هل يمكن لترامب إنهاء الحروب بسرعة؟ تحليل للواقع والتحديات

بسيم الأمجاري

تمثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثًا محوريًا ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل أيضًا على المستوى العالمي، حيث تصبح وعود المرشحين مادة دسمة للنقاش والتحليل. ومن بين هذه الوعود، يشتهر دونالد ترامب بتصريحاته المثيرة للجدل والتي تعكس شخصيته الجدلية.

في حملته الانتخابية الأخيرة، تعهد ترامب بإنهاء الحروب العالمية “بسرعة”، وهو وعد أثار حيرة المراقبين وتساؤلاتهم حول إمكانية تحقيقه في ظل التعقيد المتزايد للنزاعات الدولية. فالعالم اليوم ليس ساحة معزولة للصراعات، بل شبكة معقدة من المصالح السياسية، الاقتصادية، والثقافية التي يصعب تفكيكها بقرارات فردية أو تحركات أحادية.

فهل يُمكن اعتبار وعد ترامب واقعيًا بناءً على خبرته السياسية السابقة، أم أنه لا يتجاوز إطار الشعارات الانتخابية الطموحة؟

ترامب وقضايا الحروب العالمية: رؤية فريدة أم وهم انتخابي؟

عُرف ترامب بخطابه الجريء الذي غالبًا ما يعتمد أسلوب الإثارة وثقة مفرطة بالنفس. في تصريحاته، وصف نفسه بأنه “المرشح المختار” لإنهاء الحروب المستمرة حول العالم، مشيرًا إلى نجاحه السابق في إبقاء الولايات المتحدة بعيدًا عن الانخراط في حروب جديدة.

ومع ذلك، إذا قمنا بتحليل سنوات ولايته الأولى (2017-2021)، نجد أن سياساته الخارجية لم تكن دائمًا متناغمة مع وعوده بالسلام. بل على العكس، اتسمت بالتصعيد أحيانًا وبتكتيكات يمكن وصفها بأنها مراوغة أكثر منها معالجة جذرية للصراعات.

إيران والشرق الأوسط: أزمة مستمرة تحت الضغط السياسي

أعاد ترامب خلط أوراق الشرق الأوسط عندما قرر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018، معتبرًا إياه اتفاقًا “كارثيًا”. ترافق ذلك مع فرض عقوبات اقتصادية شديدة، ما دفع العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى شفا مواجهة عسكرية مباشرة، خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني في 2020. وفي حين أن ترامب لم يشعل حربًا فعلية، إلا أن استراتيجيته القائمة على “أقصى ضغط” جعلت المنطقة أكثر اضطرابًا، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى تحقيقه للاستقرار أو السلام المزعوم.

أفغانستان: اتفاق سياسي أم خطوة نحو السلام؟

عندما بدأ ترامب مفاوضات مع حركة طالبان في 2019، كان هدفه المعلن تحقيق انسحاب مشرف للقوات الأمريكية. لكن بالرغم من توقيع اتفاق الدوحة في 2020، لم يُستكمل الانسحاب الكامل إلا في عهد خلفه جو بايدن.

هنا، يُطرح تساؤل منطقي: هل كانت خطوات ترامب تهدف إلى إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، أم أنها كانت مجرد مناورة سياسية لتحسين صورته الانتخابية؟

إمكانياته لتحقيق السلام: نظرة نقدية

تصريحات ترامب عن إنهاء الحروب قد تبدو جذابة لجمهور يبحث عن قائد قوي وواثق، ولكن الواقع يُظهر أن النزاعات الدولية ليست مشاكل يمكن حلها بمقاربة أحادية الجانب. فالحروب المعاصرة ليست فقط عسكرية، بل هي نتيجة لتشابكات طويلة الأمد في المصالح الجيوسياسية، العلاقات الإقليمية، والأزمات الاقتصادية.

1. قدرة ترامب على التفاوض: بين النجاح والحدود

لا يمكن إنكار نجاح ترامب في إدارة بعض الملفات مثل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، المعروفة باتفاقيات أبراهام. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه الاتفاقيات لم تمثل حلاً جذريًا للصراعات في الشرق الأوسط، بل ركزت على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للأطراف الموقعة. الأهم من ذلك، أن القضية الفلسطينية – جوهر الصراع العربي الإسرائيلي – بقيت خارج هذا الإطار، مما يُلقي بظلال الشك على قدرة ترامب على التوصل إلى حلول شاملة.

2. الأدوات الاقتصادية والعسكرية: سلاح ذو حدين

أظهرت إدارة ترامب ميلًا واضحًا لاستخدام العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية للضغط. ومع أن هذه العقوبات أثبتت فعاليتها في إضعاف خصوم واشنطن مثل إيران وكوريا الشمالية، فإنها في الوقت نفسه أسهمت في تعميق الأزمات الإنسانية وخلقت تحديات دبلوماسية جديدة.

من جهة أخرى، اعتمد ترامب على سياسة استعراض القوة العسكرية كوسيلة ردع، لكنها لم تسفر عن حلول طويلة الأمد، بل أدت غالبًا إلى تجميد الأزمات بدلًا من حلها.

3. ترامب: بين “المنقذ العالمي” و”رجل المصالح الأمريكية”

يتناقض خطاب ترامب الذي يضع نفسه في دور المنقذ مع سياساته التي ركزت على شعار “أمريكا أولاً”. قرارات مثل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على عدة دول، تشير إلى أن استراتيجيته لم تكن تهدف إلى تحقيق السلام العالمي، بل إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية وتأمين مصالح واشنطن المباشرة.

هل يستطيع ترامب الوفاء بوعوده؟

في النهاية، يبقى وعد ترامب بإنهاء الحروب “بسرعة” مثار جدل بين المراقبين. فبينما يرى أنصاره في شخصيته القيادية وقدرته على التفاوض مصدرًا للأمل في إنهاء النزاعات، يعتبره منتقدوه شخصية مثيرة للانقسام قد تزيد من تعقيد الأزمات بدلًا من حلها. تحقيق السلام العالمي يتطلب مقاربة شاملة تتجاوز حدود التكتيكات اللحظية والوعود الانتخابية، وهو تحدٍ لا يزال يُشكك في قدرة ترامب – أو أي رئيس أمريكي آخر – على مواجهته بنجاح.

وعود تلامس أحلام السلام أم استمرار للمصالح الغربية؟

فكرة إنهاء الحروب تلامس عمق التطلعات الإنسانية، خصوصًا في المناطق التي أنهكتها النزاعات الطويلة. الملايين من الأبرياء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أو أفريقيا وغيرها يحلمون بيومٍ ينعمون فيه بالاستقرار والسلام. ولكن هل يمكن لوعود الرئيس الأمريكي – سواء كان دونالد ترامب أو غيره – أن تُحدث هذا التحول الجذري؟

التجارب السابقة تشير إلى أن السياسة الأمريكية، تاريخيًا، لا تُبنى على الأحلام بل على المصالح، وهو ما يجعل من هذه الوعود شيئًا أقرب إلى الأداة الانتخابية منه إلى استراتيجية حقيقية للتغيير.

أحلام الشرق الأوسط: بين الواقع والوعود

الصراعات في الشرق الأوسط تعد من أكثر النزاعات تعقيدًا في العالم، حيث تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية مع الصراعات الطائفية والعرقية. ومع كل حديث عن مبادرات سلام، تظل القضية الفلسطينية أبرز الأمثلة على تعثر الحلول. الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، وخاصة في عهد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يعكس انحيازًا واضحًا يصعب معه تصديق أي تعهد بحل شامل للصراعات.

هل يستطيع ترامب، أو أي رئيس أمريكي آخر، مواجهة نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الداخل الأمريكي؟ والأهم، هل يمكنه كبح التوسع الاستيطاني ووقف الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين؟ الإجابة الواقعية تقول إن ديناميكيات القوة الحالية تجعل ذلك شبه مستحيل، وهو ما يكرّس استمرار الصراع بدلًا من حله.

أفريقيا: أزمات عميقة وتدخلات مغلفة بالمصالح

تعد أفريقيا ساحة أخرى مليئة بالصراعات، بدءًا من الحروب الأهلية في السودان وإثيوبيا، وصولًا إلى النزاعات في منطقة الساحل الأفريقي. ومع ذلك، فإن أغلب التدخلات الدولية، بما في ذلك الأمريكية، كانت مدفوعة بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية. السيطرة على الموارد الطبيعية، من النفط إلى المعادن النادرة، تعد المحرك الرئيسي للسياسات الغربية تجاه القارة.

تصريحات ترامب السابقة، التي وصف فيها بعض الدول الأفريقية بعبارات مسيئة، تعكس نظرة استعلائية تجعل من الصعب تصديق وعوده بأي دور إيجابي في إنهاء هذه الأزمات. على العكس، فإن سياساته السابقة مثل تقليص المساعدات الإنسانية للقارة تدل على عدم وجود اهتمام حقيقي بمعالجة جذور الأزمات هناك.

الخلاصة: وعد أم وهم؟

يبقى وعد ترامب بإنهاء الحروب سريعًا أشبه بسراب في صحراء السياسة الدولية. قد تبدو تصريحاته جذابة لجمهور أمريكي أنهكته الحروب الطويلة وتكاليفها الاقتصادية والبشرية، لكنها في واقع الأمر مجرد امتداد للعبة المصالح التي ظلت تحكم السياسة الأمريكية لعقود.

إن تحقيق السلام العالمي يتطلب أكثر من تصريحات رنانة أو وعود انتخابية. يحتاج إلى إرادة دولية مشتركة، فهم عميق لتعقيدات الصراعات، وتوازن في التعامل مع الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، فإن التوجهات الأحادية والانعزالية التي عرفت عن ترامب خلال ولايته الأولى تجعل من الصعب تصديقه كوسيط سلام عالمي.

في النهاية، سواء استمر ترامب أو جاء غيره، ستظل السياسة الأمريكية محكومة بمبدأ الحفاظ على الهيمنة العالمية. قد يُستخدم خطاب السلام كواجهة إعلامية، لكن الأدوات على الأرض ستظل كما هي: القوة الاقتصادية والعسكرية لتأمين المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة، ولو على حساب تطلعات الشعوب للسلام والاستقرار.

شاهد أيضاً

ظاهرة الأوج الأرضي: هل هي حقيقة علمية وما تأثيراتها على المناخ والبيئة؟

بسيم الأمجاري تعد ظاهرة الأوج الأرضي (Phénomène Aphélie) من الظواهر الفلكية التي تثير فضول الناس …

تحذير العلماء: هل نشهد شطر إفريقيا إلى جزأين؟ الأسباب والآثار الجيوسياسية

في تطور جيولوجي مذهل، يشير العلماء إلى احتمال وقوع انشطار جيولوجي كبير في قارة إفريقيا …

هل سينقلب الذكاء الاصطناعي على صانعه؟ أسباب التخوف المتزايد من الثورة التكنولوجية

بسيم الأمجاري مع التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح التساؤل حول مستقبل البشرية …

مرض البروستاتا: التعريف، الأنواع، الوقاية والعلاج

بسيم الأمجاري يعتبر مرض البروستاتا من المواضيع الصحية التي تثير الكثير من القلق بين الرجال، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *