الاقتصاد المغربي في 2024: بنك المغرب يتحدث بصراحة، وهذه حقيقة وضعنا المالي والنقدي

الرباط في 31 يوليو 2025

بقلم بسيم الأمجاري

 مقدمة

في يوم 29 يوليوز 2025، قدّم والي بنك المغرب، السيد عبد اللطيف الجواهري، أمام جلالة الملك محمد السادس تقريرًا شاملًا حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية للمملكة برسم سنة 2024.

هذا التقرير شمل قراءة معمّقة لمختلف المؤشرات الكبرى وعكس مستوى التوازن النسبي رغم الظروف المناخية والجيو‑سياسية الصعبة، مما يؤطر بوضوح سياسة المملكة تجاه الأمن الاقتصادي والاجتماعي.

1. النمو الاقتصادي: نمو متواضع لكن مستقر

  • حقق الاقتصاد الوطني نموًا ربع سنويًا بحوالي 3.8٪ خلال سنة 2024 مقارنة بـ 3.4٪ في 2023، وفقًا لتقرير بنك المغرب.
  • وقد عزّز من هذا النمو الأداء القوي للقطاع غير الزراعي بنسبة نمو يُقدّر بـ 3.8٪، خصوصًا في الصناعة والخدمات، رغم تراجع الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف والانخفاض الحاد (‑43٪) في إنتاج الحبوب.

عوامل داعمة للنمو

من أهم العوامل التي دعمت هذا النمو:

  • الطلب الداخلي القوي.
  • انتعاش الاستثمار (القطاع الصناعي والتجهيزات).
  • ارتفاع الناتج الصناعي وتحوّل ملموس نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
  • الانتعاش الجزئي في القطاع السياحي وتحقيق دخل سياحي قياسي.
  • ارتفاع التحويلات من المغاربة المقيمين بالخارج.

معوقات رئيسية:

أما المعوقات، فيمكن أن نحصر أهمها فيما يلي:

  • تعويض ضعف الانتاج الزراعي يواجه تحدياً، خاصة في الوسط القروي.
  • الطلب المحلي لم يتعاف بالكامل في حين أن ثقة المستهلكين بقيت منخفضة.
  • نسبة التشغيل ظلّت منخفضة خاصة في قطاع الشباب والنساء.

2. التضخم والسياسة النقدية: كبح للأسعار وتحريك لأسعار الفائدة

  • سجل معدل التضخم السنوي 0.9٪ في عام 2024، بعد بلوغه 6.1٪ في 2023، نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية والضغوط المستوردة.
  • استجاب بنك المغرب بتخفيض نسبة الفائدة الرئيسية على مرحلتين بداية من يونيو ومرّة أخرى في ديسمبر، حيث نزل المعدّل من حوالي 3.0٪ إلى 2.25٪ بحلول مارس 2025.
  • الهدف من هذا التخفيف النقدي هو دعم الانتعاش الاقتصادي وتحفيز الاستثمار وجعل الاقتراض أكثر جاذبية.

إشارات إيجابية:

  • التضخم تحت السيطرة وما يزال ضمن النطاق المستهدف (أقل من 2٪).
  • البنك المركزي قادر على الاستجابة بسرعة بالتعمق في التحفيز النقدي عند الضرورة.

مخاطِر:

  • هشاشة القطاع الزراعي قد تؤدي إلى تقلبات في أسعار الغذاء.
  • استمرار الضغوط الخارجية قد يفرض تحديات جديدة للتضخم.

3. المالية العامة: تقليص العجز وإرساء الانضباط

  • سجّل العجز المالي 3.9٪ من الناتج الداخلي الخام في 2024، وهو أدنى من النسبة المُستهدفة في قانون المالية، بفضل ارتفاع الإيرادات الضريبية وامتصاص التمويلات المبتكرة.
  • نسبة الدين العمومي إلى الناتج المحلي الإجمالي تتجه نحو الانخفاض التدريجي، من مستوى حوالي 68–69٪ في 2024 نحو مستويات تقل تدريجياً في السنوات المقبلة.
  • حكومة المغرب مستمرة في الإصلاح الهيكلي لقانون المالية، مع تعويل على قاعدة جديدة للعرض الوسطي للدين العمومي والتعامل مع دعم مؤسسات الدولة الجزئية.

 نتائج:

  • تحسن كبير وملحوظ في الهيكل المالي.
  • إمكانية توسعة مصادر تمويل خالية من الضغط على الخزينة العامة.
  • تحفيز الثقة لدى المؤسسات الدولية والمستثمرين.

تحديات:

  • تحقيق مزيد من الاستدامة للاقتصاد.
  • ضرورة تحسين كفاءة الإنفاق العام.

4. الحسابات الخارجية: استقرار في الصرف والدين الخارجي

  • سجل الميزان الجاري 1.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 وهو مستوى معتدل نسبيًا، مدعوماً بصادرات متنامية في القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية، رغم تسارع الواردات خاصة للمعدات الاستهلاكية والاستثمارية.
  • الاحتياطيات الرسمية للعملة الصعبة من المتوقع أن تصل إلى قرابة 407 مليار درهم في 2025، تكفي لتمويل حوالي 5.5 شهر من الواردات.
  • اتسم ربط الدرهم بمنطقة الأورو بالتزام واستقرار ضمن نطاق تقلبات بنسبة ±5٪.

إيجابيات

  • وفرة في الاحتياطات الدولية تمنح أمانًا ماليًا.
  • تنوع مصادر الصادرات يقلل من المخاطر.
  • استقلالية الطلب على الدولار الأمريكي ضمنيًا.

محفّزات:

  • أي اضطراب مستقبلي في أسعار الطاقة أو الغذاء يمكن أن يضغط على الاستقرار الخارجي.
  • الضغط على الواردات قد يرتفع إذا ما وُضعت عقوبات أو تعريفات جمركية.

5. سوق الشغل والتضامن الاجتماعي: جهود لتحسين التشغيل

  • ظلّ معدل البطالة مرتفعًا بحوالي 13.3٪ في 2024، مع تفاقم البطالة لدى الشباب والنساء والخريجين حديثًا.
  • تم خلق ما يقارب 82.000 وظيفة جديدة في القطاع الحضري فقط، وهو عدد جيد نسبيًا لكنه ما زال لا يغطي نمو القوى العاملة.
  • على الرغم من ارتفاع عدد الوظائف، الفجوة ما بين نمو السكان النشطين والتوفير الفعلي للعمل لا تزال واسعة (نمو السكان +10٪ في العقد الأخير مقابل +1.5٪ فقط في الوظائف).

تحركات إيجابية:

  • الحكومة تعمل على إصلاحات هيكلية لتعزيز ريادة الأعمال والاستثمار.
  • خلق وظائف في القطاعات الذاتية والخدماتية المتقدمة.

التحديات:

  • ضرورة التركيز أكثر على دمج النساء والشباب في سوق العمل.
  • تقليص الفجوة بين العرض والطلب في القوى العاملة بشكل هيكلي.

6. القطاعات المحورية والديناميات القطاعية

الصناعة والتصدير:

  • قطاع التصنيع والقطاعات التحويلية نما بوتيرة قوية: الصناعات الكيماوية، استخراج الفوسفاط والبناء، والإلكترونيات.
  • القطاع الصناعي ساهم بنسبة كبيرة في النمو غير الزراعي (القطاع الثانوي ضمن الاقتصاد).
  • توجّه المغرب نحو تصنيع المركبات الكهربائية والبطاريات من خلال شراكات جديدة (مثل مشروع تينسي في الجرف الأصفر مقابل 2.8 مليار درهم).

الزراعة:

  • تأثّرت بشدة بالجفاف، وتراجعت بنسبة تناهز 4.9٪ من الناتج الزراعي في الأشهر التسعة الأولى من 2024.
  • رغم الإمكانات، الإنتاج لا يزال هشًا ويحتاج لتحديث وإصلاحات في أنظمة الري والزراعة الذكية.

السياحة والتحويلات:

  • القطاع السياحي سجّل أرقامًا قياسية في الإيرادات وعدد الزوار خلال 2024.
  • تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ارتفعت بشكل ملحوظ وساهمت في توازن الحساب الجاري وتحسين الطلب الداخلي.

7. آفاق المستقبل: نحو تعزيز النمو والمرونة

توقعات النمو:

  • يُتوقع أن يصل النمو إلى 3.9٪ في 2025 حسب توقعات صندوق النقد الدولي، و3.6٪–4.3٪ حسب البنك العالمي وبنك المغرب.

الإصلاحات الهيكلية:

  • توصيات IMF تؤكد على اعتماد إطار استهداف التضخم لتوجيه السياسة النقدية والتخطيط الاقتصادي بشكل أكثر فعالية.
  • كما أوصى بتوسيع القاعدة الضريبية والتقليل من دعم مؤسسات الدولة لخفض الدين العام وتعزيز المرونة المالية.

التعامل مع المناخ والتحديات البيئية:

  • الإصلاحات المرتبطة بمواجهة آثار تغير المناخ تشمل تحسين إدارة الموارد المائية وتنظيم أسعار الكهرباء والطاقة المتجددة.

تحديات التشغيل والتوزيع:

  • تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل.
  • التحول نحو اقتصاد رقمي يتطلب مهارات متقدمة.
  • الحد من الأبعاد الاجتماعية للبطالة، خاصة بين الشباب.

خلاصة وخاتمة

الآفاق المستقبليةالوضع العام في 2024المحور
نموّ3.8٪ نمو محقق رغم الجفاف~3.8‑4٪ مستهدف في 2025–2026
تضخم0.9٪ فقطمستهدف نحو 2٪ في 2026
نسبة الفائدةانخفاض إلى 2.25٪سياسة نقدية مرنة إذا تطلب الأمر
العجز المالي3.9٪ من PIBنحو أقل من 4٪ مستدام
البطالة13.3٪على الحكومة معالجة البطالة الشبابية
الحساب الخارجيعجز محدود بنسبة ~1.7٪احتياطات كافية وأكثر استدامة متوقعة
القطاعاتانتعاش غير زراعي وتحسن السياحةاعتماد أكبر على الصناعة والخدمات عالية القيمة.

بإجمال، نجح الاقتصاد المغربي في الثبات بمواجهة تقلبات مناخية والتحديات العالمية، عبر مرونة في السياسة النقدية، وتحسّن في المالية العامة، وتفعيل للإصلاحات.

ومع المناخ الاستثماري الإيجابي والاستراتيجية التنموية المدروسة، يبدو المستقبل واعدًا بشرط الإبقاء على زخم الإصلاحات، التركيز على التشغيل، والاهتمام بالاقتصاد الأخضر والرقمي. للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

كيف يؤثر المشي على صحتك وينقذك من الكولسترول القاتل؟

الرباط في 18 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري  مقدمة: حين يتحول الجسد من خمول مرضي …

ذكرى استرجاع وادي الذهب: من محطة التحرير إلى نموذج التنمية والريادة الأطلسية

الرباط في 13 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري المقدمة: وادي الذهب، من بيعة 14 غشت …

رئيس لبنان يُلقي درسًا في الأخوة العربية: لا تدخل إلا لدعم التضامن العربي والاحترام المتبادل

الرباط في 2 غشت 2025 بقلم بسيم الأمجاري المقدمة في زيارة رسمية بارزة، زار الرئيس …

العبقرية المُغيَّبة: لماذا تعجز مجتمعاتنا عن تمكين العقول المفكّرة وتتعمد نشر التفاهة؟

الرباط في 29 يوليو 2025 بقلم بسيم الأمجاري المقدمة الفرق بين تكريم العبقرية وإهمالها لا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *