بسيم الأمجاري
خلال السنوات الأخيرة، تحرك المغرب بخطى ثابتة نحو تعزيز قدراته الدفاعية وتحديث ترسانته العسكرية، معتمداً على استراتيجية واضحة لتنوع مصادر التسلح. هذه الخطوات تأتي في سياق إقليمي متوتر يشهد سباقاً متصاعداً نحو التسلح، إلى جانب التحولات العميقة التي يشهدها النظام العالمي.
التحولات الإقليمية: سباق تسلح في شمال إفريقيا
لا يمكن فهم هذا التوجه المغربي دون النظر إلى ما يجري في محيطه الإقليمي، وخاصة التنافس العسكري المتصاعد بينه وبين الجزائر. ففي ظل تصاعد الخلافات الجيوسياسية بين البلدين، تحركت الجزائر لتعزيز قدراتها العسكرية من خلال صفقات ضخمة مع روسيا، آخرها مساعيها للحصول على طائرات “سوخوي Su-57” من الجيل الخامس. هذه التطورات دفعت المغرب إلى اتخاذ خطوات استباقية، أبرزها التفاوض للحصول على طائرات “F-35”، التي تُعد من بين أكثر المقاتلات تقدماً في العالم، ليصبح بذلك أول دولة في إفريقيا والعالم العربي تمتلك هذه الطائرات.
التوترات في شمال إفريقيا لم تقتصر على سباق التسلح بين المغرب والجزائر فحسب، بل شملت أيضاً تهديدات غير تقليدية كالإرهاب العابر للحدود، وارتفاع معدلات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، ما استدعى تعزيز التعاون العسكري والأمني مع الحلفاء الإقليميين والدوليين.
الدوافع العالمية: نظام عالمي مضطرب
على الصعيد العالمي، أفرزت التحولات الجيوسياسية في العقد الأخير بيئة مضطربة دفعت العديد من الدول، بما في ذلك المغرب، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية. تزايد النفوذ الصيني والروسي، والأزمات الدولية الممتدة كالحرب الروسية الأوكرانية، والصراعات في الشرق الأوسط، كل ذلك ساهم في خلق مشهد عالمي متغير دفع المغرب إلى تنويع شراكاته العسكرية.
علاوة على ذلك، يشهد النظام الدولي تغيراً في طبيعة التحالفات التقليدية، حيث باتت بعض الدول العظمى أكثر حذراً في تصدير أسلحتها المتطورة. هذه العوامل دفعت المغرب إلى توسيع شبكة شركائه العسكريين لتشمل دولاً كإسرائيل، التي أصبحت شريكاً مهماً بعد توقيع اتفاقيات أبراهام، إلى جانب دول أوروبية وآسيوية مثل الهند وتركيا.
توازنات داخلية ودبلوماسية عسكرية جديدة
على المستوى الداخلي، يُظهر المغرب وعياً كبيراً بأهمية تعزيز قدراته الدفاعية لضمان حماية مصالحه الاستراتيجية، خاصة مع التطورات في ملف الصحراء المغربية. فقد أصبح من الواضح أن تعزيز القوة العسكرية بات جزءاً من أدوات المغرب الدبلوماسية للدفاع عن سيادته الإقليمية وكسب دعم الحلفاء الدوليين.
وفي هذا السياق، حرصت الرباط على تبني مقاربة تعتمد على اللجوء إلى مصادر مختلفة للتسليح، حيث وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة للحصول على طائرات متطورة، ومع إسرائيل لتحديث المنظومات الدفاعية، ومع الصين والهند وغيرها لتطوير أسلحة وتقنيات جديدة. هذه المقاربة تمنح المغرب مرونة استراتيجية وتقلل من اعتماده على مصدر واحد للأسلحة.
سياسة تنويع المصادر وخلفياتها
تبنّى المغرب سياسة تنويع مصادر تسليحه لتقليل الاعتماد على طرف واحد، وهو ما يضمن مرونة أكبر واستقلالية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية. يُعتبر هذا النهج نتاجاً لتحليل معمق للمتغيرات الدولية والإقليمية التي أفرزت بيئة غير مستقرة، حيث أصبحت التحالفات التقليدية وحدها غير كافية لمواجهة التحديات المتزايدة.
على الصعيد الإقليمي، يتزامن هذا التوجه مع تصاعد التوترات مع الجزائر، التي لجأت إلى روسيا كمصدر رئيسي لتسليحها. أما على المستوى العالمي، فالتغيرات في طبيعة العلاقات الدولية، كالأزمة الروسية الأوكرانية والضغط على الدول العربية لدعم مشاريع إنسانية مقابل الأسلحة المتطورة، دفعت الرباط إلى توسيع شراكاتها، وإبرام عدة اتفاقيات مع دول في الغرب والشرق الأوسط وآسيا.
هذه الخلفيات تشير إلى إدراك عميق لدى المغرب بأهمية بناء ترسانة عسكرية متطورة تعتمد على شراكات متنوعة، لتعزيز مواقعه الاستراتيجية وسط نظام عالمي مضطرب.
طبيعة الأسلحة الدقيقة التي حصل عليها المغرب
شهدت السنوات الأخيرة قفزة نوعية في مستوى التسليح المغربي، حيث باتت المملكة تمتلك أنظمة عسكرية حديثة عززت من تفوقها النوعي في المنطقة. ومن أبرز هذه الأسلحة:
1. الطائرات المقاتلة:
• حصل المغرب على طائرات “F-16” المحدثة، والتي تعد من بين أفضل الطائرات في فئتها، ويجري التفاوض حالياً على شراء “F-35” المتطورة.
• اقتنى المغرب أيضاً طائرات تدريبية وهجومية مثل “T-6C Texan II” لتعزيز قدرات القوات الجوية.
• ينتظر أن يتوصل المغرب، وفقا لتقارير صحفية، بمروحيات “AH-64 Apache”، تصنعها شركة بوينغ. وبذلك ستصبح المملكة المغربية الدولة السابعة عشرة التي تحصل على هذا النوع من الطائرات القتالية الفعالة، وهي من الطرازات المتقدمة في مجال الطيران العسكري، تتميز بتكنولوجيا حديثة وكفاءة قتالية عالية، تشمل تجهيزاتها أنظمة استهداف دقيقة، وأجهزة استشعار متطورة، وقدرات هجومية ودفاعية قوية، ما يمنح المغرب تفوقاً جوياً في المنطقة.
2. الطائرات بدون طيار:
• أبرم المغرب صفقات لاقتناء طائرات مسيرة متقدمة من تركيا مثل “Bayraktar TB2”، التي أظهرت كفاءة عالية في النزاعات الأخيرة. كما حصل على مسيرات إسرائيلية من طراز “Heron” التي تُستخدم في الاستطلاع والهجمات الدقيقة.
3. الصواريخ:
• عزز المغرب قدراته الدفاعية بمنظومات صواريخ متطورة مضادة للطائرات من نوع “باتريوت”، إلى جانب صواريخ جو-أرض دقيقة وموجهة.
4. الدبابات والأنظمة الدفاعية:
• تمتلك القوات البرية المغربية دبابات “Abrams M1A1” الأمريكية، التي تُعتبر من بين الأفضل عالمياً، ما يمنح المغرب تفوقاً في الحرب البرية التقليدية.
• استثمر المغرب في شراء دبابات متطورة من إسرائيل وألمانيا، إلى جانب منظومات دفاعية أرضية مضادة للطائرات، ما يعزز جاهزيته لأي تهديدات برية محتملة.
5. السفن الحربية:
وقع المغرب صفقات لشراء فرقاطات وسفن حربية متطورة من دول مثل فرنسا وإيطاليا، مع التركيز على تحديث أسطوله البحري لحماية مياهه الإقليمية ومصالحه الاقتصادية.
هذه الترسانة المتطورة أثارت قلق بعض الأوساط في الجارة الشمالية، إسبانيا، التي ترى في التطور المغربي تهديداً محتملاً لتوازن القوى في المنطقة. وقد عبّرت صحف ومراكز دراسات إسبانية عن تخوفها من تعزيز المغرب لقدراته الجوية والبرية، لا سيما مع حصوله على طائرات “F-35” المستقبلية التي تفوق أي مقاتلة يمتلكها الجيش الإسباني حالياً.
انعكاسات استراتيجية التنويع على الأمن القومي
تعكس هذه الجهود وعياً متزايداً لدى المغرب بأهمية الأمن القومي كعنصر أساسي لتحقيق الاستقرار الداخلي والإقليمي. فالتوجه نحو التنويع يعزز استقلالية القرار العسكري المغربي، ويمنحه قدرة أكبر على التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
كما أن توسيع الشراكات الدفاعية يعزز من موقع المغرب كحليف موثوق على الصعيد الدولي، ويعزز مكانته كقوة إقليمية قادرة على لعب دور محوري في شمال إفريقيا والساحل.
التحديات المستقبلية وآفاق التطوير
ورغم هذه الجهود، يواجه المغرب تحديات عدة، أبرزها:
1. التمويل: كلفة صفقات التسلح الكبيرة تشكل عبئاً على الميزانية، ما يتطلب توازناً دقيقاً بين الإنفاق العسكري والاستثمار في التنمية.
2. التكنولوجيا: الحفاظ على جاهزية الأسلحة وتطويرها يحتاج إلى استثمارات مستمرة في البنية التحتية والتدريب.
3. التحالفات الدولية: في ظل التغيرات المستمرة في النظام الدولي، يجب على المغرب تعزيز شراكاته مع القوى الكبرى دون الانجرار إلى سياسات المحاور.
خاتمة: رؤية استراتيجية للمستقبل
في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة، يمثل توجه المغرب نحو تنويع مصادر تسليحه خياراً استراتيجياً يعكس فهماً عميقاً لتحولات المشهد الجيوسياسي. ومع استمرار سباق التسلح في المنطقة، وتزايد التهديدات الأمنية غير التقليدية، يبدو أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح لتعزيز موقعه كقوة إقليمية فاعلة، معتمداً على ترسانة عسكرية متنوعة وتحالفات استراتيجية متوازنة.