تُعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمغرب، بعد مشاركته في قمة مجموعة العشرين في البرازيل وزيارته الرسمية للبيرو، حدثاً استثنائياً في سياق العلاقات المغربية-الصينية. ورغم أن الزيارة كانت قصيرة وغير رسمية، إلا أن اختيار المغرب محطة بعد جولته في أمريكا اللاتينية يحمل العديد من الدلالات الاستراتيجية التي تستحق التحليل.
فالموقع الجغرافي المميز للمغرب، كبوابة لإفريقيا ونقطة التقاطع بين الشرق والغرب، أصبح محط أنظار العديد من القوى العالمية. لذلك، فإن هذه الزيارة تحمل عدة دلالات لها علاقة بتقوية التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الحضور الصيني في المنطقة.
المغرب في قلب الرؤية الصينية للتعاون الدولي
تمثل هذه الزيارة إشارة إلى الموقع المحوري الذي بات يحتله المغرب في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، التي تسعى الصين من خلالها لتعزيز الربط التجاري والاقتصادي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. يُعتبر المغرب بوابة طبيعية للصين إلى أسواق أوروبا وغرب أفريقيا، لما يتوفر عليه من بنية تحتية متطورة، كميناء طنجة المتوسط الذي يعد من بين الموانئ الكبيرة في المنطقة، يُساهم في تسهيل التجارة البحرية نحو أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
كما المغرب يتوفر على موانئ أخرى مطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي منها موانئ تجارية دولية وموانئ عبور أو ترفيه، وموانئ للصيد البحري، فضلا عن بنية طرقية وسككية، مما يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية مع المغرب ويجعله منصة رئيسية للصين لدخول الأسواق الأوروبية والإفريقية.
تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين
يعد المغرب أول بلد في إفريقيا ينضم إلى مبادرة “الحزام والطريق” خلال يناير 2022، وهي مبادرة صينية تعرف أيضا بـ “طريق الحرير” للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلدا.
هذه المبادرة أطلقها الرئيس الصيني سنة 2013، بهدف إنشاء حزام بري من سكك حديدية وطرق برية عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.
وقد شهدت العلاقات المغربية-الصينية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية سنة 2016، وانضمام المغرب إلى مبادرة “الحزام والطريق” عام 2017.
زيارة الرئيس الصيني، حتى وإن كانت قصيرة، إلا أنها تؤكد الرغبة في تعزيز هذه الشراكة، لا سيما في ظل الاهتمام الصيني بالاستثمار في القطاعات الحيوية بالمغرب كالصناعة، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية.
رمزية الزيارة في ظل المنافسة الدولية
زيارة الرئيس الصيني للمغرب تحمل في طياتها رسالة رمزية ذات أبعاد استراتيجية، خاصة في ظل المنافسة بين القوى العظمى على النفوذ في الأسواق الواعدة. ومن خلال اختيار المغرب، تعي الصين أهمية التعاون مع الدول المستقرة سياسيا واقتصاديا ولديها رؤية استراتيجية واضحة للتنمية، مقارنة ببعض الدول الأخرى في المنطقة.
إن هذه المبادرة لا يجب النظر إليها على أنها مجرد زيارة عابرة غير ذات مدلول، بل هي إشارة من بكين، لتأكيدها سعيها إلى تعزيز علاقتها مع شريك موثوق، يشكل نموذجًا ناجحًا للاستقرار والتقدم في المنطقة.
البعد الدبلوماسي والثقافي
لا يمكن إغفال البعد الدبلوماسي والثقافي لهذه الزيارة. فالمغرب يُعتبر نموذجاً للتسامح الثقافي والديني في المنطقة مما يجعله شريكا مثاليا للصين لتعزيز حضورها على المستويين الثقافي والدبلوماسي. ويُرجّح أن تسعى بكين للاستفادة من هذا النموذج لتعزيز روابطها الثقافية مع العالم الإسلامي ودول أفريقيا التي تربطه بالمغرب روابط اقتصادية وثقافية وروحية ضاربة في التاريخ.
الآفاق المستقبلية للتعاون
رغم قصر مدة الزيارة وعدم رسمتيها، فإنها تفتح الباب أمام تعزيز التعاون في مجالات عدة، من بينها:
- الطاقة المتجددة: بالنظر إلى المشاريع الكبرى التي يطلقها المغرب، مثل محطة نور للطاقة الشمسية، يمكن أن تجد الشركات الصينية فرصاً استثمارية واعدة.
- التجارة والتصنيع: المغرب يسعى لأن يصبح مركزاً إقليمياً للصناعات الموجهة للتصدير، وهو ما يتوافق مع الأجندة الاقتصادية الصينية، وخاصة في مجال تصنيع السيارات وتصنيع بطاريات الليثيوم المخصصة للسيارات الكهربائية ومشاريع السكك الحديدية.
- تحلية ماء البحر: من المشاريع الراهنة التي فرضت نفسها لإيجاد حلول لتوفير مياه الشرب بعد سنوات الجفاف الأخيرة وتراجع الموارد المائية الجوفية.
- التكنولوجيا: مع ازدياد التوجه نحو الرقمنة والابتكار، يمكن للصين دعم مشاريع البنية التحتية الرقمية في المغرب.
- الشراكة في إنجاز خط الغاز المغربي النيجيري، وتعزيز ولوج بلدان الساحل للمحيط الأطلسي وتحفيز التنمية الاقتصادية على طول الساحل الأطلسي الافريقي وخارجه.
- مشاريع إعداد البنية التحية في إطار استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم عام 2030 رفقة إسبانيا وفرنسا.
- تعزيز التعاون السياحي بين المغرب والصين.
خاتمة: موقع المغرب في لعبة التوازنات الدولية
زيارة الرئيس الصيني للمغرب تؤكد أن المملكة أصبحت رقماً مهماً في معادلة التوازنات الدولية. وعلى الرغم من الطابع غير الرسمي للزيارة، إلا أنها تحمل دلالات استراتيجية تؤكد عمق العلاقة بين البلدين ورغبة الصين في تعزيز حضورها في المنطقة عبر بوابة المغرب.
هذه الخطوة تشكل فرصة للمغرب لتعزيز موقعه كشريك استراتيجي عالمي، والاستفادة من الديناميكية الصينية لتحقيق أهدافه التنموية على الصعيدين الوطني والإقليمي.