العالم العربي بين مطرقة ترامب وسندان إيران: هل آن أوان الصحوة العربية؟

بسيم الأمجاري

تعيش المنطقة العربية تحولات كبرى في ظل السياسة الأمريكية المتقلبة، وخاصة مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي. فبينما يعيد ترامب تشكيل تحالفاته بناءً على مبدأ “أمريكا أولاً”، يظل تهديد آخر بارزا للوجود لا يقل خطورة، يتمثل في النفوذ الإيراني المتزايد بخلفياته الدينية المناوئة لأغلب الدول العربية والإسلامية.

يتمدد هذا التوجه الإيراني مدعوماً بأذرع سياسية وعسكرية عبر المنطقة في كل من لبنان والعراق واليمن، بالإضافة إلى تحالفه مع أطراف أخرى كالجزائر التي يحكمها نظام عسكري لا يفتأ في التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والإفريقية تحت شعارات وهمية تتعلق بمساعدة الشعوب على التحرر من الاستعمار؛ وهو ما يخدم في العمق سياسة الدول الاستعمارية الرامية إلى تشتيت وحدة الدول العربية والإفريقية لضمان استغلال خيراتها.

فهل يمكن أن تشكل هذه التهديدات فرصة لصحوة عربية تعيد ترتيب الأولويات، أم أن الدول العربية ستجد نفسها مشتتة بين استرضاء واشنطن والحد من التمدد الإيراني ومكائد حلفائه؟

ترامب والعالم العربي: استراتيجية المصالح أولًا

لطالما تعاملت الإدارات الأمريكية مع العالم العربي بمنطق المصلحة المباشرة، لكن ترامب يتبنى نهجًا أكثر تطرفًا يقوم على الابتزاز السياسي والاقتصادي. فبدءًا من فرض الرسوم الجمركية على الحلفاء التقليديين إلى مقترحاته المثيرة للجدل بشأن إعادة توطين الفلسطينيين، أثبت ترامب أن الشرق الأوسط بالنسبة له ليس أكثر من ساحة للمساومات التجارية.

تجلت هذه السياسة بشكل واضح في موقفه من القضية الفلسطينية، إذ طرح فكرة نقل سكان قطاع غزة إلى خارج القطاع، الأمر الذي قوبل برفض عربي واسع، لكنه كشف في الوقت ذاته عن مدى هشاشة الموقف العربي الجماعي. فالدول العربية، رغم بيانات الرفض، لا تزال تعاني من الانقسام والتباين في مواقفها بين من يسعى للحفاظ على الاستقرار الداخلي ومن يفضل كسب دعم واشنطن.

إيران: اللاعب الإقليمي المستفيد من الفوضى

في ظل الانسحاب الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط، تظل إيران، كقوة صاعدة مناوئة للدول العربية والدول الإسلامية السنية، تعمل جاهدة لملء الفراغ، سواء عبر دعم الميليشيات المسلحة في المنطقة أو من خلال بناء تحالفات جديدة مع دول في العالم العربي، مثل الجزائر التي تنتهج بدورها سياسة توسعية في شمال إفريقيا.

استغلت إيران الانقسامات العربية لتعزيز وجودها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، معتمدة على مقاربة مزدوجة تجمع بين القوة الناعمة والدعم العسكري للميليشيات الموالية لها. ومع استمرار تراجع الدور الأمريكي، تجد الدول العربية نفسها أمام خيارين: إما بناء تكتل سياسي واقتصادي وعسكري قادر على مواجهة هذا التمدد، أو البقاء في حالة من التشرذم السياسي الذي يسهل على إيران تعزيز نفوذها أكثر.

الجزائر: طموحات إقليمية أم توغل سياسي في المنطقة؟

بعيدًا عن النفوذ الإيراني، برزت الجزائر كلاعب إقليمي يسعى لتعزيز حضوره في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. لكن سياستها الخارجية، التي تتسم بدعم بعض الحركات الانفصالية والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، يثير توترات في المنطقة.

تحاول الجزائر توظيف تحالفاتها الجديدة، خاصة مع إيران وروسيا، لتعزيز موقعها الاستراتيجي، وهو ما ينعكس في موقفها من بعض القضايا الإقليمية، مثل دعمها لجماعات في ليبيا ومالي، فضلًا عن موقفها العدائي تجاه المغرب ودول الخليج في بعض الملفات. هذه التحركات تضعف جهود بناء موقف عربي موحد، وتفتح المجال أمام مزيد من التدخلات الأجنبية في المنطقة.

خطورة التصرفات الجزائرية على وحدة الصف العربي واستقرار الجزائر نفسها

في خضم التوترات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، تبدو الجزائر وكأنها تلعب دورًا مزدوجًا، فهي من جهة تروج لشعار وحدة الدول العربية والإفريقية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومن جهة أخرى، تواصل سياسة العداء تجاه جيرانها، والقيام بحملات إعلامية ضد كل من يخالف آراءها من الدول العربية والإفريقية، بل وحتى الأوروبية كإسبانيا وفرنسا.

ففي غياب حكامة جيدة لتدبير شؤون البلاد والفشل في إيجاد حلول ناجعة لمشاكلها الاقتصادية، تحاول الجزائر أن تروج لنفسها إعلاميا على أنها قوة إقليمية مستقلة، ملقية باللوم في فشلها على مؤامرات وهمية تُحْبَكُ ضدها في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، وهي استراتيجية قد تحمل في طياتها انعكاسات خطيرة على وضعها الداخلي والخارجي.

وعلى الرغم من استثمارها المكثف والباهض في تقويض استقرار جيرانها، سواء عبر دعم الجماعات الانفصالية أو عبر عرقلة المبادرات التنموية الإقليمية، فإن الجزائر تجد نفسها بشكل متزايد معزولة عن محيطها. فبينما تعزز دول المنطقة شراكاتها الاستراتيجية في مجالات الأمن والطاقة والتنمية، تظل الجزائر نفسها تبدد أموالا طائلة لفائدة مشاكل لا تهم الشعب الجزائري في شيء، بدل الانخراط مع جيرانها ومحيطها في مشاريع التعاون المشترك، مما يضعها على هامش الديناميكيات الاقتصادية والسياسية الجديدة.

هذه العزلة قد تتفاقم داخليًا، حيث يواجه النظام الجزائري تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، في ظل اقتصاد يعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط والغاز، وهي موارد غير مستقرة في ظل التحولات العالمية نحو الطاقات المتجددة. إضافة إلى ذلك، فإن سياسات النظام الردعية ضد الأصوات المعارضة، سواء داخل البلاد أو في الشتات، قد تؤدي لا محالة إلى تصاعد الغضب الشعبي، مما يعزز احتمالات حدوث اضطرابات داخلية تهدد استقرار البلاد على المدى المتوسط والطويل.

إقليمياً، ومع تزايد التعاون بين المغرب ودول غرب إفريقيا، وتعزيز الشراكات بين الدول المغاربية التي اختارت الانفتاح على محيطها، ستجد الجزائر نفسها في موقف غير مريح، حيث قد تخسر نفوذها في منطقة الساحل، وتتراجع مكانتها في المشهد الإقليمي لصالح دول أكثر ديناميكية ومرونة.

في النهاية، قد تصبح الجزائر ضحية لسياستها الخاصة، ليس فقط بسبب فشلها في تحقيق مكاسب استراتيجية من عدائها لجيرانها، ولكن أيضًا بسبب تداعيات هذه السياسة على أمنها القومي ووضعها الداخلي.

هل نشهد صحوة عربية أم مزيدًا من التشرذم؟

في ظل هذا المشهد المعقد بين المؤثرات من داخل وخارج العالم العربي، يطرح السؤال الجوهري: هل يمكن أن تؤدي سياسات ترامب وتنامي النفوذ الإيراني إلى استنهاض العالم العربي لمواجهة التحديات المشتركة؟ أم أن الانقسامات الداخلية ستستمر في استنزاف الجهود العربية؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بد من النظر إلى بعض المؤشرات التي قد تساهم في تحديد المسار المستقبلي:

1. إعادة صياغة التحالفات

تشهد المنطقة حراكًا دبلوماسيًا ملحوظًا، خاصة بين دول الخليج ومصر والأردن، لمحاولة إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية. لكن نجاح هذه الجهود مرتبط بقدرة الدول العربية على تجاوز خلافاتها الداخلية، والاتفاق على استراتيجية واضحة لمواجهة التحديات الخارجية.

2. الاستقلالية في القرار السياسي

أثبتت التجارب أن الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة لم يعد خيارًا استراتيجيًا ناجحًا، خاصة مع سياسات ترامب القائمة على الضغط والابتزاز. لذا، فإن بناء سياسة خارجية مستقلة، تعتمد على تحالفات متنوعة تشمل الصين وروسيا وأوروبا، قد يكون الخيار الأكثر فاعلية لضمان مصالح الدول العربية.

3. التكامل الاقتصادي كخط دفاع أول

لا يمكن بناء قوة سياسية عربية دون وجود تكامل اقتصادي حقيقي. فتقوية الاقتصادات المحلية، وتعزيز التعاون بين الدول العربية في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا، يمكن أن يكون عاملًا أساسيًا في تقليل الاعتماد على القوى الخارجية.

4. إصلاح البيت الداخلي

لا يمكن الحديث عن صحوة عربية دون معالجة التحديات الداخلية، مثل الفساد، وسوء الإدارة، وانعدام الحريات السياسية. فالتاريخ يؤكد أن الدول التي تنجح في تحقيق استقرار داخلي قوي تكون أكثر قدرة على فرض نفسها على الساحة الدولية.

خاتمة: الفرصة الأخيرة؟

إن العالم العربي يواجه اليوم تحديًا وجوديًا، فإما أن يكون جزءًا من تشكيل النظام العالمي الجديد، عبر بناء تكتل سياسي واقتصادي قادر على حماية مصالحه، أو أن يبقى مجرد ساحة للصراعات والنفوذ الأجنبي.

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها النظام الدولي، فإن الفرصة لا تزال قائمة أمام الدول العربية لإعادة ترتيب أوراقها، والانتقال من حالة التبعية السياسية إلى موقع أكثر تأثيرًا في صنع القرار العالمي. لكن تحقيق ذلك يتطلب قرارات جريئة، وإرادة سياسية حقيقية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الفردية.

ربما تكون سياسات ترامب وإيران والجزائر وغيرها مجرد محفزات لهذا التغيير، لكن في النهاية، يبقى مصير العالم العربي في أيدي أبنائه، فإما أن يستغلوا الفرصة لإحداث تحول جذري، أو أن يتركوا زمام الأمور بيد الآخرين، كما حدث مرارًا في الماضي.

وكما جاء في القرءان الكريم: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بأنفسهم” صدق الله العظيم.

شاهد أيضاً

نزيف الأنف (الرعاف): بين العرض العابر والإنذار الطبي الجاد

بسيم الأمجاري يعتبر نزيف الأنف أو ما يُعرف بـ”الرعاف” من الظواهر الصحية التي تصيب شريحة …

أسرار الإفطار بالتمر والماء: بين الفوائد الصحية والأثر النبوي

بسيم الأمجاري شهر رمضان المبارك هو شهر الصيام الذي يتبعه المسلمون حول العالم، مع التزامهم …

ماء زمزم: معجزة إلهية وأسرار علمية

بسيم الأمجاري يعتبر ماء زمزم من أكثر المياه قدسية في العالم الإسلامي، حيث يقع بئر …

كيفية شرب الماء بشكل صحيح أثناء شهر رمضان وأهمية الترطيب للصائمين

بسيم الأمجاري شهر رمضان هو فترة تقوية للجسد والروح، ولكنه يأتي مع تحدياته الصحية الخاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *