عودة ترامب للرئاسة وأثرها على الصراعات الدولية

عندما أُعْلن عن فوز دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر الحالي، اشتعلت ردود الأفعال والمواقف من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، أوروبا، ومناطق أخرى تعاني من توترات سياسية ونزاعات مستمرة.

مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يتطلع الكثيرون إلى فهم كيف يمكن لهذه العودة أن تعيد تشكيل مسار السياسة الخارجية الأمريكية وما يترتب عنها من تأثيرات على الصراعات الإقليمية والدولية.

الشرق الأوسط: فرص السلام أم مزيد من التوترات؟

في إسرائيل، رحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفوز ترامب بحماسة شديدة، معتبرًا إياه بداية جديدة تعزز التحالف بين البلدين. وسبق أن وصف ترامب بأنه “أحد أعظم القادة في تاريخ الولايات المتحدة”، وهو ما قد يعني دعمًا أكبر للسياسات الإسرائيلية تجاه غزة والضفة الغربية. قد يستغل نتنياهو هذه العلاقة القوية لتعزيز موقفه في المواجهات الجارية، وخاصة في ظل الصراع المستمر في غزة الذي أودى بحياة عشرات الآلاف منذ عام 2023. ​

من جانب آخر، تخشى الأوساط الفلسطينية أن تؤدي سياسات ترامب إلى مزيد من التصعيد، حيث يرى البعض أن التحالف القوي بين ترامب ونتنياهو قد يعني استمرار القصف وزيادة الضغط على المجتمعات الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، أشار مسؤولون في حماس إلى أنهم يأملون في إنهاء فوري للحرب، لكن توقعاتهم تظل حذرة نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الزعيمين. ​

أما بالنسبة لإيران، فقد تعهد ترامب في حملته الانتخابية بالعودة إلى سياسة الضغط الأقصى ضدها، مما يثير المخاوف من تصعيد عسكري جديد أو عودة للأجواء المتوترة التي ميزت فترته الأولى. كما أنه أبدى استعداده لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية بشكل صارم، وهو ما قد يعيد إحياء التوترات الإقليمية بين إيران ودول الجوار، مثل السعودية والإمارات​.

الحرب الروسية الأوكرانية: تغييرات محتملة في الاستراتيجية

من بين أهم الملفات التي تشكل محور الاهتمام الدولي مع عودة ترامب هي الحرب الروسية الأوكرانية. يُعرف عن ترامب تردده في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، حيث صرح بأنه قادر على إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، مما يعكس توجهه نحو إجبار الأطراف على قبول حلول دبلوماسية قد لا تكون مرضية لكافة الأطراف المعنية، لكن يمكن أن تؤدي إلى الحد من التوتر على الجبهات. من جانبها، أبدت كييف قلقها من احتمال أن يخفف ترامب من المساعدات العسكرية، مما قد يضعف موقفها على الأرض ويفتح المجال لمزيد من الضغوط الروسية​.

​في موسكو، هناك بعض التفاؤل بأن فوز ترامب قد يؤدي إلى مقاربة جديدة أكثر تقبلاً للمصالح الروسية، على الرغم من الحذر الذي يسود الأوساط السياسية الروسية بناءً على تجارب سابقة مع الإدارة الأمريكية. قد يعني تقليل الدعم الأمريكي لأوكرانيا تحولاً في ديناميات الصراع على الجبهات، مما يعزز موقف موسكو على الأرض ويزيد من تعقيد المفاوضات المستقبلية. ​

ردود أفعال أوروبية وتحليل للدور المستقبلي لأمريكا

بالنسبة لأوروبا، تسود حالة من القلق بشأن تداعيات السياسة الخارجية لترامب على الحرب في أوكرانيا والعلاقات مع الناتو. وتخشى العديد من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي أن تؤدي سياسات ترامب إلى تراجع في الدعم الأمريكي، مما يضطرها إلى تحمل عبء أكبر في الدفاع عن نفسها. بالفعل، شهدت الأشهر الماضية زيارات مكثفة من الوفود الأوروبية إلى واشنطن لمحاولة استكشاف موقف الإدارة المستقبلية. ​

واللافت أن بعض الدول الأوروبية ترى في عودة ترامب فرصة لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية. وفي هذا الإطار، تسعى فرنسا، على سبيل المثال، إلى دفع الاتحاد الأوروبي نحو تبني سياسات أكثر استقلالية في مجال الدفاع والصناعات العسكرية. هذا التحول قد يكون مدفوعًا بشكوك الدول الأوروبية حول إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة في المستقبل إذا استمر نهج “أمريكا أولاً.”​

علاقات أمريكا مع الصين وأبعادها الاقتصادية

من ناحية العلاقات مع الصين، لا يتوقع الكثيرون تغييرًا كبيرًا في الأساسيات. التوترات التجارية والسياسية التي شهدتها فترة ترامب الأولى قد تتجدد، مثل فرض الرسوم الجمركية الواسعة. ومع أن بكين لا تتوقع تحسنًا ملحوظًا في العلاقات، إلا أن تبني سياسات اقتصادية حمائية من قبل ترامب قد يؤدي إلى تداعيات عالمية على سلاسل التوريد والتجارة الدولية​.

إعادة انتخاب ترامب وقضية الصحراء المغربية

فوز دونالد ترامب مرة أخرى رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية قد يكون له تأثيرات محتملة على ملف الصحراء المغربية، وهو ملف شديد الحساسية ويثير اهتمامات المغرب والجزائر.

الموقف المغربي

يرحب المغرب بعودة ترامب نظرًا لدعمه الواضح سابقًا لموقف الرباط بشأن الصحراء المغربية. ففي 2020، اعترف ترامب رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وهو خطوة اعتبرها المغرب انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا. من المتوقع أن يسعى المغرب إلى استغلال هذه العودة لدفع هذا الاعتراف نحو المزيد من الترسيم الدبلوماسي، سواء في الأمم المتحدة أو مع حلفاء آخرين.

موقف الجزائر

أما بالنسبة للجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو وتعتبر القضية جزءًا من سياستها الخارجية الأساسية، فتنظر بقلق إلى فوز ترامب. وترى في عودته تعزيزًا لموقف المغرب، مما يزيد من تعقيد الجهود الدولية الرامية لإيجاد حل للقضية. هذا قد يؤدي إلى مزيد من الإحباط لدى السلطات الجزائرية إذا ما تم تأكيد نهج ترامب السابق في دعمه للرباط​.

انتظارات الدول العربية من فوز ترامب

تتفاوت ردود الأفعال في العالم العربي بين الترحيب والحذر تجاه فوز ترامب بولاية جديدة. فالعديد من الدول التي كانت قد أقامت علاقات قوية معه خلال فترة رئاسته الأولى تتوقع أن تستمر تلك الديناميات الإيجابية. ومن بين هذه الدول نجد الإمارات العربية المتحدة والسعودية، اللتين استفادتا من سياسات ترامب الحازمة تجاه إيران. هذه الدول تتطلع لاستئناف الضغط على طهران، مما يخفف من التوترات الإقليمية وفق منظورها. كما أن بعض الدول ترى في عودة ترامب فرصة لتعزيز اتفاقيات التطبيع مثل اتفاقيات أبراهام​.

المخاوف والترقب في إفريقيا

بالنسبة للدول الإفريقية، يأتي موقفها متباينًا. بعض الدول، مثل مصر، التي كانت لها علاقات جيدة مع ترامب، قد ترى في عودته فرصة لتعزيز التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب والدعم الاقتصادي. ومع ذلك، فإن هناك قلقًا لدى الدول الإفريقية الأخرى بشأن التركيز الأمريكي على المصالح الذاتية لـ”أمريكا أولاً”، مما قد يعني تقليل المساعدات أو تدخل أقل في ملفات التنمية الاقتصادية​.

الدول الإفريقية التي تعتمد بشكل أكبر على الدعم التنموي الأمريكي أو المساعدات الإنسانية قد تتخوف من تقليص تلك المساعدات في ظل سياسة ترامب الخارجية التي تميل للتركيز على المصالح الأمريكية المباشرة. هذا قد يترك فراغًا قد تسعى قوى مثل الصين وروسيا لملئه​.

تأثير فوز ترامب على الأسواق المالية

شهدت الأسواق المالية نوعًا من القلق الممزوج بالترقب بعد فوزه، حيث يتوقع المستثمرون عودة السياسات الحمائية التي اتبعها في ولايته السابقة. على سبيل المثال، أثرت احتمالات فرض رسوم جمركية جديدة والتوترات مع الصين على مؤشرات الأسهم الرئيسية في أوروبا وآسيا، وبرزت هذه المخاوف في ارتفاع طفيف في بعض الأصول الآمنة مثل الذهب. ​

من جانب آخر، يتوقع أن يؤدي ترامب إلى إقرار بعض التحفيزات الاقتصادية من خلال تخفيض الضرائب وإجراءات لدعم الشركات الأمريكية، وهو ما قد يعزز سوق الأسهم على المدى القصير. ولكن التوقعات حول استمرار هذه التأثيرات تعتمد على الاستقرار السياسي وسرعة تنفيذ السياسات​.

أسواق النفط وردود الفعل

أسعار النفط شهدت استجابة فورية، حيث يتوقع المتعاملون أن تعود الولايات المتحدة إلى سياسات دعم الإنتاج النفطي المحلي بشكل أكبر، مثل تخفيف القيود على عمليات التنقيب والاستخراج. هذا قد يدفع الأسعار للهبوط على المدى المتوسط إذا ما زاد الإنتاج الأمريكي بشكل كبير. ومع ذلك، فإن أي تصعيد محتمل مع إيران أو توترات جديدة في الشرق الأوسط قد يرفع الأسعار مرة أخرى. ​

خلاصة

عودة ترامب إلى الرئاسة تعني دخول العالم مرحلة جديدة من الضبابية وعدم اليقين. من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، مرورًا بأوروبا والصين، تتجه الأنظار نحو كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية المقبلة مع هذه التحديات. وبينما يرحب بعض القادة بعودته كفرصة لتغيير المسار السياسي، يشعر آخرون بالقلق من عواقب محتملة تزيد من تعقيد النزاعات الحالية.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

مستقبل سوريا في ظل التقلبات الجيوسياسية: مواقف مختلف القوى ومصالحها المتناقضة

تعد الأزمة السورية من أبرز الأزمات الجيوسياسية التي هزت منطقة الشرق الأوسط في العقد الأخير. …

هل تتغير قواعد اللعبة في غزة؟ قراءة في أنباء المفاوضات بين إسرائيل وحماس

بسيم الأمجاري تشهد الساحة السياسية والإعلامية حاليًا ترويجًا مكثفًا لأنباء تتعلق بإمكانية التوصل إلى اتفاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *