بسيم الأمجاري
تعد قضية إعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي إحدى أبرز القضايا المطروحة للنقاش في إطار إصلاح منظومة الأمم المتحدة. يُنظر إلى المجلس، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية ليعكس موازين القوى العالمية آنذاك، على أنه لم يعد مواكبًا للتحولات الجذرية التي شهدها النظام الدولي.
ومع تنامي الأصوات المطالبة بتعزيز تمثيلية أفريقيا في المجلس عبر عضوية دائمة، يثار الجدل حول مدى إمكانية تحقيق هذا الإصلاح، والمعايير التي ستعتمد لاختيار الأعضاء الجدد، وأثر ذلك على أداء المجلس وشرعية قراراته.
سنتناول في هذا المقال السياق الذي يُثار فيه النقاش حول أهمية إعادة هيكلة المجلس، ومدى إمكانية تمثيل قارات ودول أخرى، ومعايير اختيار الدول الجديدة، وهل ستمنح حق النقض، ودور الأعضاء الحاليين في قبول الدول الجديدة، ومدى تأثير توسيع العضوية على أداء المجلس، والدول الممكن أن تترشح باسم إفريقيا ومعايير اختيارها، على أن نختم بحظوظ المغرب في تحقيق هذا الطموح.
أولا- سياق النقاش حول إعادة الهيكلة:
النقاش حول إصلاح مجلس الأمن ليس وليد اليوم، لكنه اكتسب زخمًا متجددًا في ظل تصاعد المطالبات من الدول النامية، ولا سيما الأفريقية، بضرورة إدخال تغييرات تعكس الواقع الجيوسياسي الراهن. مجلس الأمن حاليًا يضم خمسة أعضاء دائمين يتمتعون وحدهم بحق النقض (الفيتو) وهم: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة – فضلا عن عشرة أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترة محددة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا التوزيع يعكس توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه يتجاهل التغيرات الكبرى، مثل صعود قوى اقتصادية وسياسية جديدة كالهند والبرازيل، فضلاً عن إهمال القارة الأفريقية التي تضم 54 دولة وتشكل أكثر من ربع عضوية الأمم المتحدة.
ثانيا- هل تشمل إعادة الهيكلة تمثيل قارات ودول أخرى؟
توسيع مجلس الأمن ليس مجرد مسألة أفريقية، بل يشمل مطالب أقاليم ودول متعددة. أبرز الأطراف التي تطالب بالعضوية الدائمة تشمل:
1. أفريقيا: القارة تسعى للحصول على تمثيل دائم بالنظر إلى تاريخها مع الاستعمار وتعرضها لعدد كبير من القضايا الدولية التي يناقشها المجلس.
2. آسيا: الهند واليابان من أبرز المرشحين، حيث تسعى الهند للعضوية بناءً على مكانتها كأكبر ديمقراطية في العالم واقتصاد متنامٍ.
3. أمريكا اللاتينية: البرازيل تتصدر المطالبات الإقليمية استنادًا إلى قوتها الاقتصادية ونفوذها السياسي.
4. أوروبا: ألمانيا وإيطاليا تسعيان لتوسيع الحضور الأوروبي مع الحفاظ على التوازن القائم.
ثالثا- هل سيُمنح الأعضاء الجدد حق الفيتو؟ حق النقض (الفيتو) هو النقطة الأكثر جدلية في عملية الإصلاح. الدول الخمس الدائمة الحالية تتمسك بهذا الامتياز الذي يمنحها تأثيرًا حاسمًا على قرارات المجلس. إذا أضيفت دول أخرى كأعضاء دائمين، فمن غير المرجح أن يُمنحوا حق الفيتو بسهولة، إذ إن ذلك قد يواجه معارضة قوية من الأعضاء الحاليين. هناك مقترحات تمنح الأعضاء الجدد عضوية دائمة دون فيتو، كحل وسط يوازن بين الإصلاح واستمرار فعالية المجلس.
رابعا- معايير اختيار الدول الجديدة:
اختيار الدول التي قد تحصل على عضوية دائمة يعتمد على مجموعة من المعايير، أبرزها:
1. الجغرافيا الإقليمية: لتحقيق توازن بين القارات والمناطق.
2. القوة الاقتصادية: الدول ذات الاقتصادات الكبرى كالهند، ألمانيا، والبرازيل.
3. التأثير السياسي والدبلوماسي: مثل اليابان التي تعد من أكبر المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة.
4. الدور الإقليمي: الدول التي تلعب دورًا محوريًا في قضايا إقليمية، مثل المغرب وجنوب أفريقيا ونيجيريا في أفريقيا.
5. عدد السكان: هذا العامل يدعم مطالب دول ذات كثافة سكانية مرتفعة مثل الهند.
خامسا- الدول المحتملة لدخول مجلس الأمن كأعضاء دائمين:
1. من أفريقيا: المغرب، مصر، جنوب أفريقيا ونيجيريا، هي أبرز الدول المرشحة، بناءً على حجم اقتصاداتها، تأثيرها الإقليمي، وأدوارها في دعم عمليات حفظ السلام.
2. من آسيا: الهند واليابان مرشحتان بارزتان، وتتنافس كوريا الجنوبية أيضًا على موقع.
3. من أوروبا: ألمانيا وإيطاليا، مع احتمال دعم موقف موحد للاتحاد الأوروبي.
4. من أمريكا اللاتينية: البرازيل تمثل الخيار الأقوى.
سادسا – العضوية غير الدائمة:
التوسيع قد يشمل زيادة عدد المقاعد غير الدائمة أيضًا لتعزيز تمثيل الدول الصغيرة والمتوسطة. حاليًا، يتم اختيار الأعضاء غير الدائمين عن طريق الانتخاب من الجمعية العامة لمدة سنتين، ما يمنح الفرصة لكل الدول للتمثيل الدوري.
سابعا – دور الأعضاء الحاليين في قبول الدول الجديدة:
الأعضاء الدائمون يلعبون دورًا حاسمًا في عملية الإصلاح، إذ تتطلب أي تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة موافقتهم، إضافة إلى تصديق ثلثي أعضاء الجمعية العامة. لذلك، تعتمد قدرة الدول الجديدة على الحصول على العضوية بشكل كبير على التفاوض مع الأعضاء الخمسة.
ثامنا – تأثير توسيع العضوية على أداء المجلس:
توسيع العضوية الدائمة سيؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار. أحد أبرز الانتقادات الحالية هو بطء المجلس في التوصل إلى قرارات توافقية بسبب تعارض المصالح بين الأعضاء الخمسة. إضافة المزيد من الأعضاء سيزيد من هذا التحدي، حيث قد تصبح عملية صنع القرار أكثر تعقيدًا.
تاسعا – تمثيل أفريقيا: الدول المرشحة ومعايير الاختيار
في السياق الأفريقي، المغرب، مصر، جنوب أفريقيا ونيجيريا تتصدر القائمة. هذه الدول تتمتع باقتصادات قوية نسبيًا، ولديها دور قيادي في الاتحاد الأفريقي ومساهمات بارزة في عمليات حفظ السلام. كما أن موقعها الجغرافي وأدوارها الإقليمية تعزز من فرصها.
عاشرا- حظوظ المغرب في الفوز بمقعد دائم في المجلس
- ما الذي يعزز موقف المغرب؟
- لدور الدبلوماسي البارز: المغرب يتمتع بعلاقات دولية قوية مع الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا والصين، وهي دول مؤثرة في الأمم المتحدة. كما أن المغرب يُعرف بدوره الفاعل في القضايا الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب والهجرة وحفظ السلام.
- الموقع الجغرافي الاستراتيجي: باعتباره بوابة بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، يملك المغرب موقعًا جيوسياسيًا يتيح له لعب دور محوري في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
- المساهمة في عمليات حفظ السلام: المغرب له سجل طويل في إرسال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى مناطق النزاع في أفريقيا منذ القرن الماضي، ما يعكس التزامه بالأمن العالمي.
- التنمية الاقتصادية والنموذج الإصلاحي: المغرب يُعتبر نموذجًا للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا. هذا يمنحه نقطة قوة مقارنة مع بعض الدول الأفريقية الأخرى.
- العلاقات الإقليمية: المغرب عضو فاعل في الاتحاد الأفريقي، وتمكن في السنوات الأخيرة من تعزيز موقعه داخل القارة، ما يمكنه من حشد دعم أفريقي لترشيحه.
2. هل يمكن تحقيق هذا الطموح؟
رغم هذه المؤهلات، فإن المنافسة داخل القارة الأفريقية ستكون حادة، خاصة مع دول مثل مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا. هذه الدول لها ثقل اقتصادي وسياسي كبير، وتُعد مرشحة طبيعية للعضوية الدائمة.
بالإضافة إلى ذلك، اختيار أي دولة أفريقية للعضوية الدائمة يعتمد على توافق إقليمي داخل القارة، وهو أمر ليس سهلاً بالنظر إلى التنافس بين دولها. المغرب قد يواجه تحديات في كسب دعم بعض الدول الأفريقية التي لها رؤى مختلفة أو تاريخ من التوترات الدبلوماسية معه.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن الأمر مستبعد، لكنه يعتمد بشكل كبير على قدرة المغرب على:
- تكوين تحالفات قوية داخل الاتحاد الأفريقي.
- تعزيز دوره كمحور للاستقرار في المنطقة.
- حشد دعم دولي من الأعضاء الحاليين في مجلس الأمن، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تعتبر شريكًا استراتيجيًا للمغرب.
الخلاصة:
إعادة هيكلة مجلس الأمن ضرورة ملحة لتحقيق نظام عالمي أكثر عدالة وتمثيلاً. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الإصلاح يتطلب توافقًا دوليًا صعب المنال في ظل تعارض المصالح بين القوى الكبرى. يظل الأمل في أن يؤدي هذا النقاش إلى نتائج ملموسة تعزز شرعية المجلس، وتجعله قادرًا على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بفعالية أكبر.
وجود المغرب ضمن قائمة الدول المرشحة لعضوية دائمة في مجلس الأمن ليس مستبعدًا تمامًا، ولكنه يتطلب قراءة متأنية للعوامل المؤثرة في هذا السياق. المغرب دولة ذات تأثير كبير في المنطقة الأفريقية والعربية، ولها سجل مميز في الدبلوماسية الدولية وحفظ السلام، مما يجعلها مؤهلة للعب دور أكبر داخل الأمم المتحدة.
طموح المغرب للعضوية الدائمة في مجلس الأمن مشروع ومبني على أسس قوية. لكن النجاح في تحقيقه سيتطلب استراتيجية دبلوماسية مكثفة وقدرة على المنافسة مع القوى الأفريقية الكبرى. بناءً على المعطيات الحالية، قد يكون الطريق صعبًا، لكن ليس مستحيلاً، خاصة إذا استمر المغرب في تطوير دوره الإقليمي والدولي وتعزيز تحالفاته مع القوى الكبرى.