
بسيم الأمجاري
منذ استقلال الجزائر في عام 1962، نشأ مسار معقد بين الجزائر والمغرب، ولا يزال هذا المسار يحمل في طياته الكثير من التوترات والمشاكل التي تتجاوز الصراع على الأرض لتشمل الساحة الاقتصادية والسياسية. ومع مرور الوقت، اتضح أن العداء بين البلدين لم يكن مجرد خلافات حدودية، بل كان يعكس صراعًا استراتيجيًا عميقًا على النفوذ في المنطقة المغاربية، وبالتالي في شمال إفريقيا. هذا الصراع كان له تداعيات كبيرة على التنسيق المغاربي الذي كان من الممكن أن يمثل قوة موحدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، خاصة في ظل السوق الأوروبية المشتركة.
لكن رغم التحديات العديدة التي تواجه الجزائر والمغرب، نرى أن الجزائر، التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية، قد صرفت موارد ضخمة في معاكسة المغرب بدلاً من توجيه هذه الأموال لتنمية شعبها وتحقيق رفاهه.
الفصل الأول: من حرب الرمال إلى صراع السياسة
منذ حرب الرمال في عام 1963، التي كانت المواجهة العسكرية الأولى بين الجزائر والمغرب بعد الاستقلال، بدأ التوتر بين البلدين في التصاعد. ورغم أن الحرب كانت قصيرة الأمد، إلا أنها تركت آثارًا عميقة في الذاكرة السياسية للشعبين، وأثرت على العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. ورغم مرور أكثر من ستة عقود على تلك الحادثة، لا يزال هذا الصراع يطفو على السطح كلما حاولت الجزائر تعزيز موقفها في المنطقة.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل قضية الصحراء التي كانت، وما زالت، أحد أبرز العوامل التي تعمق الهوة بين الجزائر والمغرب. الجزائر خلقت، إلى جانب القذافي، جبهة البوليساريو وسلحتها ووفرت لها الدعم المادي والدبلوماسي بهدف إنشاء دولة مقتطعة من أراضي في جنوب المغرب كانت قد احتلتها اسبانيا، كما احتلت أقاليم أخرى من شمال المغرب. هذا الصراع تحول من صراع على أرض صحراوية، إلى قضية استراتيجية بالنسبة للدولتين، مما ساهم في تأجيج العداء بينهما.
الفصل الثاني: الجزائر والمغرب… معركة الاقتصاد
في ظل الظروف الإقليمية المتغيرة، كان من الممكن أن تشكل دول المنطقة تكتلاً اقتصاديًا يعزز من قدراتها في مواجهة التحديات التي تفرضها الأسواق العالمية، خاصة الاتحاد الأوروبي. لكن، على العكس من هذا التوجه، سعت الجزائر بشكل مستمر إلى عرقلة مشاريع التعاون بين البلدين، وفضلت توجيه جميع طاقاتها السياسية والاقتصادية لمواجهة المغرب ومعاكسة طموحاته بدعوى مساندة الشعوب في تقرير مصيرها، وهو الحق الذي تنكره الجزائر نفسها على حركة “ماك” التي تطالب بإقامة بدولة في منطقة القبايل.
منذ سبعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، واجهت العلاقات التجارية بين الجزائر والمغرب تحديات كبيرة بسبب السياسات المعادية. في عام 1975، طردت الجزائر الآلاف من المغاربة العاملين على أراضيها في خطوة أحبطت العديد من العائلات المغربية. بعد هذه الحادثة، شهدت العلاقات الاقتصادية تدهورًا حادًا، حيث تم غلق الحدود البرية والجوية ومنع حركة التجارة بين البلدين.
ورغم الإمكانيات الكبيرة التي كانت الجزائر تملكها في مجال الطاقة، فإن حكوماتها فضلت توجيه جزء كبير من مواردها لتمويل جبهة البوليساريو التي لا تجني من ورائها سوى مزيد من الصراع في المنطقة. لقد كان من الأجدر بها أن تستخدم هذه الأموال في تطوير مشاريع تنموية تساهم في رفع مستوى معيشة ورفاهية الشعب الجزائري وتحقيق الاستقرار الداخلي، ولكن تبقى لفئة العسكر الماسكين بزمام السلطة حساباتهم الخاصة.

الفصل الثالث: الجزائر والمغرب في المجال الرياضي… منافسة عقيمة
شهد المجال الرياضي بدوره في الآونة الأخيرة، خاصة كرة القدم، صراعًا متزايدًا بين الجزائر والمغرب. ورغم أن هذا الصراع يبدو وكأنه مجرد مسابقة رياضية، فإنه يعكس بشكل واضح حجم العداء المستمر الذي تكنه الجزائر للمغرب. ففي كل مرة تواجه فيها الفرق المغربية منتخبًا جزائريًا، تزداد مشاعر التوتر والعنف اتجاه الفرق المغربية وجمهورها. لقد أصبح التنافس الرياضي ساحة جديدة للجزائر لاستعراض كل ما يتعلق بالخلافات السياسية والدبلوماسية.
والأكثر من ذلك، هو أن الجزائر، من خلال جزء من جمهورها الرياضي، لم تتوقف عن تشجيع المنتخبات الأجنبية التي تواجه المغرب، سواء كانت من آسيا أو افريقيا أو من أوروبا أو من أمريكا اللاتينية، في محاولة لرؤية المغرب منهزمًا. هذه السياسة لم تساهم فقط في زيادة العداء بين الشعبين، بل تعكس حالة من الانغلاق السياسي والرياضي التي لا تعود بالنفع على أي من الطرفين.
الفصل الرابع: الجزائر والمناورات الدولية… حشر قضية الصحراء في كل محفل
جزء من استراتيجية الجزائر في الساحة الدولية يتضمن حشر قضية الصحراء في مختلف المحافل الدولية، بغض النظر عن موضوع اللقاء أو القضايا المدرجة على جدول الأعمال. في العديد من المناسبات، حاولت الجزائر تحويل أنظار المجتمع الدولي إلى قضية الصحراء، مما جعل العديد من الدول تنفر من تدخلاتها العقيمة التي لا تتلاءم مع محاور النقاش، وتتنافى مع الأهداف السامية للمنظمات الدولية.
وفي هذا السياق، تشير العديد من التقارير إلى الأموال الطائلة التي تبعثرها الجزائر لدعم الانفصاليين في مختلف المحافل الدولية وتوزيع الرشاوى عند كل تنافس لنيل مناصب في هيئات الاتحاد الإفريقي، وقد كان آخرها صرف مبلغ ضخم بلغ مليار دولار لدعم الاتحاد المذكور. هذه السياسات تبدو متناقضة مع المصلحة الوطنية الجزائرية، حيث إن الأموال التي تُصرف في هذه المسارات كان من الأفضل استثمارها في مشاريع داخلية تنموية تُساهم في رفاه الشعب الجزائري بدلاً من نشر المزيد من التوترات في المنطقة.
الفصل الخامس: تخلف الجزائر عن الركب الإقليمي والدولي
رغم الأحداث العالمية التي تغيرت بشكل ملحوظ، فإن الجزائر بقيت عالقة في دائرة صراعها العقيم مع المغرب، متجاهلة الدروس التي يمكن تعلمها من تجارب دول أخرى. على سبيل المثال، كانت ألمانيا الشرقية والغربية في صراع دائم أثناء فترة الحرب الباردة، ولكن بعد سقوط جدار برلين، تصالحت الألمانيتان وأصبحتا جزءًا من الاتحاد الأوروبي إلى جانب العديد من دول أوربا الشرقية التي انضمت بدورها لهذا الاتحاد. في المقابل، لم تستوعب الجزائر كل التغيرات التي تطرأ من حولها في العالم، وظلت متمسكة بمخلفات مرحلة الماضي، رافضة التقدم نحو التعاون الإقليمي والتكامل المغاربي.
الفصل السادس: مخاطر استمرار هذا الصراع
أمام هذا التوتر المستمر بين الجزائر والمغرب، يبدو أن الأمور لا تسير في اتجاه إيجابي. فالصراع الدائم يعطل التعاون الإقليمي الذي كان يمكن أن يعزز من قدرات دول شمال إفريقيا في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية ويزيد من الانفاق العسكري بين البلدين. كما أن استمرار العداء بين البلدين يساهم في تفتيت القوى الإقليمية ويجعلها فريسة سهلة أمام النفوذ الأوروبي والغربي.
الجزائر، بتركيزها على دعم جبهة البوليساريو، تمارس سياسات تؤدي إلى إضعاف الذات واستنزاف موارد شعبها وزعزعة استقرار المنطقة. وهكذا، ففي الوقت الذي ينفتح فيه المغرب على إفريقيا والدول الغربية والشرقية بهدف دعم تنمية اقتصادية شاملة ومواصلة تعزيز علاقاته مع مختلف الأطراف، تبقى الجزائر في حالة من الركود الدبلوماسي والاقتصادي بسبب هذه السياسات المعاكسة.
خاتمة:
من المؤكد أن استمرار هذا الصراع لن يعود بالنفع على أي دولة من دول الاتحاد المغرب العربي. في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم، وفي وقت تزداد فيه الحاجة إلى التعاون الإقليمي والدولي، يصبح من الضروري أن تعيد الجزائر النظر في سياستها تجاه المغرب، وتضع المصلحة الوطنية في مقدمة أولوياتها.
ليس الوقت مناسبًا للاستمرار في معركة فارغة تضر بمصالح الشعوب المغاربية، بل ينبغي أن يتم البحث عن سبل جديدة للتعاون والتكامل بين الجزائر والمغرب وكل دول شمال إفريقيا، لتشكل قوة اقتصادية وسياسية قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، وإلا فالدول الكبرى المتحكمة في العالم لا تعرف إلا لغة مصالحها وحدها ولو على حساب مصالح واستقرار الشعوب الأخرى.