التعاون العسكري بين إيران وروسيا: هل هو تحالف استراتيجي أم مجرد صفقة مصالح متبادلة؟

في عالم السياسة الدولية، لا شيء ثابت بشكل مطلق. الدول تُسَيِّر مصالحها استنادًا إلى حسابات دقيقة وواقعية، بعيدًا عن العواطف أو المواقف الأيديولوجية الثابتة.

ومن هذا المنطلق، يُعتبر التعاون العسكري بين إيران وروسيا مثالاً حيًا على كيفية تأثير المصالح في تشكيل التحالفات، حتى وإن كانت تلك الدولتين تخضعان لعقوبات غربية قاسية.

وإذا كان الغرب قد فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على إيران بسبب برنامجها النووي ودعمها لميليشيات مسلحة في المنطقة، فإن تلك العقوبات نفسها قد تكون دفعت إيران إلى البحث عن شركاء جدد لشراء الأسلحة، وخاصة الطائرات المقاتلة، وهو ما يظهر في أحدث التصريحات التي تؤكد أن إيران قد اشترت طائرات سوخوي-35 الروسية.

هذه الصفقة تثير العديد من الأسئلة حول مستقبل التعاون العسكري بين إيران وروسيا. هل يشير هذا التعاون إلى تحالف طويل الأمد بين الدولتين، أم أنه مجرد تبادل مصالح في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها الطرفان؟ وهل يمكن أن يمتد هذا التعاون ليشمل الدفاع المشترك في مواجهة الضغوط الغربية؟ لنتناول هذا الموضوع من جوانب مختلفة ونتساءل عن دوافع كل طرف ومدى استدامة هذا التعاون في المستقبل.

العقوبات الغربية: ما هو دورها في التعاون بين إيران وروسيا؟

من المعروف أن إيران، ومنذ فترة طويلة، تعاني من حصار اقتصادي خانق فرضته القوى الغربية بسبب برنامجها النووي وعلاقاتها مع العديد من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. وقد أثر هذا الحصار على قدرة إيران في الحصول على الأسلحة الحديثة والمتطورة. وبالنظر إلى أن الغرب لا يتوقع أن يخفف من هذه العقوبات في المستقبل القريب، فإن إيران تجد نفسها مجبرة على البحث عن مصادر بديلة للأسلحة التي تحتاجها لتعزيز قدراتها الدفاعية، لا سيما في مواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة.

من هنا، كان التعاون مع روسيا خيارًا منطقيًا. روسيا، التي هي نفسها تحت طائلة عقوبات غربية بسبب حربها في أوكرانيا، تجد في إيران شريكًا مهمًا في مواجهة هذا الحصار الاقتصادي والعسكري. ويُعد هذا التعاون العسكري بين الدولتين خطوة استراتيجية للطرفين، حيث يمنح كلاهما الفرصة لتبادل التكنولوجيا العسكرية والأسلحة بشكل متبادل. من ناحية أخرى، تحتاج روسيا إلى أسواق جديدة للأسلحة والعتاد العسكري، بينما تحتاج إيران إلى تحديث قدراتها العسكرية بما يتماشى مع التهديدات المحتملة من الغرب.

سوخوي-35: طائرة الحرب الروسية الحديثة كرمز للالتقاء العسكري

من أحدث التطورات في هذا التعاون، إعلان إيران عن شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز “سوخوي-35”. هذه الطائرات تعتبر من الجيل الرابع المتطور، وتتميز بقدرتها على تنفيذ مهام هجومية دقيقة ضد الأهداف الأرضية والجوية على حد سواء. وبالطبع، هذا يعكس رغبة إيران في تعزيز قدراتها العسكرية الجو-فضائية لتأمين مجالها الجوي واحتياجاتها الدفاعية. وفي الوقت نفسه، تُظهر روسيا قدرتها على تقديم تقنيات عسكرية حديثة في سوق يعاني من عزلة دولية، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للتوسع في التجارة العسكرية.

إن هذه الصفقة لا تقتصر فقط على بيع أسلحة، بل هي جزء من شراكة استراتيجية بين البلدين تشمل التعاون في مجالات أخرى، مثل التكنولوجيا، والسياسة، والاقتصاد. وفي الواقع، تُعتبر الاتفاقيات الموقعة بين إيران وروسيا، مثل الاتفاقية الاستراتيجية التي تم توقيعها في نوفمبر 2023، بداية لتوسيع هذا التعاون على مدار عقدين من الزمن.

روسيا وإيران: تحالف أم مصالح متبادلة؟

على الرغم من أن التعاون بين إيران وروسيا يبدو قويًا على المدى القصير، إلا أن التاريخ قد علمنا أن التحالفات بين الدول الكبرى غالبًا ما تكون مبنية على المصالح المتبادلة أكثر من كونها تحالفات أيديولوجية ثابتة. في هذا السياق، لا يُعتبر التعاون بين روسيا وإيران بالضرورة تحالفًا طويل الأمد قائمًا على تضافر القيم والمبادئ، بل هو نتاج لمعادلة مصالح مشتركة في مواجهة تهديدات من الغرب.

بالنظر إلى العلاقات بين روسيا وإيران في الماضي، نجد أن البلدين قد تباينت مواقفهما في بعض القضايا. على سبيل المثال، كان هناك خلاف بينهما حول العديد من المسائل الإقليمية، مثل الحرب في سوريا وملف الطاقة في بحر قزوين. ومع ذلك، كانت كل من روسيا وإيران تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في هذه القضايا، وهو ما جعل التعاون بينهما أمرًا ممكنًا، وإن لم يكن دائمًا سلسًا.

ومن ثم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لهذا التعاون أن يمتد إلى دفاع مشترك في حال تعرض أحد البلدين لتهديد عسكري من الغرب؟ بينما من المؤكد أن كلا الطرفين يمتلك مصلحة في تجنب المواجهات المباشرة مع القوى الغربية، فإن مدى استعداد كل منهما للدخول في صراع شامل إلى جانب الآخر يعتمد بشكل كبير على مدى تأثير هذا الصراع على مصالحهما الداخلية.

التحديات المستقبلية: هل سيظل التعاون قائمًا في المستقبل؟

في حين أن التعاون العسكري بين إيران وروسيا يمكن أن يكون مفيدًا للطرفين في الوقت الحالي، إلا أن هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على استدامة هذا التعاون. أولاً، يمكن أن تتغير الديناميكيات الدولية بسرعة. ففي حال تغيرت الظروف الإقليمية أو إذا تراجعت العقوبات الغربية المفروضة على إيران، فقد تجد طهران نفسها أقل اعتمادًا على موسكو. علاوة على ذلك، قد تؤدي أي تطورات جديدة في العلاقات الدولية، مثل الانفتاح الدبلوماسي أو التغيرات في موازين القوى، إلى تأثيرات كبيرة على هذه الشراكة.

ثانيًا، تظل المواقف الإيرانية والروسية متباينة في بعض القضايا الإقليمية. فبينما تسعى إيران للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، تدير روسيا سياساتها في منطقة الشام بشكل منفصل، حيث تركز على أهدافها الخاصة في سوريا ومناطق أخرى. هذا التباين في الأهداف قد يُصعب استدامة هذا التعاون العسكري على المدى الطويل.

الخلاصة: هل سيتحول التعاون إلى تحالف دائم؟

التعاون بين إيران وروسيا في المجال العسكري يعتبر خطوة مهمة في تعزيز قدرات الطرفين في مواجهة الضغوط الغربية. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة هذا التعاون.

التاريخ علمنا أن التحالفات بين الدول غالبًا ما تكون مرتبطة بمصالح لحظية، وتظل العوامل الداخلية والدولية هي التي تحدد قوة هذه التحالفات وطبيعتها. وعلى الرغم من ذلك، فإن التعاون العسكري بين إيران وروسيا يبقى عنصرًا هامًا في المشهد الدولي الحالي، وهو ما يفتح المجال للتساؤلات حول مستقبله في حال تغيرت الظروف الإقليمية أو الدولية.

شاهد أيضاً

تحذير العلماء: هل نشهد شطر إفريقيا إلى جزأين؟ الأسباب والآثار الجيوسياسية

في تطور جيولوجي مذهل، يشير العلماء إلى احتمال وقوع انشطار جيولوجي كبير في قارة إفريقيا …

هل سينقلب الذكاء الاصطناعي على صانعه؟ أسباب التخوف المتزايد من الثورة التكنولوجية

بسيم الأمجاري مع التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح التساؤل حول مستقبل البشرية …

مرض البروستاتا: التعريف، الأنواع، الوقاية والعلاج

بسيم الأمجاري يعتبر مرض البروستاتا من المواضيع الصحية التي تثير الكثير من القلق بين الرجال، …

هل يمكن لترامب إنهاء الحروب بسرعة؟ تحليل للواقع والتحديات

بسيم الأمجاري تمثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثًا محوريًا ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل أيضًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *