
الرباط في 29 يونيو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
مقدمة: تاريخ صناعي جديد
في 25 يونيو 2025، شهدت منطقة الجرف الأصفر، جنوب الدار البيضاء، لحظة فارقة في تاريخ الصناعة المغربية، بإطلاق مصنع شركة COBCO (Core Battery Components) لإنتاج مواد بطاريات السيارات الكهربائية.
يمثل المشروع، نتاج شراكة استراتيجية بين صندوق “المدى” المغربي ومجموعة CNGR Advanced Materials الصينية، أول قاعدة صناعية من نوعها خارج آسيا.
1. معطيات المشروع: الحجم، التمويل، الإنتاج
1.1 استثمار هائل: 20 مليار درهم
يمتد المجمع على حوالي 200‑238 هكتار، باستثمار إجمالي يقارب 20 مليار درهم (حوالي 2 مليار دولار)، أهلته ليكون من كبريات المجمعات العالمية في هذا المجال.
1.2 طاقة إنتاجية غير مسبوقة
- 120،000 طن في السنة من سلائف الكاثود النيكيلة/المنغنيزية/الكوبالتية (NMC‑pCAM)
- 60،000 طن في السنة من مكونات كاثود فوسفات الليثيوم–حديد (LFP)
- 30،000 طن في السنة معالجة “الكتلة السوداء” (Black Mass) الناجمة عن تدوير البطاريات
المجموع يتيح إنتاج ما يكفي لألف سيارة كهربائية سنويًا، بمعدل 70 غيغاواط ساعة.
2. تسلسل المشروع والمراحل
2.1 المرحلة الأولى: NMC منذ يناير 2025
بدأ المصنع بإنتاج سلائف NMC منذ يناير 2025، واكتملت بدايات التجارب الأولى (soft commissioning) في مايو/يونيوّ، مع تزويد أول العملاء بحوالي 40 000 طن من المواد.
2.2 المرحلة الثانية: LFP قريبًا
تليها وحدة إنتاج مواد Kاثود LFP خلال الأشهر المقبلة، لاستكمال التكامل الصناعي.
2.3 المرحلة الثالثة: تدوير البطاريات
تضم السكك الصناعية وحدة إعادة تدوير الكتلة السوداء، بطاقة سنوية 30 000 طن، لتأكيد مبادئ الاقتصاد الدائري وتنمية فرص استرجاع المعادن النقدية.
3. التوظيف والنقل التقني
3.1 فرص أثناء وبعد البناء
- 5 000 وظيفة شُغّلت أثناء البناء.
- 1 800 وظيفة مباشرة و1 800 غير مباشرة خلال التشغيل، في مجالات الهندسة، اللوجستيات، الخدمات، والبنية التحتية.
3.2 نقل المعرفة والتعاون الأكاديمي
- شراكات مع CNGR لنقل التكنولوجيا وتكوين المهندسين.
- تعاون مع الجامعات المغربية لتخصصات الطاقة والمواد المتقدمة.
4. تكامل عمودي من المنجم إلى البطارية
4.1 تقليص الاعتماد
- تكرير النيكل، الكوبالت، المنغنيز محليًا باستخدام الموارد الوطنية (الفوسفات، الكوبالت).
- تدوير الكتلة السوداء من البطاريات المستعملة لإعادة المعادن الحيوية.
هذا التكامل يضع المغرب كمنافس عالمي في سلسلة القيمة الكاملة لصناعة البطاريات.
5. الموقع والتصدير: سوق عالمي
5.1 الجغرافيا والاتفاقيات
- يقع المصنع بمنطقة جرف الأصفر، قرب ميناء عميق وميناء رئيسي للصادرات.
- اتفاقيات التبادل الحر مع أوروبا والولايات المتحدة تدعم التصدير بدون تعريفات.
- الاستقرار السياسي والبنية التحتية يعززان جاذبية المغرب كوجهة صناعية.
5.2 التركيز على أوروبا وأمريكا
يستهدف المشروع 25% من حصة أسواق أوروبا وأمريكا، مع تصدير 95% من الإنتاج. تشمل اتفاقات مع عملاء كبار مثل Umicore، Tesla، LG Chem.
6. بيئية منخفضة الكربون واستدامة حقيقية
6.1 طاقة متجددة بالكامل
- 80% من الطاقة المستعملة ستكون متجددة بحلول 2025، و100% في 2026.
6.2 إدارة المياه
- استخدام المياه المحلاة والأنظمة المغلقة والتكرير لتقليل البصمة المائية.
6.3 الاقتصاد الدائري
- إعادة تدوير الكتلة السوداء يساهم في تقليل الحاجة للموارد الطبيعية وتقليص آثار التكرير التقليدية.
7. السياق الإقليمي والعالمي
7.1 موجة استثمارات صينية
تتزامن COBCO مع مشاريع أخرى:
- Gotion High Tech gigafactory باستثمار 1.3 مليار دولار، بطاقات 20–100 GWh .
- Hailiang (نحاس) و Shinzoom (أنودات) قرب طنجة باستثمارات 450–460 مليون دولار.
- BTR New Material مصنع كاثود بطنجة باستثمار 3 مليار درهم (300 مليون دولار) بطاقة 50 000 طن/سنة ببدء الإنتاج 2026.
7.2 موقف صلب اقتصاديًا
- قطاع السيارات المغربي يشكل 14 مليار دولار صادرات سنة 2023، بقدرة إنتاجية تصل إلى 700 000 سيارة سنويًا.
- المغرب يستعد لاستقبال مشاريع مستقبلية بإجمالي استثمار يتراوح بين 45–50 مليار دولار لتطوير قطاع البطاريات.
8. الموقف الأوروبي: كيف تفاعلت فرنسا وإسبانيا وألمانيا مع إطلاق المصنع؟
8.1 ترحيب أوروبي بتعزيز شراكات البطاريات في المغرب
لاقى المشروع ترحيبًا من عدد من الأوساط الأوروبية، خصوصًا أنه ينسجم مع خطط الاتحاد الأوروبي لفك الارتباط التدريجي عن الموردين الآسيويين وتقليل التبعية للصين وحدها.
فرنسا وإسبانيا وألمانيا، بصفتها مراكز أساسية لصناعة السيارات، تعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا في بناء “سلاسل توريد نظيفة وقريبة وآمنة”.
8.2 فرنسا: دعم سياسي واهتمام صناعي متزايد
أعلنت جهات فرنسية متعددة، منها وزارة الانتقال الطاقي، دعمها للمبادرات التي تجمع المغرب والصين في هذا المجال.
كما أن شركات فرنسية مثل Renault وStellantis (التي تدير وحدة بـالقنيطرة) تعتبر المشروع خطوة نحو استقلالية أوروبا في إنتاج مكونات البطاريات.
8.3 إسبانيا: اهتمام خاص من كاتالونيا والباسك
نظرًا لقرب الجرف الأصفر من الجنوب الإسباني، ترى عدة مقاطعات صناعية (مثل كاتالونيا والباسك) في المصنع الجديد فرصة لإنشاء سلاسل إمداد قصيرة وفعالة.
وقد بدأت فعليًا مفاوضات لربط بعض خطوط السكك أو الموانئ الإسبانية بميناء الجرف.
8.4 ألمانيا: تكامل في “التحول الطاقي الأوروبي”
تمثل ألمانيا أكبر سوق للسيارات الكهربائية في أوروبا، وهي تدعم رسميًا مبدأ تنويع مصادر بطاريات الليثيوم.
وسبق لعدة صحف ألمانية مثل Handelsblatt وDW أن وصفت التعاون المغربي–الصيني بأنه “رهان ناجح لأوروبا لتقليل الكلفة البيئية والجيوسياسية”.
8.5 هل يمهد هذا لتعاون ثلاثي: الرباط–بكين–بروكسيل؟
لا يُستبعد أن يُطلق هذا المشروع لاحقًا شراكات ثلاثية تشمل:
- مصانع أوروبية في المغرب بمساهمة تكنولوجية صينية؛
- تزويد مصانع السيارات الألمانية والإسبانية مباشرة من COBCO؛
- دعم مالي أوروبي لمشاريع الطاقة النظيفة بالمغرب (كما حصل في مشاريع الهيدروجين الأخضر).
8.6 هل يشكل المصنع تهديدًا لبعض الصناعات الأوروبية؟
شهدت بعض الأوساط الاقتصادية في أوروبا، خاصة في القطاع الصناعي التقليدي، ردود فعل متوجسة من مصنع COBCO، نظرًا لحجمه التنافسي الكبير، وانخفاض تكاليفه، والدعم الصيني الذي يستفيد منه.
وتخشى بعض الشركات أن يؤدي هذا المشروع إلى خفض الطلب على منتجاتها، أو تأخير إنشاء مصانع محلية بسبب تزايد الاعتماد على “المصانع الخارجية”.
ورغم هذا القلق الطبيعي من بعض الدوائر الصناعية، إلا أن الحكومات الأوروبية الكبرى تنظر للمغرب من زاوية مختلفة تمامًا.
بالنسبة لفرنسا وإسبانيا وألمانيا، يمثل المغرب شريكًا صناعيًا قريبًا وآمنًا وصديقًا للبيئة، يمكن أن يساهم في تخفيف الضغط على الداخل الأوروبي، خاصة في سياق الحاجة الماسة إلى توسيع سلاسل التوريد النظيفة.
9. تحديات مستقبلية وفرص
9.1 تأمين المواد الخام
- رغم توفر المغرب على الفوسفات والكوبالت، الطموح يتطلب تأمين إمدادات النيكل والليثيوم عالميًا، والتنسيق مع شركاء التعدين.
9.2 تطوير الموارد البشرية
- ضرورة بناء كفاءات هندسية وتقنية متخصصة تدعم سلسلة القيمة الكاملة، بإحلال المعرفة بالتكامل مع الجامعات والمعاهد.
9.3 حماية البيئة
- الحفاظ على الالتزام بالمعايير العالمية في جودة الهواء والمياه والطاقة، خاصة مع زيادة حجم الإنتاج مستقبلاً.
9.4 تعزيز الاندماج العالمي
- يحتاج المغرب لضمان علاقات تجارية مترابطة مع كبرى شركات السيارات في الغرب للحفاظ على حصته السوقية.
10. الآفاق الاستراتيجية
يمثل COBCO نقطة تحول مفصلية في التحول الصناعي للمغرب من خلال:
- تعزيز مكانة المملكة كمنصة صناعية عالمية في قطاع البطاريات.
- توسيع التجارة مع الغرب دون قيود كربونية.
- دعم النمو التقني والاقتصادي المستدام.
- تعزيز مكانة المغرب ضمن التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والتنقل المستدام.
خاتمة: نهاية الاستيراد وبداية الريادة
إن مصنع COBCO، بشراكاته العملاقة، وطاقته العالية، والتزامه بالاستدامة، لا يمثل فقط مشروعًا صناعيًا، بل حلقة وصل بين إفريقيا، آسيا، وأوروبا.
إنه يرمز لتحول المغرب من مستهلك للموارد إلى منتج عالمي متكامل، وكل هذا في وقت يضيق فيه العالم أمام التوترات الجيو-سياسية والغرامات البيئية.
للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com