ترامب ومشروع أمريكا الجديدة: هل يبني دولة عظيمة أم يعلن بداية الاستبداد؟

الرباط في 2 يوليو 2025

بقلم بسيم المجاري

في مشهد سياسي أمريكي محتدم، يقف دونالد ترامب مجددًا على رأس مشروع ضخم يعيد تشكيل هوية الولايات المتحدة من الداخل، ويطرح رؤية مختلفة جذريًا لأمريكا “العظيمة” التي طالما نادى بها.

هذا المشروع الجديد، الذي صوّت عليه الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) في مايو ويونيو الماضيين، لا يُعد مجرد حزمة قوانين، بل رؤية متكاملة تنسف مفاهيم اجتماعية واقتصادية وحقوقية استقرت في أمريكا لعقود.

مشروع يضرب الأعمدة القديمة لبناء دولة جديدة

من أبرز ما يلفت الانتباه في مشروع ترامب هو أنه لا يقتصر على التعديلات الشكلية أو الإجراءات المالية، بل يطال جوهر الدولة الأمريكية في بنيتها الحديثة.

من السياسات الاجتماعية إلى تمويل القطاع الدفاعي، ومن إعادة هيكلة النظام الضريبي إلى ضرب التحالفات التكنولوجية داخل السوق، يبدو أن ترامب لا يُجري جراحةً بسيطة بل يسعى لإعادة تصميم الجسد الأمريكي بالكامل.

قانون يعيد تعريف “من هو الأمريكي”

بموجب هذا المشروع، تُلغى عدة امتيازات كانت تعتبر من ثوابت السياسة الأمريكية في العقود الأخيرة، أبرزها:

  • إنهاء التغطية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين، مما سيؤثر مباشرة على قرابة مليون ونصف إلى مليونين من المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بوضع قانوني غير مستقر.
  • منع تمويل العلاج الهرموني والعمليات الجراحية للمتحولين جنسيًا، في خطوة توصف بأنها أكثر القرارات عدائية للمجتمع المتحول جنسيًا في التاريخ الحديث.
  • منع دعم العيادات التي تقدم خدمات الإجهاض، مما يُهدد آلاف المؤسسات الصحية بالإفلاس أو الإغلاق.

بهذه البنود، يرسم ترامب صورة جديدة للمواطنة الأمريكية، تقوم على الهوية الجنسية البيولوجية، والوضع القانوني الصارم، والانضباط المالي، بدلًا من المفهوم الانساني الواسع الذي تبنته الإدارات السابقة.

أمريكا بلا متحولين جنسيا ولا سيارات كهربائية

من أكثر البنود المثيرة للجدل هو إلغاء الدعم الحكومي لشراء السيارات الكهربائية. هذا الدعم الذي كان يمنح المواطنين الأميركيين ما بين 7500 و8500 دولار عند اقتناء سيارة كهربائية، أُسقط نهائيًا، مع فرض ضريبة سنوية على السيارات الكهربائية بقيمة 250 دولارًا.

هذه الخطوة اعتُبرت ضربة مباشرة لشركات مثل “تسلا”، ورئيسها إيلون ماسك، الذي أصبح وفق كثيرين، أحد ألد أعداء ترامب. بعض التحليلات رأت في هذا القرار بداية حرب مفتوحة بين ترامب ونخبة وادي السيليكون، خاصة أن المشروع جاء بعد خلاف علني بين الرجلين حول قضايا تتعلق بحرية التعبير والطاقة والسيادة الاقتصادية.

“القبة الذهبية”: حلم الدفاع المطلق

على المستوى الدفاعي، يُخصص مشروع ترامب ميزانية ضخمة بقيمة 150 مليار دولار لإنشاء ما يسمى بـ”القبة الذهبية”، وهو نظام متكامل للحماية من الصواريخ فرط الصوتية والطائرات المسيّرة.

أكثر ما يثير القلق في هذه الخطوة هو أنها تضع الولايات المتحدة في مسار تسلح تكنولوجي جديد، قائم على:

  • الطائرات بدون طيار الانتحارية.
  • الغواصات والمركبات غير المأهولة.
  • أنظمة دفاع سيبراني وهجمات استباقية رقمية.

فهل نحن أمام تسابق نحو “حروب بلا جنود”؟ يبدو أن مشروع ترامب يضع حجر الأساس لمرحلة جديدة، حيث تُخاض المعارك عبر الأزرار لا البنادق، وعبر الذكاء الاصطناعي لا العساكر.

رؤية اقتصادية هجومية: خفض النفقات لضرب الخصوم

ترامب يعلن بوضوح أن مشروعه يهدف إلى خفض الإنفاق الحكومي بمقدار 1500 مليار دولار خلال 10 سنوات. لكن الحقيقة، كما يقول بعض المراقبين، أن الأهداف أبعد من ذلك.

يرى خصوم ترامب أن هذا الخفض لا يهدف فقط إلى تقليص العجز، بل إلى تجفيف منابع تمويل خصومه السياسيين، كالمؤسسات الصحية، الجمعيات الداعمة لقضايا مثل فلسطين، أو منظمات المناخ.

بل إن المشروع يمنح وزارة الخزانة صلاحيات جديدة لإلغاء الإعفاءات الضريبية عن الجمعيات إذا وُجد أنها “تدعم الإرهاب”، وهو مصطلح فضفاض قد يُستخدم لضرب مؤسسات إنسانية وإغاثية بذرائع سياسية.

“ترامب أكاونت”: حساب لكل مولود جديد

بشكل مفاجئ، يتضمن المشروع أيضًا بندًا يبدو إنسانيًا: فتح حساب مصرفي لكل مولود أمريكي يحتوي على 1000 دولار، يسمى “ترامب أكاونت”. يسمح هذا الحساب للأهل بإيداع الأموال، لكن لا يمكن سحبها قبل بلوغ الطفل 18 سنة.

هذا البند يعكس رؤية ترامب نحو الادخار الإجباري للأجيال القادمة، وهو ما رآه البعض توجهاً إيجابيًا، فيما يراه آخرون محاولة لربط اسم ترامب بمستقبل الأطفال الأمريكيين.

ضرائب جديدة… ورسائل سياسية مشفرة

من التعديلات الضريبية المهمة:

  • فرض ضريبة 5% على التحويلات المالية إلى الخارج، مما يُثقل كاهل المهاجرين الذين يرسلون أموالهم لعائلاتهم في بلدانهم الأصلية.
  • إعفاءات ضريبية للمسنين فوق 65 عامًا، وهي خطوة تستهدف أصوات هذه الفئة في الانتخابات المقبلة.
  • رفع الحد الأقصى للضرائب المحلية من 10 آلاف إلى 30 ألف دولار، ما سيؤثر على الفئات المتوسطة والثرية في ولايات معينة.

هكذا تمزج سياسة ترامب بين الوعد والإغراء من جهة، والتهديد المالي من جهة أخرى، بحسب موقع المواطن على خريطة الولاء السياسي والاجتماعي.

هل نحن أمام ولادة ديكتاتورية أمريكية ناعمة؟

يرى البعض أن مشروع ترامب، بكل ما يحمله من قرارات اقتصادية ودفاعية واجتماعية، يمهّد لتحول عميق في النظام الأمريكي نفسه. فرئيس الدولة لم يعد مجرّد منفّذ لسياسات الإدارة، بل صانع فلسفة حكم جديدة، أشبه برئيس تنفيذي لدولة عملاقة يُديرها بعقلية المقاولة.

يحذر نقاد من أن المشروع يزرع بذور ما يُمكن تسميته بـ”الدكتاتورية الناعمة”، حيث:

  • تُلغى امتيازات وتُمنح أخرى بناءً على الولاء السياسي.
  • تُدار ملفات الدولة كأنها ميزانية شركة خاسرة يجب إنقاذها.
  • تُقصى أطراف نافذة في السوق، مثل إيلون ماسك، بقرارات سياسية مقنّعة بقوانين اقتصادية.

هل يمكن لترامب النجاح في قلب النظام الاقتصادي الأمريكي؟

في ختام المشروع، يبدو أن ترامب لا يراهن فقط على تقليص النفقات، بل يسعى إلى تغيير جوهر الاقتصاد الأمريكي من اقتصاد مالي إلى اقتصاد صناعي.

يريد إعادة المصانع إلى الداخل، وتخفيض قيمة الدولار لجعل التصدير مجديًا، وخفض الفائدة لجذب الاستثمار الحقيقي. لكن تنفيذ ذلك يتطلب مواجهة شرسة مع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يشكّل القوة المضادة الحقيقية لأي تعديل في السياسة النقدية.

الخاتمة: مشروع ترامب بين الإعجاب والخوف

مشروع ترامب الجديد ليس مجرد مجموعة إصلاحات أو تخفيضات في الميزانية، بل هو رؤية شاملة تتحدى القيم الليبرالية الكلاسيكية التي تأسست عليها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية. قد يرى البعض فيه ملامح الاستقلال المالي والصناعي، بينما يرى فيه آخرون خطراً يهدد الحريات الشخصية والحقوق المكتسبة.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم:

هل نحن على أعتاب أمريكا جديدة بالفعل، أم أن “أمريكا ترامب” لن تكون سوى حلم قصير في ذاكرة التاريخ؟

الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن ما هو مؤكد أن الشرارة انطلقت، والمواجهة الكبرى قد بدأت.

للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

المغرب والصين: إنشاء مصنع لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية العالمية

الرباط في 29 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: تاريخ صناعي جديد في 25 يونيو …

عقول تحت الحصار: كيف يحولنا “التشتت الرقمي إلى مستهلكين بلا وعي”؟

الرباط في 25 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: حين لا نملك وقتًا للفهم في …

نبوءات محمد صديق أفغان 2027: انهيار أمريكا، حرب نووية، تنبؤات دقيقة أم خيال علمي؟

الرباط في 18 يونيو 20258 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: ما الذي يدفعنا لتصديق التنبؤات الكارثية؟ …

مغزى اختيار المغرب من طرف إيلون ماسك: استراتيجية طموحة وآفاق واعدة

الرباط في 17 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري في خطوة استراتيجية لافتة، أعلن إيلون ماسك، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *