بسيم الأمجاري
تعد ظاهرة الأوج الأرضي (Phénomène Aphélie) من الظواهر الفلكية التي تثير فضول الناس كل عام، حيث يعتقد البعض أنها تتسبب في تغييرات مناخية مفاجئة أو تغيرات بيئية.
لكن، ما هي هذه الظاهرة؟ وما هو تأثيرها على كوكبنا، سواء من الناحية العلمية أو البيئية؟ وهل يمكن أن يكون لها تأثير ملموس على الفلاحة والمناخ؟
سنحاول في هذا المقال استعراض هذه الأسئلة، مع التركيز على التفسير العلمي للظاهرة وتأثيراتها المحتملة.
ما هي ظاهرة الأوج الأرضي؟
ظاهرة الأوج الأرضي تشير إلى النقطة في مدار الأرض حول الشمس حيث تكون المسافة بينهما في أقصى درجاتها. وهذا يحدث سنويًا عندما تكون الأرض على مسافة تقارب 152 مليون كيلومتر من الشمس، مقارنة بالمسافة المتوسطة البالغة حوالي 147 مليون كيلومتر. يحدث الأوج عادة في أوائل شهر يوليو من كل عام، في حين تحدث النقطة الأخرى المقابلة للأوج، وهي “الحضيض”، عندما تكون الأرض في أقرب مسافة من الشمس، وتحديدًا في يناير من كل عام.
رغم أن هذه الظاهرة تحدث بانتظام كل عام، إلا أنها لا تؤدي إلى تغيرات مناخية كبيرة كما يظن البعض. إذًا، ما هو التفسير العلمي وراء هذه الظاهرة؟
التفسير العلمي لظاهرة الأوج الأرضي
مدار الأرض حول الشمس ليس دائريًا تمامًا، بل هو بيضاوي الشكل أو إهليجي، مما يعني أن المسافة بين الأرض والشمس تتغير بمرور الوقت. في حال كانت الأرض في الأوج (أبعد نقطة عن الشمس)، فإن ذلك لا يؤدي إلى تغيرات كبيرة في الطقس، بل تعتمد التغيرات المناخية بشكل أساسي على ميلان محور الأرض بزاوية 23.4 درجة. هذا الميلان هو الذي يسبب فصول السنة المختلفة، حيث يُميل النصف الشمالي باتجاه الشمس في الصيف، بينما يكون النصف الجنوبي بعيدًا عنها في نفس الوقت.
علاوة على ذلك، تزداد سرعة الأرض عندما تكون أقرب إلى الشمس في الحضيض، بينما تبطئ حركتها عندما تبتعد عن الشمس في الأوج. لكن هذا التغير الطفيف في السرعة لا يؤثر على درجة الحرارة بشكل كبير.
هل الأوج يسبب موجة برد؟
يتداول البعض أن الأوج الأرضي قد يتسبب في انخفاض حاد في درجات الحرارة أو في موجات برد. لكن هذا الادعاء ليس دقيقًا من الناحية العلمية. بينما يمكن أن يؤثر التغير في المسافة بين الأرض والشمس على بعض الظواهر الطفيفة، مثل حجم قرص الشمس الظاهري، إلا أن المسافة بين الأرض والشمس ليست العامل الرئيسي المؤثر في درجات الحرارة. على سبيل المثال، يمكن أن تشهد الكرة الأرضية طقسًا باردًا في الشتاء حتى عندما تكون الأرض أقرب إلى الشمس، وذلك بسبب ميلان محور الأرض.
تأثيرات الأوج على المناخ
من حيث التأثيرات المباشرة على المناخ أو البيئة، فإن الأوج لا يُعتبر سببًا رئيسيًا في التغيرات المناخية اليومية أو الفصلية. فالفصول الأربعة على كوكب الأرض لا تتأثر بشكل كبير بالمسافة المتغيرة بين الأرض والشمس، بل يعتمد تغير الفصول بشكل رئيسي على ميلان محور الأرض. خلال فصل الصيف في النصف الشمالي، يكون هذا النصف مائلًا باتجاه الشمس، مما يؤدي إلى طقس حار، في حين يشهد النصف الجنوبي فصل الشتاء، والعكس يحدث في فصل الشتاء.
ومع ذلك، هناك تأثير غير مباشر من خلال دورة ميلانكوفيتش، التي تتعلق بالتغيرات المدارية الطويلة الأجل للأرض، مثل تغير ميلان محور الأرض، واتجاه مدارها حول الشمس. على مر العصور، يمكن لهذه التغيرات أن تؤثر في كمية ضوء الشمس الذي يصل إلى الأرض، ما قد يؤدي إلى تغييرات مناخية تدريجية، مثل فترات الجليد أو الاحترار الكوني.
الأوج وتأثيره على الفلاحة والبيئة
بينما يعتقد البعض أن الأوج قد يؤدي إلى تغيرات دراماتيكية في المناخ، فإن التأثيرات على الفلاحة والبيئة تعتبر غير ملموسة على المدى القصير. ومع ذلك، يجب النظر في التغيرات المدارية على فترات زمنية أطول، حيث يمكن أن تؤثر في طول الفصول. على سبيل المثال، عندما تبتعد الأرض عن الشمس، فإن حركة الأرض حول الشمس تصبح أبطأ، مما يجعل فصل الصيف في النصف الشمالي من الأرض يستمر لفترة أطول، بينما قد يشهد النصف الجنوبي شتاءً أطول. هذه التغيرات قد تؤثر على فترة نمو المحاصيل في بعض المناطق الزراعية، خصوصًا في الأماكن التي تعتمد على فصل الصيف لإنتاج المحاصيل.
ومع أن هذه التأثيرات ليست كبيرة على المدى القصير، إلا أن التغيرات الطفيفة في طول الفصول قد تؤثر على توزيع الأنواع الزراعية أو تكون سببًا في تغيرات تدريجية في الأنماط الزراعية في بعض المناطق.
العوامل المؤثرة في تغير المناخ: الأوج وحركة الأرض
على الرغم من أن الأوج لا يسبب تغيرات مفاجئة في المناخ، إلا أن العوامل المدارية الأخرى، مثل ترنح محور الأرض، قد تكون لها تأثيرات أكبر على تغيرات المناخ على المدى البعيد. فترنح الأرض، الذي يحدث على مدار آلاف السنين، يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الأرض، وبالتالي تغيير في درجات الحرارة على سطحها. هذه التغيرات المدارية هي ما يُعرف باسم دورة ميلانكوفيتش، وهي السبب الرئيسي في العديد من التغيرات المناخية على المدى الطويل، مثل الفترات الجليدية والاحترار الكوني.
التأثيرات طويلة الأجل للأوج على البيئة
رغم أن الأوج نفسه ليس العامل المباشر في تغير المناخ أو في الحركات الجويّة اليومية، فإن التغيرات المدارية التي تحدث على مدى فترات طويلة قد تؤثر في البيئة بطرق غير مباشرة. على سبيل المثال، قد تؤثر هذه التغيرات في أنماط الرياح والتيارات المحيطية على المدى الطويل. هذه التأثيرات يمكن أن تساهم في تكرار أحداث مناخية غير معتادة مثل الفيضانات، الجفاف، أو حتى التغيرات في توزيع الأنواع الحية. كذلك، قد تكون هذه التغيرات المدارية أحد العوامل المساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري على المدى الطويل.
كيف نواجه هذه التأثيرات؟
من أجل التكيف مع هذه التغيرات البيئية والمناخية، يجب على البشر أن يكونوا مستعدين لمواجهة التأثيرات المحتملة على الزراعة، البيئة والمناخ. الفهم العلمي للعوامل المؤثرة في المناخ وتغيراته هو الأساس في التحضير لمستقبل أكثر استدامة. من خلال تحليل البيانات الفلكية والاعتماد على الأبحاث العلمية، يمكن التنبؤ بشكل أفضل بتأثيرات التغيرات المدارية على البيئة.
الخلاصة
إن ظاهرة الأوج الأرضي ليست ظاهرة كارثية كما يُعتقد في بعض الأحيان، ولا تؤدي بشكل مباشر إلى تغييرات مفاجئة في المناخ أو البيئة. ومع ذلك، تساهم التغيرات المدارية طويلة الأجل، مثل دورة ميلانكوفيتش وترنح محور الأرض، في التأثير على المناخ على مدى آلاف السنين. بينما يمكن أن تؤثر هذه التغيرات على الفلاحة وأنماط الزراعة، فإن تأثيراتها على المدى القصير لا تكون كبيرة. بالتالي، يجب أن يكون وعينا العلمي هو الأساس في التعامل مع هذه الظواهر، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من التأثيرات المناخية المتزايدة على الأرض.