
الرباط في 23 يونيو 2025
بقلم بسيم الأمجاري
مقدمة: نهاية حقبة شرق أوسطية دامت لسنين؟
شهد الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية عميقة في السنوات الماضية، غير أن الضربات الأمريكية–الإسرائيلية الأخيرة لإيران قد تمثل نقطة تحول حاسمة في إعادة رسم موازين القوى الإقليمية.
فبعد سنوات من التمدد الإيراني والوجود الروسي في سوريا والعراق ولبنان واليمن، بات من المحتمل أن تتبدل معادلة النفوذ تحت وقع ضربات عسكرية واستخباراتية ممنهجة.
فهل نشهد بالفعل بداية أفول النفوذ الإيراني–الروسي؟ أم أن ما يحدث ليس سوى انتكاسة مؤقتة في صراع طويل الأمد؟ وكيف يمكن لهذه التطورات أن تؤثر على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي؟
يحاول هذا المقال تقديم قراءة تحليلية للأبعاد الاستراتيجية للضربات الأخيرة، ويستعرض السيناريوهات المحتملة لمستقبل المنطقة في ظل تحولات بنيوية كبرى.
1. الخلفيات: التحالف الإيراني–الروسي ومحاولات الصمود
1.1 تحالف الضرورة: العلاقات الروسية–الإيرانية في الشرق الأوسط
شكّلت إيران وروسيا، على مدى عقود، حلفًا استراتيجيًا لمواجهة النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
ففي أعقاب الحرب السورية، عززت موسكو وجودها العسكري في سوريا، فيما وسّعت طهران نفوذها عبر وكلائها الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
وقد استند هذا التحالف إلى:
- الدعم العسكري والتكنولوجي الروسي لطهران؛
- تنسيق استخباراتي ميداني في سوريا والعراق؛
- مواجهة مشروع السيطرة الأمريكية–الإسرائيلية في المنطقة.
1.2 تراجع نفوذ الأسد: من النصر إلى الهشاشة
رغم انتصار نظام بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية بمساعدة روسيا وإيران، إلا أن الضغوط الاقتصادية والضربات الإسرائيلية المستمرة أضعفت قدرته على الصمود.
العقوبات الغربية شلّت الاقتصاد السوري، في حين قلصت الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا من فعالية طهران العسكرية هناك.
كما أن دعم عدة دول لقوات المعارضة عجّل بتدهور سلطة الأسد وأدى في النهاية إلى رحيله، فاتحًا الباب أمام سيناريوهات معقدة.
2. الهجمات المتسلسلة: تفكيك المحور الإيراني في المنطقة
1.2 استهداف قوات حزب الله في لبنان
شنت إسرائيل سلسلة غارات دقيقة على مواقع حزب الله في لبنان، استهدفت تصفية قادته وتدمير قواعده ومخازن أسلحته وصواريخه، في محاولة للحد من فاعليته العسكرية وتحجيم دوره الإقليمي.
2.2 الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا
الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية لم تتوقف منذ ما قبل سقوط نظام الأسد، واستهدفت الخبراء الإيرانيين، ومصانع الأسلحة، وممرات تهريب الصواريخ إلى لبنان وغزة.
استمرت هذه الغارات بعد سقوط نظام الأسد بهدف القضاء على أنظمة الدفاع الجوي، مما جعل القوات الجوية الإسرائيلية تستبيح المجال الجوي السوري دون مقاومة.
ومع غياب منظومات الدفاع الجوي بعد انهيار النظام السوري السابق، باتت إسرائيل تسيطر جويًا، منفذة ضربات دقيقة وصلت إلى عمق الأراضي الإيرانية.
2.3 قصف مواقع الحوثيين في اليمن
ردًا على هجمات الحوثيين ضد إسرائيل دعمًا لحماس، شنت الولايات المتحدة وإسرائيل غارات على مواقع عسكرية في اليمن بهدف تدمير بنيتها العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ.
لكن غياب معطيات ميدانية دقيقة حال دون القضاء التام على قدرات الحوثيين، الذين لا يزالون يحتفظون ببعض قدراتهم الهجومية.
2.4 العدوان الإسرائيلي على غزة
منذ هجوم 7 أكتوبر 2024، شن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية واسعة على قطاع غزة، دمرت خلالها البنى التحتية المدنية، وقتلت الآلاف بمن فيهم مدنيون، وقضت على عدد كبير من قادة حماس، في محاولة لتصفية مشروع بناء الدولة الفلسطينية.
2.5 ضربات مباشرة في العمق الإيراني
بدأت هذه الهجمات بشكل تصاعدي، حيث تمكنت إسرائيل على مراحل مختلفة من السنة الماضية من تنفيذ عمليات اغتيال لقادة عسكريين وعلماء إيرانيين، وبعض قادة حماس داخل الأراضي الإيرانية اعتمادا على معطيات استخباراتية دقيقة.
وفي صباح يوم الجمعة 13 يونيو 2025، أعلنت السلطات الإيرانية، مقتل عدد من القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين في هجمات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع متعددة في أنحاء البلاد، بما فيها العاصمة طهران ومدن أخرى كبرى.
من جهته، أكد الجيش الإسرائيلي أن عشرات المقاتلات نفذت “ضربة افتتاحية” في قلب إيران، تلتها هجمات وضربات أخرى، مشيرا أن 200 مقاتلة شاركت في الهجوم على إيران وضربت نحو 100 هدف في مناطق إيرانية مختلفة.
3. الرد الإيراني: صواريخ ومسيرات ومعركة تكنولوجية
أطلقت إيران صواريخ ومسيرات باتجاه العمق الإسرائيلي، وأصابت مواقع في تل أبيب ومناطق أخرى، محدثة دمارًا واسعًا.
وقد شملت الردود الإيرانية استخدام صواريخ باليستية متطورة مثل:
- صاروخ سجيل: مزدوج المحرك، يصعب رصده ويملك قدرة تدميرية عالية.
- صاروخ فتّاح الفرط صوتي: لا يمكن تعقبه بالرادارات التقليدية.
- صاروخ خرمشهر: متعدد الرؤوس، ويحدث دمارًا هائلًا.
الهجوم الإسرائيلي على إيران ورد طهران على هذا الهجوم يأتي في خضم توتر إقليمي متزايد وتبادل تهديدات متكرر بين تل أبيب وطهران، خصوصاً على خلفية برنامج إيران النووي والدور الإقليمي المتنامي لطهران في عدد من الساحات.
وبينما تتصاعد العمليات العسكرية، يزداد القلق الدولي من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة ذات تداعيات غير محسوبة.
4. الضربة الأمريكية: استخدام قنابل خارقة على منشآت نووية
في 22 يونيو 2025، قصفت القوات الأمريكية منشآت إيرانية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، واستهدفت:
- منشأة نطنز: مركز تخصيب اليورانيوم.
- منشأة سرية قرب أصفهان.
- منشأة فوردو النووية تحت الأرض.
يشير هذا التطور إلى دخول واشنطن بشكل مباشر في المواجهة.
5. هل نحن أمام ولادة شرق أوسط جديد؟
5.1 نهاية النفوذ الإيراني أم مرحلة إعادة تموضع؟
رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها إيران، لا يبدو أنها ستخرج من المعادلة بسهولة. بل قد تسعى إلى:
- تعزيز تحالفاتها مع الميليشيات الإقليمية؛
- اتباع تكتيكات الحرب غير المباشرة؛
- توثيق التنسيق مع روسيا والصين وكوريا الشمالية.
5.2 الهيمنة الأمريكية–الإسرائيلية: إلى متى؟
الضربات الأخيرة منحت واشنطن وتل أبيب تفوقًا مرحليًا، لكن التحديات المقبلة تشمل:
- احتمال تغيّر السياسة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية؛
- استمرار مقاومة الميليشيات الداعمة لإيران؛
- تدخلات محتملة أو دعم من قوى مثل الصين أو كوريا الشمالية.
6. المخاطر والتداعيات المحتملة
6.1 الرد الإيراني والمقاومة الإقليمية
قد ترد إيران بطريقتين:
- هجمات محدودة: عبر وكلائها لتفادي مواجهة مباشرة.
- تصعيد نووي: تسريع البرنامج النووي كورقة ضغط.
6.2 انعكاسات على سوق الطاقة
أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى:
- اضطراب إمدادات النفط من الخليج بسبب احتمال امتداد الحرب إلى مضيق هرمز.
- تضرر اقتصاديات أمريكا والدول الغربية ودول الخليج التي تعتمد في ضمان رفاهية عيشها على تصدير البترول والغاز عبر مضيق هرمز الذي تمر منه حوالي 30 % من نسبة الطاقة في العالم.
- ارتفاع الأسعار عالميًا.
- تأثير سلبي على الاقتصادات الهشة.
6.3 الانقسام الدولي
المنطقة قد تنقسم إلى:
- كتلة غربية- عربية: تدعم الضربات الأمريكية–الإسرائيلية.
- كتلة شرقية وبعض الدول الإسلامية: تقف مع إيران.
7. السيناريوهات المستقبلية: من الضغوط إلى التفاوض
7.1 سيناريو استمرار الضربات الموجعة
إذا استمرت الضربات العسكرية الرامية إلى شل القدرة الهجومية للجيش الإيراني والحرس الثوري، قد تضطر إيران لقبول شروط غربية صارمة مقابل إنهاء الحرب وتخفيف العقوبات.
7.2 انكفاء نووي مؤقت
قد تعلن إيران تراجعا تكتيكيا عن برنامجها النووي لامتصاص الضغوط والحفاظ على النظام القائم وما تبقى من قواته العسكرية. هذا السيناريو قد يؤدي عبر مفاوضات إلى حل مؤقت يتوقف نجاحه على طبيعة المعطيات في أرض الواقع ومصالح مختلف الأطراف في المنطقة.
7.3 سيناريو “الرد الانتقائي والتفاوض المنضبط”
قد تختار طهران ردًا محدودًا وانتقائيا لتحقيق انتصارات وتغيير المعطيات، وخلق حالة نفسية لدى المجتمع الإسرائيلي، ثم تدخل بعد ذلك في مفاوضات جديدة.
7.4 سيناريو الانزلاق إلى مواجهة شاملة
أسوأ الاحتمالات هو حرب إقليمية واسعة تشمل إسرائيل والقواعد العسكرية في المنطقة، وإغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الشرايين الحيوية في منظومة الطاقة العالمية.
هذا السيناريو، من شأنه أن يلحق أضرارا كارثية بالاقتصاد العالمي ويشهد تدخلات لقوات عسكرية من عدة أطراف، منها الموالية لإسرائيل والدول الغربية، وتلك الموالية لإيران، ولا سيما وكلائها في الدول المجاورة.
الخاتمة: شرق أوسط جديد… لكن على حافة الهاوية
الضربات العسكرية الأمريكية–الإسرائيلية الأخيرة غيَّرت المعادلة وأعادت خلط الأوراق، لكنها لم تحسم الصراع.
فإيران وروسيا لا تزالان قادرتين على العودة وفقا لتطور الأوضاع الدولية، بينما الهيمنة الأمريكية والطموحات الإسرائيلية في تغيير خريطة الشرق الأوسط تظل قائمة وتهدد السلام العالمي ووجود عدة دول بالمنطقة.
الأسابيع المقبلة ستكشف إن كنا نعيش بداية شرق أوسط جديد مستقر، أم أننا على أعتاب انفجار كبير.
السؤال الأهم يبقى: هل نشهد نهاية النفوذ الإيراني–الروسي وبداية عصر الهيمنة الأمريكية–الإسرائيلية؟ أم أن المعركة الحقيقية قد تشهد تطورات أخرى؟
للاطلاع على مقالات أخرى، يرجى النقر على رابط المدونة https://moustajadat.com