البترول والغاز الطبيعي: مستقبل الطاقة بين التغيرات والتحولات العالمية

يشكل البترول والغاز الطبيعي جزءًا حيويًا من الاقتصاد العالمي منذ الثورة الصناعية وحتى اليوم، إذ يقدمان مصدرين رئيسيين للطاقة التي تُشغل مختلف القطاعات الحيوية. ومع ذلك، هناك توجه عالمي يتزايد نحو الانتقال إلى بدائل أكثر استدامة ونظافة، مدفوعًا بتغيرات اقتصادية وبيئية وسياسية. فهل هذا التحول يستند إلى معطيات علمية وواقعية، أم أنه مجرد خطاب غير مستند إلى أدلة؟ وما هي التداعيات المحتملة على الدول التي تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد؟

واقع النفط والغاز الطبيعي اليوم

البترول والغاز الطبيعي يشكلان نحو 60% من مزيج الطاقة العالمي، ويُستخدمان في توليد الكهرباء، وتشغيل وسائل النقل، والصناعات البتروكيماوية. ومع ذلك، تواجه هذه الموارد تحديات كبرى، أبرزها:

  1. التغير المناخي:

تُعد الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري السبب الرئيسي في الاحتباس الحراري، ما دفع الدول إلى تبني سياسات للحد من استخدام هذه المصادر.

والاحتباس الحراري هو ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض، ناتجة عن تراكم غازات مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، المعروفة بالغازات الدفيئة. هذه الظاهرة تحدث عندما تخترق أشعة الشمس الغلاف الجوي، ولكن لا تستطيع العودة إلى الفضاء الخارجي بعد انعكاسها على سطح الأرض، نتيجة لتأثير الغازات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.

2. تناقص الاحتياطات:

على الرغم من اكتشاف تقنيات حديثة مثل التكسير الهيدروليكي، فإن معظم الحقول الكبرى وصلت إلى ذروة إنتاجها، مما يعني أن الموارد الأحفورية لن تكون مستدامة على المدى الطويل. هذا الوضع أثار نقاشات حول الطاقة المتجددة ومستقبل عصر البترول. فالثروة النفطية، كغيرها من الموارد الطبيعية، تتعرض للنقصان والاستنزاف، وقد تصل في النهاية إلى الانقراض أو تصبح نادرة للغاية.

3. التحولات الجيوسياسية:

الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية (البترول والغاز الطبيعي) كان سببًا في صراعات وتحالفات دولية، خاصة أن هذه الموارد تتركز في مناطق معينة، مثل الشرق الأوسط وروسيا، مما يجعلها عرضة لتقلبات سياسية ومحط أطماع القوى الكبرى.

فالمناطق التي تتوفر على مصادر الطاقة التقليدية تتقاطع فيها المصالح وتتعارض فيها أهداف الدول وتكون بالتالي عرضة للصراعات. فلا عجب إذا كانت هذه المناطق مجالا لاندلاع الحروب وإعادة رسم الخرائط، لما تمثله هذه الموارد من ضرورة للاقتصاد ووقود للصناعة والتجارة والتكنولوجيا.

البدائل المستقبلية للبترول والغاز

تتجه الأنظار إلى مصادر طاقة بديلة، مدفوعة بتطور التكنولوجيا والسياسات العالمية. أهم البدائل تشمل:

  1. الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح):
    • الطاقة الشمسية أصبحت أرخص مصدر للكهرباء في العديد من المناطق، مما يتيح التخلي ولو جزئيا عن الفحم والغاز كمصدر للطاقة.
    • الطاقة الريحية حققت انتشارًا واسعًا بفضل انخفاض تكاليف التوربينات وتحسين كفاءتها. ويُعد استخدام طاقة الرياح من أهم الوسائل لتقليل استخدام الطاقة التقليدية بفضل العديد من الفوائد التي تقدمها. فطاقة الرياح تعتبر مصدرًا نظيفًا للطاقة لا تنتج انبعاثات ضارة للبيئة، وتساهم في الحد من التلوث الجوي وتقليل تأثيرات التغير المناخي. وفضلا عن ذلك، تعد طاقة الرياح مصدرًا مستدامًا تعتمد على الرياح الطبيعية، مما يضمن استمرار توفرها على المدى الطويل.

2. الهيدروجين الأخضر:

يتم إنتاج الهيدروجين باستخدام الكهرباء المتجددة لتحليل المياه، ويُعتبر مصدرًا واعدًا للطاقة في قطاع النقل والصناعات الثقيلة.

ويُعرف الهيدروجين بأنه غاز عديم اللون والرائحة. يتكون من جسيمات صغيرة تسمى البروتونات والإلكترونات، وهو شديد التفاعل. يمكن أن يمتزج مع عناصر أخرى لتكوين مركبات مثل الماء. وهو بمثابة وقود قوي يمكن استخدامه في توليد الكهرباء وتشغيل المركبات وتوليد الحرارة. الهيدروجين لديه القدرة على الحد من التأثير البيئي والإسهام في توفير إمدادات الطاقة المستدامة.

3. البطاريات وتخزين الطاقة:

يُمكن لتقنيات تخزين الطاقة، مثل بطاريات الليثيوم أيون، دعم الانتقال إلى نظام طاقة يعتمد بالكامل على المصادر المتجددة.

نظام تخزين الطاقة تقنية مصممة لتخزين الطاقة الزائدة المنتجة في وقت واحد لاستخدامها في وقت لاحق. فهو يلتقط الطاقة، ويحافظ عليها، ويعيدها عند الحاجة.

يمكن تخزين الطاقة من مصادر مختلفة، أبرزها مصادر الطاقة المتجددة، وإطلاقها خلال الفترات التي يكون فيها الإنتاج أو التوليد منخفضًا أو عندما يكون الطلب مرتفعًا. تضمن هذه العملية إمدادات طاقة موثوقة ومتسقة، مما يساعد على توازن واستقرار شبكات الطاقة.

من بين أنظمة تخزين الطاقة الشائعة أنظمة تخزين طاقة البطارية، حيث تكون معظم البطاريات المطلوبة هي بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن. وقد شهدت أنظمة تخزين طاقة البطارية تطورات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت بطاريات الليثيوم أيون هي الرائدة في هذا المجال. تكمن جاذبيتها في كثافة الطاقة العالية وكفاءتها وتكاليفها المعقولة. تتميز هذه البطاريات بأنها متعددة الاستخدامات، وتجد مكانها في مجموعة من التطبيقات، بدءًا من الأجهزة الإلكترونية المحمولة وحتى حلول تخزين الشبكة.

4. الطاقة النووية:

على الرغم من الجدل حولها، تُعتبر الطاقة النووية خيارًا منخفض الكربون لتوليد الكهرباء، خاصة للدول التي تفتقر إلى مصادر متجددة كافية.

وتعرف الطاقة النووية بأنها أحد أنواع الطاقة المنبعثة من النواة، نواة الذرات، المكوَّنة من بروتونات ونيوترونات. وهذا المصدر من مصادر الطاقة يمكن إنتاجه بطريقتين: الانشطار – عندما تنقسم نوى الذرات إلى عدة أجزاء – أو الاندماج – عندما تندمج النوى معاً.

الطاقة النووية التي يتم تسخيرها حول العالم اليوم لإنتاج الكهرباء هي من خلال الانشطار النووي، بينما التكنولوجيا لتوليد الكهرباء من الاندماج فلا تزال في طور البحث والدراسة.

تأثير التحول على الدول المعتمدة على البترول والغاز

1. الدول المصدرة:

دول مثل السعودية، روسيا، والإمارات تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز لتمويل اقتصاداتها. التحول إلى الطاقة النظيفة قد يُشكل تحديًا كبيرًا لهذه الدول، إلا أن بعضها بدأ بالفعل في تنويع اقتصاده (مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة).

ففي السعودية مثلا تقوم استراتيجية الرياض للتحول في مجال الطاقة على ثلاث ركائز رئيسية: تعزيز كفاءة الطاقة، تنويع مزيج الطاقة، وإدارة الانبعاثات. ويتمثل هدفها في الانتقال من تصدير النفط بشكل حصري إلى تصدير جميع أشكال الطاقة. ويمكن أن تشمل الصادرات الجديدة الهيدروجين النظيف المنتج باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى الوقود الأحفوري المقترن بتكنولوجيا التقاط الكربون للحد من الانبعاثات.

وفي الإمارات، تلعب الطاقة النووية دورًا أساسي في دعم عملية التحول الطاقي. إذ تعتبر الحكومة أن اعتماد الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة أمر ضروري لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتقليل الانبعاثات. فعلى سبيل المثال، تم في عام 2020، ربط الوحدة الأولى من محطة “براكة ” للطاقة النووية في أبو ظبي بالشبكة، وفى شهر سبتمبر 2024، تم تشغيل الوحدة الرابعة والأخيرة تجارياً، وأصبحت محطة “براكة” قادرة على توليد ما يصل إلى 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء.

وبشكل عام، نجحت أبو ظبي في توليد 40% من طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة النووية والمتجددة اعتباراً من شهر مارس 2024- ما أسهم في خفض استهلاك الغاز الطبيعي. ومن ثم تعد الطاقة النووية المحرك الرئيسي لهذا التحول حيث تحظى باهتمام كبير في جميع دول العالم.

2. الدول المستوردة:

الدول التي تعتمد على استيراد الطاقة (مثل اليابان وأوروبا) قد تكون المستفيد الأكبر من التحول، إذ ستصبح أقل تبعية للدول المنتجة للنفط والغاز. لذلك، قامت باستثمارات هامة في هذا المجال.

3. الدول النامية:

الدول التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاتها قد تواجه صعوبات مالية وتقنية للتحول إلى بدائل نظيفة. وبالرغم من المساعدات التي منحت في هذا الباب إلى بعض من هذه الدول في إطار اتفاقيات مع الدول الغنية لتشجيعها على عدم استخدام الفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفور، إلا أن كلا من جنوب افريقيا وإندونيسيا تراجعتا عن التزامهما بحرق كميات أقل من الفحم بموجب اتفاقيات عرضت عليهما 28.5 مليار دولار من الولايات المتحدة ودول غنية أخرى.

ويرى المسؤولون في جنوب أفريقيا وإندونيسيا، إن الأموال الواردة من الدول الغنية ليست وفقا لما كانوا يأملون، حيث إن معظمها منحت في شكل قروض، مما يثقل كاهلها بمزيد من الديون.

توزيع النفوذ العالمي مع البدائل

كما كان النفط والغاز سببًا في نشوء تبعية عالمية للدول المنتجة، قد يشهد العالم نمطًا جديدًا من التبعية يرتبط بالمواد الأولية اللازمة للطاقة البديلة.

  • الليثيوم والكوبالت والنيكل:

تُستخدم هذه المعادن في تصنيع البطاريات، وتتركز احتياطاتها في دول مثل تشيلي، أستراليا، والكونغو.

  • الهيدروجين الأخضر:

الدول التي تمتلك مساحات واسعة وطاقة شمسية وريحية قوية (مثل المغرب، أستراليا، ودول الخليج) قد تكون قادرة على إنتاج الهيدروجين بكميات كبيرة.

السيناريوهات المستقبلية

  1. نجاح التحول إلى الطاقة النظيفة:

في هذا السيناريو، سيُصبح العالم أقل اعتمادًا على البترول والغاز، وستظهر أنماط جديدة من العلاقات الاقتصادية بين الدول، تركز على التعاون التكنولوجي وتبادل الطاقة المتجددة. غير أن الدول الغنية ستحظى بالأولوية في الاستفادة الطاقات النظيفة لما قد تستثمره من موارد وإمكانيات في الباب.

2. الانتقال الجزئي

قد يبقى النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي، لكن بأهمية أقل، مع ارتفاع حصة الطاقة المتجددة والبدائل النظيفة.

3. الفشل في التحول:

إذا استمرت العوائق التكنولوجية والسياسية، سيبقى العالم يعتمد على الوقود الأحفوري، لكن مع عواقب بيئية كارثية.

خاتمة

التحول عن البترول والغاز الطبيعي ليس مجرد احتمال، بل واقع تفرضه التطورات العلمية والضغوط البيئية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول يعتمد على الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير، والتعاون الدولي لضمان انتقال عادل لا يترك الدول النامية خلف الركب. في النهاية، ستكون البدائل متاحة للجميع، لكن كيفية الوصول إليها ستعتمد على الإرادة السياسية والاستعداد للتغيير.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

أمريكا في عهد ترامب: وعود العصر الذهبي بين التحديات والفرص

بسيم الأمجاري مع تنصيبه اليوم 20 يناير 2025، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلمة مثيرة …

الصراع حول الصحراء المغربية: بين المواقف الدولية وتوازنات القوى الكبرى

بسيم الأمجاري تعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، حيث تشكل …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *