
الرباط في 8 يوليو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
في مشهد غير مسبوق في السياسة الأمريكية، فاجأ الملياردير الشهير إيلون ماسك العالم في 5 يوليو 2025 بإعلانه تأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم “حزب أميركا (America Party) “عبر منصته الاجتماعية “إكس” (X).
جاء هذا الإعلان عقب تصويت أجراه ماسك على حسابه الشخصي، شارك فيه أكثر من 1.2 مليون مستخدم، صوّت 65.4% منهم لصالح فكرة إنشاء الحزب.
هذا الحدث لم يكن مجرد تغريدة عابرة، بل يحمل دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي الأمريكي خلال السنوات القادمة.
فهل يسعى ماسك لتغيير قواعد اللعبة؟ أم أنه مجرد رد فعل على تحوّلات وتحالفات متغيرة؟
دعونا نحلل القصة من البداية.
دوافع إنشاء حزب أميركا: بين الطموح والاضطراب السياسي
1. خلاف متصاعد مع ترامب وحزب الجمهوريين
رغم أن ماسك كان من أبرز الداعمين لحملة دونالد ترامب 2024، بل ومساهمًا بمئات الملايين من الدولارات، إلا أن الخلاف بدأ يظهر إلى العلن بعد دعم ترامب لما سمّي بـ “مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق”، المعروف إعلاميًا باسم “One Big Beautiful Bill”.
يرى ماسك أن هذا القانون سيؤدي إلى زيادة العجز الحكومي بما بين 3.3 إلى 3.9 تريليون دولار خلال عقد من الزمن، ما يعتبره تهديدًا مباشرًا للاستقرار المالي. وقد اعتبر ماسك هذه الخطوة خيانة للمبادئ التي كانا يتفقان عليها سابقًا، خاصة مبادئ الانضباط المالي وفعالية الحكومة.
2. كسر النظام الحزبي التقليدي في أمريكا
يرى ماسك أن النظام السياسي الأمريكي يهيمن عليه حزبان فقط – الجمهوري والديمقراطي – ما أدى، برأيه، إلى حالة من الجمود والتنازع الدائم بدلًا من الحلول الفعالة.
في وصفه، يُشبّه النظام الأمريكي بـ”حزب واحد بوجهين”، ولا يعكس فعليًا تطلعات معظم المواطنين.
من هنا، جاء “حزب أميركا” كمحاولة لخلق بديل حقيقي للناخبين الوسطيين الذين لا يجدون تمثيلًا حقيقيًا لهم.
استراتيجية حزب أميركا: خطة مركّزة وطموحة
رغم أن التأسيس لا يزال في بداياته، فإن ماسك أعلن عن خطة انتخابية محكمة تتضمن:
1. التركيز على مقاعد محددة
لا يسعى الحزب للدخول في معركة شاملة في البداية، بل سيستهدف 2 إلى 3 مقاعد في مجلس الشيوخ، و8 إلى 10 في مجلس النواب، ضمن دوائر محسوبة جيدًا يمكن فيها تحقيق نصر تكتيكي واضح.
2. استثمار مالي ضخم
من المتوقع أن يضخ ماسك مئات الملايين من الدولارات لدعم مرشحي الحزب، مع التركيز على هزيمة النواب المؤيدين لقانون “One Big Beautiful Bill”. المال لن يكون عائقًا، لكن التحدي يكمن في إنشاء بنية انتخابية فاعلة في الوقت المناسب.
3. استهداف ناخبي الوسط
وفقًا لتصريحات ماسك، فإن الحزب يسعى لاستقطاب ما يُقدّر بـ”80% من الأمريكيين” الذين يشعرون أن الحزبين الكبيرين لا يمثلانهم. هذا يشمل الناخبين المستقلين، والمعتدلين من كلا الطرفين، وفئات الشباب وريادة الأعمال.
منصة الحزب الأيديولوجية: اقتصاد السوق والانضباط المالي
يركّز “حزب أميركا” على عدة محاور رئيسية:
- انضباط مالي صارم: رفض العجز والدين العام المفرط.
- تحفيز القطاع الخاص: تقليل البيروقراطية وزيادة الكفاءة الحكومية.
- الإصلاح الضريبي: تنظيم الدعم الحكومي وتوجيهه بشكل دقيق.
- التكنولوجيا والتنمية المستدامة: دعم الابتكار والتحول إلى اقتصاد ذكي ومستدام.
هذه الرؤية تتماشى مع خلفية ماسك كرائد أعمال تقني، لكنها تواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع السياسي.
تحديات تأسيس الحزب: صعود صعب في نظام منغلق
1. العقبات القانونية
القوانين الانتخابية الأمريكية تعاني من تشابك بيروقراطي كبير، وتُفضّل الحزبين القائمين.
للإشارة، فإن إنشاء حزب جديد في الولايات المتحدة الأمريكية يتطلب:
- آلاف التوقيعات في كل ولاية.
- رسوم تسجيل باهظة.
- منافسة في نظام “الفائز يحصد كل شيء”.
2. غياب التنظيم الشعبي
لا يملك الحزب حتى الآن كوادر ميدانية ولا لجان شعبية، مما يصعّب بناء قاعدة انتخابية خلال فترة قصيرة، مقارنة بأحزاب تمتلك عقودًا من الخبرة والانتشار.
3. التمويل السياسي المعقد
رغم ثروة ماسك الهائلة، إلا أن القانون الفيدرالي يفرض قيودًا صارمة على التمويل السياسي، خاصة فيما يخص إنشاء لجان العمل السياسي وتقديم التبرعات الكبرى.
4. ردود فعل عدائية من الحزبين الكبيرين
الجمهوريون يرون أن الحزب المزمع إنشاؤه يشكل تهديدًا مباشرًا لمقاعدهم، ويتهمون ماسك بـ”شق الصف المحافظ”.
الديمقراطيون يتهمونه بالسعي لتقويض النظام عبر المال والنفوذ، ويصورونه كـ”ملياردير يحاول شراء الديمقراطية”.
5. التاريخ الأمريكي لا يرحم الأحزاب الثالثة
تجارب أحزاب مثل حزب الخضر، وحزب روس بيرو، وحزب ليبرترين، أظهرت أن النجاح المؤقت لا يضمن الاستمرارية، ما لم يتحول الحزب إلى حركة جماهيرية ذات قاعدة تنظيمية قوية وأيديولوجيا واضحة.
هل يستطيع حزب أميركا أن يصنع الفارق؟
على المدى القصير:
نعم، إذا تمكن الحزب من اقتناص عدد قليل من المقاعد الحاسمة، فإنه يستطيع فرض وجوده عبر:
- ترجيح كفة التصويت في قضايا مهمة مثل الميزانية، والضرائب، والإنفاق.
- الضغط التفاوضي على الحزبين الكبيرين.
- إحداث صدى إعلامي كبير يُعيد صياغة النقاشات السياسية.
على المدى البعيد:
المهمة أكثر تعقيدًا. لتحقيق تأثير حقيقي ومستدام، يحتاج حزب أميركا إلى:
- بناء بنية تحتية حزبية شاملة عبر الولايات.
- إنشاء كوادر تدريبية وإعلامية.
- توضيح رؤى سياسية في مجالات حساسة مثل الصحة، التعليم، الهجرة، الأمن القومي.
- كسب شرعية جماهيرية، وليس فقط شرعية مالية أو إعلامية.
شخصية ماسك وتوجهاته: ابتكار سياسي أم شعبوية جديدة؟
إيلون ماسك ليس سياسيًا تقليديًا. خلفيته تجمع بين:
- التقنية والابتكار ( SpaceX، Tesla، Neuralink)
- الليبرالية الاقتصادية مع مسحة من “الشعبوية التكنولوجية”.
- رفض الانتماءات الجامدة، حيث تبرع سابقًا للديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
ماسك لا يسعى فقط لدور خلفي في تمويل السياسة، بل يريد أن يكون لاعبًا مركزيًا، صانعًا للتوجهات، وربما منافسًا على الرئاسة في مرحلة لاحقة.
ردود الأفعال: بين القلق والتفاؤل
في صفوف الجمهوريين:
- قلق واضح من تفتيت الأصوات المحافظة، خاصة في الولايات الحاسمة.
- تصاعد الأصوات الداعية لمحاصرة ماسك سياسيًا وقانونيًا.
في المعسكر الديمقراطي:
- فرصة للاستفادة من انقسام الخصوم.
- استراتيجية هجومية لتشويه الحزب الجديد كـ”واجهة أوليغارشية” أو “تجربة فاشلة قادمة”.
عند الجمهور والمستقلين:
- هناك شريحة واسعة من الأمريكيين، خاصة الجيل الشاب والطبقة الوسطى، ترى في الحزب بديلاً واعدًا.
- الحسم سيكون بقدرة الحزب على تقديم خطط واضحة، وممثلين أكفاء، وخطاب غير متشنج.
خاتمة: هل حزب ماسك بداية لموجة سياسية جديدة؟
إعلان إيلون ماسك عن تأسيس “حزب أميركا” لا يمكن اعتباره حدثًا عابرًا في التاريخ السياسي الأمريكي، بل هو مؤشر واضح على تغيرات جذرية تلوح في الأفق. فحين يدخل أحد أبرز رجال الأعمال والتقنية في العالم ساحة السياسة بهذا الشكل المباشر، فإن المسألة تتجاوز مجرد الخلافات الحزبية، لتصل إلى محاولة إعادة تعريف العلاقة بين رأس المال والتشريع، وبين التكنولوجيا والسلطة.
رغم أن التحديات التي تواجه الحزب الجديد كثيرة ومعقّدة — بدءًا من القوانين الانتخابية المجحفة بحق الأحزاب الثالثة، مرورًا بضعف البنية التحتية التنظيمية، ووصولًا إلى الهجوم المتوقع من الحزبين الكبيرين — إلا أن ماسك يمتلك ما لا يملكه غيره: رؤية شاملة، ثروة هائلة، وقاعدة جماهيرية تقنية وإعلامية ضخمة يمكن أن تُترجم إلى زخم سياسي.
إذا استطاع “حزب أميركا” أن يقدّم خطابًا سياسيًا واقعيًا لا شعبويًا، وأجندة وطنية تستجيب لتحديات المواطنين الحقيقية في مجالات الاقتصاد، الرعاية الصحية، الضرائب، الابتكار، والحوكمة، فإنه قد يُحدث اختراقًا حقيقيًا في الساحة الأمريكية التي طالما عانت من الاستقطاب الحاد وغياب البدائل.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيظل حزب ماسك ظاهرة إعلامية مؤقتة كغيره من الأحزاب الثالثة التي ظهرت في التاريخ الأمريكي ثم اختفت؟ أم أنه سيتحول إلى قوة سياسية راسخة تفرض نفسها على كل من الديمقراطيين والجمهوريين، وتُحدث ثورة حقيقية في النظام السياسي الأمريكي؟
الإجابة ستتضح مع مرور الوقت، ومع اختبار الحزب في أول استحقاقات انتخابية كبرى في عام 2026. لكن المؤكد الآن أن السياسة الأمريكية دخلت فصلًا جديدًا، عنوانه: عندما يصبح الابتكار السياسي امتدادًا للابتكار التكنولوجي. للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com