
بقلم بسيم الأمجاري
عيد الفطر هو أحد أهم المناسبات الدينية لدى المسلمين، ويأتي بعد انتهاء شهر رمضان ليكون عيد الفرح والعبادة والشكر لله على إتمام الصيام. تختلف طريقة تحديد يوم العيد بين الدول الإسلامية. كما تختلف طريقة الاحتفال بهذه المناسبة بين الدول والشعوب وفقًا للعادات والتقاليد المحلية، لكن القاسم المشترك بينها جميعًا هو الأجواء الروحانية والبهجة التي تعمّ الأرجاء.
في هذا المقال، نستعرض في البداية طرق تحديد يوم عيد الفطر في مختلف الدول، وكذا أبرز العادات والتقاليد التي تميز احتفالات المسلمين بهذه المناسبة في مختلف دول العالم، بدءًا من الشرق الأوسط مرورًا بإفريقيا وآسيا وصولًا إلى الجاليات الإسلامية في الغرب.
أولا- اختلاف طريقة تحديد يوم عيد الفطر
يُعتبر تحديد بداية شهر شوال (عيد الفطر) من القضايا التي تختلف فيها الدول الإسلامية بسبب اختلاف المناهج المعتمدة في إثبات رؤية الهلال. فبعض الدول تعتمد على الرؤية بالعين المجردة، وأخرى تستخدم التلسكوبات، بينما تعتمد بعضها على الحسابات الفلكية بشكل كامل. هذا الاختلاف يؤدي أحيانًا إلى تفاوت في موعد العيد بين دولة وأخرى.
إذن، هناك ثلاث طرق رئيسية تستخدمها الدول الإسلامية لتحديد بداية شهر شوال:
1. الرؤية بالعين المجردة: تعتمد على شهود موثوقين دون استخدام أجهزة بصرية متطورة، وهي الطريقة التقليدية التي يتبعها بعض الدول.
2. الرؤية بالتلسكوب أو الأجهزة البصرية: تُستخدم التلسكوبات لتحسين فرص رؤية الهلال، خاصة في الظروف الجوية الصعبة.
3. الحساب الفلكي: تعتمد بعض الدول على الحسابات الفلكية لتحديد ولادة القمر وإمكانية الرؤية، دون اشتراط الرؤية الفعلية.
الدول العربية وطريقة تحديد رؤية الهلال
– السعودية: تعتمد الرؤية بالعين المجردة (لجنة مشهود لها بالسمة الشرعية).
– مصر والأردن وسوريا والعراق: تستخدم الحساب الفلكي مع اشتراط إمكانية الرؤية.
– المغرب وموريتانيا: تعتمدان على الرؤية (المغرب يشتهر بدقته في الرصد).
– تونس وليبيا: تستخدم الحسابات الفلكية مع مراعاة الرؤية.
– عُمان واليمن: تعتمدان على الرؤية بالعين المجردة غالبًا.
الدول الإفريقية
– نيجيريا والسنغال: تعتمدان على الرؤية بالعين المجردة.
– السودان والصومال: تستخدمان الحسابات الفلكية مع اشتراط الرؤية.
– إثيوبيا وجيبوتي: غالبًا ما تتبع السعودية أو الرؤية المحلية.
الدول الآسيوية
– إندونيسيا وماليزيا وبروناي: تعتمد على الرؤية المحلية مع بعض الاستعانة بالحسابات.
– باكستان وأفغانستان: تعتمدان على الرؤية بالعين المجردة.
– إيران: تستخدم الحساب الفلكي مع اشتراط ولادة الهلال قبل الغروب.
– الهند وبنغلاديش: تعتمدان على الرؤية، وغالبًا ما يختلفان عن السعودية.
الدول الأوروبية والأمريكية
– تركيا: تعتمد الحساب الفلكي دون اشتراط الرؤية (تتبع نظام “وحدة المطالع”).
– الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا: غالبًا ما تتبع السعودية أو بلد المنشأ، أو تعتمد قرارات المجالس الإسلامية المحلية التي تختلف بين الرؤية والحساب.

للاطلاع على مواضيع أخرى، يُرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com
الخلافات وأسباب الاختلاف
السبب الرئيسي للاختلاف هو تفسير الحديث النبوي:
“صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ” (صحيح البخاري).
فمنهم من يرى أن الرؤية يجب أن تكون بشرية، ومنهم من يقبل بالحساب الفلكي كبديل.
كخلاصة لهذه المسألة، يمكن القول إن الاختلاف في تحديد يوم العيد يظل أمرًا متكررًا كل عام بسبب اختلاف معايير الرؤية والحسابات الفلكية. ورغم ذلك، فإن عيد الفطر يظل مناسبة توحد المسلمين في الاحتفال والفرحة، حتى لو بدأ في أيام مختلفة حول العالم.
ثانيا- أبرز العادات والتقاليد التي تميز احتفالات المسلمين
1. الشرق الأوسط: مزيج من الروحانية والتقاليد العريقة
- السعودية: تكبيرات العيد والولائم الفاخرة
في السعودية، تبدأ الاحتفالات بصلاة العيد التي تُقام في الساحات والمساجد الكبرى، حيث يتجمع المصلون لأداء الصلاة والاستماع إلى خطبة العيد. بعد ذلك، يجتمع الأقارب لتبادل التهاني وتناول وجبة الإفطار التي تشمل الأطباق التقليدية مثل “الكبسة” و”الحنيني”. كما يعد تقديم العيدية للأطفال جزءًا أساسيًا من العيد، حيث يحصل الأطفال على نقود وهدايا من الكبار.
- الإمارات: احتفالات حديثة تجمع بين العادات والترفيه
تمتزج العادات التقليدية في الإمارات مع مظاهر الاحتفال الحديثة، حيث تُنظم المهرجانات والعروض الترفيهية في المولات والأماكن العامة. بالإضافة إلى ذلك، تعد الحلويات مثل “اللقيمات” و”البلاليط” من الأطباق المميزة التي تُقدَّم في هذا اليوم، كما يتم تبادل الهدايا والعيديات بين أفراد العائلة.
- مصر: كعك العيد وزيارة القبور
في مصر، يُعد “كعك العيد” من أهم مظاهر الاحتفال، حيث تحضّره العائلات في المنازل أو تشتريه من المخابز. كما يحرص الكثير من المصريين على زيارة المقابر صباح يوم العيد لقراءة الفاتحة على أرواح ذويهم المتوفين. بعد ذلك، تتوجه العائلات إلى المتنزهات والملاهي لقضاء يوم مليء بالفرح والاحتفالات.
2. إفريقيا: تقاليد تجمع بين الثقافة والدين
- المغرب: أجواء روحانية وعائلية مميزة
في المغرب، يبدأ عيد الفطر بصلاة العيد في المساجد والساحات العامة، ثم يتوجه الناس إلى منازل عائلاتهم لتبادل التهاني وتناول الإفطار التقليدي، الذي يتضمن الشاي بالنعناع والتمر والمأكولات التقليدية مثل “المسمن” و”البغرير” وغيره من الحلويات المتنوعة. كما يتميز العيد في المغرب بارتداء الملابس التقليدية مثل “الجلباب” و”القفطان”، وزيارة الأقارب والأصدقاء.
- نيجيريا: أعياد تجمع بين الألوان والموسيقى
في نيجيريا، تُقام احتفالات ضخمة خلال عيد الفطر، حيث تخرج العائلات بأجمل الملابس التقليدية المطرزة بألوان زاهية. كما يُنظَّم مهرجان “دوربار”، وهو عرض للفروسية يشارك فيه أمراء القبائل والمحليون، ويتميز بالموسيقى والرقصات الشعبية.
- السنغال: طابع صوفي مميز
نظرًا لانتشار الطرق الصوفية في السنغال، فإن احتفالات العيد هناك تحمل طابعًا صوفيًا، حيث تُقام حلقات الذكر والتواشيح الدينية في المساجد والزوايا الصوفية. كما يرتدي الرجال والنساء الملابس التقليدية المصنوعة من الأقمشة الملونة، ويتبادلون التهاني وسط أجواء من الفرح والبهجة.
3. آسيا: تنوع ثقافي واحتفالات غنية
- إندونيسيا: مدافع العيد والهجرة إلى القرى
في إندونيسيا، يُعرف عيد الفطر باسم “ليباران”، ويتميز بعادة “العودة إلى الوطن” أو “موديك”، حيث يسافر ملايين الأشخاص من المدن الكبرى إلى قراهم الأصلية لقضاء العيد مع أسرهم. كما يتم إطلاق مدافع العيد في بعض المناطق احتفالًا بهذه المناسبة، وتُعدّ أطباق مثل “الريندانغ” و”الكتوبات” جزءًا لا يتجزأ من مائدة العيد.
- باكستان: الأسواق الليلية وعيديات النساء
في باكستان، تبدأ الاستعدادات للعيد قبل أسابيع من حلوله، حيث تكتظ الأسواق الليلية بالمتسوقين الذين يشترون الملابس الجديدة والهدايا. ومن التقاليد الفريدة هناك، تقديم “عيديات” خاصة للنساء، والتي تُعرف باسم “إيدي”، حيث تحصل النساء على النقود من أقاربهن الذكور. كما يُعتبر “السيْوَيان” (الشعيرية بالحليب) الطبق الأساسي الذي يُقدَّم في كل بيت.
- الصين: عيد الفطر بين المسلمين الصينيين
رغم قلة عدد المسلمين في الصين، إلا أن احتفالاتهم بعيد الفطر تحمل طابعًا مميزًا، حيث يتوجه المسلمون إلى المساجد الكبرى في بكين وشينجيانغ وغيرها لأداء الصلاة، ثم يتناولون وجبات تقليدية مثل “لحم الضأن المطهو” و”النودلز اليدوية”. كما تُنظَّم مهرجانات ثقافية تعكس التراث الإسلامي في البلاد.
4. الجاليات الإسلامية في الغرب: الحفاظ على الهوية رغم الغربة
- الولايات المتحدة وكندا: الاحتفالات في الحدائق العامة
في أمريكا وكندا، يجتمع المسلمون لأداء صلاة العيد في الساحات والحدائق العامة بسبب العدد الكبير للمصلين. كما تُنظَّم فعاليات ترفيهية للأطفال وتوزيع الهدايا والعيديات. ونظرًا لأن العيد ليس عطلة رسمية، يحرص العديد من المسلمين على أخذ إجازات من العمل أو الدراسة للاحتفال بهذه المناسبة.
- فرنسا وألمانيا: موائد جماعية في المساجد
في الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا، تتجمع الجاليات المسلمة في المساجد لتناول الإفطار الجماعي بعد الصلاة، حيث تُقدَّم أطباق تقليدية من مختلف الثقافات الإسلامية. كما تُنظَّم أنشطة اجتماعية لتعزيز الروابط بين أفراد المجتمع الإسلامي.
خاتمة
يُعد عيد الفطر مناسبة توحّد المسلمين حول العالم رغم اختلاف ثقافاتهم وتقاليدهم، حيث يتشاركون في الفرح والاحتفال بهذه المناسبة الدينية العظيمة. من الشرق الأوسط إلى إفريقيا وآسيا، وصولًا إلى الجاليات الإسلامية في الغرب، تتنوع طرق الاحتفال ولكن يبقى جوهر العيد قائمًا على الفرح والتراحم والتقرب إلى الله.
هل لديك تقاليد خاصة بعيد الفطر في مدينتك أو قريتك، أو بلد ما؟ شاركنا بها في التعليقات.
وأينما كنت، أهنئك بحلول عيد الفطر السعيد. أعاده الله عليك بالصحة والعافية والتوفيق.