديد وإعادة تخصيص موارد من صناديق قائمة لدعم الشركات المتضررة. تشمل الإجراءات تقديم قروض ميسرة، ودعم مالي مباشر، وتسهيلات ائتمانية للشركات المتضررة، بالإضافة إلى برامج للحفاظ على الوظائف وإعادة تأهيل القوى العاملة. كما تسعى إسبانيا للحصول على دعم إضافي من الاتحاد الأوروبي وتخفيف القيود على المساعدات الحكومية لتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن هذه الرسوم.

المخاوف الإسبانية من التحول الاستثماري نحو المغرب

تخشى الأوساط الاقتصادية الإسبانية من أن الفارق في الرسوم الجمركية قد يدفع الشركات الدولية إلى إعادة النظر في مواقع استثماراتها، مفضلةً المغرب على إسبانيا. يُعزى ذلك إلى أن المنتجات المغربية ستتمتع بميزة تنافسية في السوق الأمريكية بسبب الرسوم المنخفضة. هذا قد يؤدي إلى نقل بعض سلاسل الإنتاج والتصنيع من إسبانيا إلى المغرب، خاصةً في القطاعات التي يتنافس فيها البلدان، مثل السيارات، الأسمدة، المعدات الكهربائية، والمنتجات الزراعية وغيرها.

تجربة ميناء طنجة المتوسط وتأثيرها على التجارة البحرية

تستحضر الأوساط الإسبانية تجربة ميناء طنجة المتوسط، الذي أدى افتتاحه إلى تحويل جزء من الحركة الملاحية من الموانئ الإسبانية إلى الموانئ المغربية. تُعتبر هذه السابقة مثالاً على كيفية تأثير التطورات الاقتصادية في المغرب على المصالح التجارية الإسبانية. الآن، مع الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، يُخشى أن يتكرر السيناريو نفسه في مجالات أخرى، مما يزيد من التوترات الاقتصادية بين البلدين.

استغلال الفجوة الجمركية لإعادة التصدير

هناك قلق متزايد في إسبانيا من إمكانية استغلال المغرب للفجوة الجمركية لإعادة تصدير المنتجات إلى الولايات المتحدة. بمعنى آخر، قد تقوم الشركات بشراء منتجات من دول أخرى، وإعادة تصديرها من المغرب إلى الولايات المتحدة مستفيدةً من الرسوم الجمركية المنخفضة. هذا السيناريو مشابه لما قامت به بعض الدول الأخرى في سياقات مختلفة، حيث استفادت من الفجوات التنظيمية لتحقيق مكاسب اقتصادية.

الرسوم الجمركية الأوروبية على المنتجات المغربية

في سياق متصل، أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية على واردات الإطارات المعدنية المصنوعة من الألومنيوم والمستوردة من المغرب “Jantes en aluminium”، بحجة أن الحكومة المغربية تقدم دعماً لهذه الصناعات، مما يجعلها تنافس المنتجات الأوروبية بأسعار أقل. وتهدف هذه الرسوم، حسب المفوضية الأوروبية، إلى حماية الصناعات الأوروبية من المنافسة “غير العادلة”. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها رد فعل سياسي على تعزيز التعاون بين المغرب والصين في مشاريع صناعية، مثل مشروع “طنجة تيك”، بدليل أن الاتحاد الأوروبي لا يتخذ نفس الموقف كلما تلقت الشركات الأوروبية تحفيزات من أجل الاستثمار داخل المغرب.

التوترات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي

تُظهر هذه الإجراءات تصاعد التوترات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي. يُعتقد أن الاتحاد الأوروبي يسعى للضغط على المغرب للحد من تعاونه مع الصين في المجالات الصناعية. يأتي ذلك في ظل مخاوف أوروبية من أن يصبح المغرب منصة للصناعات الصينية الموجهة نحو الأسواق الأوروبية، مما قد يؤثر على الصناعات المحلية في دول الاتحاد.

التحديات التي تواجه المغرب في تطوير اقتصاده

يواجه المغرب تحديات كبيرة في سعيه لتطوير اقتصاده وتعزيز مكانته كقوة صناعية في المنطقة. تشمل هذه التحديات الضغوط الخارجية من الشركاء التجاريين، مثل الاتحاد الأوروبي، والتكيف مع التغيرات في السياسات التجارية العالمية. على الرغم من ذلك، يواصل المغرب تنفيذ استراتيجيات تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التعاون مع مختلف الدول، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة.

التحرّك الذكي: كيف يمكن للمغرب موازنة علاقاته الاقتصادية وسط الصراع التجاري الدولي؟

في ظل التحديات الجيوسياسية المتسارعة، يجد المغرب نفسه أمام فرصة استراتيجية تاريخية لتعزيز مكانته الاقتصادية، لكنه في الوقت نفسه مطالبٌ باتخاذ خطوات دقيقة لتفادي الدخول في لعبة المحاور الكبرى. فالموقع الجغرافي الاستثنائي للمملكة، وانفتاحها الاقتصادي، وعلاقاتها المتعددة الأطراف، يجعل منها رقماً صعباً في معادلة الاقتصاد الدولي. إلا أن هذا الوضع يتطلب نوعاً من “التحرّك الذكي” الذي يوازن بين الفرص والمخاطر.

على المدى القريب، يمكن للمغرب اعتماد سياسة اقتصادية متوازنة تجمع بين تعميق شراكته مع الولايات المتحدة، والاستفادة من الفرص التفضيلية التي توفرها السوق الأمريكية بفعل الرسوم الجمركية المنخفضة، دون أن يبدو ذلك كموقف عدائي تجاه الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، يمكن تعزيز الاستثمارات الأمريكية في قطاعات جديدة كالهيدروجين الأخضر والرقمنة والتكنولوجيا الحيوية، في حين يظل التعاون مع أوروبا قائماً في مجالات مثل الطاقات المتجددة، الزراعة، والنقل.

أما مع الصين، فيتوجب على المغرب الاستمرار في استقطاب الاستثمارات الصناعية الضخمة، مثل مشروع “طنجة تيك”، لكن دون أن يربط مصيره الكلّي بها. من خلال التفاوض على عقود تضمن استقلالية القرار المغربي، وإدماج محتوى محلي مغربي عالي في هذه المشاريع، يستطيع المغرب الاستفادة من التكنولوجيا والخبرة الصينية دون أن يصبح مجرد محطة عبور نحو أوروبا.

ومع روسيا، يمكن للمغرب اتباع سياسة انفتاح حذرة قائمة على المصالح الاقتصادية البحتة، مثل شراء الحبوب والطاقة بأسعار تفضيلية، دون الارتباط بتحالفات سياسية قد تؤثر سلباً على صورته أمام شركائه الغربيين.

وفي هذا السياق، ينبغي تطوير أدوات السيادة الاقتصادية المغربية، من خلال ما يلي:

  1. تنويع الشركاء التجاريين: عدم الاكتفاء بثلاث قوى كبرى، بل الانفتاح على أسواق بديلة في آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية.
  2. تعزيز القيمة المضافة المحلية: من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتطوير سلاسل الإنتاج الصناعية المغربية، مما يحصّن الاقتصاد من الضغوط الخارجية.
  3. إنشاء مجلس وطني للرؤية الاستراتيجية الاقتصادية الدولية: يضم خبراء من مختلف القطاعات لوضع خريطة طريق مرنة لمواجهة التحديات المستقبلية.
  4. العمل على اتفاقيات شراكة ثلاثية: مثل شراكات تجمع بين المغرب، بلد إفريقي، وشريك دولي (أمريكي أو أوروبي أو آسيوي)، مما يمنح المملكة بعداً قارياً متميزاً.
  5. تحسين مناخ الأعمال أكثر فأكثر: عبر تسريع وتيرة الرقمنة، إصلاح منظومة الضرائب، وتبسيط المساطر الإدارية للمستثمرين الأجانب.

بهذه الرؤية الاستراتيجية، يمكن للمغرب ألا يكون مجرد “مستفيد ظرفي” من الصراعات التجارية بين القوى الكبرى، بل أن يتحول إلى قطب اقتصادي مستقل يملك قراره السيادي ويجني ثمار تعددية شراكاته، دون الوقوع في فخ التبعية لأي طرف.

الخلاصة

تُبرز التطورات الأخيرة في السياسات التجارية الأمريكية والأوروبية التحديات والفرص التي تواجه كل من إسبانيا والمغرب. بينما تسعى إسبانيا لحماية اقتصادها من التداعيات السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية، يعمل المغرب على الاستفادة من الفرص المتاحة لتعزيز موقعه الاقتصادي.

في هذا السياق، يبقى التعاون والحوار البناء بين البلدين والاتحاد الأوروبي أمراً ضرورياً لتحقيق التوازن في المصالح الاقتصادية وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

الجريمة في مجتمعاتنا: من تفكك القيم إلى الحاجة لرؤية شاملة – الأسباب، المظاهر، والحلول الممكنة (الجزء الأول)

بقلم بسيم الأمجاري كالعديد من المجتمعات، تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من الجرائم …

الأحلام: بين العلم والدين والأسطورة… ماذا يدور في عقولنا أثناء النوم؟

بقلم بسيم الأمجاري مقدمة منذ فجر البشرية، شكّلت الأحلام لغزاً محيراً للإنسان، حيث كانت تظهر …

ابدأ بالمشي اليوم: 30 دقيقة يومياً قد تغيّر صحتك بالكامل

بسيم المجاري في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل يومنا من …

من ابن مهاجرة فقيرة إلى رئيس لأكبر دولة في العالم: حكاية ترامب من الجذور إلى القمة

الجزء الثاني من المقال بقلم بسيم الأمجاري في زمن تتعدد فيه قصص النجاح وتختلف فيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *