
الرباط في 14 يوليو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
مقدمة: حينما يتحول الصيف إلى موسم أمراض تنفسية
يرتبط فصل الصيف في أذهان كثيرين بالحرارة، الشمس الساطعة، والعطل، لكنه في المقابل يحمل مفاجآت غير سارة على المستوى الصحي.
فكم من شخص تفاجأ بإصابته بنزلة برد شديدة أو التهاب في الحنجرة أو حتى تعفن صدري حاد، وهو يعيش في أجواء تقارب فيها الحرارة الأربعين درجة مئوية؟ يحدث هذا رغم أن الصورة النمطية تربط مثل هذه الأمراض بفصل الشتاء والانخفاض الحاد في درجات الحرارة.
فهل تغيرت خريطة الأمراض الموسمية؟ أم أن الإنسان أصبح أكثر عرضة لتقلبات مناخية وصحية لم يكن يواجهها من قبل بهذه الحدة؟
الأمراض التنفسية لا تعترف بالفصول دائمًا
ماذا نعني بنزلات البرد الصيفية؟
نزلات البرد الصيفية تشبه في أعراضها نظيرتها الشتوية: سيلان الأنف، التهاب الحلق، السعال، صداع الرأس، أحيانًا ارتفاع في درجة الحرارة. لكن ما يميزها في الغالب هو المفاجأة وعدم استعداد الجسم لها، بسبب غياب الشعور بالخطر في جو حار.
بعض الأشخاص يعانون كذلك من ضيق في التنفس، أو تعفنات صدرية ناجمة عن التهابات في الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي.
الأسباب الخفية وراء نزلات البرد في الصيف
1. التكييف الهوائي المفرط
في قلب موجات الحر، يلجأ الناس إلى تشغيل المكيفات الهوائية في المنازل، السيارات، المكاتب، والفنادق. لكن الفرق الحاد بين درجة الحرارة في الخارج (قد تصل إلى 40 درجة مئوية) وداخل الأماكن المكيفة (غالبًا ما تنخفض إلى 20 درجة أو أقل) يخلق صدمة حرارية لجهاز المناعة.
هذا التغير المفاجئ يضعف القدرة الدفاعية للجسم، ويفتح المجال أمام الفيروسات والبكتيريا لتتكاثر.
2. الاستخدام السيئ للمراوح والمبردات
يُقبل كثيرون على استخدام المراوح لتلطيف الأجواء، وغالبًا ما يوجهونها مباشرة إلى وجوههم أو أجسادهم أثناء النوم. هذا التبريد المباشر والمستمر يسبب جفاف الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، مما يسهل دخول الفيروسات والبكتيريا.
3. شرب السوائل الباردة والمثلجات
تناول المشروبات الباردة جدًا أو المثلجات في أوقات الحرارة العالية قد يسبب التهابات حادة في الحلق، وتهييجًا للأغشية الداخلية للفم والمريء، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
4. التجمعات والانتقال في الأماكن المغلقة
الذهاب إلى المراكز التجارية المكيفة، قاعات السينما، أو حتى وسائل النقل العامة يشكل بؤرة لانتقال العدوى. الفيروسات قد تنتشر بسهولة بين الأفراد في هذه الفضاءات المغلقة، خصوصًا مع انخفاض التهوية.
5. ضعف مناعة البعض في الصيف
عكس ما هو شائع، بعض الأشخاص يعرفون انخفاضًا في المناعة خلال الصيف بسبب الإرهاق الحراري، اضطراب النوم، أو قلة شرب الماء، ما يجعلهم فريسة سهلة للفيروسات التنفسية.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
الأطفال والرضع
الأطفال لا يملكون جهازًا مناعيًا مكتملاً، ويُعتبرون من الفئات الهشة التي تتأثر بسرعة بأي تغير مناخي أو عدوى فيروسية. كما أن استخدام التكييف في غرفهم دون رقابة قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض التنفسية لديهم.
كبار السن
غالبًا ما يعاني كبار السن من أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، أو أمراض القلب. هذه الحالات تجعل أجسادهم أقل قدرة على مقاومة الالتهابات، وتزيد من خطورة النزلات الصيفية.
المصابون بأمراض تنفسية مزمنة
الأشخاص المصابون بالربو أو التهاب الشعب الهوائية المزمن يكونون في خطر مضاعف خلال الصيف. التغيرات المفاجئة في درجة الحرارة، والغبار في الهواء، واستخدام المكيفات قد تثير نوبات تنفسية حادة.
أصحاب المناعة الضعيفة
المرضى الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة (مثل مرضى السرطان أو زارعي الأعضاء) أو الذين يعانون من ضعف مناعي طبيعي معرضون لتفاقم خطير إذا أصيبوا بعدوى تنفسية، حتى وإن بدت بسيطة في البداية.
أعراض يجب الانتباه إليها
- سعال جاف أو رطب مستمر؛
- احتقان أو سيلان الأنف؛
- التهاب في الحلق أو بحة في الصوت؛
- حمى خفيفة أو متوسطة؛
- صداع مستمر؛
- ضيق في التنفس أو ألم في الصدر (يستدعي تدخلاً طبياً فورياً)؛
- فقدان الشهية والتعب العام.
أغلب نزلات البرد صيفًا تكون فيروسية، ولا تحتاج إلى مضادات حيوية. لكن إذا استمرت الأعراض لأكثر من 7 أيام، أو كانت مصحوبة بحمى مرتفعة، إفرازات صفراء أو خضراء من الأنف، وألم في الصدر أو الأذن، فقد يكون الأمر ناتجًا عن عدوى بكتيرية تستدعي تدخلًا طبيًا ووصف مضاد حيوي.
طرق العلاج الفعالة
الراحة والنوم الجيد
الجسم يحتاج إلى الطاقة لمحاربة الفيروسات. الراحة والنوم الكافي يعززان جهاز المناعة ويقللان مدة المرض.
السوائل
شرب كميات وفيرة من الماء والشاي الدافئ والأعشاب مثل الزعتر أو البابونج يساعد على ترطيب الأغشية المخاطية وتسهيل إخراج البلغم.
التغذية الصحية
تناول الفواكه والخضروات الغنية بالفيتامين C (مثل البرتقال، الكيوي، الفلفل الأحمر) يعزز مناعة الجسم.
الغرغرة بالماء والملح
غرغرة الحلق بماء دافئ وملح تخفف من الالتهاب وتطهر الحلق من البكتيريا.
الابتعاد عن استخدام المضادات الحيوية العشوائية
استخدام المضادات الحيوية بدون وصفة طبية خطير، وقد يؤدي إلى مقاومة بكتيرية وتفاقم الحالة.
طرق الوقاية الذكية خلال الصيف
1. الاعتدال في استخدام المكيفات
اضبط المكيف على درجات متوسطة (بين 24 و27 درجة مئوية)، وامنع توجيهه مباشرة إلى الجسم. ولا تنتقل فجأة من الأجواء المكيفة إلى الشمس الحارقة.
2. تجنب تناول المشروبات المثلجة جدًا
استبدل المشروبات شديدة البرودة بمشروبات منعشة بدرجة حرارة معتدلة. قلل من استهلاك المثلجات في أوقات الذروة الحرارية.
3. ترطيب الجسم بانتظام
اشرب ما لا يقل عن لترين من الماء يوميًا، وزد الكمية إذا كنت كثير الحركة أو تعرق كثيرًا.
4. تهوية المنزل
احرص على تهوية المكان في الصباح الباكر أو المساء، لتجديد الهواء وتقليل تركيز الفيروسات والبكتيريا في الفضاء الداخلي.
5. تقوية المناعة
مارس الرياضة بانتظام، نم جيدًا، وتجنب التدخين أو المكوث في أماكن مدخنة. فكل هذه العوامل تؤثر في كفاءة الجهاز المناعي.
متى تزور الطبيب؟
لا تتهاون إذا ظهرت الأعراض التالية:
- ارتفاع درجة الحرارة لأكثر من 3 أيام؛
- صعوبة في التنفس؛
- ألم في الصدر؛
- دوخة أو فقدان الوعي؛
- علامات الجفاف (قلة التبول، جفاف الفم، صداع شديد)؛
- سعال دموي أو إخراج بلغم غامق اللون.
خاتمة: لا تستهين بنزلات الصيف
يبدو أن الصيف لم يعد فصل “الراحة الصحية” كما كان يُعتقد. فالتحديات المناخية المعاصرة، وسوء تدبيرنا للظروف البيئية المحيطة بنا، جعلا أجسامنا في مواجهة دائمة مع فيروسات وبكتيريا لا تحترم حرارة الشمس ولا سطوعها. ومن ثم، فإن الوقاية، الاعتدال، والوعي الصحي تبقى أسلحتنا الأساسية لمواجهة هذه التغيرات الموسمية غير المتوقعة.
للاطلاع على مواضيع أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة: https://moustajadat.com