حين يعصر القلب دماً: المغرب والجزائر بين الأخوة المغدورة والعداء المفتعل

بسيم الأمجاري

ليس من السهل كتابة هذا المقال، لكنه ضرورة تفرضها تصرفات حكام الجزائر التي انحرفت بعيداً عن المنطق والحكمة، لتعمق جراحاً لم تندمل بين شعبين تجمعهما روابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك. أكتب اليوم بصفتي مغربياً يعتز بوطنه ويشعر بألم عميق على الأخوة المغدورة، أملاً في أن تنتهي هذه الحقبة السوداء من العداء المفتعل الذي لا يخدم سوى أعداء شعوب المنطقة.

يد ممدودة وجحود متكرر

منذ اعتلائه العرش، حرص جلالة الملك محمد السادس على مد يده لجيران المغرب، داعياً إلى فتح صفحة جديدة من التعاون القائم على حسن الجوار والاحترام المتبادل. تلك الدعوات، التي تكررت في خطب ملكية عديدة، لم تكن مجرد كلمات بل تعبير عن سياسة دولة عريقة تؤمن بالوحدة والاستقرار.

لكن، مقابل هذه اليد الممدودة، أصر حكام الجزائر على الرد بالجحود والمواقف العدائية. بدءاً من دعم الحركات الانفصالية التي تستهدف وحدة المغرب الترابية، في الصحراء وشمال المملكة، مروراً بعرقلة مساعي التعاون الإقليمي، وصولاً إلى سلوكيات مشينة تمس كرامة المغرب وشعبه في الداخل والخارج.

موقف المغرب تجاه الجزائر: التاريخ شاهد

حين كانت الجزائر تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، لم يتردد المغرب في الوقوف إلى جانبها، ملكاً وشعباً. فتح المغاربة بيوتهم وقلوبهم للاجئين الجزائريين، وساندوا الثورة الجزائرية بالسلاح والمواقف السياسية في المحافل الدولية. كان الملك الراحل محمد الخامس صوتاً مدوياً في الدفاع عن استقلال الجزائر، بل إن الشعب المغربي اقتسم لقمة عيشه مع إخوته الجزائريين الفارين من ويلات الحرب.

لكن، بعد استقلال الجزائر، انقلب حكامها على هذه الأخوة الصادقة، واختاروا مساراً عدائياً تجسد في سلسلة من الجرائم السياسية والإنسانية.

طرد الآلاف المغاربة في يوم عيد

في ديسمبر 1975، وبالتزامن مع عيد الأضحى، قامت السلطات الجزائرية بطرد حوالي 45 ألف مغربي من أراضيها، في واحدة من أكثر الجرائم اللاإنسانية التي شهدتها المنطقة. جُرّد هؤلاء من ممتلكاتهم، وفرقوا عن عائلاتهم في مشهد يندى له الجبين. كان ذلك رداً حقوداً على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء، التي أعادت الصحراء إلى حضن الوطن.

جزيرة ليلى… وغياب الجار

عندما تعرضت جزيرة ليلى المغربية لهجوم من إسبانيا عام 2002، وقف العالم العربي والإسلامي صفاً واحداً داعماً للمغرب، باستثناء الجزائر، التي اختارت الوقوف مع المعتدي في موقف يكشف عن عداء مبدئي وغير مبرر.

تسريب السلاح وإشعال الفتن

خلال عقود، دعمت الجزائر تسريب السلاح إلى جماعات معادية للمغرب، وسعت إلى زعزعة استقراره. من السبعينيات وحتى اليوم، كان الدعم الجزائري للانفصاليين مكشوفاً ومستمراً، حيث انطلقت الهجمات بالعتاد العسكري على المغرب من الأراضي الجزائرية، في خرق واضح لقواعد حسن الجوار.

مواقف تخجل منها السياسة

لم تكتف القيادة الجزائرية بالعداء السياسي، بل تبنّت مواقف وتصرفات تعبر عن انعدام الرشد السياسي. من رفض رفع العلم المغربي في بعض المنافسات الرياضية، إلى قطع النشيد الوطني المغربي أحيانا، وإقالة إعلاميين بسبب ذكرهم لانتصارات مغربية، وصولاً إلى حذف المدن المغربية من النشرات الجوية.

وفي سياق أقل ما يُقال عنه إنه معيب، جُيّش بعض الجماهير الجزائرية لتشجيع الفرق المنافسة للمغرب في كأس العالم بقطر، بينما كان المغرب يمثل العرب والمسلمين في أبهى صورة. أضف إلى ذلك إغلاق أنبوب الغاز نحو أوروبا، إغلاق الأجواء في وجه الطيران المغربي، وحرمان الصحفيين المغاربة من تغطية الأحداث الرياضية، بل وحتى قتل شباب مغاربة رمياً بالرصاص بعد دخولهم عن طريق الخطأ للمياه الجزائرية.

سلوكيات تخدم أجندات خارجية

كل هذه الممارسات لا تخدم إلا أجندات القوى الاستعمارية الجديدة التي تسعى لإبقاء المنطقة في حالة تشرذم وضعف. إن استمرار الصراع المفتعل بين المغرب والجزائر يمنح القوى الأجنبية فرصة ذهبية لاستغلال المنطقة وإجهاض أي مشروع للوحدة والتنمية المشتركة.

الجزائر في عزلة دولية

بينما يتزايد الدعم الدولي للموقف المغربي بشأن الصحراء، يزداد حكام الجزائر عزلة. فالدول العربية والإفريقية والغربية اختارت أغلبها الوقوف مع المغرب في دفاعه عن وحدته الترابية، بينما يصر حكام الجزائر على سياسات خاسرة لا تزيدهم إلا ابتعاداً عن محيطهم العربي والإفريقي والدولي.

صوت الحكمة والمستقبل المشترك

رغم كل هذه التصرفات، ظل المغرب وفياً لقيمه الحضارية، متجنباً الانجرار وراء الاستفزازات. لقد أظهر المغرب أن قوته الحقيقية تكمن في التزامه بالحوار واحترام الجوار.

لكن الألم يظل حاضراً، ليس فقط بسبب عداء حكام الجزائر، بل أيضاً بسبب ضياع فرصة تاريخية لبناء مستقبل مشرق يجمع شعوب المنطقة.

خاتمة: أمل في فجر جديد

ما أكتبه اليوم ليس هجوماً على الشعب الجزائري الشقيق، بل دعوة صادقة لإعادة الأمور إلى نصابها. إن شعوبنا تستحق أفضل من هذا الواقع المرير الذي فُرض عليها.

سنظل نأمل في بزوغ فجر يوم جديد، يوم تختفي فيه أصوات الفرقة والتفرقة، وتعلو أصوات الحكمة والاتحاد. يوم تعود الجزائر إلى مكانتها الطبيعية كأخ وشريك للمغرب في بناء مغرب عربي قوي ومزدهر.

هذا الأمل سيظل قائماً، وسنبقى نؤمن أن الشعبين قادران على تجاوز هذه المحنة، وكتابة صفحة جديدة من تاريخ الأخوة والتعاون.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

مستقبل سوريا في ظل التقلبات الجيوسياسية: مواقف مختلف القوى ومصالحها المتناقضة

تعد الأزمة السورية من أبرز الأزمات الجيوسياسية التي هزت منطقة الشرق الأوسط في العقد الأخير. …

هل تتغير قواعد اللعبة في غزة؟ قراءة في أنباء المفاوضات بين إسرائيل وحماس

بسيم الأمجاري تشهد الساحة السياسية والإعلامية حاليًا ترويجًا مكثفًا لأنباء تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *