بسيم الأمجاري
يشهد العالم اليوم تصاعدًا ملحوظًا في التنافس بين القوى العظمى، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولم تعد المنافسة بين القوتين تقتصر على شرق آسيا والمحيط الهادئ، بل باتت أفريقيا، وخاصة شمالها، ميدانًا أساسيًا لهذا التنافس.
المغرب، الذي يُعتبر لاعبًا محوريًا في المنطقة، أصبح محط اهتمام الصين والولايات المتحدة على حد سواء. زيارة الوفد العسكري الصيني الأخيرة إلى المغرب أثارت العديد من التساؤلات حول خلفياتها ودلالاتها، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تجمع المغرب بواشنطن.
في هذا المقال، سنتحدث عن السياق التاريخي لزيارة الوفد العسكري الصيني إلى المغرب، والعلاقات المغربية الصينية تاريخها وأبعاد الزيات الصينية إلى المغرب، سواء منها العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية، وكذا العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية: تاريخها وتطورها لتشمل مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، على أن نتناول أبعاد التنافس الأمريكي الصيني على المغرب وكيف يحاول المغرب تحقيق التوازن بين القوتين؟
أولا –العلاقات المغربية الصينية:
- السياق التاريخي:
تعود العلاقات المغربية الصينية إلى أوائل الستينيات، حينما كان المغرب من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات تطورًا مستمرًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وبرزت مبادرة “الحزام والطريق” كأحد المحاور الرئيسية لتعزيز التعاون بين البلدين، حيث أضحى المغرب شريكًا استراتيجيًا في رؤية الصين لتعزيز حضورها في إفريقيا وأوروبا.
2. أبعاد الزيارات الصينية إلى المغرب:
- الأهداف العسكرية:
الزيارة تحمل دلالات عسكرية واضحة، حيث تشير إلى رغبة الصين في تعزيز شراكتها الدفاعية مع المغرب، الذي يتمتع بموقع استراتيجي يربط بين أوروبا وإفريقيا. يمكن أن تشمل هذه الشراكة التعاون في مجالات التدريب، تبادل الخبرات، وربما التفاوض على صفقات تسليح مستقبلية.
- الأهداف الاقتصادية:
من الناحية الاقتصادية، تعزز هذه الزيارات الجهود الصينية لتوطيد حضورها في شمال إفريقيا. يُعد المغرب بوابة رئيسية للأسواق الإفريقية والأوروبية، مما يجعل تعميق التعاون الاقتصادي مع المغرب خطوة منطقية ضمن استراتيجية الصين لتوسيع نفوذها التجاري.
- الأهداف السياسية:
سياسيًا، تُظهر الزيارة حرص الصين على بناء تحالفات جديدة خارج نطاق القوى التقليدية في الغرب، وهو ما يتماشى مع استراتيجيتها لتقويض الهيمنة الغربية وتعزيز علاقاتها مع دول الجنوب.
ثانيا – العلاقات المغربية الأمريكية
- تاريخ علاقات المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية
تعود العلاقات المغربية الأمريكية إلى أواخر القرن الثامن عشر، حيث كان من أوائل الدول التي اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية كدولة مستقلة عام 1777 في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله. كما كان المغرب أول دولة توقع مع الولايات المتحدة الأمريكية معاهدة سلام وصداقة عام 1786.
وقد تم إعادة التفاوض حول هذه المعاهدة في عام 1836، ولا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا. وتعد بذلك أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة. كما أن مدينة طنجة احتضنت أقدم مقر دبلوماسي أمريكي في العالم، الذي تحول اليوم إلى متحف، وهي المعلمة التاريخية الأمريكية الوحيدة التي تقع خارج أرض الولايات المتحدة.
خلال القرن العشرين، تعززت العلاقات الثنائية في مؤتمر الحرب العالمية الثانية، حيث لعب المغرب جزءًا مهمًا في عمليات الحلفاء، خاصة خلال مؤتمر أنفا في الدار البيضاء عام 1943، والذي جمع أهم قادة العالم الغربي مثل روزفلت وتشرشل.
2. العلاقات الاقتصادية المغربية الأمريكية
تعززت الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة في 2024، مرتكزة على القيم والطموحات المشتركة، مما يعزز التنمية والازدهار والسلام والأمن الإقليمي والدولي. هذه الشراكة المستدامة التي تحظى بدعم قوي من المغرب، الذي ما فتئ يؤكد أن العلاقات بينه وبين الولايات المتحدة أصبحت تحالفًا تاريخيًا وشراكة استراتيجية راسخة تعززت بمرور الوقت.
علاقات المغرب والولايات المتحدة تتسم بتعاون في مجالات مختلفة من بينها الصناعة والتجارة. هذه الشراكة تدعم استقرار المنطقة، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط، وتعزز مكانة المغرب كمنصة استراتيجية للتوسع الاقتصادي.
المغرب يسعى لتحديث بنياته التحتية واقتصاده ليظل نقطة جذب للمستثمرين الأمريكيين، كما تقدر الولايات المتحدة التزام المغرب بمكافحة الإرهاب. هذه العلاقات تستمر في النمو وتعكس تعاونًا مثمرًا في مختلف المجالات لصالح البلدين والعالم.
3. العلاقات العسكرية والسياسية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر واشنطن، المملكة المغربية أحد أهم شركاء حلف الناتو من خارجه في القارة الإفريقية، وتحديداً في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا؛ لذلك فهو يحظى بتقدير كبير لدوره البارز كمصدر رئيسي للسلام والاستقرار في منطقة مليئة بالتحديات.
عام 2024، تم الاحتفال بالذكرى العشرين لحدثين مهمين في العلاقات الأمريكية المغربية: اتفاقية التجارة الحرة، التي تعتبر الوحيدة من نوعها بين الولايات المتحدة وأي دولة إفريقية، والمناورات العسكرية “الأسد الإفريقي” التي تمثل أكبر تمرين عسكري للولايات المتحدة في القارة الإفريقية.
تجري مشاورات سياسية باستمرار بين البلدين تشمل جميع محاور الشراكة الاستراتيجية وتتناول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، في إطار جيوسياسي يتطلب حلولًا شاملة وتعزيز التعاون. الولايات المتحدة تقدّر الدور الحيوي الذي يلعبه المغرب في تعزيز السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعكس الأهمية التي توليها الإدارة الأمريكية لشراكتها معه، خاصة في دعم الاستقرار الإقليمي.
ثالثا- ردود الفعل من التقارب الصيني المغربي
1. القوى الغربية:
- الولايات المتحدة: من المتوقع أن تراقب الولايات المتحدة هذه الخطوة بحذر، إذ إنها تعتبر الصين منافسًا رئيسيًا لها على الصعيد العالمي. وقد ترى في هذه الزيارة محاولة لتعزيز نفوذ الصين في منطقة تُعتبر تقليديًا ضمن دائرة النفوذ الغربي.
- فرنسا وإسبانيا وألمانيا: رغم أن هذه الدول شريكة رئيسية للمغرب، إلا أن أي تقارب بين المغرب والصين قد يُثير قلقها، خاصة إذا تعلّق الأمر بتعزيز التعاون العسكري.
2.القوى الإقليمية:
الجزائر: قد تنظر الجزائر، المنافس التقليدي للمغرب، إلى هذه الخطوة بريبة، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تجمعها بالصين. قد تجد الجزائر نفسها أمام واقع جديد يتطلب إعادة تقييم موقعها في الشراكة مع بكين.
رابعا- العلاقات المغربية الصينية: تطور نحو شراكة استراتيجية
لطالما كانت الصين تسعى لتعزيز وجودها في أفريقيا من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى ربط العالم اقتصاديًا عبر شبكات تجارية واستثمارية ضخمة. في هذا السياق، عززت بكين علاقاتها مع الرباط عبر استثمارات كبيرة في البنية التحتية والطاقة، والسيارات وقطع الغيار ومشاريع صناعية أخرى.
زيارة الوفد العسكري الصيني للمغرب تأتي في إطار هذه الديناميكية المتنامية، حيث تُشير تقارير إلى اهتمام الصين بتوسيع التعاون العسكري مع المغرب ليشمل التدريب، التكنولوجيا الدفاعية، وربما حتى مبيعات الأسلحة.
وبعيدا عن الأسلحة الأمريكية، التي يُعتبر المغرب زبوناً تقليدياً لها، وفي إطار استراتيجيته الجديدة لتنويع الشركاء في المجال العسكري، يواصل المغرب الانفتاح على مجموعة من الدول القوية عسكريا، كالصين من أجل تقوية عتاده من السلاح الدقيق، والحصول على صواريخ وطائرات متطورة وقنابل دقيقة التوجيه.
خامسا- الولايات المتحدة والمغرب: شراكة تقليدية تحت المجهر
من جهة أخرى، تُعتبر الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا قديمًا للمغرب. فقد دعمت واشنطن الرباط في عدة ملفات حساسة، مثل قضية الصحراء، ووقعت اتفاقيات دفاعية طويلة الأمد معه، كان أبرزها اتفاقية 2020 التي سمحت بإقامة مشاريع عسكرية أمريكية في المغرب. كما زودته بأحدث الأسلحة التي لا تتوفر لدى أغلب الدول في أفريقيا والعالم العربي، باستثناء بعض دول الخليج.
ومع زيارة الوفد الصيني، قد ترى واشنطن في ذلك تهديدًا لمصالحها في المنطقة، حيث تنظر الولايات المتحدة إلى المغرب كحليف أساسي في مواجهة النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا.
سادسا- أبعاد التنافس الصيني الأمريكي على المغرب
- الجانب الاقتصادي:
• تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها في المغرب من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمشاريع الكبرى مثل الطرق والموانئ، مما يعزز علاقاتها التجارية. تساهم هذه المشاريع في تحسين القدرة اللوجستية للمغرب، بما يعود بالفائدة على الصين في إطار مشروع “الحزام والطريق”.
• في المقابل، تتبنى الولايات المتحدة استراتيجيات اقتصادية تدعم المشاريع التي تتماشى مع سياساتها في القارة الأفريقية، حيث تركز على دعم الابتكار والطاقة المتجددة لتعزيز قوتها الاقتصادية والحد من النفوذ الصيني.
2. الجانب العسكري:
- زيارة الوفد العسكري الصيني إلى المغرب قد تعكس رغبة الصين في تقوية علاقاتها الأمنية مع المملكة، مع إمكانية زيادة التعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والصراعات الإقليمية.
- من ناحية أخرى، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة عسكرية قوية مع المغرب، حيث تشمل هذه العلاقة تمكينه من أسلحة متطورة والتدريب والمناورات المشتركة مثل “الأسد الأفريقي”، مما يعزز الأمن الإقليمي ويضمن مصالحها العسكرية في المنطقة، خاصة في محاربة الإرهاب.
3. الجانب الجيوسياسي:
- المغرب يعد نقطة محورية في التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى بفضل موقعه الاستراتيجي بين أوروبا وأفريقيا. هذا الموقع يجعله عرضة لمشاريع استثمارية وعسكرية تهدف إلى تحقيق مصالح متنوعة للمتنافسين، سواء الصين أو الولايات المتحدة.
- المغرب يمكنه استغلال هذا التنافس لصالحه من خلال تعزيز علاقاته مع الطرفين، مما يوفر له فرصًا اقتصادية وسياسية تعزز مكانته الإقليمية والدولية.
سابعا- كيف يدير المغرب هذا التوازن؟
يتبنى المغرب سياسة ذكية تركز على تنويع شراكاته الدولية، مما يمنحه مرونة في التعامل مع القوى الكبرى. على الرغم من تحالفه الوثيق والمستمر مع الولايات المتحدة، الذي يشمل التعاون في المجالات العسكرية والسياسية، فإن المغرب لا يتردد في تعزيز علاقاته مع الصين أيضًا. هذا التعاون مع الصين يشمل مشروعات بنية تحتية كبرى واستثمارات اقتصادية هامة، مما يتيح للمغرب فرصًا جديدة للنمو في مختلف القطاعات. يسعى المغرب إلى تحقيق توازن دقيق بين القوتين، ما يسمح له بالاستفادة من الفرص التي توفرها كل من الولايات المتحدة والصين.
تساهم هذه السياسة المتوازنة في تعزيز مكانة المغرب في الساحة الدولية، حيث يمكنه المناورة بذكاء بين القوى العظمى بما يخدم مصالحه الوطنية. فالمغرب، من خلال هذه الشراكات المتنوعة، يحقق أهدافه الاستراتيجية في مجالات مثل الأمن، الاقتصاد، والطاقة، مما يوفر له نفوذًا متزايدًا على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما أن المغرب يظل قادرًا على الحفاظ على استقلاليته السياسية، دون أن يكون ملزمًا باتباع سياسة دولة واحدة، مما يضمن له القدرة على مواجهة التحديات المتزايدة في ظل التنافس العالمي على النفوذ.
خاتمة:
تفتح زيارة الوفد العسكري الصيني للمغرب آفاقًا جديدة للتعاون بين البلدين، لكنها في الوقت نفسه تعكس التغيرات العميقة التي يشهدها النظام الدولي. في ظل الصراعات الإقليمية والدولية، يبدو أن المغرب يسعى إلى تنويع شراكاته بما يخدم مصالحه الاستراتيجية، بينما تُظهر الصين استعدادها لتوسيع حضورها في المنطقة.
ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة في كيفية تحقيق التوازن بين مصالحه الوطنية وضغوط الشركاء الدوليين.
يبقى السؤال الأهم: هل سينجح المغرب في الحفاظ على استقلاليته السياسية وسط هذا التنافس المتصاعد؟ الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن الإجابة.