تصريحات رونالد ترامب الأخيرة: هل غيّر موقفه من حرب أوكرانيا؟

الرباط في 16 يوليو 2025

بقلم بسيم الأمجاري

مقدمة: بين التصعيد الجمركي والتهديدات المباشرة… تحوّل أم تكتيك انتخابي؟

في زمن لا تنام فيه الأخبار، أعادت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية تسليط الضوء على شخصيته الجدلية ومواقفه المتقلبة.

ففي مشهد غير متوقع، حذر ترامب موسكو من “عقوبات جمركية تصل إلى 100%” على وارداتها في حال لم تتوقف الحرب خلال خمسين يومًا. وأبدى موافقته على تسليح أوكرانيا بشرط أن يكون التمويل أوروبيًا.

فهل هذه بداية تحول جذري في توجهاته تجاه الملف الروسي؟ أم أن الأمر مجرد تكتيك انتخابي يستثمر فيه مزاج اللحظة؟ وهل كانت تصريحاته السابقة مجرد انفعالات سياسية غير محسوبة؟

ترامب والحرب الروسية الأوكرانية: مواقف سابقة مثيرة للجدل

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، اتخذ ترامب موقفًا مثيرًا للجدل، منتقدًا بشكل دائم سياسة إدارة بايدن، وملوّحًا مرارًا بأنه كان سيمنع هذه الحرب لو كان في السلطة.

لكن مواقفه لم تكن دائمًا ضد روسيا، بل اعتبر بوتين سياسيًا “ذكيًا”، وهو ما أثار قلق الأوروبيين والأوكرانيين على حد سواء، الذين رأوا في ترامب عنصرًا غير موثوق في حال بقاء حزبه في سدة الحكم.

في تصريحات سابقة، لمح ترامب إلى أن استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا “تبديد للمال”، وانتقد حلف الناتو، بل وهدد بالانسحاب منه، معتبرًا أن الدول الأوروبية “تتكل على أمريكا بشكل زائد”.

هذا الخطاب لم يكن مجرد رأي شخصي، بل كشف عن رؤية استراتيجية انعزالية، تفضل الانكفاء على الداخل الأمريكي.

تحوّل أم مناورة؟ دلالات تصريحات ترامب الجديدة

مؤخرًا، وبشكل مفاجئ، أعلن ترامب موقفًا جديدًا يقضي بإعطاء مهلة لروسيا لمدة 50 يومًا لوقف الحرب، وإلا فستُفرض عليها ضرائب تصل إلى 100% على صادراتها إلى الولايات المتحدة. كما أبدى دعمه لتسليح أوكرانيا، بشرط أن يكون التمويل من طرف أوروبا، وليس من الخزانة الأمريكية.

هذا التحول يطرح عدة تساؤلات:

  • لماذا اختار ترامب هذه اللهجة الآن؟
  • هل هو تحول حقيقي في موقفه من بوتين؟
  • أم أنه مجرد تموضع انتخابي يستغل تغير المزاج الدولي والأوروبي تجاه الحرب؟

من خطاب “أمريكا أولاً” إلى “العقوبات الذكية”: تغير في الاستراتيجية؟

طوال فترة رئاسته، رفع ترامب شعار “أمريكا أولاً”، واعتبر أن أي تدخل أمريكي خارجي يجب أن يكون مدفوعًا بمصالح مباشرة. لكن التصريحات الأخيرة توحي بتحول جزئي في هذه العقيدة، لا من حيث المبدأ، بل من حيث الوسائل.

فبدلاً من الانسحاب من الملفات الدولية، يبدو أن ترامب يريد فرض شروطه عبر أدوات اقتصادية – وليس عسكرية – مثل الضرائب الجمركية، وهو ما يتماشى مع رؤيته القديمة في التفاوض من موقع القوّة، لكن مع لبوس جديد يوحي بالمسؤولية والصرامة الدولية.

الرسائل الخفية في مهلة الـ 50 يومًا

إعطاء روسيا مهلة زمنية محددة (50 يومًا) لوقف الحرب دون توضيح الآليات أو الشروط أو حتى ما المقصود بـ”وقف الحرب” هو في حد ذاته تكتيك رمزي أكثر منه خطوة عملية. فالخمسون يومًا تمثل ما تبقى تقريبًا من الحملة الانتخابية الصيفية، ما يعني أن ترامب يريد تحويل هذا الملف إلى نقطة ارتكاز في أي معركة انتخابية قادمة.

كما أن هذا التهديد يعطي انطباعًا بأنه لا يقف إلى جانب بوتين كما كان يُتهم سابقًا، بل أصبح الآن يضع شروطًا عليه، حتى وإن كانت هذه الشروط مطروحة ضمن منطق اقتصادي وليس عسكري.

الدعم الأوروبي مقابل التمويل الأمريكي: صفقة ذكية أم تملص؟

أحد أبرز محاور التصريحات الجديدة لترامب هو مطالبته بأن يكون دعم أوكرانيا بالسلاح من تمويل الدول الأوروبية، لا أمريكا. هذا الموقف ينسجم مع فلسفته السياسية التي تعتبر أن الولايات المتحدة “تدفع دائمًا الفاتورة عن الجميع”.

لكن هذا الخطاب، رغم واقعيته من حيث توزيع الأعباء، يحمل أيضًا تملصًا سياسيًا من اتخاذ مواقف صلبة وواضحة ضد العدوان الروسي. فالولايات المتحدة، بحكم قيادتها للناتو، لا تستطيع أن تتراجع إلى الخلف بهذا الشكل الكامل دون أن تُحدث خللًا استراتيجيًا في ميزان القوى.

انعكاسات داخلية: هل تغير ترامب أم تغيرت القاعدة الانتخابية؟

لا يمكن قراءة تحولات ترامب بمعزل عن المزاج الأمريكي الداخلي. فالأميركيون باتوا أقل حماسة لدعم أوكرانيا، خاصة بعد ارتفاع التضخم وتراكم الأزمات الاقتصادية. وفي هذا السياق، يريد ترامب تقديم نفسه كزعيم “واقعي” يوازن بين دعم الحلفاء وحماية الاقتصاد المحلي.

لكنه في الآن نفسه، يدرك أن تساهله الزائد مع روسيا قد يستخدمه خصومه ضده، ولهذا بدأ في تليين لغته، وتحويل نفسه من “متعاطف مع بوتين” إلى “خصم يفرض عليه شروطًا اقتصادية صارمة”.

أوروبا في المعادلة: ماذا يعني تمويل الحرب بدلًا من أمريكا؟

دعوة ترامب لأوروبا لتحمل كلفة تسليح أوكرانيا ليست جديدة، لكنها تأخذ الآن بُعدًا أكثر إلحاحًا. فمع تراجع الدعم الأمريكي المحتمل، تجد أوروبا نفسها أمام معضلة: إما القبول بلعب دور “المموّل الأكبر”، أو مواجهة شبح انقسام الناتو وفقدان الغطاء الأمريكي.

في الحالتين، تصريحات ترامب تعيد خلط أوراق اللعبة، وتضع الأوروبيين في موقع القلق المتجدد، خاصة في ظل ولاية ترامب أو أي مرشح آخر بعده، يسير في نفس توجهاته، قد يصل إلى البيت الأبيض مستقبلا.

التوقيت السياسي: هل بدأ ترامب بالفعل “يكتب خطته الرئاسية”؟

التصريحات الأخيرة لا تبدو عشوائية، بل تحمل تخطيطًا دقيقًا يهدف إلى تشكيل خطاب خارجي رئاسي جديد. ترامب لم يعد مجرد رئيس يتذمر من سياسة إدارة بايدن السابقة، بل صار يتحدث كزعيم عالمي يطرح حلولًا وأفكارًا وتهديدات.

هذا التغيير في الخطاب مؤشر قوي على أن وعود حملته الانتخابية بدأت تنتقل من مرحلة الانتقاد إلى مرحلة طرح البدائل، خاصة في ملفات حساسة مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والعلاقات مع الناتو، والاقتصاد العالمي.

ترامب وبوتين: هل انتهت العلاقة “الودية”؟

لا يزال من المبكر الجزم بقطيعة بين ترامب وبوتين، لكن نبرة الخطاب تغيرت بشكل واضح. لم نعد نسمع عبارات الإعجاب ببوتين، بل أصبح الحديث يدور عن “عقوبات، مهلات، وشروط”.

هذا لا يعني أن ترامب أصبح في الخندق الأوكراني، لكنه يحاول الموازنة بين صورته كشخص قوي لا يخاف روسيا، وبين واقعه كرئيس يجب أن يبعد عن نفسه تهمة “الانحياز للعدو”.

قراءة استشرافية: ماذا لو عاد ترامب؟

رغم الصعوبات القانونية التي تمنع أي رئيس من تولي منصب الرئاسة لأكثر من ولايتين، فلو فرضنا إمكانية فوز ترامب بولاية جديدة، أو استمرار شخص آخر من حزبه له نفس توجهاته، فإن ملامح السياسة الخارجية الأمريكية ستتغير جذريًا، ليس بالضرورة نحو العزلة، بل نحو إعادة تعريف التحالفات والمصالح.

فقد تتوقف واشنطن عن تمويل أوكرانيا بشكل مباشر، لكن ترامب سيُبقي على أدوات الضغط الاقتصادي، ويستخدمها كسلاح تفاوضي بدلًا من الرصاص.

ستكون أوروبا في موقف محرج، بينما ستراقب روسيا هذه التحولات بقلق، لأنها قد تجد نفسها فجأة أمام رئيس أمريكي “غير متوقع”، لا يحب الحروب لكن يجيد خنق الخصوم بالضرائب والعقوبات.

خلاصة: هل هو تحول حقيقي أم مجرد لعبة انتخابية؟

تصريحات ترامب الأخيرة تكشف عن نضج سياسي متأخر أو حسابات انتخابية دقيقة. قد يكون غيّر فعليًا موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية، أو أنه فقط يلبس قناع “الرئيس الحازم” الذي يحل المشاكل بدون أن يخوض الحروب.

في كلتا الحالتين، تبقى النتيجة واحدة: ترامب أصبح رقمًا صعبًا في معادلة الحرب والسلام، وعين العالم لن ترفع نظرها عنه، لا الآن ولا إذا استمر من يخلفه في نهج نفس سياساته.

للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

نزلات البرد في عز الصيف: الخطر الخفي الذي لا ينتبه إليه كثيرون

الرباط في 14 يوليو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: حينما يتحول الصيف إلى موسم أمراض …

حين تُصبح التفاهة قاطرة المجتمع: من “طوطو” إلى “بوب فايلن”، من يحدّد ذوقنا الجماعي؟

الرباط في 11 يوليو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: زمن أصبح فيه التافهون نجوماً في …

المغرب والصين: إنشاء مصنع لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية العالمية

الرباط في 29 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: تاريخ صناعي جديد في 25 يونيو …

عقول تحت الحصار: كيف يحولنا “التشتت الرقمي إلى مستهلكين بلا وعي”؟

الرباط في 25 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: حين لا نملك وقتًا للفهم في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *