بسيم الأمجاري
في خطوة تعكس عمق العلاقات بين المغرب وموريتانيا، وتؤكد التوجه الاستراتيجي المشترك بين البلدين، شهدت الأيام القليلة الماضية زيارة خاصة للرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى المملكة المغربية، حيث استقبله جلالة الملك محمد السادس في لقاء رفيع المستوى.
هذا اللقاء لم يكن فقط مناسبة لتوطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، بل كان فرصة لمناقشة قضايا تهم المنطقة. إذ يجسد التعاون بين المغرب وموريتانيا نموذجًا مهمًا يروم تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة غرب إفريقيا، التي تمر بتحديات كبيرة.
أهمية موريتانيا في الاستقرار الإقليمي
تعتبر موريتانيا بموقعها الاستراتيجي وحجمها الجغرافي عنصراً أساسياً في معادلة الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء. فإلى جانب كونها جسرًا بين شمال إفريقيا وغربها، تلعب موريتانيا دورًا محوريًا في محاربة الإرهاب والتطرف، الذي أصبح يشكل تهديدًا رئيسيًا على الأمن في المنطقة.
على مر السنوات، أظهرت موريتانيا التزامًا في مكافحة الإرهاب، حيث تعاونت بشكل وثيق مع مختلف الدول داخل القارة وخارجها في مجال مكافحة التطرف. لكن، مع تزايد التهديدات الأمنية، أصبح من الضروري تعزيز التعاون الإقليمي بين دول المنطقة، لا سيما المغرب، لمواجهة هذه التحديات المشتركة.
أبعاد الزيارة الخاصة للرئيس الموريتاني إلى المغرب
تمثل الزيارة الأخيرة للرئيس الموريتاني إلى المغرب، وإن كانت خاصة، خطوة استراتيجية في تعزيز الروابط بين البلدين. ويندرج هذا اللقاء في إطار علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، وأواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين.
وبدون شك، فإن هذا اللقاء يعبر عن رغبة القيادتين في تطوير الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات. وكان البلاغ الصادر عن الديوان الملكي المغربي دقيقًا في تحديد ملامح هذا التعاون، مشيرًا إلى حرص قائدي البلدين على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. هذه الرسالة تؤكد أن التعاون بين المغرب وموريتانيا ليس فقط سياسيًا، بل يمتد ليشمل عدة مجالات حيوية.
دور موريتانيا في حل قضية الصحراء: شريك في السلام والاستقرار
إن الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في حل قضية الصحراء يعد محوريًا في ضمان استقرار المنطقة بأسرها. فبفضل موقعها الجغرافي والروابط التاريخية والثقافية التي تجمعها بالمغرب، تتحمل موريتانيا مسؤولية كبيرة في دعم الحلول السلمية والتوافقية في إطار مبدأ الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب.
لقد أكدت موريتانيا مرارًا على أهمية تسوية قضية الصحراء في إطار الأمم المتحدة وفي إطار الحلول السلمية التي تحفظ حقوق جميع الأطراف المعنية. لكن، ومع استمرار الوضع الراهن، يُعتبر التزام موريتانيا العلني بالحل المغربي القائم على الحكم الذاتي خطوة حاسمة في دعم استقرار المنطقة. ذلك أن تبني هذا الحل سيضمن لموريتانيا جارا في الشمال موثوقا ومستقرا قادرًا على لعب دور فاعل في تنمية وتطوير المنطقة.
كما أن دعم موريتانيا لمقترح الحكم الذاتي من شأنه أن يعزز من مصداقيتها كداعم للسلام والاستقرار في منطقة الساحل، ويشكل خطوة استراتيجية نحو بناء تحالفات قوية مع المغرب. هذا الموقف سيُسهم أيضًا في إزالة أي تباينات قد تكون موجودة بين الدول المجاورة، ويخلق بيئة من التعاون والتفاهم بين دول شمال وغرب إفريقيا. في نهاية المطاف، سيساهم الحل النهائي في قضية الصحراء في استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، مما يتيح الفرصة لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار لشعوب المنطقة كلها.
دور المغرب في تحالفات المنطقة
المغرب يعد أحد القوى الإقليمية البارزة في منطقة شمال إفريقيا، وله تاريخ طويل في التعاون مع دول الساحل والصحراء في مختلف القضايا الأمنية والاقتصادية. ومن خلال تحالفات استراتيجية، يواصل المغرب الاضطلاع بدور قيادي في دعم الاستقرار الإقليمي.
ومع تصاعد التحديات الأمنية في المنطقة، وضرورة العمل سويا على مواجهة تحديات الإرهاب في منطقة الساحل، وهي المنطقة التي تمثل بؤرة للعديد من الجماعات المسلحة مثل تنظيم “القاعدة” و”داعش”، التي تستهدف استقرار الدول الإفريقية وتزرع الفوضى فيها، فإن تحالفًا بين المغرب وموريتانيا قد يكون أمرًا بالغ الأهمية. يمكن لهذا التحالف أن يمثل قاعدة صلبة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود، بفضل التكامل الجغرافي والقدرات الأمنية والتكتيكية التي يملكها البلدان، ويعزز من التعاون في مجال المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات المسلحة وتنسيق العمليات العسكرية بين القوات المغربية والموريتانية.
التحالف بين المغرب وموريتانيا والسنغال: خطوة نحو تعزيز الأمن والتنمية
لكن الطموحات لا تقف عند هذا الحد، إذ أن إنشاء تحالف أوسع يشمل كلًا من المغرب، موريتانيا، والسنغال قد يجسد رؤية استراتيجية تركز على التنمية الاقتصادية والأمنية في منطقة غرب إفريقيا.
السنغال، باعتبارها دولة ذات استقرار سياسي ونمو اقتصادي ملحوظ في المنطقة، ستكون حليفًا قويًا في هذا التحالف، حيث يمتلك البلد شبكة واسعة من العلاقات الدولية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن الإقليمي. ويمكن للسنغال أن تلعب دورًا محوريًا في تسهيل التجارة بين البلدان الأعضاء، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدفاعي.
ويعتمد هذا التحالف على فكرة أن تعزيز الاستقرار في المنطقة لا يتحقق فقط من خلال التصدي للتهديدات الأمنية، بل أيضًا من خلال تعزيز الاقتصاد والربط بين الأسواق المحلية. ويستطيع هذا التحالف أن يضع الأسس لنظام اقتصادي إقليمي مشترك يعتمد على تبادل السلع والخدمات وتسهيل حركة التجارة بين هذه الدول، مما يعزز التنمية المستدامة ويقلل من الفقر.
فتح الباب لدول الساحل الأخرى: مالي، النيجر، وبوركينافاسو
من المؤكد أن استقرار منطقة الساحل لن يتحقق إلا إذا تم إشراك جميع دول المنطقة في هذا التحالف الاستراتيجي. لذا، فإن تصور انضمام دول أخرى مثل مالي، النيجر، وبوركينافاسو إلى هذا التحالف قد يكتسي أهمية بالغة في هذا السياق.
مالي، التي تشهد صراعات داخلية منذ عدة سنوات، تُعتبر دولة مهمة في المعادلة الأمنية في الساحل. وإذا نجحت الجهود في دمجها ضمن هذا التحالف، فسيمكن توظيف مواردها البشرية والطبيعية لمكافحة الجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة. أما النيجر وبوركينافاسو، فهما يواجهان تهديدات مماثلة، لذلك فإن إشراكهما في هذا التحالف سيكون له تأثير إيجابي على تعزيز الجبهة الأمنية المشتركة.
التعاون الدفاعي والاستراتيجي: محور هذا التحالف
يُعد التعاون الدفاعي جزءًا لا يتجزأ من هذا التحالف المقترح. فبجانب الجهود الاستخباراتية المشتركة، يمكن تأسيس آلية للتعاون العسكري بين الدول المعنية، تشمل تدريبات عسكرية مشتركة، تبادل الخبرات، وتنسيق العمليات ضد الجماعات الإرهابية. من خلال هذه المبادرات، ستكون الدول الأعضاء في التحالف قادرة على تقوية دفاعاتها والرد بسرعة على أي تهديدات قد تنشأ.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم هذا التحالف في تعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، حيث تكتسب منطقة الساحل أهمية استراتيجية في حركة التجارة البحرية في غرب إفريقيا. توفير آليات أمنية مشتركة لضمان مرور آمن للسفن التجارية، سيكون له أثر بالغ في تعزيز الاقتصاد الإقليمي.
ختامًا: رؤية للمستقبل
إن التعاون بين المغرب وموريتانيا يفتح أبوابًا واسعة للتنمية الأمنية والاقتصادية في منطقة الساحل والصحراء. ومن خلال إنشاء تحالف بين المغرب، موريتانيا، والسنغال، يمكن للدول المعنية أن تبني إطارًا متينًا يعزز الاستقرار والتنمية.
وفي الوقت ذاته، يجب أن يتم فتح الباب لبقية الدول التي تواجه تحديات مماثلة مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو للانضمام إلى هذا التحالف، مما يعكس رؤية شاملة لاستقرار المنطقة وتحقيق السلام والازدهار لشعوبها. إن هذا التحالف، الذي يجمع بين الأبعاد الدفاعية والاقتصادية، يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز أمن المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة.