تعويم الدرهم المغربي: التحديات والفرص في ظل الإصلاحات الاقتصادية

بسيم الأمجاري

يعتبر تعويم العملة المحلية من العمليات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها العديد من الدول في سياق التحولات الاقتصادية والمالية العالمية. ومن بين هذه الدول، المغرب الذي بدأ في مسار تعويم الدرهم المغربي منذ عام 2018 وفق منهجية تدريجية. تتزايد الأسئلة حول دوافع هذه الخطوة، ومدى ارتباطها بتوصيات صندوق النقد الدولي، وكذلك التحديات والفرص التي تطرأ على الاقتصاد المغربي نتيجة لذلك. فما هو تعويم العملة؟ ولماذا يرتبط عادة بتوصيات من صندوق النقد الدولي؟ وهل تعويم الدرهم المغربي في مصلحة المملكة؟ هذه الأسئلة سيتم تناولها في هذا المقال.

ما هو تعويم العملة المحلية؟

تعويم العملة هو عملية تحويل نظام سعر صرف العملة المحلية من سعر ثابت إلى سعر مرن، حيث تتحدد قيمة العملة بناءً على العرض والطلب في السوق. بمعنى آخر، تتخلى الدولة عن تدخلاتها المباشرة في تحديد سعر العملة، ليصبح هذا السعر معتمداً على القوى السوقية. وتعتبر عملية التعويم خطوة مهمة ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى بعض الدول لتحقيقها، خاصة في إطار تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.

التعويم وتوصيات صندوق النقد الدولي:

عادة ما يرتبط تعويم العملة بتوصيات من صندوق النقد الدولي، الذي يرى في تحرير سعر الصرف خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية. ولكن، هل يعني ذلك أن تعويم العملة يتم فقط مقابل الحصول على قروض؟ الواقع أن هذا ليس هو الحال دائماً. بينما يربط بعض المنتقدين عملية التعويم بالحصول على قروض من صندوق النقد، فإن الواقع يشير إلى أن هذه التوصيات تعتمد في الغالب على رغبة الدول في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل التضخم، العجز التجاري، واحتياطيات النقد الأجنبي. الصندوق يعتقد أن تحرير سعر الصرف يعزز من قدرة الدولة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية.

التجارب الناجحة والفاشلة في تعويم العملة:

تعد التجربة الماليزية مثالاً جيداً على النجاح في عملية التعويم، فقد نجحت ماليزيا في التحكم في تداعيات تعويم العملة بعد الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينات، حيث طبقت الحكومة الماليزية إجراءات تدريجية ساعدت في الحفاظ على استقرار السوق المالي. في المقابل، توجد أمثلة لتجارب فاشلة كحالة الأرجنتين، حيث أدى التعويم المفاجئ للعملة إلى زيادة التضخم بشكل غير مسبوق، ما أثر سلباً على الاقتصاد الوطني.

المغرب والتعويم التدريجي للدرهم:

بدأ المغرب في مسار تعويم الدرهم المغربي في عام 2018، حيث قام بتوسيع هامش التذبذب في سعر صرف العملة من 0.3% إلى 2.5%، ثم في عام 2020 جرى توسيع نطاق تحرك الدرهم إلى 5%. هذه الخطوات تأتي في إطار سياسة تدريجية تهدف إلى تحسين الاستقرار الاقتصادي وحماية الاقتصاد من تقلبات أسواق العملات العالمية. المغرب، بفضل هذه الخطوات التدريجية، تمكن من الحفاظ على توازناته المالية رغم التحديات الاقتصادية الكبرى، مثل انخفاض عائدات السياحة خاصة خلال فترة جائحة كورونا.

هل المغرب جاهز للتعويم الكلي؟

تصريحات والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، حول التخطيط لتخفيف ربط الدرهم باليورو والدولار بحلول عام 2026 تثير تساؤلات حول ما إذا كان المغرب مستعداً للتعويم الكلي للعملة. من جهة، يرى البعض أن المغرب قد أعدَّ نفسه من خلال تعزيز احتياطياته من النقد الأجنبي التي تجاوزت 34 مليار دولار، ومن جهة أخرى، يشدد آخرون على أن الظروف الاقتصادية الحالية لا تسمح بالتحول الفوري إلى تعويم كلي. إذ يرى البنك المركزي أن التحكم في التضخم وضمان وجود نظام مصرفي قوي واحتياطيات كافية من العملة الصعبة هي شروط أساسية قبل الانتقال إلى نظام تعويم كامل.

هل من مصلحة المغرب التوجه نحو تعويم كلي؟

تختلف الآراء حول ما إذا كان تعويم الدرهم الكلي يصب في مصلحة المغرب أم لا. ففي الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد المغربي نمواً في بعض القطاعات الحيوية مثل السياحة، وصناعة السيارات، وتصدير المنتجات الفلاحية، يبقى هناك بعض التحديات. من أهم هذه التحديات ارتفاع أسعار الطاقة والجفاف المتكرر الذي يؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي. وقد تكون هذه التحديات أكثر حدة في حال تم الانتقال إلى تعويم كلي، حيث قد يتسبب ذلك في تقلبات حادة في سعر العملة والتي قد تؤثر سلباً على القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي في بعض القطاعات.

تعويم الدرهم المغربي والاستعداد لمونديال 2030:

بالنظر إلى الأحداث المستقبلية، مثل استضافة المغرب لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2030، فإن وضع العملة الوطنية يلعب دوراً مهماً في استعدادات البلاد. قد يؤدي تعويم الدرهم إلى جعل الاقتصاد المغربي أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي، خاصة في القطاعات السياحية والصناعية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تتطلب أيضاً استعدادات ضخمة على مستوى السياسات الاقتصادية والمالية، بحيث يتم تجنب التأثيرات السلبية التي قد تحدث نتيجة لتقلبات سعر العملة في مرحلة مبكرة.

مقاربة تدرجية أم معالجة بالصدمة؟

يشير تصريح لوالي بنك المغرب إلى أن البلاد لن تنتقل إلى تعويم كامل للدرهم إلا بعد فترة تتراوح بين 10 و15 عاماً. هذه المقاربة التدرجية تضمن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، حيث يتم تحضير السوق والمواطنين للتأقلم مع التغيرات الاقتصادية. في المقابل، يرى البعض أن المعالجة بالصدمة قد تكون أسرع وتحقق نتائج أكبر في المدى القصير. ومع ذلك، فإن الظروف الراهنة تؤكد أن التدرج هو الخيار الأنسب للمغرب في الوقت الحالي، حيث يوفر هذا الخيار مرونة أكبر في التعامل مع التحديات الاقتصادية.

خاتمة:

إن تعويم الدرهم المغربي يمثل خطوة كبيرة نحو التحرير الكامل للاقتصاد الوطني، ورغم أن هذه الخطوة قد تشكل تحدياً، فإنها تفتح أمام المغرب فرصاً كبيرة لتحسين استقرار اقتصاده وتنويع موارده. من خلال التحضير الجيد والتدرج في عملية التحول، يمكن للمغرب تحقيق نتائج إيجابية تضمن تعزيز مكانته الاقتصادية على الساحة الدولية.

شاهد أيضاً

العضلات سر الشباب الدائم: أهمية الرياضة لتقوية عضلات المسنين وحماية صحتهم

بسيم الأمجاري مع تقدم العمر، يواجه الجسم العديد من التغيرات التي تؤثر على صحة العضلات …

أمريكا في عهد ترامب: وعود العصر الذهبي بين التحديات والفرص

بسيم الأمجاري مع تنصيبه اليوم 20 يناير 2025، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلمة مثيرة …

الصراع حول الصحراء المغربية: بين المواقف الدولية وتوازنات القوى الكبرى

بسيم الأمجاري تعد قضية الصحراء المغربية واحدة من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، حيث تشكل …

جهة بني ملال – خنيفرة: مشاريع طموحة نحو تنمية سياحية واقتصادية واعدة

تُعد جهة بني ملال خنيفرة واحدة من أهم جهات المملكة المغربية، لما تزخر به من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *