من الهامش إلى الأضواء: كيف اقتحمت المرأة الإفريقية ملاعب كرة القدم وغيّرت قواعد اللعبة

الرباط في 18 يوليو 2025

بقلم بسيم الأمجاري

مقدمة: حين كسرت المرأة “قواعد اللعبة” الذكورية

لطالما كانت كرة القدم في المخيال الجماعي رياضة ذكورية بامتياز، رمزا للتفوق الجسدي، والهيمنة التقنية، والصلابة الذهنية. عقود طويلة بقيت فيها الفتيات مجرد مشجعات على الهامش، أو متفرجات في مدرجات تنضح بالذكور.

غير أن المشهد بدأ يتغير رويدا رويدا، حتى بتنا اليوم نتابع بطولات نسائية تقام تحت مظلة أرفع الهيئات الرياضية العالمية، وتشهد متابعة إعلامية وميدانية متزايدة.

اليوم، ونحن نتابع كأس أمم إفريقيا للسيدات، ندرك أن كرة القدم النسوية لم تعد ظاهرة عابرة أو نشاطاً نخبوياً محصوراً في دول الشمال، بل صارت ساحة تنافس حقيقية في إفريقيا، تفرض نفسها على الأجندة الرياضية القارية، وتعيد رسم الحدود بين الجنسين في الملاعب.

من الظل إلى الاعتراف: مسار كرة القدم النسوية عالمياً

كرة القدم النسوية في بداياتها: نظرة سريعة

تعود جذور كرة القدم النسوية إلى أواخر القرن التاسع عشر في إنجلترا، لكنها قُمعت بشدة. ففي عام 1921، أصدر الاتحاد الإنجليزي قراراً يمنع الأندية من تأجير ملاعبها للفرق النسائية، بحجة أن “الكرة غير مناسبة للنساء” هذا المنع استمر لعقود.

ومع الموجة الثانية للحركات النسوية، بدأت الرياضة النسوية تأخذ منحى جدياً. شهد عام 1991 تنظيم أول كأس عالم للسيدات من طرف الفيفا، تلاه تعزيز البنية التنظيمية، وتزايد الاعتراف الرسمي، وارتفاع عدد المنتخبات، والاهتمام الإعلامي. 

كرة القدم النسوية في إفريقيا: مسيرة كفاح لا تعرف الاستسلام

بداية متأخرة لكنها طموحة

على عكس أوروبا وأمريكا، تأخرت إفريقيا في تبني كرة القدم النسوية لأسباب اجتماعية، اقتصادية وثقافية. لم تكن الفتاة الإفريقية تملك لا المساحة المجتمعية ولا البنية التحتية لممارسة الرياضة، فكان التردد كبيراً، والتحفظ أقوى.

لكن رغم كل العراقيل، وُلدت أول نسخة من كأس أمم إفريقيا للسيدات سنة 1991. وقد شهدت البطولة تطوراً تدريجياً من حيث عدد المنتخبات، وأسلوب اللعب، ومشاركة الجماهير، ما يدل على نمو الوعي الجماعي بقيمة الرياضة النسوية.

نيجيريا وجنوب إفريقيا والمغرب: رواد القارة

  • نيجيريا تُعد القوة التاريخية بلا منازع. فازت بأكثر من 11 لقباً قارياً، وكانت أول منتخب إفريقي نسوي يشارك في كأس العالم.
  • جنوب إفريقيا برزت بقوة خلال العقد الأخير، ونجحت في التتويج بلقب 2022 بعد سنوات من المنافسة الشرسة.
  • المغرب أحدث مفاجأة مدوية خلال تنظيمه نسخة 2022، بوصول منتخب “لبؤات الأطلس” إلى النهائي، وتأهله لكأس العالم لأول مرة، وهو ما شكّل نقلة نوعية في التعاطي مع كرة القدم النسوية بالمغرب وشمال إفريقيا عموماً.

كرة القدم النسوية في إفريقيا: التحديات ما تزال قائمة

رغم الزخم الإيجابي، إلا أن الطريق لا تزال طويلة وشاقة:

ضعف التمويل والدعم

  • أغلب الفرق النسوية تعاني من ضعف الميزانيات مقارنة بالرجال.
  • قلة الملاعب والتجهيزات، وانعدام الدوريات المحلية في عدة دول.

النظرة الاجتماعية الذكورية

  • ما تزال كرة القدم تُعتبر “لعبة رجالية” في بعض المجتمعات.
  • تعاني اللاعبات من التنمر والتحفظ الأسري، ما يؤدي إلى هدر الطاقات مبكراً.

غياب التغطية الإعلامية الكافية

  • رغم التحسن، إلا أن المباريات النسائية لا تحظى بعد بنفس الزخم الجماهيري أو التغطية الإعلامية كما يحصل في بطولات الرجال.

كرة القدم النسوية في إفريقيا: فرص واعدة للنمو والتألق

الاهتمام المؤسساتي المتزايد

  • الاتحاد الإفريقي يُطلق استراتيجيات لتطوير الكرة النسوية.
  • دعم الفيفا من خلال برامج مثل “FIFA Women’s Development Programme”.

الاحتراف والانتقالات الدولية

  • بدأت لاعبات إفريقيات بالاحتراف في أوروبا وأمريكا.
  • هذا يُسهم في رفع المستوى، ويجعل من البطولات القارية أكثر تنافسية.

التعليم والرياضة: ثنائية رابحة

  • ربط الرياضة بالتعليم في بعض الدول، مثل المغرب، ساعد على تشجيع الفتيات على ممارسة الكرة دون التخلي عن مسارهن الأكاديمي.
  • ظهور أكاديميات خاصة بتكوين اللاعبات الصغيرات.

كرة القدم النسوية: قوة ناعمة للتغيير الاجتماعي

كرة القدم لم تعد فقط وسيلة للترفيه أو المنافسة، بل أصبحت رافعة للتغيير:

  • تمكين المرأة.
  • خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة.
  • المساهمة في محاربة التمييز والتهميش.
  • بناء القدوة للأجيال الصاعدة.

نساء إفريقيا اليوم يُثبتن أن الكرة ليست حكراً على أحد، وأن الإرادة والموهبة أقوى من كل القيود الثقافية والاجتماعية.

 كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024-2025: أكثر من مجرد بطولة

التنظيم والمشاركة

تُقام النسخة الحالية من كأس إفريقيا للأمم للسيدات بمشاركة عدد متزايد من المنتخبات، في ظل دعم من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) والفيفا. يتم بث المباريات عبر قنوات رياضية معروفة، وتواكبها تغطية صحفية غير مسبوقة. 

” لبؤات الأطلس” في قلب المنافسة: المغرب يراهن على الفوز بالكأس

وسط أجواء من الحماس الوطني والدعم الجماهيري، يخوض المنتخب المغربي النسوي اليوم مباراة حاسمة في إطار كأس أمم إفريقيا للسيدات 2025، حيث واجه يوم أمس الجمعة 18 يوليو 2025، نظيره المالي برسم تصفيات الدور ربع النهائي. اللقاء يُعد مفترق طرق لـ”لبؤات الأطلس”، اللواتي يسعين لتأكيد الحضور المميز الذي قدّمنه في النسخة السابقة.

المنتخب المغربي ظهر بشكل لافت خلال دور المجموعات، ونجح في تأكيد تطوره الفني والتكتيكي، مستفيداً من عمل طويل الأمد قادته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. جهود المدرب الاسباني منحت المجموعة المغربية انسجاماً وثقة واستعدادا لمواجهة أي منتخب في دور نصف نهائي العرس الإفريقي، وذلك بعد ضمانه بطاقة العبور على حساب نظيره المالي.

حظوظ المغرب في البطولة

المغرب لم يدخل المنافسة القارية بصفته ضيف شرف، بل كمنافس حقيقي على اللقب. يمتلك الفريق عناصر متمرسة على المستوى الإفريقي والدولي، مثل ابتسام جرايدي غزلان الشباك وفاطمة تاغناوت، إلى جانب روح جماعية تميز أداء كل عضوات الفريق الذي يضم أسماء لامعة.

الفوز في مباراة ربع النهاية فتح الباب أمام حلم التتويج. ومع دعم الجمهور المغربي في المدرجات، تبقى الحظوظ قائمة بقوة، شريطة الحفاظ على التركيز والانضباط.

الصقور الماليات: خصم عنيد بطموح مفاجأة المغرب

لا يُعد منتخب مالي للسيدات من القوى التقليدية في كرة القدم الإفريقية النسوية، وحضوره في نسخة هذه السنة من كأس أمم إفريقيا يؤكد أنه قدم بطموح التجاوز، لا الاكتفاء بالمشاركة. الفريق المالي تأهل إلى ربع النهائي بعد أداء متوازن في دور المجموعات، مظهراً روحاً قتالية عالية وتنظيماً دفاعياً محكماً.

أسلوب اللعب ونقاط القوة

يعتمد المنتخب المالي على أسلوب لعب مباشر يقوم على القوة البدنية، والتحولات السريعة من الدفاع إلى الهجوم. خلال المباراة، برزت كل من أيساتا تراوري وعائشة ساماكي وسليماتا ديارا وغيرهن من عضوات الفريق كلاعبات قادرات على كسر الإيقاع وافتكاك الكرات.

الدفاع المالي اتسم في بعض اللحظات بالصلابة، وإن كانت هناك هشاشة في التغطية الجانبية، ما مكن لاعبات المنتخب المغربي من استغلاله عبر التوغل من الأطراف والكرات العرضية.

أبرز الفرق المرشحة للفوز بكأس افريقي للسيدات

بلغ المنتخب الوطني المغربي للسيدات لكرة القدم، يوم أمس الجمعة 18 يوليو 2025، نصف نهائي كأس إفريقيا، بعد فوزه على منتخب مالي بثلاثة أهداف لهدف واحد، على أرضية الملعب الأولمبي بالرباط، ضمن ربع نهائي “كان السيدات 2024”.

وكان منتخب نيجيريا أول المتأهلين إلى نصف نهائي “كان السيدات” بعد اكتساحه منتخب زامبيا بخماسية نظيفة، وسيواجه المتأهل من مباراة جنوب إفريقيا والسنغال. فيما سيواجه المنتخب المغربي الفائز في المباراة التي ستجمع غدًا بين سيدات الجزائر ونظيراتهن الغانيات. 

خاتمة: المستقبل نسوي أيضاً في الملاعب

بطولة كأس إفريقيا للأمم للسيدات 2024–2025 ليست مجرد حدث رياضي، بل لحظة تاريخية تؤرخ لانبثاق رياضة جديدة داخل القارة، تُدار بعقليات أكثر انفتاحاً، وتصنع بطلات لا يقلّ مجدهنّ عن أبطال المنتخبات الذكورية.

المطلوب اليوم هو المضي قدماً في ترسيخ هذه الدينامية من خلال:

  • تعزيز الاستثمار في البنيات التحتية النسوية.
  • فرض قوانين تضمن المساواة.
  • توفير التكوين والإعلام المواكب.

فلن يكتمل نجاح الرياضة الإفريقية إلا عندما ترفع كل لبؤة إفريقية رأسها عالياً، وتلعب بثقة في أن الملعب للجميع، بلا استثناء.

للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

كيف يؤثر المشي على صحتك وينقذك من الكولسترول القاتل؟

الرباط في 18 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري  مقدمة: حين يتحول الجسد من خمول مرضي …

ذكرى استرجاع وادي الذهب: من محطة التحرير إلى نموذج التنمية والريادة الأطلسية

الرباط في 13 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري المقدمة: وادي الذهب، من بيعة 14 غشت …

رئيس لبنان يُلقي درسًا في الأخوة العربية: لا تدخل إلا لدعم التضامن العربي والاحترام المتبادل

الرباط في 2 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري المقدمة في زيارة رسمية بارزة، زار الرئيس …

الاقتصاد المغربي في 2024: بنك المغرب يتحدث بصراحة، وهذه حقيقة وضعنا المالي والنقدي

الرباط في 31 يوليو 2025 بقلم بسيم الأمجاري  مقدمة في يوم 29 يوليوز 2025، قدّم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *