
في الرابع من مارس 2025، اجتمعت الدول العربية في القاهرة في قمة طارئة لمناقشة التطورات المتسارعة في فلسطين، وبالتحديد في قطاع غزة الذي يعاني من تدمير شامل نتيجة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة. كانت القمة فرصة لبلورة مواقف مشتركة وإطلاق مبادرات تهدف إلى دعم الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الحالية، وللتأكيد على رفض التهجير القسري للفلسطينيين.
أهم مخرجات القمة العربية:
أصدرت القمة العربية بيانًا ختاميًا تضمن عددًا من القرارات المهمة التي تعبّر عن الإجماع العربي حول القضية الفلسطينية، وبشكل خاص حول غزة. وفيما يلي أبرز هذه القرارات:
1. رفض تهجير الفلسطينيين: كان أحد أبرز النقاط في البيان هو تأكيد رفض الدول العربية القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من ديارهم، مشددة على أن غزة ستظل جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية. هذا القرار جاء في وقت حساس للغاية حيث كان هناك ضغط دولي، خاصة من الولايات المتحدة، في اتجاه إعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى.
2. خطة إعادة إعمار غزة: تم اعتماد خطة مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة بتكلفة تقدر بحوالي 53 مليار دولار. الخطة تركز على بناء البنية التحتية المتضررة، مثل المدارس والمستشفيات، مع توفير الاحتياجات الأساسية للسكان دون المساس بالقضية الفلسطينية أو التنازل عن حقوق الفلسطينيين.
3. دعم السلطة الفلسطينية و”أونروا”: أكدت القمة على دعم السلطة الفلسطينية في إدارة شؤون قطاع غزة، مع الحفاظ على دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في توفير الخدمات الأساسية للاجئين.
4. نشر قوات حفظ سلام دولية: دعا البيان إلى نشر قوات دولية في الضفة الغربية وغزة لحماية المدنيين الفلسطينيين وضمان الاستقرار في المنطقة. هذه الدعوة كانت خطوة مهمة لخلق بيئة آمنة تسمح بالتركيز على الحلول السياسية بعيدًا عن العنف.
5. التأكيد على خيار السلام: أعادت القمة تأكيد التزام الدول العربية بخيار السلام كاستراتيجية رئيسية في المنطقة، مع التمسك بحل الدولتين كأساس لأي تسوية دائمة، حيث تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
خطة إعادة إعمار غزة
خطة مصر لإعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية في مارس 2025 تعتبر بمثابة خطوة هامة نحو توفير استقرار اقتصادي واجتماعي للشعب الفلسطيني في القطاع بعد سنوات من الدمار بسبب الحروب المتواصلة. هذه الخطة التي حملت الطابع المصري تستهدف إعادة بناء البنية التحتية لقطاع غزة الذي تعرض لتدمير واسع النطاق إثر الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة.
- مضمون الخطة
تتضمن الخطة مراحل عديدة تبدأ بتقديم الإغاثة العاجلة، تليها عملية إعادة بناء شاملة للبنية التحتية المتضررة، بما في ذلك إعادة بناء المنازل والمستشفيات والمدارس والمرافق العامة الأخرى. كما تركز الخطة على تحسين القدرة الإنتاجية لقطاع غزة من خلال دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والتجارة. الهدف هو تحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي للقطاع، وتمكين الفلسطينيين من العودة إلى حياتهم الطبيعية في بيئة آمنة ومستقرة.
إضافة إلى ذلك، شددت الخطة على ضرورة وضع آلية محكمة لإدارة قطاع غزة خلال المرحلة القادمة، مع ضمان ارتباطه بالضفة الغربية في إطار وحدة الأراضي الفلسطينية. ولتحقيق هذا الهدف، تم الاتفاق على تشكيل لجنة فلسطينية مستقلة لإدارة غزة تكون خالية من تأثيرات الفصائل السياسية، وهذه اللجنة ستكون مسؤولة عن تطبيق خطة إعادة الإعمار وتنفيذ المشاريع المختلفة.
2. الجهات المعنية بتنفيذ الخطة
سيتطلب تنفيذ خطة إعادة الإعمار التنسيق بين عدة جهات، حيث تلعب الحكومة المصرية دورًا رئيسيًا في توفير الدعم المالي والفني للمشروعات. كما يتم التنسيق مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، بما في ذلك وكالة “أونروا” لتوفير المساعدات الإنسانية والإغاثية.
علاوة على ذلك، ستكون هناك جهود مشتركة بين الدول العربية التي تعهدت بتقديم الدعم المالي، وكذلك بعض المؤسسات الخاصة والفنية التي ستعمل على تنفيذ مشاريع البنية التحتية.
الجانب الأهم في الخطة هو دعم الصندوق العربي المزمع إنشاؤه لتوفير التمويل اللازم للإعمار. ويهدف الصندوق إلى جمع التبرعات من الدول العربية والشركات الخاصة والدولية للمساهمة في تغطية تكاليف الإعمار التي تقدر بحوالي 53 مليار دولار.

3. البحث في التحديات والفرص
ورغم الإطار التفصيلي للخطة، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه تنفيذ هذه الخطة على الأرض. من أهم هذه التحديات هو ضرورة ضمان أمن المشاريع، خاصة في ظل الوضع الأمني الهش في غزة والنزاع المستمر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. كما أن التوترات السياسية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس قد تؤثر على سير العملية.
من جهة أخرى، تفتح الخطة آفاقًا جديدة للتعاون العربي والإقليمي والدولي، حيث تتطلع مصر إلى استضافة مؤتمر دولي في أبريل 2025 لبحث سبل دعم إعادة إعمار غزة، بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
4. التعاون مع المجتمع الدولي
خطة مصر لإعادة إعمار غزة ليست مقتصرة فقط على الدول العربية. بل تعهدت الحكومة المصرية بدعوة المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، للمشاركة في عملية الإعمار. في هذا السياق، أكدت مصر على أهمية تنسيق الجهود بين الدول المانحة والمؤسسات الدولية لضمان تحقيق نتائج فعالة ومستدامة.
يتوقع أن تشهد الفترة القادمة تحركات دبلوماسية مكثفة لإقناع المجتمع الدولي بتمويل جزء من الخطة، خاصة أن الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة يتطلب استثمارات ضخمة لضمان عدم تكرار الأزمات السابقة.
مواقف الأطراف الدولية:
- موقف حركة حماس:
رحبت حركة حماس بالقرارات التي اتخذتها القمة، خاصة فيما يتعلق بخطة إعادة إعمار غزة. كما ثمنت الحركة موقف الدول العربية الرافض لخطة تهجير الفلسطينيين، معتبرة أن هذه القمة تمثل مرحلة متقدمة في الاصطفاف العربي والإسلامي خلف القضية الفلسطينية. كما أكدت على أهمية دعم مشروع إعادة الإعمار وضمان تنفيذ جميع بنوده.
- موقف إسرائيل:
في المقابل، انتقدت إسرائيل البيان الختامي للقمة، معتبرة أنه يتجاهل هجمات حماس على الأراضي الإسرائيلية. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إن الخطة العربية لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الأمني في القطاع. ودعا إلى ما أسماه “التحرر من قيود الماضي” والتعاون من أجل إحلال الاستقرار والامن في المنطقة. وأضاف أن حماس لا يمكن أن تبقى في غزة، واصفا السلطة الفلسطينية بالفاسدة. واعتبر أن الخطة لا تشكل حلاً للواقع المعقد في غزة، مؤكدا على أن هناك حاجة لطرح أفكار جديدة حول كيفية معالجة القضية.
- موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
أشار بيان صادر عن البيت الأبيض أن الرئيس ترامب متمسك بمقترحه لإعادة بناء غزة خالية من حماس، وأضاف بيان البيت الأبيض أن خطة غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن حاليا.
وبذلك، يبرز البيان تمسك الإدارة الأمريكية بخطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن إعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى، وهي خطة لاقت رفضًا قاطعًا من الدول العربية والمجتمع الدولي الذي أكد على ضرورة الحفاظ على حقوق الفلسطينيين في أرضهم.
- المواقف الدولية الأخرى:
على الصعيد الدولي، كانت مواقف الاتحاد الأوروبي حريصة دائما على التأكيد على دعم حل الدولتين كحل دائم للقضية الفلسطينية. كما أن كلا من روسيا والصين أبدت مواقف متشابهة حيث أكدتا على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين ورفض التهجير القسري. وقد شددت كلتا الدولتين على أهمية التوصل إلى اتفاق سياسي يشمل جميع الأطراف المعنية، مع ضرورة ضمان حقوق الشعب الفلسطيني دون المساس بمستقبله.
التحديات أمام الحل السلمي:
إن مخرجات القمة العربية تعكس التوجه العربي المشترك نحو إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية، لكن في ظل تعنت إسرائيل والرغبة في تغيير خريطة الشرق الأوسط من خلال تهجير الفلسطينيين، يبقى التساؤل قائمًا حول إمكانية التوصل إلى حل سلمي، لا سيما وأن هذه التطورات تأتي في وقت تعلن فيه إسرائيل وحماس عن الاستعداد لاستئناف القتال مع تعثر الانتقال الى المرحلة الثانية من اتفاق غزة التي تبلغ مدتها 42 يوما.
للإشارة، فإن من أهم بنود المرحلة الثانية:
- إعلان عودة الهدوء المستدام الذي يشمل إيقاف جميع العمليات العسكرية في القطاع؛
- استئناف عملية تبادل المحتجزين والأسرى بين الجانبين الغزاوي والإسرائيلي؛
- تبادل جثامين ورفات الموتى بعد وصولهم والتعرف عليهم؛
- البدء في تنفيذ خطة اعمار غزة خلال مدة ما بين 3 إلى 5 سنوات وإنهاء الحصار الكامل على قطاع غزة.
غير أن ناتنياهو يريد أن تفرج حماس اليوم وفي دفعة واحدة على جميع الأسرى قبل الانتقال الى المرحلة الثانية، وهو ما لم تقبل به حماس وأكدت أن تشمل المرحلة الثانية مفاوضات من أجل وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع وإعادة الاعمار، ومن تم إطلاق سراح السجناء.
فإسرائيل إذن، التي تسعى إلى تغيير الوضع الجغرافي في المنطقة، تعتبر الخطة العربية تهديدًا لاستراتيجياتها الأمنية، وهو موقف يحظى بتأييد ترامب ويتناقض تمامًا مع الموقف العربي الذي يرفض أي مساس بحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
هل يمكن التوصل إلى حل سلمي؟
الوضع الحالي يعكس تعقيدًا كبيرًا في الوصول إلى تسوية شاملة. من جهة، هناك دعم عربي واضح ومؤيد لفلسطين، وفي الجهة المقابلة، لا يزال هناك موقف إسرائيلي قوي يرفض الحلول التي تتضمن التنازل عن أي جزء من الأراضي المحتلة أو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية في القدس. كما أن المواقف الأمريكية تميل في الغالب إلى دعم المواقف الإسرائيلية.
الحل السلمي يتطلب بالأساس الضغط الدولي المستمر على إسرائيل لتقبل بحل الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع الدولي في نشر قوات حفظ السلام، وهو ما يجب أن يكون جزءًا من أي تسوية مستقبلية. لكن ما يعيق هذا الحل هو الفشل المستمر في مفاوضات السلام، إضافة إلى تعنت إسرائيل ورفضها للعديد من الحلول الوسط.
الخلاصة:
تُعد مخرجات قمة القاهرة 2025 خطوة هامة نحو تعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، ولكن نجاح هذه القرارات يتوقف على التزام جميع الأطراف بتنفيذها، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة. ورغم ذلك، تبقى الأسئلة الجوهرية حول إمكانية الوصول إلى حل سلمي، في ظل التحديات السياسية والعسكرية التي تبرز على الساحة.
في النهاية، يظل الأمل الأكبر للشعب الفلسطيني في تحقيق العدالة وتمكينه من العيش بحرية وأمان في وطنه، ولكن يبقى السؤال: هل يمكنه أن يعوّل على المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات أكثر فاعلية لإنهاء هذه الأزمة؟ سؤال تصعب الإجابة عليه في ظل واقع تتناقض فيه القيم الدولية والمبادئ التي طالما دافع عنها الغرب الليبرالي، والتي أصبح هو أول من يخرقها.