بسيم الأمجاري
وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسوماً يسمح للجيش الروسي بالرد بأسلحة نووية في حال تعرض البلاد لهجوم بصواريخ باليستية. ويأتي هذا المستجد مع قرار الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أمريكية على عمق الأراضي الروسية.
وحسب وكالة “تاس” الروسية، فإن العقيدة النووية المنقحة تسمح لموسكو باستخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية إذا كانت تلك الدولة مدعومة من قوى نووية.
وقد أثار توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا المرسوم الجديد قلقاً دولياً واسع النطاق، لكونه يعكس مساراً تصاعدياً في التصريحات الروسية حول إمكانية استخدام الردع النووي في الصراع مع الغرب، ويطرح تساؤلات حول مدى تأثير عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض على استقرار الأمن العالمي.
التفاصيل والتحليل:
- مضمون المرسوم النووي الجديد
يدخل المرسوم في سياق سلسلة قرارات عسكرية روسية تشير إلى استعداد موسكو لتعزيز استراتيجياتها الدفاعية بالأسلحة النووية. ويهدف المرسوم إلى توسيع نطاق استخدام هذه الأسلحة ليشمل سيناريوهات تهديد مباشرة لأمن روسيا، وهو تطور نوعي مقارنة بالتوجهات السابقة، حيث كان الاستخدام النووي يعتبر خياراً أخيراً وفي حالات محددة فقط.
- مدى احتمالية اللجوء إلى الأسلحة النووية
في ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال حول مدى إمكانية لجوء روسيا فعلياً لاستخدام السلاح النووي في هذا الصراع. التقديرات تشير إلى أن هذه الخطوة هي جزء من استراتيجية ردع متعددة الأوجه تهدف إلى تحذير الغرب من دعم أوكرانيا عسكرياً. لكن تبني روسيا لهذه الخيارات علناً يعكس واقعاً جديداً ويزيد من احتمالات سوء الفهم أو التصعيد غير المقصود في لحظات حاسمة.
- التأثيرات المتوقعة في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض
إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة وعودته إلى البيت الأبيض ترك انطباعا لدى البعض، انطلاقا من تصريحات ترامب نفسه، بإمكانية وضع حد لهذه الحرب، فخلال فترة حكمه السابقة، وإن كان قد أظهر توجهات متشددة تجاه العلاقات مع روسيا، فإنه أبدى في نفس الوقت ميلاً للتفاوض المباشر معها. فهل ستُحدِث عودته إلى البيت الأبيض إعادة ترتيب للسياسات الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية؟ وهل ستساهم السياسة الأمريكية خلال ولايته الجديدة في مزيد من التصعيد النووي أم فرصة للبحث عن تسوية سياسية، بناءً على ديناميكيات التفاوض المحتملة؟
- الآثار المتوقعة على السلام العالمي
لا شك أن هذا التطور المتمثل في اتخاذ مرسوم باستعمال الأسلحة النووية ضد أكرانيا ومدعميها من الدول الغربية، ليس مجرد تصريح بل إجراء عسكري ستأخذه مختلف الأطراف مأخذ الجد، ومن شأنه أن يعمّق هشاشة النظام الدولي الحالي. فالمخاوف المتزايدة من نزاع نووي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع ميزانيات الدفاع على حساب التنمية العالمية وتزيد من ضغوط التسليح بين الدول الكبرى. كما قد يؤدي احتمال تصاعد هذا النزاع النووي إلى تعزيز التحالفات العسكرية والدفع بمزيد من الدول إلى الاستفادة من برامج نووية خاصة، ما يهدد الاستقرار الهش للسلام العالمي ويضعف جهود نزع السلاح النووي التي تسعى إليها منظمات دولية مثل الأمم المتحدة.
إن مجرد البدء في توسيع رقعة الحرب الروسية-الأوكرانية باستخدام الأسلحة النووية قد يخلق تداعيات خطيرة ليس فقط على الأمن الأوروبي، بل على الاستقرار العالمي بشكل عام، وفي العديد من المناطق المضطربة، وخاصة منها:
- شبه الجزيرة الكورية: تأجيج التوترات
تعتبر شبه الجزيرة الكورية من أبرز المناطق التي قد تتأثر مباشرة بتوسع استخدام الأسلحة النووية. كوريا الشمالية تُبقي على برنامجها النووي كأداة ردع تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، وأي استخدام نووي في أوكرانيا قد يعتبر فرصةً لكوريا الشمالية لتبرير خطوات أكثر جرأة في تعزيز برنامجها النووي أو حتى إجراء تجارب جديدة. ذلك قد يدفع كوريا الجنوبية واليابان إلى اتخاذ تدابير دفاعية إضافية، مما يرفع من احتمالات سباق تسلح نووي في المنطقة.
- الشرق الأوسط: تسارع مساعي التسلح
في الشرق الأوسط، حيث تتداخل النزاعات الإقليمية وتتنوع المصالح الدولية، قد يؤدي استخدام السلاح النووي في أوكرانيا إلى زعزعة ميزان القوى ودفع بعض الأطراف الإقليمية لتسريع برامجها الدفاعية والعسكرية. إيران مثلاً، قد تجد في هذه الظروف مناخاً مناسباً لتسريع برنامجها النووي، في ظل اهتمام القوى الكبرى بأزمة أخرى. بالمثل، قد تدفع هذه التطورات بعض دول الخليج نحو تحالفات أو اتفاقات أمنية متقدمة مع الغرب لتأمين نفسها.
- أوروبا الشرقية والقوقاز: اضطراب جديد
إذا استُخدم السلاح النووي في أوكرانيا، فإن دول أوروبا الشرقية والقوقاز ستدخل في حالة من الاستنفار الأمني، مما قد يزيد من توترات داخل هذه المناطق. الدول المحاذية لروسيا أو الحليفة لأوكرانيا قد ترى في هذا التطور تهديداً مباشراً لأمنها، وقد تتزايد احتمالات انخراطها العسكري أو دعمها لطرف معين، ما يخلق بيئة خصبة لمزيد من النزاعات.
- المنطقة الصينية: انعكاسات التصعيد على التوازن في المنطقة
توسع الحرب الروسية الأوكرانية واستخدام الأسلحة النووية قد يثير مخاوف كبيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تتمركز مصالح اقتصادية وعسكرية حساسة. العلاقات الوثيقة بين روسيا والصين، التي تعتمد على شراكات استراتيجية لمواجهة النفوذ الغربي، قد تجعل الصين في موقف حرج.
كما أن أي تصعيد نووي في أوروبا قد يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تعزيز وجودهم العسكري في منطقة بحر الصين الجنوبي، مما يزيد من احتمالية الصدامات مع الصين بشأن قضايا السيادة والنفوذ البحري. مع احتدام النزاعات حول تايوان والجزر المتنازع عليها، يمكن أن تصبح المنطقة بؤرة جديدة للتوترات العالمية، حيث تحاول القوى الكبرى تأكيد هيمنتها في ظل انهيار النظام العالمي القائم.
- مناطق أخرى مضطربة: تسارع سباق التسلح العالمي
في أماكن أخرى، مثل جنوب آسيا، حيث تتزايد التوترات بين الهند وباكستان حول قضايا أمنية معقدة، قد تجد بعض القوى الإقليمية مبرراً لإعادة النظر في سياساتها الدفاعية، بل وربما تُقدِم على تعزيز ترساناتها النووية.
- تأثير توسيع مجال الحرب الروسية الأوكرانية على تهديد طرق التجارة البحرية
من شأن استعمال الأسلحة النووية في الحرب الروسية الأوكرانية أن يؤدي إلى تصاعد التوترات في مناطق حيوية للتجارة البحرية، والممرات الرئيسية لنقل الحبوب والسلع والنفط بين أوروبا وآسيا، وأي تعطل في هذه الممرات قد يهدد الأمن الغذائي العالمي. كما أن توسيع الحرب سيدفع كلا من أمريكا ومعها الدول الغربية من جهة، وروسيا من جهة أخرى إلى استعمال القوة للسيطرة على طرق بحرية لضمان تأمين نقل الإمدادات بمختلف السلع التجارية والغذائية وكذا الطاقة والبترول.
- انعكاسات انتشار الحرب وتوسعها على الاقتصاد العالمي
إن توسيع رقعة الحرب سيؤدي إلى تعطيل التجارة البحرية ورفع أسعار السلع الأساسية، مثل القمح والوقود، مما سيضاعف معدلات التضخم العالمي. هذا الوضع سيؤثر بشكل خاص على الدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء والطاقة. إضافةً إلى ذلك، ستتم زيادة تكاليف التأمين على السفن المارة في المناطق المتوترة، مما سينعكس على الأسعار النهائية للمستهلكين. في الوقت نفسه، ستحاول بعض القوى الكبرى إعادة رسم خرائط التجارة العالمية لتجنب الاعتماد على الممرات البحرية المتنازع عليها، مما سيفتح الباب أمام تغييرات استراتيجية قد تؤثر على استقرار الاقتصاد العالمي لسنوات قادمة.
خاتمة: المخاطر العالمية المتزايدة
يشير المرسوم الروسي إلى توجه خطير في استراتيجيات موسكو الدفاعية، فيما تبرز احتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض كعامل رئيسي قد يسهم إما في التهدئة أو التصعيد في المستقبل القريب. الأنظار تتجه نحو الحكماء من هذا العالم لتكثيف جهودهم الدبلوماسية لخفض التوترات النووية وضمان وضع إطار جديد لمنع تفاقم هذه الأزمة، حفاظا على ما تبقى من السلام العالمي الذي بات على شفا الانهيار.
إن أي استخدام للأسلحة النووية، حتى لو كان محدوداً، لن يظل تأثيره محصوراً، بل سيشعل سباق تسلح عالمي ويؤجج نزاعات إقليمية في العديد من المناطق المضطربة حول العالم. وقد تساهم هذه الأحداث في خلق دوامة من الصراعات التي يصعب كبحها أو تقدير نتائجها الكارثية على دول المعمور.