بسيم الأمجاري
شهدت الحرب الروسية الأوكرانية تصاعدًا خطيرًا في الآونة الأخيرة، حيث أصبح النزاع أكثر تعقيدًا مع دخول أسلحة متطورة إلى ساحة المعركة، وتهديدات روسية باللجوء إلى الأسلحة النووية.
تُثير هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مدى تورط الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، في إذكاء هذه الحرب عوض إيجاد حل سلمي للخلاف الروسي الأوكراني، ودور إدارة الرئيس جو بايدن في توجيه المعركة نحو مرحلة جديدة أكثر خطورة من خلال تمكين أوكرانيا من أسلحة متطورة في مواجهة روسيا. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتزايد التكهنات حول كيفية تأثير هذه التغيرات على مسار الصراع والسلام العالمي. فهل ستستمر الإدارة الأمريكية الجديدة، ومعها الدول الغربية، في دعم أوكرانيا بالأسلحة المتطورة في مواجهة روسيا؟ وما هي مواقف الدول الغربية من التهديدات الروسية المتصاعدة؟
كيف تبرر مختلف الأطراف مواقفها من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؟
تبرر موسكو حربها مع أوكرانيا بعدة حجج، أبرزها أنها تسعى لحماية السكان الروس والناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، وخاصة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك، حيث ادعت أن الحكومة الأوكرانية تقوم باضطهادهم وتنفذ “إبادة جماعية” ضدهم.
إضافةً إلى ذلك، ركزت موسكو على ما تسميه “نزع النازية” من أوكرانيا، متهمةً الحكومة الأوكرانية بأنها تحتوي على عناصر متطرفة معادية لروسيا. وتدعي روسيا أيضًا أنها تهدف إلى ضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف الناتو أو أي تحالفات عسكرية غربية، حفاظًا على توازن القوى في المنطقة.
مع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذه التبريرات ليست سوى غطاء لأهداف استراتيجية أوسع. فمن وجهة نظر الغرب وأوكرانيا، لا يمكن تبرير غزو دولة ذات سيادة. يقول المنتقدون إن موسكو تسعى لإعادة تشكيل نفوذها في الفضاء السوفييتي السابق واستعادة موقعها كقوة عظمى، وليس فقط الدفاع عن نفسها. كما أن اتهامات روسيا بوجود “إبادة جماعية” أو “النازية” في أوكرانيا تعتبر مبالغًا فيها وغير مدعومة بأدلة قوية وفق العديد من الخبراء.
والحقيقة أن موسكو تعتبر أن أوكرانيا، بتعاونها مع الغرب، وطلبها الانضمام إلى حلف الناتو، أصبحت أداة للضغط على روسيا. كما أن موسكو، ترى أن توسع الناتو باتجاه حدودها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة مع انضمام دول شرق أوروبا وبلدان كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي سابقًا إلى الحلف. روسيا ترى إذن في كل هذه التحولات محاولة لتطويقها سياسيًا وعسكريًا، مما يدفعها للرد بشكل استباقي للحفاظ على نفوذها ومصالحها في المنطقة.
وفي المحصلة، فبالنسبة لروسيا، ترى أن حربها في مواجهة أوكرانيا هي حرب دفاعية واستراتيجية؛ أما بالنسبة للغرب وأوكرانيا، فهي عدوانية وغير مبررة.
الحرب الروسية الأوكرانية: دور إدارة بايدن
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم كييف، بدءًا من المساعدات الاقتصادية مرورًا بالدعم السياسي، ووصولًا إلى تزويدها بأسلحة متطورة. بالنسبة لإدارة بايدن، كان الهدف مزدوجًا: تقويض الطموحات الروسية ومنع سقوط أوكرانيا، التي تمثل رمزًا للاستقلال في وجه الهيمنة الروسية.
ومع ذلك، لم يكن هذا الدعم دون مخاطرة. فالقرار بالسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة قادرة على الوصول إلى العمق الروسي، يثير مخاوف من تصعيد مباشر بين روسيا وحلف الناتو. هذه الخطوة قد تُفهم كاستفزاز مباشر لموسكو، مما يضع الغرب على حافة مواجهة غير مسبوقة مع دولة تمتلك ترسانة نووية هائلة.
تأثير الدعم العسكري على مسار الحرب
السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة متطورة داخل روسيا يُعَد تصعيدًا خطيرًا يعمق الأزمة. فبينما يؤكد الغرب أن هذا الدعم يهدف للدفاع عن أوكرانيا، ترى روسيا أن الأمر يشكل تهديدًا لأمنها القومي. وقد يدفع ذلك موسكو إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، بما في ذلك استخدام أسلحة دمار شامل، كوسيلة لتغيير المعادلة على الأرض.
الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا أثبت فعاليته من الناحية التكتيكية، حيث ساهم في إبطاء تقدم القوات الروسية واستعادة مساحات من الأراضي الأوكرانية. لكن، من الناحية الاستراتيجية، دفع ذلك روسيا نحو مواقف أكثر تطرفًا. التهديدات الروسية الأخيرة باستخدام الأسلحة النووية ليست مجرد تصريحات دعائية، بل إشارات جادة إلى استعداد الكرملين لتصعيد الصراع إذا ما استمرت الضغوط الغربية.
التهديدات النووية الروسية: حدود التصعيد
يأتي التصعيد الروسي الأخير في ظل إحباط موسكو من استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا. بوتين لمّح بشكل مباشر إلى إمكانية استخدام أسلحة نووية، محذرًا الغرب من “اللعب بالنار”. هذه التهديدات قد تكون جزءًا من استراتيجية روسية لردع الغرب، لكنها أيضًا تعكس مأزقًا روسيًا متزايدًا في أوكرانيا.
السؤال الأهم هنا: هل يمكن لروسيا تنفيذ تهديداتها النووية؟ من الناحية العسكرية، تمتلك موسكو ترسانة هائلة من الأسلحة النووية، مما يجعل تهديداتها ذات مصداقية ومحتملة. ومع ذلك، فإن استخدام السلاح النووي قد يؤدي إلى رد فعل غربي مدمر، وربما تدخل مباشر من حلف الناتو، وهو سيناريو قد لا ترغب فيه روسيا.
الموقف الغربي: بين التصعيد واحتواء الأزمة
المواقف الغربية تجاه التصعيد الروسي تتسم بالحذر والتوازن. فمن جهة، يواصل الغرب دعم أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا، معتبرًا ذلك ضرورة أخلاقية واستراتيجية. ومن جهة أخرى، تحاول الدول الغربية تفادي استفزاز موسكو بشكل مفرط. على سبيل المثال، ترفض الولايات المتحدة توفير أسلحة بعيدة المدى بشكل كامل، خوفًا من أن تُستخدم لشن هجمات مباشرة على الأراضي الروسية.
الدول الأوروبية، بدورها، تبدو أقل حماسة للتصعيد مقارنة بواشنطن. فالاعتماد الكبير على الغاز والنفط الروسيين، والخوف من تفاقم الأزمات الاقتصادية، يجعل بعض الدول الأوروبية تدعو إلى حلول دبلوماسية بدلًا من تصعيد الصراع.
تأثير عودة ترامب المحتملة على مسار الحرب
بتغيير الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، هناك من يتوقع أن تشهد السياسة الأمريكية تحولًا تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك استنادا إلى أن ترامب لطالما انتقد خلال حملته الانتخابية إدارة بايدن بسبب “تبذير” الأموال على دعم أوكرانيا، مؤكدًا أن أولويته ستكون التركيز على المصالح الأمريكية الداخلية.
عودة ترامب قد تعني، في حالة عدم تغيير مواقفه، تقليص الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، وهو ما قد يُضعف موقف كييف في الحرب. ومع ذلك، قد يدفع ذلك بعض الدول الأوروبية إلى تحمل عبء أكبر في دعم أوكرانيا، مما يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي برمّته أو على الأقل يطيل الأزمة الحالية.
السياق الدولي الحالي: هل يسمح بمزيد من الصراعات؟
يعيش العالم حاليا في ظل توازن دولي هش، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية، المناخية، والسياسية. في هذا السياق، يُعد التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية تهديدًا للأمن العالمي. الاقتصاد العالمي لا يحتمل مزيدًا من الصراعات، حيث أثرت الحرب على أسعار الطاقة والغذاء، وزادت من حدة التضخم في مختلف دول العالم.
كما أن الصراعات الأخرى، مثل التوترات في الشرق الأوسط والبحر الصيني الجنوبي، وشبه الجزيرة الكورية، وغيرها تعني أن العالم على شفا سلسلة أزمات قد تُفقده الاستقرار الهش الذي يعاني منه.
خاتمة
الحرب الروسية الأوكرانية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي اختبار لقدرة العالم على إدارة الصراعات في ظل توازن دولي مضطرب. إدارة بايدن، من خلال دعمها لأوكرانيا، راهنت على إضعاف روسيا ومنع تكرار سيناريوهات مشابهة في المستقبل. ومع ذلك، يبقى هذا الدعم محفوفًا بالمخاطر، خاصة مع تهديدات روسيا النووية.
ومع إعادة انتخاب ترامب خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فإن مختلف الأوساط السياسية تترقب تأثير عودته على مسار الحرب. في ظل هذه التوترات، يتعين على المجتمع الدولي البحث عن حلول دبلوماسية عاجلة لتفادي كارثة نووية محتملة، والحفاظ على السلام العالمي في زمن بات فيه الاستقرار عملة نادرة.