الشغب الكروي في المغرب: الأسباب والحلول الممكنة

بسيم الأمجاري

تُعتبر كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في المغرب، وتشكّل المباريات الكروية فرصة للفرجة الممتعة تجمع آلاف المشجعين من مختلف الأعمار والخلفيات. غير أن الملاعب تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مسارح للشغب والعنف الذي يخلّف خسائر مادية وبشرية جسيمة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة المتنامية والحلول الممكنة للحد منها.

ظاهرة الشغب الكروي وأبعادها في المغرب

يُعدّ الشغب الكروي ظاهرة اجتماعية خطيرة تتجلى في تصرفات عدوانية وأحداث عنف داخل وخارج الملاعب، تتسبب في تدمير الممتلكات وإلحاق الأذى بالمشجعين ورجال الأمن. في كل موسم رياضي، نسمع عن مواجهات دامية بين مشجعي الفرق المتنافسة، مما يخلّف إصابات خطيرة وأحيانًا وفيات. فضلاً عن ذلك، يتكبد الاقتصاد الوطني خسائر بسبب تخريب المنشآت الرياضية، تكسير السيارات، وإلحاق الضرر بالمرافق العامة، فضلا عن إلحاق خسائر بالممتلكات الخاصة للمواطنين.

الخسائر الناجمة عن الشغب

أعمال الشغب تمثل كارثة بكل المقاييس، إذ تحمل في طياتها خسائر فادحة، وتنشر حالة من الفوضى العارمة التي يستحيل السيطرة عليها أو التنبؤ بمدى تبعاتها. وغالبًا ما يترتب على هذه الفوضى:

  • خسائر بشرية: قد تشمل الوفيات والإصابات الجسدية بين المشجعين وقوات الأمن، وحتى المواطنين الذين يتصادف وجودهم قرب الملاعب.
  • خسائر مادية: تتمثل في إتلاف المنشآت الرياضية ككراسي المدرجات والإنارة العمومية وتخريب السيارات وواجهات المحلات خارج الملاعب، وإتلاف الممتلكات.
  • خسائر معنوية: تساهم هذه الظاهرة في إضعاف صورة البلاد دوليًا وإحباط معنويات الجماهير الحقيقية التي تبتعد عن الملاعب خشية العنف.

أسباب الشغب الكروي في المغرب

يمكن إيجاز هذه الأسباب فيما يلي:

  1. ضعف التربية الرياضية: يغيب عن معظم الجماهير مفهوم التشجيع الرياضي القائم على احترام الفريق المنافس وقبول الخسارة. وهذا السلوك السلبي يتغذى على غياب برامج تعليمية وتوعوية، سواء في المدارس أو الأندية، التي تُعلّم الأجيال الناشئة أهمية الروح الرياضية. إلى جانب ذلك، هناك دور لبعض وسائل الإعلام غير المسؤول أحيانًا، الذي يضخم الأحداث أو يشحن الجماهير بدل تهدئتهم.
  2. العوامل الاقتصادية والاجتماعية: يلعب الفقر والتهميش دورًا كبيرًا في دفع الشباب إلى تبني سلوكيات عدوانية للتعبير عن الغضب والإحباط. مما يحول المباريات إلى ساحات تتجاوز الرياضة، حيث يُعبّر البعض عن غضبهم المكبوت تجاه المجتمع من خلال تصرفات عدوانية وشغب جماعي.

إلى جانب ذلك، قد يكون لضعف وجود البدائل الترفيهية والثقافية دورًا في جعل الملاعب مركزًا للتوتر بدلًا من المتعة، مما يُحول المناسبة الرياضية إلى منصة للفوضى.

  • غياب الرقابة والتنظيم: ضعف التدابير الأمنية ونقص الكاميرات داخل الملاعب يجعل من الصعب ضبط مثيري الشغب. وقد يكون أحيانا الشغب ناتج عن فجوات في التخطيط الأمني، مثل قلة عدد أفراد الأمن أو عدم نشرهم في أماكن مرور جحافل المشجعين خارج الملاعب أو عدم تدريبهم بشكل كافٍ للتعامل مع مثل هذه الأوضاع الحساسة. وقد يسهم عدم تأطير المشجعين أيضا وتركهم من دون توجيه واضح، في تفاقم الازدحام والفوضى.

إضافةً إلى ذلك، قد تعاني بعض الملاعب من سوء التنظيم، مثل ضعف التنسيق بين الجهات الأمنية داخل مربعات المشجعين المتنافسين وعدم وضوح خطط التدخل السريع لاحتواء أي توتر. كما أن عدم تخصيص حواجز  وممرات لفصل الجماهير المتنافسة قد يساهم في تفاقم الاحتكاكات.

  • التعبئة السلبية: تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا في التحريض على العنف بين الجماهير، من خلال نشر رسائل الاستفزاز والدعوات للانتقام. فبضغطة زر، يمكن لمقاطع الفيديو أو المنشورات التحريضية أن تنتشر كالنار في الهشيم، مما يخلق حالة من التوتر قبل المباريات وبعدها. تلك الرسائل تستهدف إثارة المشاعر السلبية، خاصة بين الشباب، مما يؤدي إلى زيادة حدة الاحتقان في الملاعب وخارجها.
  • انتشار القاصرين: يشكل القاصرون نسبة كبيرة من المشجعين، بسبب غياب الإشراف الأبوي واندفاعهم العاطفي دون وعي بعواقب أفعالهم. لأجل ذلك، يلاحظ أن نسبة كبيرة من المشاركين في أحداث الشغب هم من القاصرين. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها غياب المراقبة الأبوية، وميل هؤلاء الشباب إلى أن يكونوا عرضةً للتأثر بالأجواء المشحونة، في ظل غياب من يوجههم نحو السلوكيات الإيجابية.

يضاف إلى ذلك الاندفاع العاطفي الذي يميز هذه الفئة العمرية، حيث تغلب الحماسة على الحكمة، مما يجعلهم غير واعين بتبعات أفعالهم، سواء على أنفسهم أو على الآخرين. وفضلا عن ذلك، فإن غياب الأنشطة الترفيهية والتثقيفية البديلة يدفعهم للبحث عن الانتماء إلى مجموعات المشجعين التي قد تتبنى سلوكيات عنيفة، مما يُعمّق المشكلة.

الفئات المساهمة في الشغب

أبرز الفئات التي تشارك في أعمال الشغب هم:

  • المجموعات المشجعة : لا أحد يناقش الأدوار الإيجابية للالترات في دعم الفرق، إلا أن بعض الاشخاص وإن قل عددهم، ممن ينتسبون إلى هذه المجموعات قد يتسببون بسبب الاندفاع في تأجيج التوتر من خلال رفع شعارات استفزازية أو الرد على شعارات مستفزة أخرى، مما قد يؤدي الى التصادم مع مشجعي الفريق المنافس. كما أن شعور بعض هذه المجموعات بالقوة أو الحصانة قد يدفعها في جو الانفعال لتجاوز القوانين، مما يُؤدي إلى اصطدامها مع قوات الأمن أو الجمهور المشجع للفريق المنافس.
  • المراهقون والقاصرون: يمثلون الفئة الأكبر بين مثيري الشغب، حيث يتأثرون بسرعة بالأجواء الحماسية، ويتحركون بدافع الرغبة في الانتماء أو إثبات الذات داخل مجموعات المشجعين، دون التفكير في عواقب أفعالهم. كما أن غياب النضج العاطفي يجعلهم أكثر عرضة للاستجابة السريعة للتحريض أو الاستفزاز من الجماهير المتنافسة.
  • المشجعون المندسون: هناك أفراد يشاركون في الشغب لأسباب لا علاقة لها بالرياضة بل بهدف التخريب أو السرقة، مستغلين الفوضى الناتجة عن الأجواء المشحونة في الملاعب أو خارجها. وجودهم مثل هؤلاء الأشخاص داخل المشجعين يُعقّد التعامل مع الشغب، مما يجعلهم عنصرًا رئيسيًا في تفاقم الأضرار.

الحلول الممكنة للحد من الظاهرة.

للحد من هذه الظاهرة المشينة، يمكن اقتراح بعض الحلول التالية:

  1. التوعية والتربية الرياضية: يجب تعزيز القيم الرياضية بين الجماهير من خلال حملات توعوية، خصوصًا في المدارس، لتشجيع سلوك التشجيع الإيجابي واحترام المنافس.
  2. رفع أسعار التذاكر وتوسيع العمل بنظام الانخراط: اعتماد تذاكر بأسعار مرتفعة قد يقلل من حضور القاصرين والمشاغبين غير المهتمين فعليًا بكرة القدم. إضافة إلى ذلك، يمكن توسيع العمل بنظام الانخراط بين المشجعين الذي يضمن حضور المشجعين الموثوقين فقط.
  3. ربط بيع التذاكر ببطاقة التعريف الوطنية: يتيح هذا الإجراء تتبع هوية المشترين للبطائق وتحديد أماكن جلوسهم والمسؤولين عن أي شغب قد يحدث، ومنع المشاغبين المعروفين لدى السلطات المنية من ولوج الملاعب.
  4. نشر كاميرات مراقبة داخل وخارج الملاعب: وجود كاميرات حديثة يسهل عملية التعرف على مثيري الشغب لترتيب المسؤوليات عند الاقتضاء.
  5. تشديد العقوبات: تطبيق عقوبات صارمة على من يلحقون أضرارًا بالممتلكات أو يعتدون على الآخرين، كالغرامات الكبيرة والسجن، مما قد يشكّل رادعًا قويًا يحد من ظاهرة شغب الملاعب.
  6. تعزيز الحضور الأمني: توفير عدد كافٍ من رجال الأمن المدربين على التعامل مع الجماهير بطريقة احترافية، دون استفزاز أو عنف.
  7. منع القاصرين دون ولي أمر: يُعد حضور القاصرين إلى الملاعب دون رقابة أبوية أحد أبرز أسباب الشغب، لذا يجب وضع قوانين تمنع دخولهم الملاعب بمفردهم.
  8. تعزيز التعاون بين الأندية والجماهير: يجب أن تبذل الأندية جهودا للتواصل مع مشجعيها، خاصة “الإلترات”، لتوجيههم نحو التشجيع الحضاري وتجنب العنف.

التجارب الدولية الملهمة

  • تجربة إنجلترا: نجحت إنجلترا في القضاء على ظاهرة “الهوليغانز” الشهيرة عبر قوانين صارمة شملت السجن طويل الأمد لمثيري الشغب، وتطبيق نظام بيع التذاكر الإلكتروني الذي يمنع دخول المشاغبين المعروفين.
  • تجربة ألمانيا: تعتمد ألمانيا على التواصل المستمر مع الجماهير عبر الأندية، بجانب تجهيز الملاعب بكاميرات متطورة تُستخدم لتوثيق أي تصرف غير قانوني.
  • تجربة اليابان: تشتهر اليابان بجماهيرها المنظمة والمتحضرة، بفضل التربية الرياضية التي تبدأ من المدارس، إضافة إلى استخدام تقنيات حديثة لضمان تنظيم مثالي للمباريات.

رأي في الحلول المقترحة

تبني فكرة رفع أسعار التذاكر، وربط بيعها ببطاقة التعريف الوطنية، ومنع دخول القاصرين دون ولي أمر، والمشاغبين يمكن أن يكون فعالًا للحد من الظاهرة. كما أن نشر كاميرات المراقبة يعد خطوة مهمة لضبط كل خرق للقوانين. ومع ذلك، ينبغي أن ترافق هذه التدابير خطط تربوية طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الثقافة السائدة، وتقديم برامج اجتماعية توفر للشباب متنفسًا آخر بعيدًا عن العنف.

خاتمة: ظاهرة الشغب الكروي ليست مجرد مشكلة رياضية بل هي انعكاس لواقع اجتماعي يحتاج إلى معالجة شاملة. بين التوعية والتشديد القانوني، يمكن للمغرب الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة لبناء ملاعب أكثر أمانًا وتشجيع ثقافة رياضية قائمة على الاحترام والمتعة. كرة القدم لعبة تجمع الشعوب، ويجب أن تظل كذلك بعيدًا عن أي مظاهر عنف قد تفرّق بينها.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

أمريكا في عهد ترامب: وعود العصر الذهبي بين التحديات والفرص

بسيم الأمجاري مع تنصيبه اليوم 20 يناير 2025، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلمة مثيرة …

الصراع حول الصحراء المغربية: بين المواقف الدولية وتوازنات القوى الكبرى

بسيم الأمجاري تعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، حيث تشكل …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *