
بسيم الأمجاري
في ظل الصراعات المتفاقمة في الشرق الأوسط، أصبح موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب محط انتقادات واسعة نتيجة تهديداته المتكررة تجاه قطاع غزة والدول العربية المجاورة.
تصريحاته الأخيرة، التي تضمنت إمكانية إلغاء وقف إطلاق النار وفرض عقوبات على الأردن ومصر، الدول الحليفة لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، أثارت تساؤلات حول مدى تأثير هذا النهج المتشدد على استقرار المنطقة ومستقبل القضية الفلسطينية.
تهديدات جديدة: لغة القوة بدلًا من الدبلوماسية
صرّح ترامب مؤخرًا بأن يوم السبت المقبل (15 فبراير 2025) هو آخر أجل لتسليم الأسرى الإسرائيليين من غزة، ملوحًا بأن أبواب الجحيم ستُفتح إذا لم يتحقق هذا الشرط.
اللافت في تصريحاته أنه تحدث وكأنه طرف مباشر في الصراع يواجه كان غزة وليس مجرد رئيس دولة وسيط تسعى لتحقيق السلام في العالم. هذا الخطاب يحمل رسائل واضحة بدعمٍ غير محدود لإسرائيل، مما يضع الإدارة الأميركية في موقع يتجاوز الوساطة الدبلوماسية نحو الانحياز الكامل.
المقاومة الفلسطينية: موقف صارم في وجه الضغوط
في المقابل، كان موقف كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- حازمًا، حيث أعلنت تأجيل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين إلى حين التزام إسرائيل ببنود الاتفاق. وأشارت الحركة إلى استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، بما في ذلك استهداف النازحين ومنع إدخال مواد إغاثية.
هذا التصعيد يضع مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار على المحك، ويؤكد أن الجانب الفلسطيني لن يرضخ بسهولة للضغوط الأميركية والإسرائيلية، خاصة في ظل خروقات مستمرة من قبل الاحتلال.
تهديد الأردن ومصر: ضغوط لا تحتمل
لم تقتصر تهديدات ترامب على غزة، بل شملت الأردن ومصر، الدولتين الحليفتين لأمريكا في المنطقة اللتين تربطهما علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، حيث لوّح بقطع المساعدات عنهما إذا لم يستقبلا اللاجئين الفلسطينيين في إطار خطة تهجير مثيرة للجدل.
هذا الموقف يُعد تدخلًا صارخًا في سيادة الدول ويهدد استقرارها الداخلي، خاصة أن الأردن يعاني أصلًا من ضغوط اقتصادية ووجود أعداد كبيرة من اللاجئين.
خطة التهجير: استبدال الوطن بمخيمات جديدة
تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة وكأنها “فرصة جديدة لهم” تعكس عقلية استعمارية تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين. فكرة تهجير الفلسطينيين ليست سوى تكريس لسياسة التهجير القسري التي عانى منها الشعب الفلسطيني على مدى عقود.
هذا النهج يتناقض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم بدلًا من تهجيرهم إلى دول مجاورة.
موقف المجتمع الدولي: هل آن الأوان للتحدي أو للنكوص؟
في ظل هذه التهديدات المتصاعدة، يبرز تساؤل مشروع: هل ستقف الدول العربية والإسلامية مكتوفة الأيدي؟ ماذا لو اتحدت هذه الدول وواجهت ترامب ومن خلفه إسرائيل؟
على الصعيد الدولي، يمكن للصين والاتحاد الأوروبي لعب دور محوري في كبح هذا التصعيد الأميركي-الإسرائيلي، خاصة أن هذه الأطراف تتضرر من زعزعة استقرار الشرق الأوسط.

ما سر غياب التحدي الدولي لترامب؟
رغم الاندفاع الصارخ في سياسات ترامب، سواء تجاه الشرق الأوسط أو على المستوى الدولي، فإن الدول الكبرى لم تبادر إلى مواجهته بوضوح. الأسباب متعددة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1. الهيمنة الاقتصادية الأميركية:
الولايات المتحدة ما زالت تمثل أحد أكبر القوى الاقتصادية العالمية، وتربطها علاقات تجارية واسعة مع معظم الدول الكبرى، خاصة أوروبا. وعلى الرغم من السياسات الحمائية التي تبناها ترامب مثل فرض رسوم جمركية، إلا أن الخوف من انهيار العلاقات الاقتصادية حال المواجهة المباشرة دفع أوروبا إلى الحفاظ على مسار حذر.
2. الخلافات الداخلية الأوروبية:
الاتحاد الأوروبي يعاني منذ فترة من انقسامات داخلية عميقة تتعلق بقضايا مثل أزمة الهجرة، صعود اليمين المتطرف، وضعية خروج بريطانيا من الاتحاد، بالإضافة إلى تحديات اقتصادية في دول جنوب أوروبا. هذه الأزمات الداخلية أثّرت على قدرة الاتحاد على تبني موقف موحد وحازم تجاه سياسات ترامب في المنطقة
3. الصين وسياسة الحذر:
الصين، رغم تصاعد نفوذها الاقتصادي والسياسي، تتجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل حرب تجارية مستمرة بين البلدين. بكين تفضل التركيز على مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط بدلًا من الانخراط في مواجهات سياسية قد تضر بعلاقاتها مع واشنطن.
4. الهيمنة العسكرية الأميركية:
واشنطن ما زالت تمتلك أكبر وأقوى جيش في العالم. ترامب لم يتردد في إبراز هذا التفوق العسكري كوسيلة ضغط، سواء عبر فرض عقوبات اقتصادية أو نشر القوات العسكرية. هذه الهيمنة العسكرية دفعت العديد من الدول إلى تبني سياسات مرنة بدل تحديه.
لماذا لم تستغل بعض الدول اندفاع ترامب لتعزيز نفوذها؟
قد يبدو اندفاع ترامب فرصة ذهبية لدول كبرى مثل روسيا أو الصين لتسجيل حضورها القوي في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يحدث لعدة أسباب:
1. الحذر من التصعيد العسكري:
روسيا، رغم محاولاتها تثبيت وجودها العسكري في الشرق الأوسط وإفريقيا، إلا أنها فضلت التركيز على الحفاظ على توازن القوى بدل الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. موسكو أدركت أن أي تصعيد عسكري قد يكون مكلفًا جدًا سياسيًا واقتصاديًا، خاصة بعد تورطها في حرب مع أوكرانيا لازالت مستمرة إلى الآن.
2. الاقتصاد أولًا:
الصين تُولي اهتمامًا كبيرًا لمشروع “الحزام والطريق”، الذي يهدف إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي عبر العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. بكين تفضل الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتجارة بدل التورط في نزاعات سياسية وعسكرية قد تؤدي إلى خسائر اقتصادية.
3. غياب الجرأة الأوروبية:
الدول الأوروبية، رغم اعتراضها على بعض سياسات ترامب، لم تكن قادرة على استغلال اندفاعه لتعزيز نفوذها في المنطقة. الانقسامات الداخلية وانشغالها بالتحديات المحلية وعدم قدرتها على الاتفاق على رؤية موحدة حال دون تبني استراتيجية واضحة تجاه الشرق الأوسط.
ماذا لو اجتمعت الدول العربية وقالت “لا”؟
في ظل التحديات المتزايدة والتهديدات المستمرة، يبقى سؤال جوهري مطروحًا: ماذا لو قررت الدول العربية، أو على الأقل أغلبها، الوقوف في وجه هذه السياسات؟
إن تبني موقفا عربيا موحدا، وإن كان الأمر مستبعدا، قد يشكل قوة تفاوضية هائلة على الساحة الدولية. فيما يلي بعض السيناريوهات الممكنة:
1. قوة الموقف الجماعي:
لو اجتمعت الدول العربية وتبنت موقفًا موحدًا يعبر عن إرادتها، معلنة عن رفضها للتهديدات الأميركية والإسرائيلية، فإن ذلك سيشكل قوة سياسية يصعب تجاهلها. التجارب السابقة أثبتت أن القوى الكبرى تتعامل بجدية مع الكيانات التي تظهر تماسكًا وتوحيدًا لمواقفها. كما أن دول العالم تحترم المواقف الموحدة التي تأتي من خلفها شعوبها، مهما كان الثمن.
2. التأثير الاقتصادي:
الدول العربية تمتلك موارد استراتيجية ضخمة، أبرزها النفط والغاز، التي يمكن استخدامها كأوراق ضغط فعالة في العلاقات الدولية. التحالف النفطي العربي، على سبيل المثال، قد يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.
3. أهمية تضامن الحكومات مع شعوبها:
أثبت التاريخ أن الخضوع للضغوط الدولية يؤدي إلى تفاقم التهديدات. رؤساء دول تعرضوا للتهميش والإقصاء عندما رضخوا للشروط الأميركية. رفض هذه الشروط، مهما كان الثمن، قد يحمي الدول من مصير مشابه.
المواقف القوية التي تعبّر عن مصالح الشعوب تعزز من ثقة المواطنين بحكوماتهم، مما يؤدي إلى استقرار داخلي أكبر. هذا الاستقرار ينعكس إيجابًا على المواقف الإقليمية والدولية للدول العربية.
خاتمة: هل آن الأوان لموقف عربي موحد؟
في ظل التحديات الراهنة، واستمرار التهديدات والضغوط، بات من الضروري أن تتبنى الدول العربية والإسلامية موقفًا موحدًا يرفض الابتزاز السياسي والاقتصادي. الشعوب تنتظر من حكوماتها اتخاذ مواقف جريئة تعبر عن إرادتها وتحقق مصالحها. التاريخ أثبت أن المواقف القوية، حتى وإن كلفت ثمنًا باهظًا، تبقى الخيار الأنجع لضمان الاستقلالية وتحقيق التنمية، عوض الانصياع لرغبات القوى الكبرى الذي لم يعد خيارًا مستدامًا.