بسيم الأمجاري
في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها القارة الأفريقية، تبرز مشاريع التعاون الثلاثي بين المغرب، موريتانيا، والسنغال كنموذج رائد للتعاون الإقليمي والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.
من بين هذه المشاريع، يكتسي مشروع أنبوب الغاز المغربي-الموريتاني-السنغالي أهمية خاصة، لكونه يشكل المرحلة الأولى من مشروع أنبوب الغاز الذي يربط المغرب ونيجيريا ويمر عبر 16 دولة، حيث يتوقع أن يُحدث طفرة اقتصادية في المنطقة ويساهم في تعزيز التنمية المستدامة، رغم التحديات التي تواجهه.
ووفقا لما سبق أن تداولته عدة وسائل إعلام، فإن المغرب بصدد تشييد المراحل الأولى من مشروع أنبوب الغاز الضخم مع نيجيريا، وأن المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن أطلق مناقصات لبناء المراحل الأولى من المشروع سنة 2025، في خطوة تهدف إلى تسريع وتيرة تنفيذ مشروع خط أنبوب الغاز مع نيجيريا.
وحسب خطة عمل 2025 للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، فإن المرحلة الأولية من المشروع ستشمل كلاً من المغرب وموريتانيا والسنغال، حيث سيتم توقيع اتفاقيات نقل الغاز وإطلاق مناقصات البناء وتأسيس شركة متخصصة لإدارة المشروع.
وفي نفس السياق، يعد تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الرباط ونواكشوط ودكار ركيزة للتكامل الإقليمي ومواجهة التحديات.
في هذا المقال، سيتم التطرق بداية إلى الأهمية الاقتصادية لمشروع أنبوب الغاز المغربي-الموريتاني-السنغالي، الذي يشكل المرحلة الأولى من مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط المغرب ونيجيريا، على أن نسلط الضوء على أهمية التعاون بين المغرب وموريتانيا والسينغال في مختلف المجالات كنموذج إقليمي لخدمة شعوب الدول الثلاثة وخدمة باقي الدول الإفريقية.
أولا- أهمية مشروع أنبوب الغاز المغربي-الموريتاني-السنغالي وآثاره الاقتصادية
يأتي مشروع أنبوب الغاز كجزء من استراتيجية طموحة تربط بين الدول الثلاثة، بهدف نقل الغاز الطبيعي من السنغال وموريتانيا إلى المغرب، ومنها إلى أوروبا، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
1. تأثيره على اقتصاد الدول الثلاث:
• المغرب: بالنسبة للمغرب يسعى من خلال هذا المشروع إلى ترسيخ مكانته كمحور استراتيجي في سوق الطاقة الأفريقية والأوروبية. إضافة إلى ذلك، سيعزز المشروع خطط المغرب لتحقيق التنمية الاقتصادية وفق رؤية 2030، التي تهدف إلى رفع الناتج القومي.
• موريتانيا: يُعد المشروع فرصة لزيادة العائدات الوطنية من الغاز والبترول، مما يساهم في تحسين دخل المواطن ورفع مستوى المعيشة إلى مصاف الدول ذات الاقتصادات المتقدمة.
• السنغال: يمثل المشروع نقطة تحول في تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
2. انعكاسات المشروع على التنمية المحلية:
سيربط الأنبوب بين مصادر الغاز والبنى التحتية الصناعية، مما يخلق فرص عمل ويعزز الاستثمارات في المناطق المحاذية للمشروع. كما سيؤدي إلى تحسين إمدادات الطاقة للشركات المحلية، لا سيما في موريتانيا، حيث بدأت الشركات الإماراتية المصرية بالفعل في تجهيز الحقول لتزويد المناطق الصناعية بالغاز.
التحديات والعراقيل
رغم الآفاق الواعدة، يواجه المشروع تحديات متعددة:
• التدخلات الخارجية: تتعرض مشاريع الغاز والطاقة الأفريقية لمحاولات إفشال من قوى إقليمية ودولية. إذ يشير الخبراء إلى دور ميليشيات مدعومة من قوى خارجية مثل مجموعة “فاغنر”، التي تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة وإجهاض هذه المشاريع الطموحة.
• الاستقرار الأمني: الميليشيات المسلحة والخلايا النائمة تمثل تهديدًا دائمًا للمشاريع الاقتصادية الكبرى.
• العوامل التقنية: تشكل صعوبات وضع الأنابيب وتجربتها تحديًا أمام نجاح المشروع، خاصةً في بيئات بحرية تتطلب تقنيات متقدمة لضمان كفاءة نقل الغاز الطبيعي.
الشراكة مع دول الخليج: نموذج داعم
تلعب دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، دورًا محوريًا في دعم هذه المشاريع.
• الإمارات: تُعد من أكبر المستثمرين في قطاع الغاز الموريتاني، حيث ساهمت في تمويل مشاريع لربط الحقول البحرية بالبر الموريتاني.
• السعودية: تدعم المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية في موريتانيا، ومن أمثلتها تمويل استكمال مستشفى الملك سلمان بن عبد العزيز.
ثانيا- التعاون بين المغرب وموريتانيا والسينغال: ركيزة للتكامل الإقليمي ومواجهة التحديات
في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين الإقليمي والدولي، يفرض التعاون بين الرباط ونواكشوط وداكار نفسه كضرورة ملحة ولبنة أساسية لتعزيز التكامل بين الدول الثلاثة. هذا الخط المتواجد في شمال غرب إفريقيا على الساحل الأطلسي يتعين أن ينتقل من مجرد امتداد جغرافي لثلاثة دول مجاورة، إلى تعاون وثيق وفق رؤية شاملة تحقق التكامل الاقتصادي للنهوض بشعوب الدول الثلاثة عبر مشاريع طموحة تواجه التحديات المشتركة.
1. شراكة استراتيجية لمواجهة التحديات
أ. تعزيز الأمن الغذائي:
يمكن أن يصبح التعاون بين الدول الثلاثة بشمال غرب افريقيا محورًا للتبادل الزراعي واللوجستي. المغرب، بمؤهلاته في تقنيات الزراعة والأسمدة، قادر على دعم الإنتاج الزراعي في موريتانيا والسنغال، مما يعزز الأمن الغذائي ويحد من اعتماد الدول على الواردات الأجنبية.
ب. استغلال الثروات الطبيعية:
الدول الثلاث تتمتع بموارد طبيعية هائلة، من الغاز والبترول في موريتانيا والسنغال، إلى الفوسفات في المغرب. محور الرباط-نواكشوط-داكار يمكن أن يصبح قناة فعالة لاستثمار هذه الثروات بطريقة تكاملية، بحيث يستفيد الجميع من الموارد المشتركة.
ج. مواجهة التحديات الأمنية:
التنسيق بين الدول الثلاث يمكن أن يحد من التهديدات الأمنية التي تواجه المشاريع الاقتصادية، مثل نشاط الجماعات المسلحة والخلايا النائمة. تعزيز التعاون الأمني في المناطق الحدودية سيساهم في حماية الاستثمارات وتحقيق الاستقرار.
2. النهوض بالاقتصادات المحلية
أ. تطوير البنية التحتية:
يعد التعاون الثلاثي فرصة لتطوير بنية تحتية متكاملة، تشمل الطرق السريعة، السكك الحديدية، وموانئ تربط الدول الثلاثة، مما يسهل حركة البضائع والأفراد. هذا التطور في البنية التحتية سيجعل التجارة أكثر كفاءة ويخلق فرص عمل كبيرة.
ب. ربط الصناعات بالأسواق:
الرباط ونواكشوط وداكار يمكن أن تتحول إلى مراكز صناعية وتجارية مرتبطة ببعضها البعض عبر هذا الخط. على سبيل المثال، يمكن للغاز السنغالي والموريتاني أن يغذي الصناعات المغربية، بينما يستفيد السنغال وموريتانيا من الخبرات الصناعية المغربية.
ج. السياحة والتبادل الثقافي:
يمكن للتحالف أن يربط المواقع السياحية والثقافية بالدول الثلاث، مما يعزز التبادل الثقافي ويدعم القطاع السياحي كمصدر مهم للدخل.
3. لبنة للتنمية البشرية
أ. الاستثمار في التعليم والتدريب:
يمكن أن يتيح هذا التعاون أن يعزز أكثر برامج تعاون بين الجامعات ومراكز التدريب المهني في الدول الثلاث، لتأهيل الشباب وإعدادهم لسوق العمل. المغرب، بمؤهلاته الأكاديمية، يمكن أن يضاعف دعمه للطلبة والكفاءات الموريتانية والسنغالية، مما يعزز الموارد البشرية في المنطقة.
ب. تمكين النساء والشباب:
من خلال مشاريع صغيرة ومتوسطة تُقام على طول هذا الخط، يمكن تمكين النساء والشباب اقتصاديًا، مما يساهم في تقليص الفجوة الاجتماعية.
4. عامل استقرار سياسي وتنموي
أ. مواجهة الأجندات الخارجية:
التعاون الثلاثي يمكن أن يقلل من التدخلات الأجنبية التي تستهدف زعزعة الاستقرار في الدول بالمنطقة. المشاريع الاقتصادية الكبرى تُضعف محاولات العرقلة وتخلق واقعًا جديدًا يفرض التنمية كأولوية.
ب. بناء نموذج للتكامل الإقليمي:
نجاح هذا التعاون سيوفر نموذجًا يُحتذى به لبقية الدول الأفريقية، مما يعزز فكرة الاعتماد على التعاون الداخلي بدلاً من أن تبقى معرضة للهيمنة الخارجية.
ثالثا- آفاق مستقبلية واعدة
يمثل التعاون بين المغرب، موريتانيا، والسنغال رؤية استراتيجية عميقة تتجاوز كونه مشروعًا اقتصاديًا أو شريان نقل. إنه طموح لتحقيق تكامل إقليمي يمكنه إحداث تحول جوهري في اقتصادات الدول الثلاث، بما يرفع مستوى معيشة شعوبها ويعزز مكانتها في الاقتصاد العالمي.
تستمد هذه الشراكة قوتها من قدرتها على الجمع بين الثروات الطبيعية والبشرية لدول المنطقة، وتحويل التحديات المشتركة إلى فرص تنموية واعدة. لكن تحقيق هذه الرؤية الطموحة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتنسيقًا مستمرًا بين مختلف القطاعات لضمان النجاح والاستدامة.
إن المشاريع المشتركة بين الرباط، نواكشوط، وداكار ليست مجرد خطوات نحو التكامل الاقتصادي، بل تعكس طموحًا أكبر لتحقيق التنمية المستدامة وتحفيز التعاون الإقليمي. ومع وجود قيادات واعية واستراتيجيات مدروسة، تبدو الفرص سانحة لتحويل هذه المشاريع إلى نماذج نجاح تُلهم القارة الأفريقية بأكملها.
لذا، فإن مواجهة التحديات الحالية بروح من التعاون والإصرار ستُسهم في تحقيق أهداف هذا التحالف الثلاثي، مما يجعله نموذجًا يُحتذى لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، تُحوِّل أفريقيا إلى قوة عالمية مؤثرة.