
بسيم الأمجاري
شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا للسجائر الإلكترونية، التي قُدِّمت في البداية كبديل أقل ضررًا للتدخين التقليدي، لكنها سرعان ما أصبحت موضع جدل كبير. تفاقمت المخاوف الصحية المرتبطة بها، مما دفع بعض الدول إلى فرض قيود صارمة أو حظرها تمامًا، كما فعلت فرنسا وبلجيكا.
في هذا المقال، سنتناول تاريخ ظهور السجائر الإلكترونية، أسباب انتشارها بين الشباب، المخاطر الصحية التي تترتب عليها، ولماذا بدأت بعض الحكومات باتخاذ قرارات صارمة ضدها.
كيف ظهرت السيجارة الإلكترونية وانتشرت؟
اخترعت السيجارة الإلكترونية لأول مرة في عام 2003 من قبل الصيدلي الصيني “هون ليك”، الذي سعى إلى تطوير بديل أقل ضررًا للسجائر التقليدية. قامت شركات التبغ لاحقًا بتطويرها وترويجها بشكل مكثف، مع التركيز على كونها “أكثر أمانًا” و”أداة للإقلاع عن التدخين”.
لكن ما ساعد على انتشارها بشكل هائل بين المراهقين والشباب لم يكن مجرد الحملة التسويقية، بل أيضًا العوامل التالية:
• النكهات الجذابة: تتوفر بنكهات الفواكه، الحلويات، والنعناع، مما يجعلها مغرية لغير المدخنين، خصوصًا المراهقين.
• سهولة الحصول عليها: في العديد من الدول، لم تكن هناك قيود قانونية واضحة على بيعها، مما سمح بتداولها على نطاق واسع.
• غياب الرائحة القوية: على عكس السجائر التقليدية، لا تترك السيجارة الإلكترونية رائحة نفاذة، مما يجعل استخدامها أكثر سرية.
• التسويق الرقمي القوي: عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استهدفت شركات التبغ الشباب من خلال مشاهير الإنترنت والمؤثرين الذين روّجوا لها باعتبارها “عصرية” و”أقل ضررًا”.
هذا المزيج من العوامل جعل السجائر الإلكترونية تنتشر بسرعة غير مسبوقة، مما خلق تحديات جديدة في مكافحة التدخين.
المخاطر الصحية للسجائر الإلكترونية: خرافة البديل الآمن
رغم الادعاءات بأن السجائر الإلكترونية أقل ضررًا من السجائر التقليدية، إلا أن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أنها ليست خالية من المخاطر، بل قد تكون أكثر خطورة في بعض الحالات.
1. التسبب في الإدمان
• تحتوي معظم السجائر الإلكترونية على النيكوتين، وهو مادة شديدة الإدمان.
• الإدمان الناتج عنها قد يكون أقوى وأطول أمدًا بسبب الطريقة التي يتم بها استنشاق النيكوتين بتركيزات عالية.
2. التأثير على صحة الجهاز التنفسي
• استنشاق المواد الكيميائية الموجودة في السوائل الإلكترونية يسبب التهابات رئوية قد تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل “التهاب الرئة الحاد”.
• تم تسجيل حالات مرضية تُعرف بـ”EVALI” (إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية)، والتي يمكن أن تؤدي إلى فشل تنفسي قاتل.
3. أمراض القلب والأوعية الدموية
• تؤثر السجائر الإلكترونية على معدل ضربات القلب وضغط الدم، مما يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية.
• المواد الكيميائية الموجودة فيها قد تؤدي إلى تلف الأوعية الدموية.
4. زيادة خطر الإصابة بالسرطان
• رغم أن السيجارة الإلكترونية لا تحترق مثل التبغ، إلا أن تسخين السوائل الإلكترونية ينتج عنه مركبات كيميائية مسرطنة مثل الفورمالديهايد والأكرولين.
• تشير الدراسات إلى أن استنشاق هذه المواد على المدى الطويل يزيد من احتمالية الإصابة بسرطانات الفم، الحلق، والرئة.
5. التأثير على نمو الدماغ لدى المراهقين
• النيكوتين يؤثر بشكل كبير على الدماغ خلال فترة المراهقة، مما يؤدي إلى ضعف التركيز، اضطرابات المزاج، وزيادة احتمالات الإدمان على مواد أخرى لاحقًا.
• بعض الدراسات أظهرت أن المراهقين الذين يبدؤون باستخدام السجائر الإلكترونية يكونون أكثر عرضة للانتقال إلى تدخين التبغ.
6. التأثيرات النفسية والسلوكية
• يرتبط استخدام السجائر الإلكترونية بزيادة القلق والاكتئاب لدى الشباب.
• الإدمان عليها قد يؤدي إلى تغييرات سلوكية تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية.

لماذا بدأت بعض الدول في حظر السجائر الإلكترونية؟
أمام تزايد الأدلة على مخاطرها، لجأت عدة دول إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد السجائر الإلكترونية، خصوصًا تلك التي تستهدف الشباب. تشمل هذه الإجراءات:
• الحظر الكامل: كما فعلت فرنسا وبلجيكا بحظر “الباف”، وهي سجائر إلكترونية ذات الاستخدام الواحد.
• التقييد الجزئي: بعض الدول فرضت ضرائب مرتفعة على بيعها أو منعت بيع النكهات المغرية للمراهقين.
• تشديد القوانين الإعلانية: منع الترويج للسجائر الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع التي تستهدف الشباب.
• إجراءات ضد التهريب والتوزيع غير القانوني: حيث يتم ضبط كميات كبيرة من السجائر الإلكترونية غير المرخصة، خاصة تلك القادمة من دول ذات تنظيم ضعيف.
مخاطر السجائر الإلكترونية في المغرب: الانتشار والإجراءات الوقائية
في المغرب، كما في دول العالم، تشهد السجائر الإلكترونية انتشارًا متزايدًا، خاصة بين الأطفال والمراهقين. وفقًا لدراسات، يبدأ العديد من الشباب في استخدام السجائر الإلكترونية في سن مبكرة، حيث أظهرت إحدى الدراسات أن 9.6% من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 سنة قد جربوا السجائر الإلكترونية، و23.4% بين 13 و14 سنة، وحوالي 60% عند 15 سنة وأكثر.
تُعتبر السجائر الإلكترونية مدخلًا للإدمان على التدخين، وتستهدف حملات الترويج لاستعمال هذه السجائر الفئة العمرية المذكورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين. تُنتج السجائر الإلكترونية مواد سامة، بعضها يسبب السرطان أو يزيد من خطر الإصابة بمشاكل في القلب والرئة.
استجابةً لهذه المخاطر، كثفت وزارة الصحة المغربية جهودها لمكافحة انتشار السجائر الإلكترونية بين المراهقين والشباب. تتضمن هذه الجهود تعزيز الصحة النفسية والوقاية من اضطرابات الإدمان على النيكوتين والسجائر الإلكترونية، وذلك في إطار البرنامج الوطني للصحة المدرسية والجامعية والاستراتيجية الوطنية لصحة اليافعين والشباب للفترة 2022–2030.
بالإضافة إلى ذلك، تدرس الحكومة المغربية فرض ضرائب إضافية أو تقييد بيع السجائر الإلكترونية للقاصرين كإجراءات للحد من انتشارها.
هل سيحظر المغرب السيجارة الإلكترونية؟
في المغرب، يُثار الجدل حول إمكانية حظر السجائر الإلكترونية، خاصة بعد الخطوات التي اتخذتها فرنسا وبلجيكا. تشير الإحصائيات إلى أن العديد من المراهقين المغاربة استخدموا السيجارة الإلكترونية، وهو مؤشر مقلق بالنظر إلى آثارها الصحية والإدمانية.
يرى بعض الخبراء أن الفراغ القانوني الحالي يسمح بانتشار هذه المنتجات بين الشباب دون رقابة، مما يستدعي تدخلاً سريعًا لسد هذه الثغرة.
إجراءات مقترحة لمكافحة السيجارة الإلكترونية
لمكافحة استعمال السيجارة الإلكترونية، يمكن للسلطات اتخاذ عدة إجراءات أو لية على عدة مستويات، في أفق حظر كلي لاستعمال هذه السيجارة لما لها من انعكاسات خطيرة على صحة المواطن، منها:
1. التشريع والتنظيم:
• سن قوانين صارمة لتنظيم بيع السيجارة الإلكترونية، بما في ذلك تحديد السن القانوني للشراء، ومنع بيعها للأطفال والمراهقين.
• منع الإعلانات الترويجية لهذه المنتجات، خاصة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية.
2. التوعية والتعليم:
• تنفيذ حملات توعية واسعة النطاق لشرح المخاطر الصحية المرتبطة بالسيجارة الإلكترونية.
• تعزيز التثقيف الصحي في المدارس وفي وسائل الإعلام حول الأضرار المحتملة لهذه المنتجات.
3. الرقابة والتفتيش:
• تشديد الرقابة على المحلات التجارية والأسواق التي تبيع السجائر الإلكترونية، والتأكد من عدم بيعها لغير البالغين أو بيع منتجات تحتوي على مواد محظور.
• مراقبة[p1] المواقع الإلكترونية ومنصات البيع عبر الإنترنت التي تروج للسيجارة الإلكترونية وفرض غرامات أو عقوبات على المخالفين.
4. البحث العلمي:
• دعم الأبحاث والدراسات العلمية لفهم أعمق حول تأثيرات السيجارة الإلكترونية على الصحة العامة.
• تشجيع الدراسات التي تركز على أضرار هذه المنتجات على المدى الطويل.
5. التعاون الدولي:
• التعاون مع المنظمات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية لمتابعة أحدث الدراسات والاتفاق على بروتوكولات وتنظيمات فعالة.
خاتمة: مسؤولية جماعية لمكافحة الإدمان الجديد
على الرغم من الجهود المبذولة للحد من انتشار التدخين التقليدي، فإن السجائر الإلكترونية أصبحت تحديًا جديدًا يهدد الصحة العامة، خاصة بين الشباب. وبينما تستمر الدراسات في الكشف عن المزيد من مخاطرها، تتزايد الحاجة إلى سياسات صارمة لحماية الأجيال القادمة من الوقوع في دوامة الإدمان.
تبقى المسؤولية مشتركة بين الحكومات، المؤسسات الصحية، الأسر، والمجتمع المدني للحد من انتشار هذه الظاهرة، سواء عبر التوعية أو التشريعات الصارمة، لضمان بيئة صحية أكثر للأجيال القادمة.