العالم بين شريعة الغاب وقوة القانون: هل انتهى زمن العدالة الدولية؟

بسيم الأمجاري

الأطماع الدولية وأزمات الحدود: غرينلاند نموذجًا

أعلنت الدانمارك تعزيز قدراتها الدفاعية في محيط غرينلاند لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول رغبته في شراء الجزيرة. تُعد غرينلاند ذات أهمية استراتيجية نظرًا لموقعها الجغرافي بين الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى احتياطاتها المعدنية وذوبان الجليد الذي يُتيح طرق شحن جديدة في القطب الشمالي.

التحرك الدانماركي لم يكن مجرد خطوة عسكرية تقليدية، بل رسالة واضحة بأن عهد الاستحواذ بالقوة لم ينتهِ تمامًا، وأن الدول الصغيرة لن تتخلى عن سيادتها بسهولة حتى في مواجهة القوى الكبرى.

لكن ما يعزز القلق العالمي هو أن هذه الأطماع ليست حكرًا على منطقة القطب الشمالي. هناك أمثلة أخرى تتخطى الجغرافيا الغربية لتصل إلى قلب الأزمات في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يبدو أن القانون الدولي يتآكل أمام حسابات القوة وتجاهل القانون الدولي.

من غرينلاند إلى فلسطين: مخططات التهجير واغتصاب الحقوق

في منطقة الشرق الأوسط، تتفاقم المخاوف من مخططات إسرائيل لتهجير سكان قطاع غزة إلى دول مجاورة. التقارير تشير إلى احتمال إعلان تهجير واسع النطاق لسكان الضفة الغربية أيضا في تحدٍّ صارخ للقوانين الدولية. تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين حول إمكانية توسيع حدود إسرائيل “من النيل إلى الفرات” تعيد إلى الأذهان أطماعًا تاريخية لم يتمكن المجتمع الدولي من وضع حدٍّ لها.

هذا التوجه الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية ويتناغم مع ما يبدو أنه انحسار لقوة القانون الدولي، حيث باتت الأطماع التوسعية تجد في ضعف المجتمع الدولي فرصة ذهبية لفرض الأمر الواقع، تمامًا كما حاول ترامب مع غرينلاند.

الجزائر ودعم الانفصال في افريقيا: نموذج آخر لشريعة الغاب

لا تقتصر الأطماع التوسعية وتدخلات القوى الكبرى على مناطق القطب الشمالي أو الشرق الأوسط. ففي شمال إفريقيا، تبرز الجزائر نموذجًا صارخًا لتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدول مجاورة ودعم الانفصال بها وتأجيج الأزمات في المنطقة.

منذ السبعينيات، خصصت الجزائر موارد مالية وعسكرية ودبلوماسية هائلة لدعم انفصال الصحراء المغربية من خلال تمويل وتسليح صنيعتها “جبهة البوليساريو”. هذا الدعم لم يقتصر على الجانب المادي والعسكري فقط، بل شمل إنشاء بعثات دبلوماسية مخصصة للترويج لهذه القضية في المحافل الدولية على حساب أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري، فضلا عن التدخل في القرارات السيادية لمختلف الدول الداعمة لمغربية الصحراء.

أحدث مثال على هذا السلوك الأرعن المتمثل في دعم الانفصال في الدول الإفريقية، يتمثل في احتضان الجزائر لمؤتمر يروج لاستقلال ما يسمى بـ”الجمهورية الريفية”، وافتتاح مكتب لها في العاصمة الجزائرية على حساب ميزانية الشعب الجزائري،  في خطوة تشكل استفزازًا صريحًا لوحدة المغرب الوطنية وتأكيدًا على أن الجزائر اختارت سياسة دعم الانفصال في المنطقة.

والأمر لم يقف عند هذا الحد، بل امتد إلى دولة مالي التي تتهم الجزائر بـ “دعم الجماعات الإرهابية، والتدخل في الشؤون الداخلية”، وذلك في إشارة إلى دعمها لحركة “الأزواد” التي تسعى لانفصال عن شمال مالي. ففي 21 دجنبر من سنة 2023، استدعت وزارة الخارجية المالية سفير الجزائر ببلادها احتجاجا على “أفعال غير ودية” من جانب بلاده، و”تدخلها في الشؤون الداخلية” لمالي.

كما أن العقيد عبد الله مايغا، وزير الدولة المالي، وجّه، خلال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حديثا مباشرا إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منددا بـ”توفير المسكن والمأكل للإرهابيين على الأراضي الجزائرية”.

هذه التصرفات غير الودية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول مجاورة ومحاولة زعزعة استقرارها باستعمال أموال وإمكانيات الشعب الجزائري الذي هو في حاجة ماسة إلى التنمية، يعد نموذجا صارخا لعدم احترام المواثيق الدولية والدفع بالمنطقة إلى المصير المجهول.

هل انتهى العمل بالقانون الدولي؟

ما نشهده اليوم من تنازع على الأراضي والتهديدات الأمنية يعكس تراجعًا واضحًا لسلطة القانون الدولي لصالح منطق القوة وشريعة الغاب. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وُضعت القوانين الدولية لضمان احترام سيادة الدول ومنع الاستيلاء على أراضيها بالقوة. لكن هل ما زالت تلك المبادئ قائمة في عالم اليوم؟

تبدو الإجابة سلبية أمام تنامي الأطماع الإقليمية والدولية:

1. ضم شبه جزيرة القرم: روسيا ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014 في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي، رغم العقوبات الغربية.

2. النزاع في بحر الصين الجنوبي: الصين تواصل تعزيز سيطرتها على الجزر والمناطق البحرية المتنازع عليها رغم الأحكام الدولية التي تؤكد عدم شرعية هذه التحركات.

3. دعم الحركات الانفصالية: الدعم المستمر للجزائر مدعومة بجنوب إفريقيا وإيران للحركات الانفصالية في افريقيا، ولا سيما في المغرب ومالي يدفع بالمنطقة إلى مستقبل مجهول يخدم مصالح القوى الغربية التي لا ترى في الدول الإفريقية بما فيها الجزائر إلا مناطق تزخر بالمواد النفطية والمعدنية الضرورية لازدهارها الاقتصادي وتحسين مستوى حياة شعوبها.

القوة بدل العدالة: هل العالم مقبل على حروب لا نهاية لها؟

إذا استمر تجاهل القانون الدولي لصالح المصالح الاستراتيجية، فإن العالم قد يواجه مرحلة جديدة من الحروب والصراعات التي لا تنتهي. فمتى ما أُعطيت الشرعية لقانون الغاب، ستسعى كل دولة لها نفوذ عسكري إلى فرض هيمنتها على جيرانها.

مؤشرات تنذر بحروب محتملة:

التوتر في منطقة المحيط الهادئ: تعزيز الولايات المتحدة وحلفائها لوجودهم العسكري لمواجهة الصين.

الشرق الأوسط: استمرار أزمة الشرق الأوسط وعدم إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية وكذا التوتر بين إيران وإسرائيل يزيد من احتمالات نشوب حرب إقليمية شاملة.

شمال إفريقيا: استمرار الجزائر في دعم الانفصال في كل من المغرب ومالي وغيرها من بؤر التوتر قد يؤدي إلى إشعال الحروب بالمنطقة والتوترات والصراعات بين الدول الإفريقية.

هل هناك أمل؟

رغم الصورة القاتمة، لا يزال هناك أمل في أن يعود المجتمع الدولي إلى صوت الحكمة وطاولة الحوار وتعزيز دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. يجب على القوى الكبرى ولا سيما منها المحبة للسلام أن تدرك أن استمرار تجاهل القانون الدولي لن يؤدي إلا إلى فوضى عارمة.

خطوات ضرورية:

1. إصلاح مجلس الأمن: لمنع احتكار القرارات الدولية من قبل الدول الكبرى.

2. تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية: لمحاسبة من ينتهكون سيادة الدول ويهجرون الشعوب.

3. التكاتف الإقليمي: على الدول الصغيرة والمتوسطة تعزيز التعاون فيما بينها لخلق توازن يمنع هيمنة القوى الكبرى والدول الخارجة عن القانون الدولي.

خاتمة

يبدو أن العالم يقف اليوم عند مفترق طرق: إما العودة إلى سيادة القانون الدولي وحماية الحقوق السيادية للدول، أو الانزلاق نحو عصر جديد تحكمه شريعة الغاب حيث تكون الكلمة العليا للأقوى. ما يحدث في غرينلاند، فلسطين، وشمال إفريقيا ليس سوى نموذجا لما قد يشهده العالم من صراعات أشد وطأة إن لم يتدارك المجتمع الدولي الوضع.

شاهد أيضاً

ظاهرة الأوج الأرضي: هل هي حقيقة علمية وما تأثيراتها على المناخ والبيئة؟

بسيم الأمجاري تعد ظاهرة الأوج الأرضي (Phénomène Aphélie) من الظواهر الفلكية التي تثير فضول الناس …

تحذير العلماء: هل نشهد شطر إفريقيا إلى جزأين؟ الأسباب والآثار الجيوسياسية

في تطور جيولوجي مذهل، يشير العلماء إلى احتمال وقوع انشطار جيولوجي كبير في قارة إفريقيا …

هل سينقلب الذكاء الاصطناعي على صانعه؟ أسباب التخوف المتزايد من الثورة التكنولوجية

بسيم الأمجاري مع التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح التساؤل حول مستقبل البشرية …

مرض البروستاتا: التعريف، الأنواع، الوقاية والعلاج

بسيم الأمجاري يعتبر مرض البروستاتا من المواضيع الصحية التي تثير الكثير من القلق بين الرجال، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *