معاهدة الشراكة الشاملة بين روسيا وإيران: هل هي خطوة نحو تحالف دفاعي أم مجرد لعبة دبلوماسية؟

في ظل التصعيد المستمر في العلاقات الدولية وتزايد التوترات بين روسيا والغرب من جهة، وإيران وإسرائيل وحلفاؤها في الغرب من جهة أخرى، يأتي إعلان موسكو عن توقيع معاهدة شراكة استراتيجية شاملة مع إيران كخطوة لافتة تحمل العديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية. فهل يمثل هذا التحرك محاولة لتشكيل تحالف جديد يهدف إلى التصدي للغرب؟ أم أنه مجرد رسالة سياسية تسعى لتعزيز مواقع الطرفين في مواجهة الضغوط الدولية؟

أبعاد التحالف الروسي-الإيراني: حسابات سياسية واستراتيجية

إعلان روسيا وإيران عن معاهدة شاملة يأتي في توقيت حساس يشهد عدة تطورات كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذا التحالف الجديد بين دولتين تعتبران من أبرز القوى غير الغربية في النظام العالمي يمثل الرغبة في تشكيل تحالفات جيوسياسية تهدف إلى مواجهة النفوذ الغربي المتنامي.

1. الصراع الروسي-الأوكراني

مع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، تواجه روسيا عزلة غير مسبوقة على الساحة الدولية بفعل العقوبات الاقتصادية الشاملة التي فرضها الغرب. هذا الوضع دفع موسكو إلى البحث عن حلفاء استراتيجيين خارج المعسكر الغربي. ويأتي دور إيران هنا كدولة ذات خبرة طويلة في التكيف مع العقوبات الدولية، مما يوفر شريكًا يمكنه مساعدة روسيا في تبادل الخبرات وربما إيجاد قنوات غير رسمية لتجاوز القيود المفروضة عليها.

علاوة على ذلك، فإن الدعم الإيراني لروسيا في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ، والذي يُعتقد أنه ساعد موسكو في جبهات القتال ضد أوكرانيا، يعكس مدى تعمق التعاون العسكري بين الطرفين. هذا التعاون يشكل ركيزة رئيسية للتحالف ويبرز حاجة روسيا إلى شريك يقدم لها دعماً عملياً وسريعاً في ساحة المعركة.

2. التوترات الإيرانية مع الغرب

إيران تواجه تصعيدًا مستمرًا في التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة مع تزايد الاتهامات بشأن برنامجها النووي الذي تراه طهران حقًا مشروعًا لتطوير قدراتها، بينما يعتبره الغرب تهديدًا للأمن الإقليمي.

إضافة إلى ذلك، تُتهم إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة وصواريخ تُستخدم في الحرب الأوكرانية، وهو ما أثار مخاوف الغرب وإسرائيل من تعميق التعاون العسكري بين البلدين. يُضاف إلى هذا اتهامات بدعم إيران لميليشيات في مناطق مثل سوريا، العراق، اليمن، ولبنان، مما يزيد من تأجيج المواجهة مع الدول الغربية.

وبالنسبة لإيران، يعد التحالف مع روسيا فرصة لتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط الغربية، مستفيدة من الدعم الروسي في المحافل الدولية، خاصة في مجلس الأمن، الذي لطالما استخدمت فيه روسيا حق النقض (الفيتو) لصالح إيران.

3. تغير موازين القوى الإقليمية

في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في بعض مناطق العالم، لا سيما في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يسعى التحالف الروسي-الإيراني إلى استغلال هذا الفراغ لتعزيز موقعهما، فضلا عن أن فشلهما في الحفاظ على نظام الأسد الحليف ومصالحهما في بعض دول الشرق الأوسط قد يشكل حافزا للتنسيق والعمل معا من أجل الحفاظ على توازن القوى في المنطقة.

كما أن هذا التحالف يندرج في إطار الرغبة في التصدي للنفوذ الأمريكي من خلال تشكيل محور جديد يربط بين الشرق الأوسط وأوراسيا، مما قد يسهم في إعادة رسم خريطة التحالفات الدولية. علاوة على ذلك، فإن زيادة التعاون في مجالات الطاقة والنقل والتكنولوجيا قد تعزز من قدراتهما على بناء بدائل للنظام الاقتصادي الدولي المهيمن.

دلالات المعاهدة الشاملة بين موسكو وطهران

1. رسالة سياسية مزدوجة:

للغرب: توقيع معاهدة شراكة استراتيجية بين موسكو وطهران يحمل رسالة واضحة بأن الطرفين مستعدان للوقوف معًا ضد أي محاولات للضغط عليهما أو تهديد مصالحهما.

للداخل الإيراني والروسي: يُظهر هذا الاتفاق أن كلا الدولتين تمتلكان خيارات استراتيجية في ظل الضغوط المتزايدة.

2. التعاون الدفاعي والعسكري:

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أشار إلى تعزيز التعاون الدفاعي مع إيران، وهو ما يثير القلق لدى الولايات المتحدة وحلفائها. تزويد روسيا بالطائرات المسيرة الإيرانية سبق أن أثار جدلًا واسعًا، مما يعزز احتمالية أن يتضمن الاتفاق الجديد بنودًا سرية تتعلق بتطوير برامج عسكرية مشتركة.

3. توسيع العلاقات الاقتصادية:

ركزت المعاهدة على التعاون في التجارة والاستثمار والنقل والخدمات اللوجستية. في ظل العقوبات الغربية، تسعى روسيا وإيران إلى بناء شبكات اقتصادية جديدة تقلل من اعتمادهما على النظام الاقتصادي الغربي.

هل هي خطوة نحو تشكيل حلف معادٍ للغرب؟

الإعلان عن هذه المعاهدة قد يُفهم كإشارة لتشكيل حلف روسي-إيراني في مواجهة التهديدات المشتركة. ومع ذلك، فإن:

طبيعة المصالح الروسية: تاريخيًا، تميل موسكو إلى تقديم مصالحها القومية على أي التزامات تحالفية. فروسيا، رغم شراكاتها العديدة، لم تظهر استعدادًا لتقديم تضحيات كبيرة للدفاع عن شركائها.

إيران وروسيا، حذر استراتيجي: رغم التقارب الكبير، فإن العلاقات بين موسكو وطهران لم تكن دائمًا مستقرة. إيران تدرك أن روسيا قد تتخلى عنها إذا رأت في ذلك مكسبًا استراتيجيًا أكبر.

مناورات إيران وتحذيراتها: هل هي استعداد لحرب أم مجرد استعراض؟

إيران، التي تواجه تهديدًا متزايدًا من إسرائيل والغرب، كثفت مؤخرًا مناوراتها العسكرية وبدأت في إصدار بيانات تحذيرية حول قدراتها الدفاعية. هذه التحركات يمكن تفسيرها بما يلي:

1. إبراز القوة: إرسال رسالة بأن إيران مستعدة للدفاع عن نفسها في حال تعرضت لأي هجوم.

2. تفاوض من موقع قوة: استعراض القوة قد يكون وسيلة للضغط على الأطراف الدولية لإعادة إحياء الاتفاق النووي بشروط أفضل.

كوريا الشمالية: هل يمكن أن تنضم إلى هذا المحور؟

تعد كوريا الشمالية أحد الأطراف التي تربطها علاقات وثيقة بروسيا وإيران، لكن مشاركتها الفعلية في معاهدة دفاعية لا تزال موضع تساؤل.

تشابه الظروف: كوريا الشمالية تواجه نفس التحديات المتمثلة في العزلة والعقوبات الغربية، مما يجعلها مرشحًا محتملًا للانضمام إلى محور روسي-إيراني.

التوازن الحذر: في المقابل، من غير المؤكد أن بيونغ يانغ ستقدم دعمًا ملموسًا يتجاوز البيانات السياسية، نظرًا لحاجتها إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الصين، التي تُعد شريكها الاقتصادي الرئيسي.

هل نحن أمام إرهاصات حرب عالمية جديدة؟

التوترات الحالية بين المعسكرين الشرقي والغربي تعكس حالة من عدم الاستقرار العالمي، لكن الحديث عن حرب عالمية لا يزال سابقًا لأوانه.

محدودية التحالفات: على الرغم من تقارب روسيا وإيران، فإن تشكيل محور عالمي قوي يتطلب انضمام قوى كبرى أخرى مثل الصين، التي لا تزال مترددة في الانخراط في مواجهة مباشرة مع الغرب.

الردع النووي: التوازن النووي بين القوى الكبرى يظل أحد العوامل الرئيسية التي تمنع اندلاع حرب شاملة.

ختاما: هل الاتفاق الروسي-الإيراني خطوة جدية أم مجرد تصريحات؟

المعاهدة الروسية-الإيرانية تحمل أبعادًا جدية بالنظر إلى الظروف الدولية الحالية، لكنها ليست بالضرورة مؤشرًا على تشكيل تحالف عسكري كبير يمكن أن يشكل جبهة عسكرية واحدة في حالة مواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب. فكلا الطرفين يسعيان إلى تعزيز مواقعهما، لكن علاقتهما يطبعها الحذر والتنافس أحيانًا.

كما أن التحالف الروسي-الإيراني قد يكون مجرد رد فعل على الأحداث الراهنة، ويعكس رغبة استراتيجية مشتركة في تحدي النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومع ذلك، يظل نجاح هذا التحالف مرهونًا بقدرتهما على مواجهة الضغوط الغربية وحل تناقضاتهما الداخلية، لا سيما مع وجود اختلافات تاريخية وجيوسياسية بينهما.

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: إلى أي مدى يمكن الوثوق بشراكات استراتيجية مع قوى كروسيا، التي غالبًا ما تنحاز لمصالحها أولًا؟ وإذا ما استمرت التوترات، هل ستتغير موازين القوى العالمية بشكل جذري، أم ستظل الأطراف تكتفي بالضغط الدبلوماسي والمناورات؟ الأيام القادمة وحدها ستجيب عن هذه التساؤلات.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

هل تتغير قواعد اللعبة في غزة؟ قراءة في أنباء المفاوضات بين إسرائيل وحماس

بسيم الأمجاري تشهد الساحة السياسية والإعلامية حاليًا ترويجًا مكثفًا لأنباء تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق …

التدخين في المغرب: حياة مهدورة واقتصاد متضرر

يُعَدُّ التدخين من أبرز المشكلات الصحية العالمية، حيث يتسبب في وفاة نحو 8 ملايين شخص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *