هل تعيد سياسات ترامب إشعال الشرق الأوسط وتفجير النظام التجاري الدولي؟

منذ عودته إلى الواجهة السياسية، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب موجة من التصريحات التي وُصفت بالصادمة وغير المتسقة، لتشمل قضايا الشرق الأوسط، التجارة العالمية، ومستقبل الولايات المتحدة كقوة رائدة في العالم. دعواته الأخيرة لتهجير سكان غزة بحجة إعادة إعمار القطاع لاقت انتقادات واسعة، ليس فقط من الدول العربية التي وجدت نفسها بين المطرقة والسندان، بل حتى داخل الأوساط الأمريكية.

سياسات ترامب والشرق الأوسط: تعزيز للاحتلال أم سلام هش؟

مقترح ترامب بتهجير سكان غزة ليس مجرد دعوة لإعادة الإعمار، بل يبدو جزءًا من مخطط سياسي أوسع يستهدف تفريغ القطاع من سكانه لصالح توسع إسرائيلي. هذه الدعوة تتقاطع مع أهداف استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية.

المشكلة هنا لا تكمن فقط في الأثر المباشر لهذه التصريحات، بل في تداعياتها على مواقف الدول العربية، التي تجد نفسها في حالة تردد وخوف من استعداء الولايات المتحدة، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تعيشها.

ردود الفعل الدولية: بين المعارضة الأمريكية والصمت العربي

على الرغم من صمت العديد من الدول العربية أو الإسلامية، برزت أصوات أمريكية قوية انتقدت تصريحات ترامب ومواقفه. من بين هؤلاء سيناتورات من الحزب الجمهوري والديمقراطي، الذين اعتبروا هذه التصريحات مخالفة للقيم الأمريكية وتهديدًا للسلم العالمي. بل إن هناك دعوات جديدة لعزله سياسيًا ومنعه من العودة إلى البيت الأبيض.

هذه المعارضة الداخلية تعكس تصاعد القلق من أن سياسات ترامب قد تعيد الولايات المتحدة إلى فترة من العزلة الدولية وتضعف تحالفاتها التقليدية.

التجارة العالمية تحت تهديد السياسات الحمائية

إلى جانب الملف الفلسطيني، لا يمكن تجاهل تأثير سياسات ترامب الاقتصادية على التجارة العالمية. تهديداته بفرض رسوم جمركية على العديد من الدول تعيد إلى الذاكرة الحرب التجارية مع الصين، التي أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي.

إذا استمر ترامب في هذا النهج، فإن النظام التجاري العالمي القائم على التبادل الحر قد يواجه تهديدات حقيقية، مما يفتح المجال أمام تكتلات اقتصادية جديدة قد تتجاوز الهيمنة الأمريكية.

مستقبل الولايات المتحدة: انحدار أم فرصة جديدة؟

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تمثل سياسات ترامب بداية انحدار الولايات المتحدة كقوة عالمية؟ تاريخيًا، شهدت الإمبراطوريات الكبرى فترات من الطغيان والاضطراب قبل أن تتراجع وتعيد بناء نفسها، أو أن تنهار.

إذا استمر الخطاب العدائي والانغلاق على المستوى الدولي، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها معزولة، في ظل صعود قوى دولية مثل الصين والهند وغيرهما. ومع ذلك، فإن الديمقراطية الأمريكية، رغم كل عيوبها، تظل قادرة على تصحيح المسار عبر مؤسساتها الدستورية وصوت شعبها.

مدى تأثر قرارات ترامب بالدائرة المحيطة به من رجال الأعمال ومختلف اللوبيات

البيئة المحيطة بالرئيس الأمريكي، سواء داخل البيت الأبيض أو خارجه، تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل قراراته ومواقفه.

بالنسبة لترامب، فإن شبكة تأثيراته ليست فقط تقليدية عبر مستشارين سياسيين وأمنيين، بل تتضمن أيضًا شخصيات اقتصادية وإعلامية ذات نفوذ واسع، بما في ذلك رجال أعمال مثل إيلون ماسك وبعض الشخصيات ذات التوجهات المتطرفة المؤيدة لإسرائيل.

اللوبيات والشخصيات المؤثرة:

1. الداعمون لإسرائيل: ترامب كان مقربًا من شخصيات بارزة في اللوبي المؤيد لإسرائيل، مثل شيلدون أديلسون (قبل وفاته) ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال والإعلاميين الذين يدعمون أجندة إسرائيل التوسعية. قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان كان انعكاسًا مباشرًا لهذا التأثير.

2. إيلون ماسك والتكنولوجيا: رغم أن إيلون ماسك لا يُعرف بمواقف سياسية معلنة حول الشرق الأوسط، إلا أن تأثيره على ترامب قد يأتي من زاوية دعم الصناعات التكنولوجية والضغط لسياسات تعزز الهيمنة الاقتصادية الأمريكية. ماسك، بصفته أحد أبرز قادة الابتكار في العالم، يمثل مصالح النخبة التكنولوجية التي تؤيد غالبًا سياسات انعزالية تركز على حماية التفوق الاقتصادي الأمريكي.

3. اليمين المتطرف: شخصيات إعلامية مثل تاكر كارلسون وأصوات من التيار المسيحي الإنجيلي لعبت دورًا في توجيه ترامب نحو مواقف أكثر تشددًا تجاه الشرق الأوسط. هؤلاء يعتبرون دعم إسرائيل جزءًا من عقيدة دينية وسياسية لا تقبل المساومة.

هل يتأثر ترامب بمستشاريه؟

ترامب معروف بشخصيته التي لا تلتزم عادة برأي المستشارين الرسميين، لكنه يتأثر بشدة بالأصوات التي تمنحه الدعم الإعلامي أو الاقتصادي. الشخصيات القوية التي تستطيع مخاطبته بأسلوب مباشر أو تقدم له تصورات تخدم شعبيته كانت دائمًا قادرة على التأثير عليه.

استشراف مآلات سياسات ترامب

1. القضية الفلسطينية:

من المتوقع أن تؤدي تصريحات ترامب وخطواته المثيرة للجدل بشأن القضية الفلسطينية إلى تعقيد الوضع في غزة والضفة الغربية. دعمه المطلق لإسرائيل خلال فترة رئاسته الأولى، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، عمّق الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. عودة ترامب إلى السلطة، استمرار للدعم الأمريكي للإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وفرض السيطرة الأمنية المشددة.

هذا الوضع سيعرقل أي جهود مستقبلية لتحقيق سلام عادل وشامل، ويضعف من دور الولايات المتحدة كوسيط نزيه في عملية السلام، ما قد يدفع الأطراف الفلسطينية إلى البحث عن حلفاء جدد على الساحة الدولية واستعمال كافة الوسائل للحفاظ على البقاء وما تبقى من أراضي فلسطينية.

2. السياسات الاقتصادية:

تنذر سياسات ترامب الحمائية بإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. فالتهديد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من الصين والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية. هذه السياسات تثير مخاوف من تقويض النظام التجاري متعدد الأطراف الذي تقوده منظمة التجارة العالمية.

 في حال التبني الفعلي لهذه السياسات، من المرجح أن تتسارع وتيرة التحالفات الاقتصادية البديلة، مثل تعزيز دور الصين في منظمة شنغهاي للتعاون واتفاقيات التجارة الإقليمية في آسيا وأفريقيا. كما قد تلجأ الدول إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد على الأسواق الأمريكية.

3. السياسات الدولية:

إذا استمر ترامب أو من يحمل أفكاره في السلطة في تبني سياسات لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول والشعوب الأخرى، فقد تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة من العزلة والتراجع عن موقعها كزعيمة للنظام العالمي. شعاره “أمريكا أولًا” يعكس توجّهًا نحو تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية والانكفاء نحو القضايا الداخلية.

هذا النهج قد يضعف التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويشجع القوى الكبرى الأخرى، مثل الصين وروسيا، على توسيع نفوذها في مناطق تقليدية كانت تحت الهيمنة الأمريكية. كما أن السياسات الانعزالية قد تؤدي إلى تراجع مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، خاصة إذا تبنّت الدول الكبرى سياسات للتحرر من الهيمنة المالية الأمريكية.

تلك التوجهات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بصورة جديدة تتسم بتعدد الأقطاب، مع احتمال فقدان الولايات المتحدة دورها المركزي في الساحة الدولية.

خاتمة: حاجة ملحة لعقلانية السياسة

في ظل هذه التحولات، يحتاج العالم إلى أصوات عقلانية تقف في وجه التصعيد وتدافع عن مبادئ العدالة والسلام. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن اختبار قدرتها على الحفاظ على دورها الريادي سيعتمد على مدى قدرتها على تجاوز مرحلة “الشعبوية” واستعادة ثقة العالم.

شاهد أيضاً

نزيف الأنف (الرعاف): بين العرض العابر والإنذار الطبي الجاد

بسيم الأمجاري يعتبر نزيف الأنف أو ما يُعرف بـ”الرعاف” من الظواهر الصحية التي تصيب شريحة …

أسرار الإفطار بالتمر والماء: بين الفوائد الصحية والأثر النبوي

بسيم الأمجاري شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام الذي يتبعه المسلمون حول العالم، مع التزامهم …

ماء زمزم: معجزة إلهية وأسرار علمية

بسيم الأمجاري يعتبر ماء زمزم من أكثر المياه قدسية في العالم الإسلامي، حيث يقع بئر …

كيفية شرب الماء بشكل صحيح أثناء شهر رمضان وأهمية الترطيب للصائمين

بسيم الأمجاري شهر رمضان هو فترة تقوية للجسد والروح، ولكنه يأتي مع تحدياته الصحية الخاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *