التدخين في المغرب: حياة مهدورة واقتصاد متضرر

يُعَدُّ التدخين من أبرز المشكلات الصحية العالمية، حيث يتسبب في وفاة نحو 8 ملايين شخص سنويًا حول العالم. في المغرب، تُظهِر الإحصائيات الحديثة أن معدل انتشار التدخين بين البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا يبلغ حوالي 13.4%. هذا الانتشار الواسع للتدخين يُسهم بشكل كبير في زيادة معدلات الوفيات والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى تحميل الاقتصاد الوطني تكاليف باهظة.

التأثير الصحي للتدخين في المغرب

يُسهم التدخين في 8% من إجمالي الوفيات في المغرب، ويُعَدُّ مسؤولًا عن:

  • 75% من وفيات سرطان الرئة.
  • 10% من وفيات أمراض الجهاز التنفسي.

في عام 2019، كان التبغ مسؤولًا عن:

  • 74.000 حالة من أمراض القلب والشرايين.
  • 4.227 حالة جديدة من سرطان الرئة سنويًا.
  • 12.800 حالة وفاة مبكرة.

التأثير الاقتصادي للتدخين في المغرب

لا يقتصر تأثير التدخين على الصحة فقط، بل يمتد ليشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على الدولة. تُقدَّر التكلفة الاقتصادية السنوية للتبغ في المغرب بأكثر من 5 مليارات درهم، وهو ما يمثل:

  • 8.5% من إجمالي النفقات الصحية.
  • 0.45% من الناتج المحلي الإجمالي.

تتوزع هذه التكلفة على:

  • التكلفة الطبية المباشرة (60.9%).
  • تكلفة الوفيات (33%).
  • فقدان الإنتاجية المرتبط بالمرض (6.1%).

الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التدخين

أدركت الحكومة المغربية خطورة التدخين وتأثيره السلبي على الصحة والاقتصاد، لذا وضعت استراتيجية وطنية متعددة القطاعات للوقاية ومراقبة الأمراض غير السارية للفترة 2019-2029. تهدف هذه الاستراتيجية إلى:

  • تقليل استهلاك التبغ بين السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر بنسبة 20% بحلول عام 2029.
  • تعزيز الوعي والتحسيس بالآثار الضارة للتدخين من خلال حملات توعوية وطنية.
  • توفير خدمات المساعدة في الإقلاع عن التدخين في مؤسسات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، خاصة مراكز الصحة للشباب.

التدخين السلبي ومخاطره

لا يقتصر ضرر التدخين على المدخنين فقط، بل يمتد ليشمل غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان التبغ في الأماكن العامة والمغلقة.

يُعَدُّ التدخين السلبي سببًا للعديد من الأمراض، بما في ذلك أمراض القلب، وسرطان الرئة، وأمراض الجهاز التنفسي. لذلك، دعت وزارة الصحة إلى تنفيذ التشريعات الصارمة اللازمة لحماية غير المدخنين من التعرض لدخان التبغ وحظر التدخين في جميع الأماكن العامة.

التوصيات والإجراءات المقترحة

تعد مكافحة التدخين مسؤولية جماعية تستلزم تضافر جهود الحكومات، الهيئات الصحية، والمؤسسات التعليمية والمجتمعية. لمواجهة هذه الآفة والحد من تأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمعات، يمكن التركيز على النقاط التالية:

1. تعزيز التشريعات

تُعتبر التشريعات أداةً فعالة للحد من انتشار التدخين، حيث يمكن تطبيق قوانين صارمة تحظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، مثل المدارس والمستشفيات ووسائل النقل العام. يجب أن تترافق هذه القوانين مع آليات رقابية صارمة لضمان الالتزام بها، وفرض غرامات أو عقوبات على المخالفين، بما يخلق بيئة أقل تشجيعًا للتدخين ويقلل من تأثير المدخنين على غير المدخنين.

2. التوعية والتثقيف

لا يمكن تحقيق نتائج فعالة دون زيادة وعي المجتمع بمخاطر التدخين. تنظيم حملات توعوية مستمرة تستهدف جميع الفئات، مع التركيز على الشباب، يُمكن أن يسهم في تقليل الإقبال على التدخين. هذه الحملات يجب أن تُبرز المخاطر الصحية مثل أمراض السرطان وأمراض القلب والرئة، إلى جانب الأثر الاقتصادي السلبي للتدخين على الأسر.

3. دعم برامج الإقلاع عن التدخين

يحتاج المدخنون إلى دعم مباشر يساعدهم على الإقلاع عن هذه العادة. توفير مراكز متخصصة للإقلاع عن التدخين وخطوط مساعدة تتيح الوصول إلى الاستشارات الطبية والنفسية هو أمر بالغ الأهمية. كما أن توفير بدائل مثل العلاج ببدائل النيكوتين والبرامج النفسية الجماعية يمكن أن يزيد من فرص النجاح في الإقلاع.

4. زيادة الضرائب على منتجات التبغ

أثبتت الدراسات أن رفع الضرائب على منتجات التبغ يؤدي إلى انخفاض معدلات التدخين، خاصة بين الشباب والفئات ذات الدخل المحدود. هذه السياسة تُقلل من القدرة الشرائية لمنتجات التبغ، مما يجعلها أقل جذبًا للمدخنين المحتملين.

5. مراقبة الإعلانات والتسويق

يجب فرض قيود صارمة على الإعلانات التي تروج للتبغ، خاصة تلك التي تستهدف الشباب أو التي تظهر التدخين كرمز للنجاح أو الحرية. يمكن للهيئات الرقابية منع أي شكل من أشكال التسويق الموجه، بما يعزز الصورة السلبية للتدخين في أذهان الفئات العمرية الأصغر.

إجراءات أخرى ذات أهمية:

1. تحسيس الناشئة بخطورة التدخين عبر برامج تثقيفية وتواصل فعال

تُعتبر فئة الناشئة الأكثر عرضة للوقوع في إغراءات التدخين بسبب الفضول أو تأثير الأقران، مما يستوجب جهودًا مكثفة لتحسيسهم بخطورته. يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج تثقيفية متكاملة تُنظم داخل المدارس والثانويات، يتم خلالها استضافة أطباء ومختصين في الأمراض التنفسية والإدمان لتقديم شروحات مبسطة حول أضرار التدخين على الصحة الجسدية والنفسية. كما يُمكن لهذه اللقاءات أن تُخصص فضاءات تفاعلية للإجابة عن تساؤلات الشباب، مما يفتح لهم المجال للتعبير عن مخاوفهم واستيضاح المخاطر بطريقة علمية وواقعية.

2. إعطاء الأولوية للمرشحين الخالين من آثار التدخين

في بعض المهن الحساسة التي تتطلب لياقة بدنية عالية أو شروطًا صحية دقيقة، مثل مهن الطيران، الأمن، والإطفاء وغيرها، يُمكن أن تُعطى الأولوية للمرشحين الذين يثبتون خلو صدورهم من آثار التدخين. مثل هذه المعايير تشجع الشباب على الامتناع عن التدخين حفاظًا على فرصهم المهنية المستقبلية، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة المسؤولية الصحية لديهم.

3. محاربة التدخين داخل الهيئات الطبية وشبه الطبية

تلعب الهيئات الطبية دورًا محوريًا في توجيه المجتمع نحو حياة صحية. لذلك، من المهم أن يتم التركيز على محاربة التدخين داخل هذه المؤسسات لضمان تقديم القدوة الحسنة. يُمكن تنفيذ حملات داخل المستشفيات والعيادات لتحسيس العاملين بها بأضرار التدخين عليهم وعلى صورة القطاع الصحي ككل. ومن شأن فرض سياسات صارمة لمنع التدخين داخل المرافق الطبية أن يعزز من مصداقية الجهود الصحية ويُشجع المرضى على تبني أسلوب حياة خالٍ من التدخين.

تتكامل هذه التوصيات والإجراءات مع الجهود المجتمعية الأخرى لتحصين الفئات الناشئة، دعم المدخنين الراغبين في الإقلاع، وتوفير بيئة صحية خالية من التدخين. باتباع هذه الإجراءات بشكل متكامل، يمكن الحد من انتشار هذه الآفة وضمان مستقبل صحي للأجيال القادمة.

ختاما

يُعَدُّ التدخين واحدًا من أكبر التحديات الصحية والاقتصادية التي تواجه المغرب، إذ يهدد صحة الأفراد ويثقل كاهل النظام الصحي بتكاليف علاج الأمراض المرتبطة به، مثل السرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي. كما يُؤثر التدخين سلبًا على الإنتاجية في مختلف القطاعات، ويُفاقم الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على الأسر.

لذا، فإن التصدي لهذه الآفة يستوجب تضافر جهود الحكومة من خلال وضع سياسات فعالة وتطبيقها بحزم، إلى جانب دور المجتمع المدني في التوعية وتغيير السلوكيات السلبية، ومسؤولية الأفراد في تبني أسلوب حياة أكثر صحة. من خلال تنفيذ التوصيات المذكورة، مثل تعزيز التشريعات، رفع الوعي المجتمعي، ودعم المدخنين في الإقلاع، يمكن تحقيق تقدم ملموس في مكافحة التدخين.

إن مواجهة هذه الظاهرة لا تُسهم فقط في تحسين صحة المواطنين، بل تفتح المجال أمام بناء مجتمع أكثر إنتاجية وازدهارًا. ومع تقليل العبء الاقتصادي الناتج عن التدخين، سيستفيد الاقتصاد الوطني من موارد يمكن توجيهها نحو أولويات أخرى، مثل التعليم والتنمية. لذا، فإن الالتزام الجماعي بمكافحة التدخين يُعد خطوة ضرورية نحو مستقبل أكثر صحة وجودة حياة أفضل لجميع المغاربة.

المراجع:

• وزارة الصحة والحماية الاجتماعية: تقرير حول التأثير الوبائي والاقتصادي للتدخين بالمغرب

• موقع أحداث.أنفو: تقرير: التدخين يقتل 8 بالمائة من المغاربة سنويا.

شاهد أيضاً

أمريكا في عهد ترامب: وعود العصر الذهبي بين التحديات والفرص

بسيم الأمجاري مع تنصيبه اليوم 20 يناير 2025، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلمة مثيرة …

الصراع حول الصحراء المغربية: بين المواقف الدولية وتوازنات القوى الكبرى

بسيم الأمجاري تعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، حيث تشكل …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

معاهدة الشراكة الشاملة بين روسيا وإيران: هل هي خطوة نحو تحالف دفاعي أم مجرد لعبة دبلوماسية؟

في ظل التصعيد المستمر في العلاقات الدولية وتزايد التوترات بين روسيا والغرب من جهة، وإيران …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *