
بقلم بسيم الأمجاري
في السنوات الأخيرة، برز المغرب كنموذج متميز في مقاربة قضايا الهجرة، لا سيما تجاه المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء. تبنّت المملكة سياسة هجرة إنسانية ومتوازنة، جسّدها القرار الملكي بالسماح لمواطني العديد من الدول الإفريقية بالدخول إلى المغرب دون الحاجة إلى تأشيرة. هذه المقاربة رسّخت مكانة المغرب كدولة عبور واستقرار، وجعلته فضاءً مفتوحًا أمام الباحثين عن فرص أفضل في الحياة والعمل.
لكن هذه السياسة، رغم إنسانيتها وبعدها الإفريقي الاستراتيجي، أفرزت مجموعة من التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. تدفقات الهجرة غير المنظمة، وصعوبة مراقبة الحدود، إضافة إلى تنامي شبكات التهريب والإجرام، كلها مسائل تفرض اليوم مراجعة لضبط السياسات المعتمدة. فكيف يمكن تحقيق توازن بين حماية الحقوق الإنسانية للمهاجرين وضمان أمن واستقرار المملكة؟
سياسة المغرب في التعامل مع الهجرة الإفريقية: رؤية إنسانية في عمقها الإفريقي
اعتمد المغرب منذ سنوات رؤية جديدة للهجرة، قائمة على التضامن والتنمية المشتركة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء. وقد تجسّد ذلك في إطلاق برامج لتسوية أوضاع آلاف المهاجرين غير النظاميين، وتمكينهم من حقوق الإقامة، والعمل، والاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يعزز إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي.
كما ساهمت هذه السياسات في تحسين صورة المغرب دوليًا، باعتباره بلدًا يحترم التزاماته الحقوقية، ويتحمل مسؤوليته إزاء ظاهرة الهجرة التي تمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجهها القارة الإفريقية.
تداعيات تدفق المهاجرين الأفارقة على الأمن الداخلي والاجتماعي
رغم ما تحمله سياسة الانفتاح من مزايا، إلا أن التدفقات المكثفة للمهاجرين الأفارقة أفضت إلى تداعيات ملموسة على المستوى الأمني والاجتماعي، خاصة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وأكادير، بالإضافة إلى عدد من الأقاليم الأخرى المطلة على الشواطئ البحرية.
لقد شهدت بعض الأحياء المغربية ارتفاعًا في حالات التوتر والاحتكاك بين المواطنين والمهاجرين، في ظل ظروف معيشية صعبة، وغياب برامج إدماج فعالة، مما أدى إلى اندلاع صراعات بين الطرفين، كما حدث في مناسبات متعددة.
من جهة أخرى، أصبحت بعض المناطق مرتعًا لشبكات إجرامية تستغل الوضع القانوني غير الواضح لعدد من المهاجرين، وتورطهم في أنشطة مشبوهة، تتراوح بين الاتجار في البشر، وتهريب المخدرات، والسطو، وحتى المشاركة في عصابات منظمة، مما يهدد الأمن والاستقرار داخل التراب المغربي.
الهجرة غير النظامية وتحدي حماية الحدود المغربية
تضاعفت الضغوط على المغرب، باعتباره معبرًا رئيسيًا للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، خاصة نحو مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين. وتكبدت المملكة كلفة مالية وبشرية هائلة للسيطرة على حدودها الشمالية، حيث تم تجنيد موارد كبيرة لمنع اقتحام السياجات الحدودية من طرف مهاجرين غير شرعيين، أحيانًا بطرق عنيفة.
تُقدّر الميزانيات المخصصة لمراقبة الحدود، وتعزيز التواجد الأمني، ومكافحة شبكات تهريب البشر بملايين الدراهم سنويًا، وهي موارد كان من الممكن استثمارها في قطاعات تنموية أكثر إلحاحًا لولا تنامي هذه الظاهرة.
الحاجة إلى سياسة هجرة أكثر ضبطًا وتنظيمًا
أمام هذه المعطيات، أصبح من الضروري إرساء سياسة هجرة أكثر صرامة، تأخذ بعين الاعتبار التحديات الأمنية والاقتصادية، مع احترام المبادئ الإنسانية التي دافعت عنها المملكة منذ سنوات. ويمكن تلخيص ملامح هذه السياسة في ما يلي:
1. إعادة النظر في سياسة الإعفاء من التأشيرات
إن السماح بدخول المواطنين الأجانب إلى المغرب دون تأشيرة، وخاصة منهم القادمين من الدول الإفريقية أصبح يستدعي مراجعة عاجلة، نظرًا لتبعاته الأمنية، وضرورة التأكد من هوية القادمين إلى المملكة، ومدى امتلاكهم للأوراق الثبوتية السليمة.
فرض التأشيرة سيتيح للدولة المغربية التحقق من الخلفيات الأمنية والقانونية للأفراد الراغبين في الدخول، كما سيمكن من انتقاء الأشخاص المؤهلين للمساهمة في سوق الشغل المغربي، والحد من تسلل العناصر الإجرامية أو المتطرفة.
2. ضبط الإقامة القانونية ومراقبة الأنشطة المهنية للمهاجرين
يجب وضع نظام صارم لمنح الإقامة، يقتصر على من يثبت قدرته على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، ومن يقدم قيمة مضافة لسوق العمل. ويتعين مراقبة الأنشطة المهنية لهؤلاء المهاجرين بانتظام، للتأكد من احترامهم للقوانين المغربية، وعدم انخراطهم في أعمال مشبوهة.
3. مواجهة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود
ينبغي تعزيز التعاون الأمني مع الدول الإفريقية والأوروبية، من أجل تتبع وتفكيك الشبكات الإجرامية التي تنشط في تهريب البشر والاتجار بالمخدرات، والتي تستغل التسهيلات القانونية لاستقطاب مهاجرين وتحويلهم إلى أدوات في أنشطتها غير القانونية.
كما يجب الرفع من قدرات الأجهزة الأمنية المغربية في مجال مراقبة الحدود، والتزود بوسائل تكنولوجية متقدمة لرصد محاولات التسلل، سواء عبر البر أو البحر.
4. تعزيز التنسيق مع الدول الإفريقية لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية
يتعين تعزيز التعاون الدبلوماسي مع دول المنشأ، لضبط تدفق المهاجرين، وتحقيق تنمية اقتصادية محلية تحد من دوافع الهجرة، وذلك عبر استثمارات الدول الأوربية التي تعاني من تدفق الهجرة مباشرة في هذه البلدان، أو دعم مشاريع البنية التحتية والصحة والتعليم بها.

المغرب وتنظيم كأس العالم 2030: الحاجة إلى فضاء آمن ومستقر
يُعد فوز المغرب بشرف تنظيم كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، إنجازًا تاريخيًا يحمل معه تحديات كبرى، لا سيما على المستوى الأمني واللوجستي. فالمملكة، التي تطمح إلى تقديم نسخة استثنائية من هذا العرس الكروي العالمي، بحاجة إلى توفير بيئة آمنة ومستقرة، قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الجماهير، وضمان انسيابية تدفق السياح والمشجعين من مختلف أنحاء العالم.
- التحديات الأمنية المرتبطة بتنظيم كأس العالم
تنظيم حدث عالمي بهذا الحجم يفرض على المغرب تعزيز جاهزيته الأمنية، خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية التي تشهد تهديدات متزايدة من الإرهاب، وشبكات الجريمة العابرة للحدود، والهجرة غير النظامية. ومن بين أبرز المخاوف التي يجب التعامل معها بصرامة:
• مخاطر التسلل والهجرة غير الشرعية
مع التدفق المحتمل للمشجعين والسياح، قد تحاول بعض الشبكات استغلال الحدث لتمرير مهاجرين غير شرعيين إلى المغرب، سواء للاستقرار داخله أو لمحاولة العبور نحو أوروبا. لذا، من الضروري تعزيز آليات الرقابة على الحدود والمطارات والموانئ، وتكثيف عمليات التدقيق في هويات القادمين.
• الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر
يزداد نشاط العصابات المنظمة خلال الفعاليات الكبرى، مستغلة تدفق الجماهير وازدحام المدن. وقد يشمل ذلك عمليات النصب، والسرقة، والاتجار بالبشر. وهذا يتطلب خطة أمنية صارمة تشمل مراقبة مكثفة للأحياء السياحية، وتعزيز الحضور الأمني في المناطق الحساسة، إضافة إلى تفعيل وحدات استخباراتية متخصصة في رصد الشبكات الإجرامية.
• التهديدات الإرهابية والتطرف
في ظل التهديدات الإرهابية التي تستهدف التجمعات الكبرى، يتعين على المغرب اتخاذ تدابير استباقية، مثل تفعيل نظام استخباراتي مشدد، والتعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين لرصد أي تهديد محتمل. كما أن تكثيف الرقابة الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي قد يساعد في تتبع أي تحركات مشبوهة قبل وقوع أي حادث.
2. استراتيجية المغرب لضمان الأمن خلال كأس العالم
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج المملكة إلى اعتماد استراتيجية أمنية متعددة الأبعاد، تتضمن:
• تشديد الرقابة على الحدود: من خلال تعزيز تقنيات المراقبة الذكية في المطارات والموانئ، وتطبيق نظام صارم لمنح التأشيرات، مما يساعد على ضبط حركة الدخول والخروج من البلاد.
• تعزيز التنسيق الأمني مع الدول الشريكة: نظرًا لأن البطولة ستُقام بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، فإن التعاون الأمني الثلاثي ضروري لضمان تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق في عمليات تأمين الملاعب والمرافق السياحية.
• توسيع البنية التحتية الأمنية: عبر تطوير مراكز المراقبة الأمنية، وتحديث أنظمة المراقبة بالكاميرات، ونشر قوات أمنية مدربة على التعامل مع الحشود.
• إشراك المجتمع في المنظومة الأمنية: من خلال حملات توعية للمواطنين، وتحفيزهم على الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، مما يخلق بيئة يقظة ومتعاونة بين الدولة والمجتمع.
3. البعد الاقتصادي والسياحي لاستقرار المغرب
إلى جانب الجانب الأمني، فإن نجاح كأس العالم في المغرب يعتمد أيضًا على توفير بيئة اقتصادية مستقرة، قادرة على استيعاب الارتفاع المتوقع في الاستثمارات والسياحة. ولهذا، فإن معالجة قضايا الهجرة غير النظامية، ومحاربة البطالة، وتحسين البنية التحتية، كلها عوامل ضرورية لجعل المغرب وجهة أكثر جذبًا للسياح والمستثمرين خلال الحدث وبعده.
إن استضافة كأس العالم 2030 ليست مجرد حدث رياضي، بل هي اختبار لقدرة المغرب على فرض الأمن والاستقرار، وإدارة تدفقات بشرية هائلة بطريقة منظمة. ولتحقيق ذلك، يجب الجمع بين مقاربة أمنية استباقية، وسياسات ضبط محكمة للهجرة، واستراتيجية اقتصادية مستدامة. فقط بهذه الطريقة، يمكن للمغرب أن يحقق النجاح في هذا التحدي التاريخي، ويعزز مكانته كوجهة عالمية آمنة وجاذبة.
خاتمة: التوازن بين حقوق الإنسان ومتطلبات الأمن الوطني
لقد نجح المغرب، خلال العقدين الأخيرين، في رسم صورة بلد متسامح ومتضامن مع الشعوب الإفريقية، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة. غير أن التحولات الراهنة، والتحديات الأمنية المتنامية، تفرض مراجعة شاملة للسياسات المتبعة، لضمان توازن بين البعد الإنساني واحترام حقوق المهاجرين، وبين واجب حماية السيادة الوطنية وضمان أمن المواطنين.
إن فرض التأشيرة، وتنظيم الإقامة، وانتقاء الكفاءات القادرة على الإسهام في التنمية الاقتصادية، خطوات ضرورية في هذه المرحلة الدقيقة، للحفاظ على مكانة المغرب كدولة مستقرة وآمنة، خاصة في أفق استحقاقات كبرى مثل كأس العالم 2030، التي تتطلب تعزيز الجبهة الداخلية، أمنًا وتنميةً واستقرارًا.