
الرباط في 20 غشت 2025
بقلم بسيم الأمجاري
المقدمة
برز دونالد ترامب، خلال ولايته الحالية، كوجه غير تقليدي في مجال الوساطة الدولية، حيث رعى اتفاقات تجاوزت السبل المعتادة للدبلوماسية الأميركية في العقود الماضية.
من القارة الإفريقية إلى منطقة القوقاز والحرب الروسية الأوكرانية، يسعى ترامب إلى تأكيد الحضور الأميركي في حل أزمات مزمنة، جامعًا بين اعتبارات الجيوبوليتيك ورغبته في ترسيخ إرثه كرجل صفقات ناجحة على الساحة العالمية.
اتفاقات ترامب على الساحة الدولية
1. الكونغو ورواندا (اتفاق واشنطن 2025)
في 27 يونيو 2025، وقّع الرئيس ترامب، بوساطة أميركية – قطرية مشتركة، اتفاق “واشنطن أكورد” بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، بهدف إنهاء عقود من النزاع في شرق الكونغو.
شمل الاتفاق:
- انسحاب القوات الرواندية من الأراضي الكونغولية خلال 90 يومًا.
- وقف الدعم العسكري للمليشيات، وعلى رأسها حركة M23.
- إنشاء آلية أمنية مشتركة.
- فتح المجال أمام استثمارات أميركية في قطاع المعادن.
ورغم أن الاتفاق أثار موجة تفاؤل، إلا أن تنفيذه يبقى مرهونًا بتعاون المجموعات المسلحة، ومدى التزام الأطراف بالشقين الأمني والاقتصادي.
2. القوقاز: أرمينيا وأذربيجان تحت ضوء ترامب
في 8 أغسطس 2025، أعلن في البيت الأبيض عن توقيع اتفاق سلام تاريخي بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة ترامب، لإنهاء صراع إقليمي دام أكثر من 37 عامًا.
من أبرز ما تضمنه الاتفاق:
- إنشاء “Trump Route for International Peace and Prosperity”، وهو ممر استراتيجي عبر أراضي أرمينيا يربط أذربيجان بمنطقة ناخجيفان.
- منح الولايات المتحدة حق تشغيل وإدارة الممر لمدة 99 عامًا.
يمثل هذا الممر مشروعًا ضخمًا لتحسين البنية التحتية، ويعكس رغبة أميركية في تقليص النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.
3. الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي: إخفاق ترامب في فرض حل الدولتين
رغم نجاحاته في ملفات إقليمية أخرى، فشل ترامب إلى حد الآن في إحداث اختراق في واحد من أعقد النزاعات في العالم.
أ. خطة القرن… من مشروع إلى مأزق
في يناير 2020، طرح ترامب خطته المعروفة بـ”صفقة القرن”، التي اقترحت دولة فلسطينية محدودة السيادة مقابل اعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
جاء الرد الفلسطيني حازمًا: رفضٌ قاطع للخطة، التي رأت فيها القيادة الفلسطينية محاولة لتصفية الحقوق التاريخية، خاصة مع ضم القدس الكبرى لإسرائيل ورفض عودة اللاجئين.
ب. لماذا فشل ترامب؟
* انحياز واضح لإسرائيل:
قرارات ترامب مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالجولان المحتل، جعلت منه وسيطًا غير محايد في نظر الفلسطينيين.
* تجاهل اللاعبين الإقليميين:
خطة ترامب لم تُنسّق مسبقًا مع الدول العربية أو القوى الدولية، مما أفقدها الغطاء السياسي والدبلوماسي الضروري.
* الواقع الميداني المعقّد:
الاستيطان المتواصل، والانقسام الفلسطيني، وتدهور الثقة، جعلت من حل الدولتين سيناريو بعيد المنال.
* التركيز على التطبيع دون حل:
فضّل ترامب سياسة التطبيع عبر “اتفاقيات أبراهام”، معتبرا أن عزل القضية الفلسطينية قد يؤدي إلى حل تلقائي لاحقًا، وهو رهان لم يتحقق.
ج. الدروس المستخلصة
كشفت “صفقة القرن” عن نزعة اقتصادية وتجارية في مقاربة ترامب للنزاع، لكنها افتقرت إلى التوازن والقبول المشترك، وهو ما أدى إلى فشلها سياسيًا وأخلاقيًا.
ورغم استمرار التوافق الدولي على حل الدولتين، فإن غياب وسيط نزيه، واستمرار الاستيطان، وانعدام الثقة، يجعل تحقيقه أقرب إلى الأمنية منه إلى الواقع.
4. النزاع الروسي – الأوكراني: ترامب كوسيط محتمل بين موسكو وكييف؟
منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، لم يُخفِ ترامب خلال حملته للانتخابات الرئاسية قناعته بأنه يستطيع إنهاء النزاع خلال “24 ساعة” في حال عودته إلى الرئاسة.
هذه الثقة تستند – بحسب أنصاره – إلى علاقته السابقة مع فلاديمير بوتين، وقدرته على الضغط المباشر على أوكرانيا لتقديم تنازلات مقابل وقف الحرب.
في يونيو 2025، طُرحت مبادرة غير رسمية تنسب لترامب، تتضمن:
- وقف إطلاق نار فوري.
- انسحاب روسي جزئي مشروط.
- تجميد طلب أوكرانيا الانضمام إلى الناتو لمدة 10 سنوات، مقابل ضمانات أمنية أميركية.
رد كييف كان فاترًا، معتبرة أن أي خطة تتجاهل استعادة كامل أراضيها، بما فيها القرم، تمثل تفريطًا في السيادة. من جانبها، رحبت موسكو بالطرح الأميركي “كأساس للحوار”، مما يعكس ميلاً روسيًا واضحًا للتعامل مع إدارة ترامب عكس الإدارة الأمريكية السالقة (إدارة بايدن) التي وصفتها موسكو بالعدائية.
ما يزال دور ترامب في هذا الملف غير رسمي، لكنه يُبرز توجها جديدًا يتمثل في دبلوماسية “رجل الصفقة”، التي لا تضع الاعتبارات الأخلاقية وحقوق الإنسان في مقدمة أولوياتها، بل تركز على الحل العملي، ولو كان هشًا أو غير عادل.
5. الصحراء المغربية: هل يمكنها أن تكون الاتفاق القادم؟
في 10 ديسمبر 2020، أعلن ترامب اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ضمن اتفاق تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وهو موقف أحدث تغييرًا جذريًا في الموقف الأميركي من النزاع.
وقد لاقت خطة الحكم الذاتي المغربية، المقترحة منذ 2007، دعمًا متزايدًا من دول كفرنسا وإسبانيا والبرتغال، وغيرها من دول بمختلف القارات، باعتبارها الحل “الأكثر جدية وواقعية”.
وفي يونيو 2025، أكد وزير الخارجية البريطاني موقفًا مماثلًا. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع.
يبقى السؤال: هل يستطيع ترامب دفع ملف الصحراء نحو انفراج فعلي، كما فعل في مناطق أخرى؟
هل ساهم ترامب حقًا في تغييرات تاريخية؟
خلال حملته الانتخابية، أكد ترامب أنه يسعى للتوسط في إنهاء النزاعات العالمية، مطالبًا بعدم نسيان “المسيحيين المضطهدين”، بما في ذلك الأرمن.
في التقليد الدبلوماسي، غالبًا ما تتداخل مواقف الدول المحلية مع حسابات القوى الكبرى. ففي حالة الكونغو ورواندا، كان هناك توافق محلي نضج بدعم أميركي مباشر. أما في ملف القوقاز، فقد شكّل “ممر ترامب” تحولًا نوعيًا في تموضع واشنطن الإقليمي.
لكن يبقى سؤال “التغييرات التاريخية” مرهونًا بملف الحرب الروسية – الأوكرانية، التي تُعتبر أخطر أزمة أمنية أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وإذا نجح ترامب، ولو جزئيًا، في فرض وقف إطلاق نار دائم أو إطلاق مسار دبلوماسي جديد، فقد يُحسب له ذلك كأحد أبرز إنجازاته في السياسة الخارجية.
رغم كل الانتقادات التي طالته، لا يمكن إنكار أن ترامب أحدث تغييرًا في أدوات الوساطة الأميركية، وربما فرض “نموذجًا جديدًا” أقرب إلى منطق الصفقة منه إلى القيم الدولية الكلاسيكية.
ترامب… رجل سلام أم لاعب دبلوماسي؟
الإدارة الأميركية في عهد ترامب افتتحت فصلاً جديدًا من التدخلات المباشرة في النزاعات عبر شعارات كبرى مثل “السلام باستخدام خطة ترامب”، أو “إنهاء الحروب التي لا تنتهي”.
رغم الانتقادات، فإن بعض الاتفاقات – خاصة في القوقاز والكونغو – قد تحقق نتائج ملموسة، حتى لو أخذت طابعًا اقتصاديًا أكثر من كونه سياسيًا. لكن يبقى التحدي الأكبر أمام “رجل السلام” هو ملف أوكرانيا، حيث تُختبر قدراته كوسيط بين قوتين نوويتين.
ورغم أن تحركاته حتى الآن غير رسمية، إلا أن مؤشرات عدة توحي بأن موسكو فضلت استبدال الرعاية الأوروبية والأميركية التقليدية بوساطة أكثر “براغماتية” يقدمها ترامب، شخصيا.
في نزاعات أخرى، مثل ملف الصحراء المغربية أو السودان، تبيّن أن تدخلات ترامب كانت جزئية أو رمزية، لكنها ساهمت في تسريع بعض الديناميات الإقليمية.
هكذا يتضح أن ترامب لا يكتفي بلعب دور “رجل السلام”، بل يسعى لتشكيل النظام العالمي وفق رؤيته الخاصة، التي تخلط بين الاقتصاد، الجيوبوليتيك، والمصالح الأميركية أولًا.
كيف تستفيد أمريكا من اتفاقيات السلام في مناطق النزاع؟
تلعب الولايات المتحدة دور “صانع السلام” لتحقيق فوائد استراتيجية متعددة، منها:
- الوصول إلى الموارد الطبيعية: توفر اتفاقيات السلام غطاءً قانونيًا لاستثمار الشركات الأميركية في المعادن والطاقة، مثل الكوبالت والليثيوم في إفريقيا، عبر عقود طويلة الأمد بشروط مريحة.
- عقود إعادة الإعمار: تحتاج مناطق النزاع للبنية التحتية، فتستفيد شركات مثل Bechtel وCaterpillar من مشاريع تموّلها مؤسسات دولية بدعم سياسي أميركي.
- تعزيز النفوذ السياسي: يتيح دور الوسيط لواشنطن كبح نفوذ الصين وروسيا، وإرساء تحالفات تعتمد على الاستقرار بدل الديون والاستثمارات التقليدية.
- فتح أسواق جديدة: يتيح السلام دخول المنتجات والخدمات الأميركية، من التكنولوجيا إلى الصحة والتعليم والترفيه، إلى أسواق كانت مغلقة بسبب النزاع.
إن السلام يوفّر بيئة آمنة للاستثمار والتجارة، يعزز النفوذ الأميركي، ويفتح أسواقًا جديدة، لكنه غالبًا يُبنى على استقرار سياسي شكلي دون حل جذور النزاع، ما يجعل استفادة أمريكا أكبر من العدالة الحقيقية.
الخاتمة
من الواضح أن ترامب، وفق وعود حملته، سعى للظهور كـ”رجل سلام” عالمي. وقد أسفرت جهوده عن إبرام اتفاقات حقيقية، الكل يتمنى أن يتم تنزيلها على أرض الواقع وألا تصطدم بعراقيل وتحديات.
وإذا كان ترامب قد نجح في حل بعض النزاعات الإقليمية، فإن عجزه عن فرض حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يُظهر حدود الدبلوماسية الأميركية عندما تفقد التوازن والحياد. فحتى “رجل الصفقات” لا يمكنه فرض السلام حين يغيب العدل.
للاطلاع على مواضيع أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com