فوز اليمين في الانتخابات التشريعية الألمانية وآثاره على ألمانيا والاتحاد الأوروبي

بسيم الأمجاري

خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في ألمانيا، أثبت اليمين قوته مجددًا بعدما تمكن من تحقيق فوز ملحوظ في ظل صعود حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) وحزب البديل من أجل ألمانيا. (AfD)هذا الفوز لا يمثل مجرد تحول داخلي في ألمانيا، بل يعكس تغييرات مهمة في السياسات الأوروبية بشكل عام.

ما هو مغزى هذا الفوز بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي؟ وما هي دلالة تهنئة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتشجيعه لنجاح اليمين في ألمانيا؟ سنناقش هذه المسائل بتفصيل في هذا المقال.

1.  دلالة فوز اليمين في ألمانيا

  1. 1 تحول في الخريطة السياسية

لقد شهدت الانتخابات الأخيرة في ألمانيا تحولًا في الخريطة السياسية للبلاد، لا سيما مع تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا من الفوز بالمرتبة الثانية بعد الحزب الديموقراطي المسيحي. ويعد حزب البديل حزبا يمينيا متطرفا يؤاخذ عليه في السابق محاولة بعض أعضائه إعادة تأهيل ذكرى ألمانيا النازية والاستيلاء على نظرية الاستبدال العظيم. كما سبق للمتحدث باسم الكتلة البرلمانية للحزب المذكور أن صرح بافتخاره علنا بكونه “فاشيا”، مما تسبب في تراجع الحزب خلال الانتخابات التشريعية لعام 2021. وفي عام 2023 استعاد حزب البديل قوته وحصل على أول بلدية محلية في ألمانيا الشرقية السابقة، ولكن تورط بعض أعضائه في عقد اجتماع سري مع المنظمات النازية الجديدة في يناير 2024  تسبب للحزب في فضيحة، نتج عنها خروج مليون ألماني إلى الشوارع في كل من هامبورغ ودوسلدورف للاحتجاج، غير أن هذه الأحداث لم تمنع من استمرار تقدم الحزب.

ويرى بعض المتتبعين للشأن الأوروبي أن فوز اليمين لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن الألماني في السنوات الأخيرة. فمع تزايد المخاوف من الهجرة، والتحديات الأمنية، والضغط على النظام الصحي والتعليم، بدأ العديد من الألمان يرون في الأحزاب اليمينية بديلا يمكنه مواجهة هذه التحديات. هذا ما أدى إلى صعود قوي للأحزاب المحافظة واليمينية، ولا سيما حزب البديل من أجل ألمانيا الذي أصبح يمثل اليوم قوة كبيرة في البرلمان الألماني.

1.2  تحديات الحكومة الألمانية المقبلة

فوز اليمين المتطرف بالمرتبة الثانية لا يعني بالضرورة أنه سيشارك في الحكومة. غير أنه سيطرح تحديات كبيرة أمام تشكيل ائتلاف حكومي قوي، بين أحزاب تختلف في التوجهات السياسية والمواقف من القضايا كالهجرة والحرية في اتخاذ بعض القرارات بعيدا عن مركزية قرارات الاتحاد الأوروبي.

وبالرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، يبدو أن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف قد حصل على دعم 20.8 % من الناخبين بزيادة 10 % عن انتخابات سبتمبر من عام 2021. وهو ما يعادل 151 مقعدا في البوندستاغ.

ورغم أن الحزب المذكور حصد ثاني أعلى نسبة أصوات من بين الأحزاب المشاركة، فإنه من غير المتوقع أن يكون شريكا في الحكومة الائتلافية.  وقد سبق لـفريدريش ميرز، مرشح أحزاب الاتحاد لرئاسة الوزراء أن أعلن خلال الحملة الانتخابية أنه لن يتحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو ما يقتضي التفاوض مع أحزاب أخرى من اليسار واليمين لإيجاد أرضية مشتركة تعتمد لتشكيل الحكومة المقبلة.

2.  أثر فوز اليمين على الاتحاد الأوروبي

2.1  التحولات في السياسات الأوروبية

صعود الأحزاب اليمينية في ألمانيا وغيره من الدول الأوروبية سيترك بلا شك تأثيرًا ملحوظًا على سياسات الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه بعض الدول الأوروبية إلى تعزيز التعاون المشترك، قد تجد الدول الأوروبية، وبضغط من الأحزاب اليمينية التي تكتسح مزيدا من المقاعد في برلمانات هذه الدول وفي برلمان الاتحاد الأوروبي، نفسها في موقع يدعو إلى تقليص السلطة المركزية للاتحاد الأوروبي لصالح تعزيز السيادة الوطنية.

وفي مجالات مثل الهجرة، والاقتصاد، والتجارة، قد يضغط اليمين في البرلمان الأوروبي من أجل تحقيق سياسات أكثر تحفظًا في مواجهة تحديات الاتحاد الأوروبي.

2.2  تأثير فوز اليمين في ألمانيا على العلاقات مع فرنسا

ما يلفت الانتباه في هذا السياق هو العلاقة بين ألمانيا وفرنسا. على الرغم من التعاون الوثيق بين البلدين في تشكيل السياسات الأوروبية، فقد كانت فرنسا على مدى الأعوام الماضية تدعو إلى سياسات أكثر توافقًا مع الاتحاد الأوروبي من خلال تعزيز التكامل الأوروبي في مختلف المجالات. لكن مع صعود اليمين واليمين المتطرف في ألمانيا، يظل التساؤل قائما حول إمكانية حدوث تغييرات على مجموعة من القضايا السياسية. ففي وقت سابق في فرنسا، كانت هناك تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد صعود اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوروبي، حيث أعلن عن عزمه على تعزيز السياسة الداخلية الفرنسية لمواجهة الصعود المتزايد للأحزاب اليمينية في أوروبا.

2.3  فوز اليمين والعلاقات مع دول أوروبا الشرقية

إحدى النقاط التي يجب مراعاتها هي التأثير المحتمل على العلاقات بين ألمانيا والدول الأوروبية الشرقية مثل المجر وبولندا. فهذه الدول تشهد أيضًا صعودًا للأحزاب اليمينية التي تتبنى مواقف متشددة بشأن الهجرة والسيادة الوطنية.

في هذا السياق، قد يتزايد التقارب بين ألمانيا وهذه الدول اليمينية، في الوقت الذي قد تنخفض فيه فعالية التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى مثل فرنسا وإيطاليا.

3.  دلالة تهنئة ترامب وتشجيعه لنجاح اليمين في ألمانيا

3.1  تعزيز التحالفات اليمينية الدولية

تهنئة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، للأحزاب اليمينية في ألمانيا تعكس دعمًا واضحًا لهذه الأحزاب. ترامب، الذي كان قد تبنى سياسات شعبوية في أثناء رئاسته، قد يجد في فوز اليمين في ألمانيا فرصة لتوسيع دائرة التحالفات السياسية التي تشمل أحزابًا يمينية في أوروبا.

ويبدو أن ترامب يرى في هذا الصعود فرصة لتحقيق مزيد من التعاون مع الحكومات اليمينية، خاصة في مجالات مثل الاقتصاد، الأمن، والسياسات الدولية.

3.2  تعزيز العلاقات عبر الأطلسي

تهنئة ترامب تُشير أيضًا إلى تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا في ظل فوز اليمين. فترامب كان في فترته الرئاسية يسعى إلى تعزيز التعاون مع الحركات السياسية الموالية للسيادة الوطنية، والتقليل من تأثيرات العولمة والاتحاد الأوروبي. مع صعود الأحزاب اليمينية في ألمانيا، قد تتعزز الروابط بين الولايات المتحدة وألمانيا، مما يؤثر على العلاقات عبر الأطلسي في مختلف المجالات.

3.3  تأثير فوز اليمين على السياسات التجارية والدفاعية

قد يؤثر التعاون اليميني بين الولايات المتحدة وألمانيا على السياسات التجارية والدفاعية. فالأحزاب اليمينية في ألمانيا تتبنى سياسات أكثر تحفظًا بشأن التكامل الأوروبي، وقد تتوافق هذه السياسات مع نهج ترامب الذي كان يروج لسياسات “أمريكا أولًا” في التجارة والدفاع. بالتالي، قد يترجم هذا التعاون إلى المزيد من السياسات القومية التي قد تؤثر على التوازن الاقتصادي والدفاعي بين الولايات المتحدة وأوروبا.

4. الآثار المستقبلية على السياسة الأوروبية والعالمية

4.1  ظهور حقبة جديدة من التوترات السياسية

تزايد دعم اليمين في ألمانيا قد يشير إلى بداية حقبة جديدة من التوترات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي. في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول لتعزيز الوحدة الأوروبية، ستواجه أوروبا تحديات كبيرة من داخلها في ظل تزايد صعود الأحزاب التي تعارض التوجهات المركزية للاتحاد. هذه التوترات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل السياسات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأعضاء.

4.2  تأثيرات على المواقف تجاه قضايا الهجرة

الهجرة كانت ولا تزال أحد المواضيع الرئيسية التي يستفيد منها اليمين في حملاته الانتخابية. فوز اليمين في ألمانيا يعني أن هناك احتمال لتشديد السياسات الخاصة بالهجرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. هذا الأمر سيؤثر بشكل خاص على دول البحر الأبيض المتوسط مثل إيطاليا واليونان، التي تعاني من الضغط الهائل بسبب تدفق اللاجئين.

4.3  التحديات البيئية في ظل تصاعد اليمين واليمين المتطرف

من المحتمل أن تركز البرلمانات ذات الأغلبية اليمينية واليمين المتطرف سواء في ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي على قضايا مثل حماية الحدود والسيادة الوطنية، مما قد يخفف من الالتزام بالاتفاقات البيئية الدولية. في هذا السياق، من المتوقع أن تتراجع بعض دول الاتحاد الأوروبي المعنية بتصاعد اليمين عن بعض التزاماتها الأوروبية في مجال التغير المناخي والطاقة المتجددة.

الخاتمة

إن فوز اليمين في الانتخابات التشريعية الألمانية لا يمثل مجرد تحول داخلي في المشهد السياسي الألماني، بل يحمل في طياته تداعيات عميقة على الاتحاد الأوروبي والعلاقات الدولية.

داخليًا، يعكس هذا الصعود استجابة شعبية لمخاوف تتعلق بالهجرة، الهوية الوطنية، والأوضاع الاقتصادية، مما سيُصعب مهمة تشكيل حكومة مستقرة وقادرة على تلبية تطلعات المواطنين. أما على الصعيد الأوروبي، فإن التوجهات اليمينية المتزايدة قد تعيد رسم ملامح الاتحاد من خلال تعزيز السيادة الوطنية وتقليص نفوذ المؤسسات المركزية.

من جهة أخرى، تشير تهنئة دونالد ترامب ودعمه لليمين الألماني إلى إمكانية بروز تحالفات جديدة عابرة للأطلسي قائمة على السياسات القومية والمحافظة. ورغم أن هذه التحولات قد تعزز بعض القضايا المحلية للدول الأعضاء، إلا أنها تحمل في المقابل مخاطر زيادة الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في ملفات حساسة كالهجرة، المناخ، والتكامل الاقتصادي. وبين هذه التحديات والفرص، يبقى مستقبل ألمانيا وأوروبا مرهونًا بقدرة الساسة على التوفيق بين المصالح الوطنية ومتطلبات الوحدة الأوروبية.

شاهد أيضاً

أسرار الإفطار بالتمر والماء: بين الفوائد الصحية والأثر النبوي

بسيم الأمجاري شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام الذي يتبعه المسلمون حول العالم، مع التزامهم …

ماء زمزم: معجزة إلهية وأسرار علمية

بسيم الأمجاري يعتبر ماء زمزم من أكثر المياه قدسية في العالم الإسلامي، حيث يقع بئر …

كيفية شرب الماء بشكل صحيح أثناء شهر رمضان وأهمية الترطيب للصائمين

بسيم الأمجاري شهر رمضان هو فترة تقوية للجسد والروح، ولكنه يأتي مع تحدياته الصحية الخاصة …

ماذا لو استيقظ العالم بلا إنترنت؟ سيناريو الفوضى والتكيف

بسيم الأمجاري في عصرنا الحالي، أصبح الإنترنت العمود الفقري للحياة العصرية، فهو المحرك الأساسي لكل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *