
الرباط في 18 مايو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
مقدمة: شباب اليوم.. واقع جديد بلغة مختلفة
يشهد المغرب تحولات عميقة في بنيته الديمغرافية والثقافية، ويبرز الجيل المغربي الجديد كقوة فاعلة تحمل رؤى مختلفة عن الأجيال السابقة. يتميز هذا الجيل بتمكنه من الأدوات الرقمية، وسرعة تواصله، ووعيه الحاد بمحيطه المحلي والدولي. غير أنه يصطدم بجدار من التحديات السياسية والاجتماعية التي تحدّ من قدرته على التأثير المباشر في صناعة القرار.
وبذلك، فالشباب المغربي يعيش اليوم في مفترق طرق. فهو من جهة، يملك أدوات رقمية متقدمة وقدرة عالية على التعبير والإبداع. ومن جهة أخرى، يواجه انسداداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يعطل طموحاته. هذا الجيل لا ينتظر أن يُمنح فرصة، بل يسعى لصنعها، لكنه يواجه منظومة تقليدية لا تفهم لغته ولا تستوعب مطالبه.
التحول الرقمي وتأثيره على وعي الجيل المغربي الجديد
الشباب المغربي والفضاء الرقمي
ينتمي الشباب المغربي اليوم إلى جيل وُلد وتربى في ظل الإنترنت. الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد أدوات ترفيه، بل أصبحت امتداداً لهويتهم الثقافية والسياسية. لقد نشأ الجيل المغربي الجديد في بيئة رقمية بالكامل. لا يمكن الحديث عن هذا الجيل دون الحديث عن الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
غير أن الملاحظ أن هذه الأدوات لم تغير فقط طرق تواصل الشباب، بل غيرت وعيهم السياسي والاجتماعي. ويستخدم الآلاف من الشباب هذه المنصات لإبداء آرائهم، ومناقشة القضايا التي تهمهم، من البطالة وغلاء المعيشة إلى الحقوق والحريات الفردية.
من الترفيه إلى التعبير السياسي
الشباب المغربي لم يعد يستهلك المحتوى فقط، أو مجرد متابع سلبي بل يصنع محتوى رقمياً، يبادر في حملات إلكترونية، وينقل معاناة منطقته أو مجتمعه بطريقة قد تفوق في تأثيرها الوسائل التقليدية. يستعمل الفيديوهات القصيرة، التدوينات، والبودكاست لمناقشة قضايا مجتمعه. هذه الوسائل أصبحت بديلاً عن الإعلام الرسمي ومتنفساً لتوصيل صوت الجيل الجديد.
ويظهر ذلك بوضوح في تفاعل الشباب في العديد من المناسبات عبر “الهاشتاغ”مع قضايا مثل المقاطعة الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وحرية التعبير. هذه الدينامية تثبت أن الشباب لم يعد هامشياً، بل أصبح فاعلاً رقمياً يصعب تجاهله.
الشباب المغربي والسياسة: علاقة معقدة عزوف أم وعي مختلف؟
يعاني النظام السياسي المغربي من فجوة كبيرة بينه وبين الجيل الجديد. وتُظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من الشباب لا تشارك في الانتخابات. لكن هذا لا يعني أنهم غير مهتمين بالسياسة. إنما هم لا يثقون فقط في الآليات التقليدية، ولا يشعرون أن الأحزاب تمثلهم، ولا يرون في البرلمان أو المجالس المنتخبة أدوات حقيقية للتغيير. لذلك، اختار الكثيرون الابتعاد عن السياسة التقليدية، ليس بدافع اللامبالاة، بل نتيجة فقدان الثقة. ويعبرون مقابل ذلك عن آرائهم بطرق مبتكرة: عبر الفن، الفيديو، الكتابة الرقمية، والاحتجاج السلمي.
العزوف الانتخابي مؤشر وليس مشكلة
في الانتخابات المجراة خلال السنين الأخيرة، كانت نسب المشاركة في صفوف الشباب متدنية. البعض اعتبر ذلك عزوفاً سياسياً، بينما اعتبرها البعض الآخر تعبيرا عن رفض للأشكال القديمة من العمل السياسي التي لم تعد تجيب على أسئلة هذا الجيل المتنوعة والمعقدة.
والواقع أن معظم الأحزاب السياسية في المغرب لم تستطع مواكبة التحول الرقمي ولا فهم تطلعات الشباب. البرامج السياسية لا تتضمن حلولاً حقيقية وأجوبة مقنعة للشباب في العديد من القضايا مثل التشغيل، التعليم، الحريات الفردية، والمشاركة.
نحو مشاركة سياسية بديلة
الشباب المغربي لا يصمت، وإنما لا يتحدث اللغة التي اعتادت عليها المؤسسات. إنه يحتج بلغته عبر “الهاشتاغ”، و”الريلز”، و”الفلوغ”. إنه يطرح الأسئلة من خلال “البودكاست” ومقاطع “اليوتيوب”، ويواجه السلطوية بالنقد الساخر والكلمات المفتاحية المنتشرة.
ولعل هذا ما يفسر ظهور مبادرات شبابية مستقلة تروج للمشاركة السياسية خارج الإطار الحزبي. منصات رقمية تدعو للنقاش العمومي، مشاريع تحسيسية، ومجموعات ضغط إلكترونية باتت أكثر تأثيراً من كثير من الأحزاب.
البطالة والهجرة: واقع اقتصادي يُحبط الطموح
شباب متعلم… لكنه عاطل
رغم الطفرة الرقمية والتعليم العالي، يصطدم الشباب المغربي بواقع اقتصادي صعب. نسب البطالة في صفوف الشباب الجامعي تبقى مرتفعة، وفرص التشغيل الجيد نادرة. بل إن سوق الشغل لا يواكب تطلعات الشباب، والروتين الإداري والفساد يضعف ثقتهم في إمكانية بناء مستقبل داخل البلاد. ومنهم من يشعر بأنهم يؤدون أدواراً لا تليق بمستوياتهم التعليمية.
هجرة الأدمغة: الحلم خارج الحدود
كلما ضاق الأفق السياسي والاجتماعي، اتسعت رغبة الشباب في الهجرة. لا يسعى الشباب فقط لتحسين دخله، بل للهروب من مناخ يراه خانقاً. يحلم العديدون بالحرية، بالاعتراف، وبمناخ يقدر مجهودهم وذكاءهم. لذلك تشهد الجامعات الأجنبية ومختلف المؤسسات المشغلة استقطاباً كبيراً للشباب المغربي الطموح، خاصة في مجالات التكنولوجيا، والطب، والهندسة.
المبادرات الشبابية: أمل في التغيير من الأسفل
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
رغم كل التحديات، الجيل الجديد لا يستسلم. فقد أطلق شباب مغاربة مشاريع مبتكرة في مجالات مثل الفلاحة المستدامة، الاقتصاد الاجتماعي، البيئة، التنمية المحلية، التجارة الرقمية، والخدمات الإلكترونية. ويشتغل شباب آخر على إطلاق مشاريع ناشئة، منصات تعليمية، دروس في البرمجة، المالية، المهارات الرقمية، مما يعزز تمكين الشباب في القرى والمدن. وبالرغم من غياب الدعم المؤسساتي أحياناً أو ضعفه، فإن هذه المشاريع تُحدث فرقاً حقيقياً في محيطهم وتخلق دينامية محلية وتشغل عشرات الشباب.
الثقافة الرقمية: أدوات المقاومة الناعمة
الجيل الجديد يتحدث عدة لغات، منها: العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية والإسبانية، ويتنقل بين ثقافات متعددة يومياً. لكنه لا يفقد ارتباطه بهويته الوطنية. يلبس الجلباب مع “السنيكرز”، ويغني “الراب” بمضامين اجتماعية مغربية. إنه جيل يدمج بين المحلي والعالمي بسلاسة.
الثقافة والهُوية: بين الأصالة والانفتاح
هوية مغربية هجينة
يتحدث الشباب المغربي لغات متعددة، ويتنقل بين ثقافات محلية وعالمية. هذا لا يعني أنهم فقدوا هويتهم، بل يعبرون عنها بطريقتهم الخاصة، من خلال الموسيقى، الأزياء، والفن الرقمي.
“راب” ملتزم وفن هادف
بغض النظر عن بعض الحالات، فقد أنتج هذا الجيل ثقافته الخاصة. هناك “الراب” الملتزم، و”البودكاست” التوعوي، و”الستاند آب” السياسي. وهي أدوات يستخدمها الشباب لطرح القضايا، والسخرية من الواقع، وتقديم نقد اجتماعي عميق دون المرور عبر المؤسسات الرسمية أو الإعلام التقليدي.
أصبح “الراب” المغربي وسيلة احتجاجية بديلة. أغاني تتناول مواضيع مثل الفساد، التعليم، الحريات، والمجتمع. هذا الفن يعبر عن روح جيل ساخط لكنه مبدع، ويمتلك لغة فنية قوية تخترق الرقابة.
نحو آفاق جديدة: ما الذي يريده الجيل الجديد؟
الاعتراف أولا
الشباب المغربي الواعي لا يريد فقط وظائف أو فرصاً. إنه يريد الاعتراف بوجوده وبصوته، والاحترام لذكائه وقدرته على التغيير. أول ما يطلبه الشباب هو الاعتراف بوجوده. أن يُرى ويُسمع. أن يُؤخذ بجدية. وهذا يتطلب من الدولة والمجتمع تغيير نظرتهم لهذا الجيل ومواكبته، واعتبار رأيه جزءاً أساسياً من المعادلة.
مؤسسات شفافة وتمثيلية
يريد الجيل الجديد إصلاحات حقيقية تضمن الشفافية، العدالة، والكفاءة في التسيير. كما يطالب بتمثيلية حقيقية داخل المؤسسات المنتخبة، ومختلف الوظائف العمومية على أساس الكفاءة وليس الولاء أو الانتماءات العائلية أو الحزبية.
يريد الشباب المغربي الحق في المشاركة الحقيقية في صناعة القرار. لا من خلال لجان استشارية شكلية، بل عبر آليات ديمقراطية حقيقية تسمح له بالتعبير والتأثير.
بيئة حاضنة للمبادرة
الجيل الرقمي بحاجة إلى منظومة قانونية ومالية تحفزه على الابتكار. تسهيلات ضريبية، تمويل المشاريع الناشئة، وربط التعليم بسوق الشغل، كلها خطوات أساسية لتمكين الشباب.
فالمطلوب ليس فقط فرص شغل، بل بيئة محفزة للمبادرة، تدعم المشاريع الصغيرة، وتفتح أمام الشباب أبواب التمويل والتكوين، خصوصاً في المجالات الرقمية والتكنولوجية.
خاتمة: مستقبل المغرب في يد شبابه
الشباب المغربي الواعي ليس عبئاً، بل فرصة. هو لا ينتظر من ينقذه، بل يصنع مستقبله رغم كل العقبات. لكن لكي ينجح، يحتاج إلى دولة تستمع إليه، مؤسسات منتخبة تمثله، واقتصاد يحتضنه. التحدي اليوم ليس في قدرات الشباب، بل في قدرة الدولة على مواكبة هذا الجيل الجديد من الشباب الذي لا يطلب المستحيل، بل فقط يرفض الاستمرار في واقع لا يمنحه الفرصة التي يستحقها.
الجيل الجديد لا ينتظر الإصلاحات من الأعلى، بل يصنع أدواته بيده، في الفضاء الرقمي وفي الواقع المحلي. إنه جيل لا يُختصر في نسب المشاركة الانتخابية، بل في كم الأفكار، والمبادرات، والصوت العالي الذي يتردد رغم كل شيء.
التحدي اليوم أمام صناع القرار هو هل هم قادرون على سماع وفهم واستيعاب انتظارات الجيل الجديد الذي سيتولى رفع المشعل ومواصلة التنمية ببلادنا؟
للاطلاع على مزيد من المقالات، أنقر على رابط المدونة https://moustajadat.com