إسرائيل وإيران على حافة الهاوية: هل نحن على أعتاب حرب كونية وإعادة رسم الخرائط؟

الرباط في 16 يونيو 2025

بقلم بسيم الأمجاري

مقدمة

تصاعدت في الأيام الأخيرة حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران وتوالي تبادل الهجمات المباشرة بينهما، وهو حدث نادر في تاريخ الصراع بين البلدين.

هذه التطورات الخطيرة جاءت بعد تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حذر فيها من امتلاك دول إسلامية مثل إيران وباكستان للسلاح النووي.

دخول باكستان في خط الحرب بإعلان دعمها الواضح لطهران، يطرح تساؤلاتٍ كبرى حول إمكانية تحول هذا الصراع إلى مواجهة إقليمية أوسع، أو حتى حرب عالمية تشمل قوى نووية مثل باكستان والهند وروسيا والغرب.

فهل نحن أمام بداية حربٍ ستُعيد رسم التحالفات الدولية؟ وهل يمكن أن تتحول باكستان إلى طرف فاعل في الصراع؟

وهل سنشهد إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية كما حدث بعد الحربين العالميتين السابقتين؟

المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية: من الحرب بالوكلاء إلى التصعيد المباشر 

جذور التوتر: إيران وباكستان وإسرائيل

تصريحات نتنياهو بالتحذير من امتلاك دول إسلامية لأسلحة الدمار الشامل لم تأتِ من فراغ، بل تعكس مخاوف إسرائيل العميقة من أي قوة إقليمية تمتلك قدرات نووية قد تهدد أمنها.

إيران، التي تواجه عقوبات غربية وحصاراً دبلوماسياً، تعتبر أن امتلاكها تقنيات نووية هو حق سيادي.

بينما باكستان – القوة النووية الإسلامية الوحيدة – ترى في تصريحات نتنياهو تهديداً مباشراً قد يضعها في مرمى الاستهداف مستقبلاً.

الصراع بين إسرائيل وإيران لطالما دار عبر وكلاء في لبنان وسوريا واليمن، لكن الضربة الإيرانية المباشرة على إسرائيل (أبريل 2024) كانت نقطة تحول خطيرة، لأنها كسرت حاجز “الردع غير المباشر”. وردت إسرائيل بضربات مماثلة، مما يطرح سيناريوهين:

  • إما أن يتصاعد الأمر إلى حرب شاملة (خاصة مع تهديدات إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية).
  • أو يتراجع الطرفان تحت ضغط الضمانات الأمريكية والدولية (لكن مع بقاء جذور الصراع مشتعلة).

السيناريو الباكستاني:

تصريحات نتنياهو التي ذكرت باكستان بالاسم إلى جانب إيران في تحذيراته من “الأسلحة النووية الإسلامية” أثارت حالة من القلق في إسلام أباد، لأنها تعني:

  • أن باكستان قد تكون الهدف التالي بعد إيران في حال نجاح إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
  • أن الغرب (خاصة الولايات المتحدة) قد يزيد ضغوطه على باكستان لنزع سلاحها النووي أو فرض عقوبات كما حدث مع إيران.

لهذا السبب، تعتبر إسلام أباد أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيشكل سابقة خطيرة، مما يدفعها إلى اتخاذ موقف حازم لدعم طهران، ليس تضامناً فحسب، بل حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية.

كما أن هذا الدعم تحذيرٌ واضح للغرب وإسرائيل بأن الحرب ضد إيران قد تفتح جبهةً جديدة في جنوب آسيا، خاصة أن باكستان:

  • تمتلك ترسانة نووية ضخمة.
  • تربطها بإيران تحالفات استراتيجية (مثل مشروع “أنبوب الغاز باكستان-إيران”).
  • تعتبر أن الأجندة الإسرائيلية تهدد أمنها القومي بعد تصريحات نتنياهو.

 باكستان في المعادلة: لماذا تخشى إسلام أباد من التصعيد؟

السيناريو الأكثر خطورة:

إذا تدخلت باكستان عسكرياً إلى جانب إيران (ولو بشكل محدود)، فقد:

  • تتدخل الهند لاستغلال الوضع وتوجيه ضربة لباكستان تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
  • تدخل الصين وروسيا على خط المواجهة لدعم حلفائهما، مما قد يفجر صراعاً بين المحورين الشرقي والغربي.

هل نحن على أعتاب حرب عالمية؟ تحليل السيناريوهات

لا يمكن الجزم بأننا على حافة حرب عالمية، غير أن المؤشرات تنذر باحتمال تصعيد واسع النطاق إذا لم تُدار الأزمات بحكمة.

من بين هذه المؤشرات:

تصدع النظام الدولي:

تراجع الهيمنة الأمريكية وصعود قوى مثل الصين وروسيا يخلق فراغاً قد يملأه الصراع.

تسليح غير مسبوق:

السباق نحو التسلح النووي والتقنيات العسكرية المتطورة يجعل أي مواجهة كارثية.

الشعوب على خط النار:

في حال اندلاع حرب شاملة، ستكون الدول الضعيفة والشعوب الفقيرة الأكثر تضرراً، كما قد تختفي كيانات سياسية لتظهر أخرى جديدة.

والملاحظ أن المشهد الحالي يشبه إلى حد كبير ظروف ما قبل الحربين العالميتين، حيث:

  • التحالفات متشابكة (إيران-باكستان-روسيا-الصين في مواجهة إسرائيل-أمريكا-الدول أوروبا الغربية -الهند).
  • السلاح النووي حاضر (9 دول نووية، بعضها في قلب الصراع مثل باكستان وإسرائيل).
  • النظام الدولي يعاني من تصدع (ضعف الأمم المتحدة، وتصاعد النزعات القومية).

ولعل من أبرز السيناريوهات المحتملة:

الحرب المحدودة:

تهدئة سريعة بضغط أمريكي/دولي، لكن مع استمرار الحرب الباردة بين المحاور.

الحرب الإقليمية الشاملة:

 اشتباك مباشر بين إسرائيل وحزب الله وإيران، مع تدخل خفي من باكستان.

الكارثة النووية:

 إذا فقدت إحدى الدول السيطرة (مثل باكستان أو إسرائيل) وضربت خصمها بقنبلة نووية.

تأثير الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الاقتصاد العالمي: هل ينفجر سوق النفط؟

أي استمرار في التصعيد بين إسرائيل وإيران قد يُشعل أزمة اقتصادية عالمية، خاصة مع احتمالية تأثر الملاحة التجارية بمضيق هرمز (يمر عبره 30% من نفط العالم) أو توقف إمدادات إيران النفطية.

المشهد الأسوأ سيكون:

  • ارتفاع جنوني لأسعار النفط (قد يتجاوز 150 دولاراً للبرميل).
  • انهيار سلاسل التوريد بسبب اضطراب الملاحة في الخليج.
  • موجة تضخم تضرب أوروبا وآسيا، مما يزيد معاناة الاقتصادات الهشة.

الخطر لن يكون نفطياً فحسب، بل قد يتحول الصراع إلى “أزمة كساد عالمي” إن طال أمد الحرب.

التحالفات المتشابكة: الغرب في مواجهة محور المقاومة

تقف الولايات المتحدة وحلف الناتو بوضوح إلى جانب إسرائيل في هجومها على إيران. بينما تدعم روسيا والصين – بشكل غير مباشر – وباكستان محور المقاومة المتمثل في إيران وحلفائها. هذا الانقسام ليس جديداً، لكنه يتخذ أبعاداً أكثر خطورة في ظل الأزمات المتلاحقة:

  • الحرب الأوكرانية: الصراع بين روسيا والغرب، ولا سيما الدول الغربية، لا يزال مشتعلاً، وقد يمتد إلى مناطق أخرى إذا تصاعدت المواجهة مع إيران.
  • التوتر في آسيا: التنافس بين الهند (المدعومة غربياً) وباكستان (القريبة من الصين) يزيد من تعقيد المشهد.

إعادة رسم الخرائط: سيناريوهات محتملة في حال اندلاع الحرب

إذا اندلعت حرب كبرى، فقد تشهد الخريطة الجيوسياسية تغييرات جذرية، مثل:

  • انهيار إيران (إذا تعرضت لضربات أمريكية وغربية/إسرائيلية مكثفة).
  •  تفكك باكستان (بسبب الضغوط الاقتصادية والتهديد الهندي).
  • ظهور تحالفات جديدة (مثل محور تركي-إيراني-باكستاني بمواجهة المحور العربي-الإسرائيلي).
  • تغيير حدود إقليمية وترسيم حدود جديدة في الشرق الأوسط (مثل لبنان أو سوريا أو اليمن)، خاصة إذا انهارت أنظمة أو انتصرت حركات انفصالية أو انتشرت الحروب الأهلية المصاحبة.

الخاتمة: هل من مخرج؟

التاريخ يعلمنا أن الحروب الكبرى غالباً ما تنتج عن سوء تقدير وتراكم الأخطاء.

اليوم، العالم بحاجة إلى حوار جاد يضمن حقوق جميع الأطراف دون تهديد الأمن العالمي. إذا فشلت الدبلوماسية، فقد نكون أمام حقبة جديدة من الفوضى، تُعيد تشكيل العالم الذي نعرفه اليوم.

التصعيد الحالي خطير بكل تأكيد، لكن التاريخ يُظهر أن الحروب الكبرى يمكن تجنبها إذا توفرت:

  • حكمة القادة (الابتعاد عن الخطاب التحريضي، كما فعلت مصر وإسرائيل بعد 1973).
  • ضغط الشعوب (المطالبة بالسلام عبر الاحتجاجات السلمية).
  • دور وساطة دولي (ربما تقوم به الصين أو روسيا أو دول أخرى محايدة).

لا نتمنى حرباً، لكن علينا أن نقرأ التحذيرات بعين مفتوحة. المستقبل ليس محتوماً، والقدرة على تغييره لا تزال بين أيدي القادة والشعوب.

البشريّة لا تستطيع تحمل حرباً كونية ثالثة. فهل نتعظ من التاريخ أم نكرر أخطاءه بغباء تدفع ثمنه الأجيال القادمة؟

للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com

شاهد أيضاً

نبوءات محمد صديق أفغان 2027: انهيار أمريكا، حرب نووية، تنبؤات دقيقة أم خيال علمي؟

الرباط في 18 يونيو 20258 بقلم بسيم الأمجاري مقدمة: ما الذي يدفعنا لتصديق التنبؤات الكارثية؟ …

مغزى اختيار المغرب من طرف إيلون ماسك: استراتيجية طموحة وآفاق واعدة

الرباط في 17 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري في خطوة استراتيجية لافتة، أعلن إيلون ماسك، …

الخلود الرقمي: هل يمكن أن يخلد الإنسان في ذاكرة الذكاء الاصطناعي؟ (الجزء الثاني)

الرباط في 12 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري في الجزء الأول من هذا المقال، (نشرناه …

الخلود الرقمي: هل يمكن للإنسان أن يخلد في ذاكرة الذكاء الاصطناعي؟ (الجزء الأول)

الرباط في 11 يونيو 2025 بقلم بسيم الأمجاري ضمن سلسلة قضايا وملفات، نشارك قراء مدونة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *