
الرباط في 13 يونيو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
مقدمة: حركة “رمح الأمة”… صدمة سياسية وتحدي للنخب
في 11 و12 يونيو 2025، أثار حزب “رمح الأمة” (MK Party)، بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، زلزالاً دبلوماسيًا بإعلانه دعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب كحل “واقعي ونهائي” لقضية الصحراء المغربية.
يُعد هذا الموقف تغييرًا جذريًا لسياق العلاقات الدولية التي اتخذت بُعدًا تاريخيًا بين جنوب إفريقيا والمغرب، وتوقعاته تتمظهر في انعكاسات محلية ودولية هامة.
السياق التاريخي والمواقف التقليدية
1. دعم جنوب إفريقيا لحركة البوليساريو
طيلة عقود، كانت جنوب إفريقيا، تحت قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، من أنصار وجهة نظر الجزائر وصنيعته البوليساريو، معتبرة الصحراء “آخر قلاع المقاومة الإفريقية ضد الاستعمار”.
- في 2004، أقامت جنوب إفريقيا علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية البوليساريو.
- مثلت هذه العلاقات امتدادًا لروح التضامن والتعاون بين الجزائر وجنوب إفريقيا، واستُخدمت كأداة ضغط ضد المغرب دبلوماسيًا.
2. الموقف المغربي المتغير
منذ سنة 2007، اقترح المغرب خطة للحكم الذاتي للصحراء تحت سيادته، وأكد أنها “الحل الواقعي الوحيد”.
- حصل الاقتراح على دعم من دول كـالولايات المتحدة (2020)، فرنسا وإسبانيا (2022)، والمملكة المتحدة (يونيو 2025)، وعدة دول أفريقية غربية مثل كينيا (مايو 2025)، وغانا (يونيو 2025).
- يشير هذا الدعم الدولي المتزايد إلى تحول فعال في الاعتراف الخارجي للموقف المغربي.
حزب “رمح الأمة”: قراءة جديدة لمسار السياسة الخارجية
1. خلفية الحزب وزوما
- حزب “رمح الأمة” أو MK Party، هو حزب جديد أسسه جاكوب زوما، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، وظهر كبديل داخلي يعارض توجهات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC.
- يمثل هذا الموقف رفضا واضحا للنهج التقليدي الذي تبناه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الحاكم، والذي ظلّ لعقود يدعم جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ويدعو إلى “استقلال الصحراء” عن المغرب.
- الاعتراض الأساسي للحزب يتركز على أن سياسة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC لم تعد تتماشى مع مصالح جنوب إفريقيا في إفريقيا والعالم.
2. مواقف مكتوبة
- في وثيقة رسمية، أكد حزب “رمح الأمة” أن لقبائل الصحراء منبثقة من “العرش العلوي المغربي”، وأن المسيرة الخضراء 1975 كانت “استعادة سلمية للأرض”.
- وصفوا الحكم الذاتي كحلّ يجمع بين السيادة والمصالحة وتقرير المصير لـ “جميع الأطراف”، بما يعزز الأمن والاستقرار الإقليمي.
- اقترحوا شراكة استراتيجية في مجالات التجارة، الأمن، التعليم، والاقتصاد بين المغرب وجنوب إفريقيا، خاصّة في إطار منطقة التجارة الحرة الإفريقية.
3. رسالة رمزية وتحدّ للأعراف
- موقف الحزب يكسر نمط السياسة التقليدي لـحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC، الذي اعتُبر أن ثباته السياسي تحوّل إلى عبء واقعي يعيق الانخراط في الدفاع عن مصالح إفريقيا التي تتجه نحو إعادة التوازن.
- التحدي يكمن في إعادة تأطير القضية ليس كقضية تنازع بشأن إقليم، بل كضرورة استراتيجية لمصلحة القارة، ما يُعطي المغرب “ديناميكية جديدة” في الصراع.
هل الأمر يتعلق ببداية تحول فعلي أم تراشق إعلامي؟ قراءة رمزية تمتد للواقع
1. قوة رمزية… وتحديات قانونية
- حزب “رمح الأمة” ليس طرف مشاركا في الحكومة لكنه ثالث قوة سياسية، وهو ما يضخّ شرارة الجدال داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي حول المرجعية الرسمية للسياسة الخارجية.
- وفق القانون، السياسة الخارجية الرسمية تحددها الحكومة، ولا تؤثر عليها مواقف أحزاب المعارضة إلا بتغيير حكوميٍ بارز.
2. انعكاسات محتملة في جنوب إفريقيا
- يمكن أن يخضع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لضغوط متزايدة لإعادة مواقفه، خصوصًا بعدما انضم حزب “رمح الأمة” لنهج براغماتي يدعم بناء تحالفات اقتصادية مع المغرب.
- دعم الحكم الذاتي للمغرب قد يصبح “أصل تفاوضي” إذا قرّر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مواجهة فقدانه لمرجعيته أمام تيارات داخلية جديدة.
3. طرف البوليساريو والمتعاطفون معهم
- مواقف الجزائر و حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب إفريقيا بقيت ثابتة، تأسيسًا على سردية مقاومة الاستعمار ودعم الشعوب في تقرير مصيرها.
- تحوّل حزب “رمح الأمة” أحدث انشقاقًا داخل الإجماع السياسي في جنوب إفريقيا، ما قد يضع الجميع أمام تحدّي إعادة بناء خطاب وطني جديد متوازن بين القيم والمصالح.
كيف ينظر نظام الجزائر لهذا التحوّل؟
1. نظرة استراتيجية باردة
- الجزائر تعتبر الحكم الذاتي “تآمر مغربي”، وتسعى لتعميق عزلة المغرب الدولي عبر تحدي خطاب جنوب – جنوب.
- دعم حزب “رمح الأمة” يمثل خرقًا في الجدار الداعم للبوليساريو، واستقلال المعارضة عن تحالفات ما بعد التحرر قد يعني إعادة تفكّك تحالفات ما بعد الاستعمار.
2. ردة فعل محتملة
- الجزائر قد ترد، ولو عبثا، على هذا التحوّل عبر تعزيز تحالفاتها الإعلامية والدبلوماسية مع دول داعمة للبوليساريو (مثل بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء أو دول في أميركا اللاتينية).
- قد تجري أيضًا مراجعة علاقاتها مع الدول المؤيدة للحكم الذاتي كفرنسا، عبر ضغوط اقتصادية.
مؤشرات عالمية: جزء من موجة أم ظاهرة معزولة؟
1. زخم عالمي لصالح الحكم الذاتي
- دول كبرى وفاعلة بدأت تعترف بخيار الحكم الذاتي: الولايات المتحدة (2020)، إسبانيا وفرنسا (2022). مؤخرا، التحقت بركب هذه الدول، كل من كينيا، بريطانيا، غانا.
- هذا الدعم الدولي المتزايد يظهر تحولًا واضحًا تجاه النزاع، حيث بات الحكم الذاتي هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق، والنأي بصعوبة عن واقع التكتلات الإقليمية والدولية.
2. هل يعتبر موقف حزب “رمح الأمة” توجهًا براغماتيًا؟
- رؤية جريدة Eurasia Review تؤكد أن الحزب يرى في الحكم الذاتي “حلًا عمليا، لا أيديولوجيا قديمة” تعبر عن رغبة إفريقيا في الاستقرار والتنمية بدل الانزواء.
- كلما زادت الدول التي تبنّت هذا النهج، كلما زاد الضغط الداخلي على الدول التي ظلت في مربع أيديولوجي انعزالي.
خسارة رهان أم تأخر استراتيجية؟
1. هل سيكون رأيًا فقط؟
يمكن في هذا الإطار، إبداء ما يلي:
- الحزب هو جزء من المعارضة، ما قد يرى البعض أنه يحد من تأثيره المباشر.
- لكن، خروج هذا الموقف عن السطوة الأحادية لـحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC يُعطي زوما المعارض ومن خلفه سياقًا للتشكيك في خطاب ANC أمام الناخبين وجمهوره، وربما فتح ثغرات لإعادة التفاوض داخل السياسات الخارجية.
2. الطموحات المشتركة… والشراكة الاقتصادية
- المغرب قدم شراكة اقتصادية هامة بقيت كثمرة استراتيجية: تدشين القطار الفائق ونمو التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات.
- جنوب إفريقيا قد تتموقع كحليف اقتصادي مهم لصالح المغرب، ويبدو أن حزب “رمح الأمة” مدرك لهذه القيمة، ما يدفع باتجاه إرغام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على إعادة تقييم العلاقة.
متى تصبح الرموز واقعًا؟
1. نقطة البداية نحو إعادة التوازن
- أحدث حزب “رمح الأمة” شرخًا داخل الإجماع التاريخي، وبدا كمنطقة تفاوض جديدة تُروّج للحكم الذاتي كخيار استراتيجي وقاري.
- حتى لو بقي موقفه غير رسمي لوجوده خارج الحكومة، فهو يفرض وجوده في النقاش العام.
2. تطور “السرد السياسي” هو الأساس
- إذا سارت الأمور نحو تفعيل التجارة، والشراكات التي يوصي بها حزب “رمح الأمة”، سيجد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي موقفه “الأيديولوجي” لا يتماشى مع تطلعات الجسم الشعبي.
- في مثل هذا الحال قد تتحول كلمة حزب “رمح الأمة” إلى أداة ضغط نحو مواقف حكومية جديدة.
3. النموذج المغربي ينتقل من مجال القانون الدولي إلى مجال التواصل الذكي
- يأخذ الحكم الذاتي أهميته من قبوله كحلّ استراتيجي عملي، دون انتزاع الحقوق، أو الإخلال بالمصالح.
- استفاد هذا الخطاب من دعم دول كبرى وأصبح يشكل اختراقا دبلوماسيًا فعلًيا، لا فقط نظريًا.
خاتمة: ما الذي ينبغي متابعته الآن
في النهاية، ما شهده الحزبان بجنوب إفريقيا، حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (الحاكم) وحزب “رمح الأمة” (المعارض)، يمثل معركة سردية دبلوماسية بين خيارين: خيار استقلال البوليساريو، أو خيار الحكم الذاتي المغربي.
وإن كان الحكم الذاتي يبدو اليوم الأكثر واقعية، فإن احتضانه من قبل حزب معارض بجنوب أفريقيا يطرح احتمالاً لحراك أكبر داخل السياسة الخارجية لهذه الدولة، وفرصة لتغيير موازين القوى لصالح المغرب، وتوظيف التحوّلات الاقتصادية كبوصلة جديدة لقرار سياسي يعود بالفائدة على العلاقات الإفريقية والمصالح المشتركة. للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com